q

تواجه دول الخليج العربي ازمات ومشكلات اقتصادية كبيرة بسبب استمرار هبوط أسعار النفط العالمية الذي يضغط على المالية العامة لتلك الدول، التي تعتمد بشكل اساسي على صادرات النفط يضاف الى ذلك دخولها في حربا جديد استنزفت الكثير من قدراتها المادية والاقتصادية، وهو ما بعض الحكومات الخليجية الى اجراء اصلاحات اقتصادية محدودة ربما قد تسهم وبحسب بعض المراقبين بزيادة السخط الشعبي ضد هذه الحكومات خصوصا وان المواطن الخليجي قد اعتاد ولعقود طويلة على برامج الرعاية والدعم السخي المقدم من الحُكام والمسؤولين في سبيل الحفاظ على كراسي الحكم والسيطرة، وبحسب بعض الاستطلاعات والتقارير فأن منطقة الشرق الأوسط تشهد حالة من عدم الثقة بسبب التقلبات الاقتصادية الناتجة عن ضعف ثقة المستثمرين، وتقلبات أسعار الفائدة والنفط ثم أخيرا اضطرابات سوق الأسهم. التي ستسهم كما تشير بعض المصادر، بإعادة النظر بالكثير من الخطط والاجراءات السابقة، التي تخص مشروعاتها الاقتصادية، وكذلك طبيعة استثماراتها الخارجية، وقد ينتج عن عجز موازنات الدول النفطية أن يتم التوجه للإسراع والتوسع في برامج رفع الدعم عن الطاقة وغيرها من المجالات الأخرى.

ومن الطبيعي في ظل تراجع أسعار النفط، أن يقل الطلب بالدول العربية النفطية على العمالة من الدول العربية غير النفطية، نظرًا لتقلص نسب تنفيذ المشروعات، أو الدخول في مشروعات جديدة، ومن شأن هذا الأمر أن يزيد من معدلات البطالة عما هي عليه الآن، وسيكون لذلك أثر سلبي مزدوج. بسبب أن عودة هذه العمالة إلى أوطانها سيكون في توقيت غير مناسب تمامًا، حيث تعاني الدول العربية غير النفطية من حالة ركود، وارتفاع في معدلات البطالة بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية.

عجز متزايد في ميزانية السعودية

في هذا الشأن حذر صندوق النقد الدولي من ان العجز المتزايد في ميزانية السعودية يمكن ان يؤدي الى تآكل سريع في احتياطها المالي ما لم تتكيف مع تراجع اسعار النفط من خلال تبني مجموعة من الإصلاحات المؤلمة. ورأى الصندوق في تقرير بعد محادثات مع المسؤولين السعوديين انه "نظرا للانخفاض الواسع النطاق في اسعار النفط، يتزايد العجز المالي بشكل كبير حيث من المرجح ان يبقى مرتفعا على المدى المتوسط". واضاف ان هذا "العجز سيؤدي إلى تآكل سريع للأموال التي تم تجميعها طوال العقد الماضي".

واكد صندوق النقد الدولي ضرورة ان تقر المملكة "تعديلات واسعة لسنوات مالية متعددة" لتحقيق التوازن في الميزانية. وقال ان الاصلاحات يجب ان تتضمن كفاءة استخدام الطاقة وتعديلات شاملة في الاسعار، وتوسيع الايرادات غير النفطية، ومراجعة النفقات الجارية وخفض فاتورة الرواتب الحكومية. وتوقع التقرير ان يرتفع العجز في ميزانية السعودية الى 19.5٪ من الناتج المحلي الاجمالي، أو نحو 130 مليار دولار عام 2015.

واعتبر انه من المتوقع ان ينخفض العجز عام 2016 لكنه سيبقى مرتفعا في المدى المتوسط، ليبلغ نسبة 9,5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، نحو 80 مليار دولار عام 2020. وسبق للصندوق ان خفض بالفعل توقعات النمو الاقتصادي للمملكة الى 2,8 في المئة العام الحالي و 2,4 في المئة عام 2016. ويؤكد التقرير ان المملكة ابلغت الصندوق انها تدرس اصلاحات في اسعار الطاقة للمستخدمين التجاريين والصناعيين.

وشكلت تكلفة دعم الطاقة 8 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي او قرابة 60 مليار دولار، وفقا لصندوق النقد الدولي. فخفض الدعم على اسعار البنزين والديزل في السعودية، وهي بين الادنى في العالم، لتوازي مثيلاتها في الخليج من شانه ان يوفر مبلغ 17 مليار دولار العام الحالي. وقد اعلن وزير المالية السعودي ابراهيم العساف ان الحكومة تؤجل مشاريع لخفض النفقات غير الضرورية وتصدر مزيدا من السندات لتمويل عجز قياسي في الميزانية.

وتواجه المملكة، اكبر اقتصاد عربي واكبر الدول المصدرة في العالم للنفط، ازمة في الميزانية بعد انخفاض أسعار النفط الخام الى اكثر من النصف خلال عام واحد الى اقل من 50 دولارا للبرميل. كما تقود السعودية تحالفا يشن حربا مكلفة في اليمن، منذ اذار/مارس الماضي. يذكر انه في عام 2014، سجلت السعودية عجزا في الميزانية قدره 17.5 مليار دولار وهو الثاني منذ عام 2002. بحسب فرانس برس.

وقد اعلنت شركة "جدوى" السعودية للاستثمار ان الحكومة سحبت بحلول نهاية تموز/يوليو 82 مليار دولار من احتياطي العملات الاجنبية الذي تراجع الى 650 مليار دولار. واضافت "جدوى" ان من المتوقع ان ينخفض الاحتياطي بحلول نهاية العام الى 629 مليار دولار. واكدت ان المملكة ضخت 10,6 ملايين برميل يوميا في حزيران/يونيو لكن الرقم تراجع الى 10,4 ملايين برميل يوميا في تموز/يوليو.

غيمة اقتصادية سوداء

الى جانب ذلك فغيمة اقتصادية سوداء تغطي سماء السعودية والمحللون ما بين متشائم بشدة أو متفائل بأن الأمور ستعود كما كانت بأن يرتفع النفط لأكثر من 100 دولار... شخصيا لست متفائلا!" هكذا غرد الاقتصادي السعودي عصام الزامل على تويتر وسط موجة متصاعدة من التغريدات لاقتصاديين ورجال أعمال بارزين يعربون فيها عن مخاوفهم في إشارة واضحة على تعكر مزاج مجتمع المال والأعمال من فكرة أن أسعار النفط التي هبطت لأدنى مستوى في ستة أعوام قد تظل منخفضة لسنوات أخرى.

وبعد أكثر من عشر سنوات من طفرة نفطية دفعت إيراداتها اقتصاد أكبر مصدر للخام في العالم لنمو سريع يبدي السعوديون تخوفهم من أنهم قد يكونون مقبلين على فترة طويلة من ظروف اقتصادية أقل رفاهية وأكثر تواضعا. وانعكست آثار هذا التخوف المؤلم على صفحات التواصل الاجتماعي وفي مقالات الرأي بالصحف المحلية وفي النقاشات العامة التي انتقد بعضها السياسات الحكومية في بادرة غير مألوفة.

وغرد الكاتب الاقتصادي عبد الحميد العمري قائلا "السعودية تستقبل مرحلة اقتصادية مختلفة 100% عن العشر سنوات الماضية. سنواجه شح السيولة وارتفاع الفائدة على الريال وضعف النمو والتوظيف" وأضاف في تغريده أخرى "طوال العشر سنوات (الماضية) ذهبت نصائح المختصين أدراج الرياح فلم يستمع لها الجهاز الاقتصادي بل نام على وسادة ارتفاع النفط ونسب النمو لسياساته." ولفت العمري إلى أن الفترة المقبلة رغم صعوبتها ستكون فرصة لتصحيح "التشوهات" الاقتصادية من إدمان القطاع الخاص للدعم الحكومي وتركز السيولة على مضاربات الأسواق المحلية لاسيما سوقي الأسهم والعقارات.

ومن موقع تويتر إلى أعمدة الرأي في الصحف المحلية حث اقتصاديون آخرون ورجال أعمال المسؤولين على العمل بشكل أكبر على تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط والحد من اعتماد المملكة على ملايين العمال الأجانب. وكتب الاقتصادي إحسان أبو حليقة في صحيفة اليوم "ندرك جميعا أن التحديين الأكثر بروزا وتأثيرا على اقتصادنا السعودي تنمية ونموا هما استقرار إيرادات الخزانة العامة وتنويع الأنشطة الاقتصادية المكونة للناتج المحلي الإجمالي ... النفط وإيراداته يمسك اقتصادنا السعودي إمساكا تاما."

وأضاف "هذا ليس اكتشافا جديدا. أننا لم نبارح هذه العقبة الكأداء بما يحقق استقرارا لإيرادات الخزانة وتنويعا للأنشطة الاقتصادية لنجد أننا وجها لوجه مع متلازمة البرد النفطي - إصابة اقتصادنا بالبرد عندما عطس النفط!." وتابع "عند التمعن يمكن الجدل أن ما سيخرجنا من متلازمة البرد النفطي هما مرتكزان اثنان: إيجاد حل لمعضلة سوق العمال السعودي وتنفيذ استراتيجية الخصخصة...من خلال تنشيط الشراكات العامة الخاصة."

من جانبه قال الاقتصادي فضل البوعينين في مقاله بصحيفة الجزيرة "يبدو أننا لا نعاني ندرة الأفكار والأهداف الإستراتيجية بقدر معاناتنا مع أجهزتنا التنفيذية التي يفترض أن تهتم بتحويل الأهداف الموضوعة إلى واقع معيش...تحديات الدخل الحالية يفترض أن تدفعنا نحو مراجعة الخطط الاقتصادية التي لم تسهم في تحقيق الأهداف الرئيسة. "ما حدث في أسواق النفط مؤخرا وما قد يحدث مستقبلا يجعلنا أكثر حاجة لتنويع الاقتصاد وخلق قطاعات إنتاج جديدة قادرة على خلق الوظائف وزيادة الناتج المحلي ورفع حجم الصادرات وتوفير مصادر دخل حكومية مستقلة عن إيرادات النفط."

فيما قال المستشار الاقتصادي فواز العلمي في مقال بصحيفة الوطن إن المملكة كان يمكن ان تستعيض عن إصدار سندات لتمويل عجز الموازنة بإصلاح أساليب دعم الطاقة وتوجيهها للمستحقين. وما يعزز المخاوف كذلك قلة التصريحات الحكومية حول خطط مواجهة تراجع النفط لسنوات. وكان وزير المالية إبراهيم العساف قال في ديسمبر كانون الأول إن المملكة قادرة على استيعاب تراجع النفط على المدى المتوسط وإنها ستواصل الإنفاق على خطط التنمية. لكن لم تظهر أي تصريحات حكومية مباشرة في الآونة الأخيرة لاسيما بعد هبوط سوق الأسهم وهو ما ترك رجال الأعمال يضربون أخماسا في أسداس بشأن ما قد يحدث مستقبلا. بحسب رويترز.

وفي يوليو تموز أصدرت الحكومة سندات للمرة الأولى منذ 2007 لتمويل عجز الموازنة لكنها لم تعلن عن المبلغ المتوقع اقتراضه مما أثار تخوف مصرفيين من وجود أزمة سيولة. وقد يترك غياب التصريحات الحكومية الأسواق عرضة للمضاربات. وكان أحد عوامل هبوط السوق السعودي شائعات بأن الحكومة تبيع أسهما لتوفير سيولة وهو ما نفته وكالة الأنباء السعودية عبر تصريح لمسؤول رسمي لم تفصح عن هويته.

انخفاض ارباح المصارف الخليجية

من جانب اخر اعلنت وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني ان المصارف في منطقة الخليج ستواجه انخفاضا في صافي ارباحها في خضم تراجع الانفاق العام الذي تسبب به انهيار اسعار الخام. وتراجع نمو صافي العائدات للمصارف الى 4% في الفصل الثاني من العام مقارنة ب7% في الفصل الاول و10% خلال الفصول الثلاثة السابقة، بحسب تقرير وزعته الوكالة حول نتائج 26 مصرفا كبيرا تقوم بتصنيفها في الخليج.

وقالت الوكالة "نتوقع ان يتراجع صافي العائدات ليصل الى ما دون 10% في 2015 مع امكانية ان يزداد تباطؤ النمو في 2016". وذكرت الوكالة ان العائدات "الجيدة" في النصف الاول من السنة سببها تراجع خسائر الديون وخفض التحوطات التي تخصصها المصارف مقابل ديون تثار حولها شكوك. واضافت "الا انه مع المفاعيل المستمرة لانخفاض اسعار النفط على النمو وجودة الاصول، فان العائدات قد تتراجع خلال الفصول المقبلة". وادى انهيار اسعار الخام الى تراجع الانفاق الحكومي الذي يعتمد عليه القطاع الخاص لدرجة كبيرة.

وتقترب أيام المال السهل من نهايتها في اقتصادات دول الخليج الغنية المصدرة للنفط مع بدء ارتفاع أسعار الفائدة بسوق النقد القصير الأجل لأسباب منها الأضرار التي يلحقها انخفاض سعر النفط بالأوضاع المالية للحكومات. وكانت السيولة الوفيرة الناجمة عن تدفق إيرادات النفط دفعت أسعار الفائدة قصيرة الأجل في السعودية والإمارات العربية المتحدة والدول المجاورة للانخفاض إلى مستويات قياسية العام الماضي وهو ما أوقد شرارة منافسة محتدمة بين البنوك لإقراض الشركات بهوامش ضئيلة.

لكن في الأيام القليلة الماضية بدأت أسعار الفائدة بسوق النقد ترتفع ارتفاعا حادا نسبيا. وإذا استمر ذلك فقد تستطيع البنوك استعادة بعض القوة التسعيرية في قروضها. ومن أسباب ارتفاع أسعار الفائدة توقعات تشديد السياسة النقدية الأمريكية هذا العام. وفي ظل ربط عملاتها بالدولار الأمريكي أو ارتباطها الوثيق به فمن المرجح أن تعمد البنوك المركزية الخليجية إلى تشديد سياساتها النقدية أيضا.

لكن عاملا أهم هو انحدار أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 الذي خفض دخل الحكومات من تصدير النفط وهو ما ينذر بتقليص التدفقات النقدية على البنوك الخليجية. وقال مصرفي كبير في بنك تجاري إماراتي تديره الدولة "أيام الأموال السهلة ولت." وقال المصرفي الذي رفض نشر اسمه بسبب حساسية الموضوع "تراجع أسعار النفط والتوقعات بتفاقم تخمة المعروض العالمي بسبب زيادة الصادرات من إيران تثير قلق سوق النقد بعد أن ظلت أسعار الفائدة عند مستويات بالغة التدني لعدة أشهر."

وقال آرثي تشاندراسيكاران المحلل في ان.بي.كيه كابيتال "بوجه عام يرتبط صافي هامش الفائدة للبنوك الإماراتية ارتباطا إيجابيا بسعر الفائدة المعروض بين بنوك الإمارات عندما يكون مرتفعا وهو في اتجاه صعودي منذ مطلع العام." وقامت شركات خليجية كثيرة بإعادة تمويل الديون بشروط أفضل على مدى العام الأخير وقد تجد الشركات التي لم تفعل ذلك أن الفرصة قد فاتتها.

وحتى الآن لا يتوقع المصرفيون أزمة شح في السيولة قد تفضي إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة بسوق النقد.

وقال المصرفي الإماراتي إنه يعتقد أنه إذا رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) سعر الفائدة 25 نقطة أساس فقد يرتفع سعر الفائدة بين بنوك الإمارات 50 نقطة أساس. وبهذا يتجاوز السعر واحدا بالمئة ليعود إلى مستويات أوائل 2013. وحققت وزارات المالية والبنوك المركزية نجاجا كبيرا في حماية أنظمتها المصرفية من أي أزمة حادة. وتملك عدة حكومات احتياطيات مالية ضخمة في الخارج وقد عمدت إلى تسييل بعضها ونقل الأموال إلى الداخل لتبقى الأسواق المحلية مترعة بالسيولة.

لكن في الأسابيع القليلة الماضية ظهرت حدود تلك الاستراتيجية. فقد قال بنك أبوظبي الوطني إن ودائعه انكمشت 3.1 بالمئة على أساس سنوي بسبب تراجع الودائع الحكومية. وقال أليكس ثيرسبي الرئيس التنفيذي للبنك إنه لا يتوقع مزيدا من النزوح الكبير للأموال الحكومية لكنه أضاف "هناك ضغط كبير على السيولة الدولارية في الإمارات والمنطقة بسبب تراجع إيرادات النفط وتدفق الدولار على أسواق أخرى."

وارتفعت نسبة الائتمان الإجمالي إلى الودائع في بنوك الإمارات إلى 100.2 بالمئة في يونيو حزيران من 97 بالمئة في ديسمبر كانون الأول الماضي ومن 95 بالمئة في يونيو حزيران 2014 وهو التحول الذي أثار قلق بعض المصرفيين وقد يدفع البعض إلى رفع أسعار الفائدة على الإيداع لاستقطاب الأموال. وفي السعودية واصلت الودائع نموها القوي. لكن الرياض تعاني من عجز ميزانية أكبر كثيرا من الإمارات ولذا بدأت الشهر الماضي إصدار سندات سيادية للمرة الأولى منذ عام 2007.

ويعتقد بعض المحللين أن إصدارتها من السندات السيادية قد تصل إلى 200 مليار ريال (53 مليار دولار) بنهاية العام. وتحتفظ البنوك التجارية بما قيمته نحو 300 مليار ريال في شكل أذون وودائع غير نظامية للبنك المركزي يمكن ببساطة تحويل بعضها إلى سندات. لكن بحلول 2016 قد تبدأ إصدارات السندات في سحب السيولة من أسواق النقد. وتدرس الكويت إصدار سندات لتمويل العجز ومن المتوقع أن تصدر سلطنة عمان والبحرين المزيد إذا استمر انخفاض سعر النفط. بحسب رويترز.

وقال مدير الأسواق ببنك أجنبي "من المرجح أن يطرق المزيد من دول الخليج أسواق السندات لسد العجز سيرا على خطى السعودية إذ لا يمكنهم مواصلة السحب من احتياطياتهم بالمعدلات الحالية. "ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع في الإمارات هو علامة على انكماش السيولة في المنطقة."

شحة السيولة المالية في عمان والكويت

من جانب اخر يظهر شح السيولة في السوق المالية في سلطنة عمان بعض التحديات التي تواجهها دول الخليج العربية المصدرة للنفط مع لجوء الحكومات إلى المزيد من إصدارات السندات لتغطية عجز في الميزانية ناتج عن هبوط أسعار الخام. وأدى هبوط حاد لاسعار النفط إلى تضرر المالية العامة بشدة في السلطنة. وتحولت الحكومة الى تسجيل عجز بلغ 1.92 مليار ريال (4.98 مليار دولار) في النصف الأول من 2015 مقابل فائض قدره 250 مليون ريال قبل عام.

ولذا تستنزف عمان احتياطياتها المالية وتصدر المزيد من السندات. وزادت الحكومة -التي تبيع سندات محلية كل بضعة أشهر- حجم الإصدارات إلى 300 مليون ريال في مزاد هذا الشهر من 200 ريال في الإصدار السابق. وبدأ ذلك في امتصاص الأموال من البنوك. وارتفع متوسط عائد السندات في المزادات إلى 2.54 بالمئة في إصدار أغسطس آب لسندات لأجل خمس سنوات من 2.08 بالمئة في إصدار مماثل في ديسمبر كانون الأول الماضي.

وقال متعامل بارز ببنك عماني "تقلصت السيولة بالريال بعد زيادة الاقتراض من خلال سندات التنمية." وأدى ذلك إلى ارتفاع العقود الآجلة للدولار مقابل الريال لأجل شهر بنحو 75 نقطة أعلى مستوياتها منذ 2005. وفي الفترة من يناير كانون الثاني إلى يوليو تموز جرى تداولها بما لا يزيد عن 20 نقطة.

وتظهر بيانات البنك المركزي أن إقراض الحكومة يشكل حصة متزايدة من الميزانيات العمومية للبنوك وهو ما يشير الي انه قد يقلص في نهاية المطاف الاقراض للقطاع الخاص. وارتفعت حيازات البنوك التقليدية من السندات الحكومية 18 بالمئة من نهاية 2014 إلى 668 مليون ريال في يونيو حزيران مسجلة زيادة تبلغ ضعفي معدل إقراض القطاع الخاص تقريبا. وبالاضافة إلى ذلك واصلت الحكومة بيع أذون الخزانة إلى البنوك لتمويل إنفاقها اليومي حيث ارتفعت تلك الحيازات إلى 624 مليون ريال من صفر في نهاية 2014.

وقد تواجه المالية العامة في السلطنة تعقيدات مع تدهور المركز الإئتماني. وخفضت وكالة فيتش تصنيفها للبنوك العمانية قائلة إن الحكومة أصبحت أقل قدرة على دعم النظام المصرفي. وقالت فيتش "أدى هبوط أسعار النفط وزيادة إنفاق الحكومة عن المستويات المستهدفة في الميزانية إلى تدهور رئيسي في المركز المالي." واقتصاد عمان أحد أصغر وأضعف الاقتصادات في المنطقة ولهذا فإن تدهور المالية العامة أذكى مخاوف بشأن استمرارية ربط الريال العماني بالدولار في الأجل الطويل. وأدى ذلك إلى ارتفاع العقود الآجلة للعملة لأجل عام بما يصل الي 1000 نقطة مسجلة أعلى مستوياتها منذ 2006.

على صعيد متصل اظهرت ارقام رسمية ان الدخل العام في الكويت انخفض الى النصف تقريبا خلال الاشهر الخمسة الاولى من السنة المالية الحالية بسبب تراجع اسعار النفط. وبينت الارقام التي نشرتها وزارة المالية ان عائدات الدولة المصدرة للنفط انخفضت بنسبة 42,5% بين مطلع نيسان/ابريل ونهاية اب/اغسطس، اذ بلغت 7,3 مليار دينار (24,2 مليار دولار). وهي اول ارقام تنشرها الوزارة هذه السنة.

وقد توقعت الكويت الانخفاض الكبير في عائدات اذ تضمنت ميزانيتها عجزا بعد سنوات من تسجيل فوائض مالية ضخمة بفضل ارتفاع اسعار الخام. وتراجعت العائدات من النفط لوحدها بنفس النسبة تقريبا، وبلغت 6,9 مليار دينار (22,8 مليار دولار)، وما زال النفط يشكل نحو 94% من الدخل العام. وتوقعت ميزانية الكويت للسنة المالية الحالية عجزا بسبعة مليارات دينار.

وتضخ الكويت 2,8 مليون برميل من الخام يوميا، وقد سجلت فوائض مالية تراكمية خلال السنوات المالية ال16 الماضية. ويبلغ عدد مواطني الكويت 1,3 مليون نسمة فيما تقدر احتياطاتها المالية بنحو 592 مليار دولار، وهي مستثمرة في الخارج لاسيما في الولايات المتحدة. بحسب فرانس برس.

وخسرت اسعار النفط 60% منذ حزيران/يونيو 2014 بسبب ارتفاع المعروض وفي ظل دولار قوي واقتصاد عالمي ضعيف يؤثر على الطلب. وحددت الكويت سعر برميل النفط في ميزانيتها ب45 دولارا مقارنة ب75 دولارا في ميزانية العام الماضي. وسبق ان رفعت الكويت الدعم المالي عن الديزل وفيول الطائرات مطلع العام 2015، وهي تفكر في تخفيف الدعم المالي الضخم الذي تخصصه للكهرباء والبنزين.

إصلاحات نظام سعر الوقود في الإمارات

الى جانب ذلك قال مسؤول بصندوق النقد الدولي إن حكومة الإمارات العربية المتحدة ستوفر القليل من المال عن طريق إصلاحات نظام سعر الوقود في 2015 لكن من المرجح أن يزيد حجم ما ستوفره زيادة كبيرة في الأعوام المقبلة. وتحولت الحكومة من نظام الأسعار المحلية الثابتة والمدعومة للبنزين والديزل إلى نظام يتضمن تعديل الأسعار شهريا بناء على الاتجاهات العالمية. وفي أول تعديل ارتفع سعر البنزين 24 بالمئة وانخفض سعر الديزل 29 بالمئة.

وهذا أول إصلاح كبير لنظام تسعير الوقود في بلد عربي خليجي غني ومصدر للنفط منذ عدة سنوات وقد أثار تكهنات بأن آخرين في المنطقة سيحذون حذوه لتخفيف الأعباء المالية للدعم. وقال زين زيدان المستشار بإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد إن الإصلاح الإماراتي سيوفر ما يقدر بنحو 500 مليون دولار بنهاية العام الحالي أي أكثر قليلا من 0.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. لكنه أبلغ أنه من المتوقع أن تزيد الوفورات السنوية بقوة على المدى المتوسط لتصل إلى حوالي 0.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتفترض توقعات صندوق النقد أن متوسط سعر تصدير النفط الخام الإماراتي سيزيد تدريجيا من 61.5 دولار للبرميل هذا العام إلى 67.2 دولار في العام القادم وإلى 75 دولارا في 2020. وبموجب معادلة التسعير الإماراتية الجديدة لن تضطر الحكومة إلى إنفاق مبالغ متزايدة لإبقاء أسعار الوقود المحلية منخفضة عندما ترتفع أسعار النفط العالمية حيث ستستطيع السماح لها بالارتفاع مما سيزيد الوفورات في ميزانيتها. بحسب رويترز.

ويتوقع صندوق النقد أن تسجل الميزانية العامة المجمعة للإمارات عجزا قدره 2.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بسبب تراجع أسعار النفط العالمية وهو ما سيكون أول عجز لها منذ 2009. وقال زيدان إنه إلى جانب البنزين والديزل فإن الإمارات تستطيع توفير الكثير من المال عن طريق تقليص دعم الغاز الطبيعي وقدر ذلك بنحو ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال إن إصلاح نظام تسعير الغاز الطبيعي بالسوق المحلية سيكون ممكنا في المستقبل.

اضف تعليق