q
ان الاجراءات المعتمدة حاليا في الترقيات العلمية معقدة ومتشعبة ومبالغ بها، وتفتقد المنطق في بعض تفاصيلها، فضلا عن بطء اجراءاتها، وتكاليفها المادية الباهظة، لاسيما بالنسبة للترقية لمرتبة الاستاذية، ولم يحدث ان رأيت معاملة بحجمها، فأحيانا تقتضي ثلاث حقائب يدوية من النوع الكبير، لا تستغربوا الأمر، هذه هي الحقيقة...

من ضمن ما قاله معالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الاستاذ الدكتور نبيل كاظم عبد الصاحب في صفحته على موقع (التيلكرام): ((ستكون هناك مراجعة لتعليمات الترقيات العلمية بحيث تكون أكثر واقعية ومنطقية وأسرع بالتنفيذ وأقل كلفة)). وينطوي كلام السيد الوزير على تشخيصات دقيقة وموضوعية، ذلك ان الاجراءات المعتمدة حاليا في الترقيات العلمية معقدة ومتشعبة ومبالغ بها، وتفتقد المنطق في بعض تفاصيلها، فضلا عن بطء اجراءاتها، وتكاليفها المادية الباهظة، لاسيما بالنسبة للترقية لمرتبة الاستاذية، ولم يحدث ان رأيت معاملة بحجمها، فأحيانا تقتضي ثلاث حقائب يدوية من النوع الكبير، لا تستغربوا الأمر، هذه هي الحقيقة، ولذلك غالبا ما كانت عقبة أمام ترقية الاستاذ الى مرتبة علمية أعلى، والسبب قد يكون جزئية بسيطة ليس لها صلة بمستوى الاستاذ العلمي.

وبما الترقية شهادة من الخبراء بتطور الاستاذ في مجال اختصاصه، فما الداعي لربطها بما هو اداري، وما يتطلبه ذلك من وثائق وتوصيات وغيرها من حيثيات، يمكن ربط تولي الاستاذ منصبا معينا بالجانب الاداري بحسب الكثير من الفقرات التي تتضمنها استمارة تقييم الأداء، فليس بالضرورة أن يكون الاستاذ المرموق علميا محنكا اداريا، فالذي يهمنا من الترقية هو المستوى العلمي، لذلك تعد البحوث التي ينجزها وتقييم الخبراء لها هي المعيار الأساس بعيدا عن الوثائق الادارية وجداول الدرجات وغيرها.

ومع ان المشاركة في المؤتمرات والندوات والدورات يعد نشاطا وحضورا علميا للأستاذ في الوسط المحلي والدولي، لكن ثمة ظروف تحول دون ذلك، ككلف السفر العالية ورسوم الاشتراك الباهظة، بخاصة وان مساهمة الوزارة في الايفادات كانت في أضيق الحدود على طول تاريخها، مع ان هذه المشاركات تعد من بين الامور التي تؤهل الاستاذ للمرتبة العلمية المطلوبة في الاجراءات الحالية.

وعليه فان محدودية مشاركة الاستاذ في هذه الفعاليات لا يقع التقصير عليه فقط، وانما الوزارة تتحمل جانبا منها، فالكثير من الأساتذة مضت عليهم عقود في الخدمة ومنهم من تقاعد دون أن يحصل على ايفاد واحد، وان غالبية مشاركاتهم يدفعون تكاليفها من حسابهم الخاص، كما لم تتمكن الوزارة من اعتماد سياقات واضحة وثابتة في هذا المجال، لا نطمح بفرصة سنوية لكل تدريسي، ولكن أن يحدث ذلك كل ثلاث سنوات أظنه امرا مقبولا للموازنة بين استحقاقات التدريسيين وامكانيات الوزارة.

ليس بالضرورة أن يكون التأخير في الترقيات العلمية سببه لجان الترقيات الفرعية والمركزية، لكن التفاصيل الكثيرة وغير المبررة قد تكون وراء ذلك، وهذا لا ينفي تحكم الأمزجة والروتين الذي يسود عمل بعض اللجان في سرعة انجاز معاملة الترقية او تأخيرها، مع محدودية هذه الحالات. ومع ان معاملة الترقية تقتضي بعض الوقت، لكن أن تستغرق سنوات فهذا غير مقبول، بالمقابل هناك من أصحاب الترقية من يضغطون على لجان الترقية، كتقديم الشكاوى للجهات العليا والتشهير بهم بين الزملاء مع ان معاملاتهم لم يمض عليها سوى مدد بسيطة، وقد يكون سبب التأخير هم أنفسهم كعدم استكمال الوثائق المطلوبة، او تأخر البحوث لدى الخبراء، او مطالبتهم بتقديم بحوث تعزيزية، ومع ذلك يدعون ان معاملاتهم تأخرت ويدللون على ذلك بتاريخ تقديم الطلب.

وقد يأتي التأخير جراء عدم تفرغ أعضاء لجان الترقيات العلمية لهذه المهمة بسبب انشغالهم بجداول دروسهم أو انشغالهم بأعمال ترتبط بمواقعهم الادارية او العلمية في الكلية، لذلك أرى أن يتفرغ رئيس لجنة الترقيات العلمية او أحد أعضائها لهذه المهمة تحديدا. ما لفتني في أحدى اللجان مطالبة صاحب الترقية بجلب الوسام او الدرع الذي حصل عليه، وعدم الاكتفاء بالكتاب الرسمي الذي يثبت ذلك، وهذا يؤشر ضعف الثقة بالاستاذ الذي نريده محل ثقة بالمطلق، أظن ان من المناسب ان يجري التشدد على المستوى العلمي للبحوث، ونغادر كل شيء لا يمت بصلة لهذا الجانب، لأن اللقب قضية علمية بحتة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق


التعليقات

مسلم عباس
مقال رائع من استاذنا الدكتور جليل وادي، فالترقيات العلمية اليوم تعتمد على اجراءات بائسة ويستطيع اي شخص تحصيلها لكنها بعيدة عن العلم2020-06-28