q
ربما ظهور الفيروس مهد لعصر جديد سيدخله النظام التعليمي العالمي، وقد تكون الحاجة فيه الى المكان الواقعي غير ضرورية، فضلا عن ازدياد أهمية العالم الافتراضي الذي اثبت قدرته على ان يكون منقذا لشريحة الطلبة لاسيما في الدول العربية التي لم تعر هذه الخاصية الأهمية المطلوبة...

لم يسلم النظام التعليمي في العالم من آثار جائحة كورونا التي رسمت بفرشاتها ملامح جديدة لحياة الشعوب، فلم تترك جزئية الا ودخلتها، فارضة ارادتها بقوة ولم تعطي الفرصة لأي مجال من مجالات الحياة العامة لان يأخذ نفسه.

لقد اثر انتشار الفيروس على خريطة التعليم الأكاديمي، وتمكن من وضع نظام جديد للجامعات الحكومية والأهلية وفي جميع بقاع المعمورة، اذ اجبر الطلبة على تلقي المحاضرات العلمية وهم بين أفراد العائلة، ودون المزيد من العناء، فلا يحتاج الطالب هنا سوى جهاز نقال بمواصفات متواضعة، وخدمة الاشتراك بالإنترنت لكي يواكب زملاءه الطلبة ويكون واحداً من ضمن المتلقين.

فتفشي الفيروس ابعد الطالب عن اجواء المختبرات وأماكن اجراء التجارب المختبرية المتعلقة بالدراسات العلمية الصرفة، مما ادى غياب ركن أساسي من اركان العملية التعليمية، وفي ذات الوقت احدث انطباع لدى الأهالي ان تعليم ابناءهم لا يحتاج لمثل هذه التكاليف والإمكانات طالما المادة تقدم للطالب عبر منصات التعليم الإلكتروني بأنسيابية عالية.

وهذه الانسيابية في التعليم جعلت الطلبة الذين يدرسون في الجامعات الدولية يفضلون عدم الرجوع اليها حتى وان عادت المياه الى مجاريها وتخلص العالم من هذا الوباء اللعين؛ ذلك ان عدم الرجعة يعني قلة المبالغ المادية التي يعطيها الطالب رسوما للدراسة.

العديد من الجامعات ومنذ ظهور الفيروس اغلقت ابوابها بصورة تامة امام الطلبة، ولم يستثنى من ذلك الجامعات والمعاهد المرموقة مثل كامبريدج وهارفرد وغيرها، وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية التي تستقطب سنويا آلاف الطلبة الاجانب في جامعاتها الحكومية والأهلية.

وفي ظل الأوضاع الجديدة فان المتوقع ان تخسر تلك الصروح العلمية كثيرا من مواردها المالية؛ والسبب في ذلك هو عدم استعداد الأهالي دفع آلاف الدولارات مجددا من اجل إكمال ابناءهم المرحلة الجامعية، بعد ان تبين لهم انخفاض نسبة ما يكلفه الطالب من مصروفات بالنسبة للجامعة.

هذه القناعة أدت الى قيام بعض الجامعات غلق أقسام علمية بصورة كاملة، وقد يتطلب الأمر الى إغلاق جامعات بعينها او تسريح بعض الطواقم التدريسية، مثلما فعلت جامعة ميزوريوستيرن في مدينة كانساس ستي الأمريكية التي اضطرت إلى تسريح ثلث الأساتذة في الجامعة وإغلاق أقسام بأكملها، ما سيشكل ازمة المالية لهؤلاء أيضا ولعائلاتهم.

ان إيقاف الرحلات الجوية بين الدول جعل اغلب الطلبة يفكرون بتأجيل العام الدراسي المقبل

مما يعني أن جامعاتهم سوف تخسر أقساطهم الدراسية، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال يمثل عدد الطلبة الصينيين، ثلث الطلاب الأجانب، وفي حال تم ذلك سيؤدي إلى أزمة حادة، اذ أن الكثير من الجامعات ستعاني من أزمة مالية بسبب قلة عدد الطلاب المنخرطين فيها.

وحلا لهذه الإشكالية وتقليلا من حجم الخسائر التي ستلحق بهذه الجامعات عمدت الاخيرة، الى عقد شراكة مع الشركات التكنولوجية الكبرى مثل غوغل وفيسبوك وآبل وميكروسوفت، لكي تزيد عدد الطلاب وتمكينهم من الحصول على تعليم عالي بجودة مغايرة عما كانت عليه في السابق.

هذه الخاصية ومع تحسين خدمة الإنترنت ستمكن الجامعات من زيادة مساحتها الاستيعابية، فبدل ان تقبل ألفين طالب في الحالة الطبيعية، تستطيع ان تستوعب خمسة آلاف عبر العالم؛ نظرا لعدم الحاجة لتوفير الأماكن المتخصصة والقاعات النظامية طالما العملية تتم عبر الشبكة العنكبوتية.

بالإضافة الى ذلك فان التسهيلات التي تقدمها خدمة الإنترنت ستمكن الجامعات من زيادة اعدادها دون الحاجة الى وضع خطط استراتيجية، وما يضمن توفير عائدات مالية تسد النقص الحاصل في المبالغ المالية المستحصلة من الطلبة.

ربما ظهور الفيروس مهد لعصر جديد سيدخله النظام التعليمي العالمي، وقد تكون الحاجة فيه الى المكان الواقعي غير ضرورية، فضلا عن ازدياد أهمية العالم الافتراضي الذي اثبت قدرته على ان يكون منقذا لشريحة الطلبة لاسيما في الدول العربية التي لم تعر هذه الخاصية الأهمية المطلوبة ولم تلتفت اليها قبل ذلك.

اضف تعليق