q

لا شك أن العالم يعيش اليوم عصرا متطورا، يتسم بالنمو الهائل في مختلف المجالات التربوية والعلمية والتكنولوجية والفنية والإدارية، الأمر الذي يجعلنا نطلق على هذا العصر عصر التغيير في جميع المجالات، لذلك نجد أنفسنا في حاجة ماسة إلى التغيير في أساليب العمل الاداري والتعليمي وأدواته في جميع المؤسسات التربوية والتعليمية حتى يمكنها مواكبة التطور السريع الذي يجتاح العالم اليوم.

ان المتتبع للواقع المهني والميداني لدى الكثير من الجامعات العراقية يلاحظ أن هناك الكثير من التحديات في نظم العمل داخل تلك الجامعات، والتي تجعل إدارات تلك الجامعات مضطرة لمسايرتها، ومن أهم تلك التحديات التي تواجهها الإدارات الجامعية هو ضعف الاداء. فما هي الاسباب التي ادت الى ضعف اداء الجامعات العراقية؟

ان المسببات التي تؤدي الى ضعف الاداء في الجامعات العراقية كثيرة ولكن يمكن تلخيص بعضها من خلال مايأتي :

الهيكل التنظيمي

يتميز التعليم العالي العراقي بالمركزية والعامودية في العمل الاداري بمعنى أن السلطات والقرارات دائما ماتكون متركزة في الجهات العليا. ان التميز بالمركزية والهرمية يؤثر على سرعة اتخاذ القرارات وتباطؤ التواصل بين الجهات العليا والافراد العاملين كما هو الحال في الواقع العراقي. ان الاتجاه المركزي يمثل صفة سلبية في الواقع العملي مما ينعكس سلبا على الاداء.

ان نظام القطاعية الذي تنتهجه وزارة التعليم العالي في العمل يعكس التوجه السلبي نحو الميل المركزي مما يجعل النظام الجامعي يرزح تحت تأثيرات بيئة عمل غير صحية، وفي المحصلة ان قتل روح المنافسة بين الجامعات بسبب نظام القطاعية له تأثير سلبي كبير على تطوير الاداء وجودته. ان تراكم السلطة والقرارات في المستويات الإدارية العليا هي نقطة ضعف تؤثر بشكل كبير على تسيير الأمور بكفاءة وفعالية في المستويات الدنيا. ان التغيير امر مهم في الجانب الاداري، واذا ما ارادت وزارة التعليم العالي ان تسير الامور بكفاءة وفعالية فعليها تغيير نمطية النظام الاداري الحالي وتشتيت الصلاحيات بين المستويات الادارية وصولا الى المستويات الدنيا فضلا عن خلق المنافسة بين الجامعات.

نظم التعليم

بما ان التعليم العالي في العراق يعتمد النظام المركزي في الادارة، فان القوانين التي تحكم هيكل ومضمون برامج التعليم تتشابه بدرجة كبيرة ما بين جامعة واخرى، ان سبب تشابه برامج التعليم يعود الى العوامل المشتركة بين البيئات التي تتواجد فيها تلك الجامعات. كما ان الحاجات الاجتماعية والاقتصادية هي التي تحكم شكل النظام التعليمي. كذلك كما اسلفت ان نظام القطاعية هو أحد انعكاسات المركزية في النظام التعليمي في العراق وبالتالي ان هذا النظام ساهم كثيرا في تشكيل نظم تعليميه وبرامج متشابهة ومتكررة بين الجامعات العراقية.

اذا ما اردنا تطوير التعليم العالي في العراق، فيجب انهاء نظام القطاعية لان هذا النظام يعمل على اتباع فلسفة واحدة وأسلوب واحد مما يؤدي الى اعاقة عملية التغيير ومن ثم عدم تطور الأداء وقتل روح الإبداع والتنافس. ان الاسلوب النمطي والمتشابه في نظم التعليم وافتقار التجريب والتنوع في الدراسة قتل روح المنافسة بين الجامعات وبالتالي اصبح الاداء متشابها وغير فعال في جميع مفاصل التعليم العالي.

تمكين الافراد العاملين

لا شك أن التغيير في أساليب العمل وأدواته يحتم ضرورة التغيير في سلوك الأفراد في الجامعات وضرورة تطوير أدائهم وتنمية مهاراتهم وتطوير أفكارهم وإمكاناتهم الذاتية حتى يمكنهم التكيف مع ظروف العمل الجديدة مما يتطلب في كثير من الأحيان تحويل مسار العمل لبعض هؤلاء، ولكن ما يعاب عنه في التعليم العالي هو قلة خطط التدريب وبرامجها وكذلك ضعف التخطيط الاستراتيجي والشامل لتلك البرامج، ناهيك عن قلة الموارد المادية والتقنيات والموارد الشرية المخصصة لبرامج التدريب، فضلا عن ضعف برامج التوأمة مع الجامعات ومراكز البحوث الخارجية والتي يمكن ان تسهم في تطوير أمكانيات وقابليات التدريسيين.

ان جامعاتنا وفي ظل التطور العالمي المذهل والمتسارع لا تحتاج إلى نوعية مهارات عادية، بل تحتاج الى الأفراد الذين تتوسم فيهم الكفاءات والمهارات المتطورة والفاعلة التي تساعد في الوصول إلى المستوى اللائق من جودة الأداء.

البنية التحتية

بالتأكيد ان جودة البنى التحتية في الجامعات تؤثر بشكل كبير على تقديم الخدمات التعليمية والبحث العلمي ذوات المستويات العالية الجودة، ولكن الجامعات العراقية تعاني بشكل كبير من فقر البنية التحتية، لاسيما في قلة المباني واكتظاظ الطلبة بأعداد كبيرة في داخل القاعات وقلة التقنيات وتقادمها وافتقار الجامعات لتكنولوجيا المعلومات والاتصال. ان هذا النقص الواضح في البنية التحتية يشكل تحديا كبيرا نحو تطوير الأداء ويعيق مسارات التعليم والبحث العلمي وتقلل من فرص تعليم وتدريب الجميع على أعلى مستوى. اذا ما ارادت وزارة التعليم العالي أداء عالي المستوى فعليها وضع استراتيجيات تسهم في تغيير الواقع الحالي وتطوير البنى التحتية بما يتناسب مع متطلبات عصر المعرفة الذي نعيش فيه.

ان للتغيير والتطوير أهمية كبيرة؛ فهو يُمكن من مجاراة المستحدثات التعليمية والإدارية والعلمية والتكنولوجية؛ فنحن نعيش في عصر أصبحت الأمور تتغير فيه بسرعة مذهلة. ولكي يتم التغيير بصورة منهجية وعلمية يجب على إداريي المؤسسات التعليمية والتربوية الأخذ بمنهجية الأسلوب العلمي في إحداث التغيير وإدارته، ولكن على مايبدو ان هناك تحديات تواجه قادة التعليم العالي في عملية إدارة التغيير منها اتخاذ قرار التغيير ذاته، وتحديد الوقت المناسب لإحداث التغيير، وعمليات اقتناع المعنيين بعملية التغيير وأهميته ودواعيه.

ولا شك أن سعي المؤسسات التعليمية والتربوية لتحقيق أعلى مستويات الجودة الشاملة في الأداء سواء في مجالات ومحاور القدرة المؤسسية أو مجالات ومحاور الفعالية التعليمية يعد بمثابة المدخل الأكثر إلحاحا لإحداث التغيير والتطوير المنشود؛ فتحقيق مبادئ وركائز واستراتيجيات جودة الأداء سيساهم بكل قوة في نشر مفاهيم التغيير والتطوير والتميز والإبداع الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى التطوير والتحسين ورفع الكفاءة وزيادة الإنتاجية داخل الجامعات وتحقيق أعلى مستويات جودة الأداء في مختلف محاور ومجالات العمل المؤسسي.

* احمد الجعفري-باحث واكاديمي
The State University of New York at BuffaloU.S.A

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق