q
تعتبر قضية الطفل: تربيته وتعليمه وتأهيله النفسي والعملي، من أعقد الأمور والقضايا، التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي بل العالم أجمع، لما يشكله عالم الطفل والطفولة من آمال وآلام وتطلعات ومثبطات. وأنهم نعمة الحاضر وأمل المستقبل. وحتى لا يكون حديثنا مجردا وبعيدا عن لغة الأرقام وحقائق...

تعتبر قضية الطفل: تربيته وتعليمه وتأهيله النفسي والعملي، من أعقد الأمور والقضايا، التي تواجه عالمنا العربي والإسلامي بل العالم أجمع، لما يشكله عالم الطفل والطفولة من آمال وآلام وتطلعات ومثبطات. وأنهم نعمة الحاضر وأمل المستقبل.

وحتى لا يكون حديثنا مجردا وبعيدا عن لغة الأرقام وحقائق المؤسسات المهتمة بشؤون الطفل، فإننا نرى من الضروري أن نذكر بعض الإحصائيات والأرقام فيما يرتبط بشؤون الطفل.

جاء في أحد تقارير منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية المعنية بإغاثة الأطفال: أن عشرة ملايين طفل -أي طفل واحد من كل 200 طفل في العالم- تضرروا من الحروب وفقد (12) مليونا منازلهم، وتهجر أكثر من خمسة ملايين من ديارهم واضطروا للعيش في مخيمات اللاجئين خلال العقد الماضي.

وقد نشر التقرير الجدول التالي بأرقام ضحايا الحروب من الأطفال في العقد الماضي: أكثر من 5,1 مليون طفل قتلوا في الحروب في مختلف أنحاء العالم.

عشرة ملايين طفل صدموا بآثار الحرب ويحتاجون إلى المساعدة للتغلب على صدماتهم النفسية.

أصيب أكثر من أربعة ملايين طفل بعطل وتشوه وعمى وتلف في الدماغ.

أكثر من (12) مليون طفل فقدوا منازلهم.

مليون شخص قتلتهم الألغام الأرضية، بينهم العديد من الأطفال. وفي كمبوديا ثمة (35000) طفل بترت أطرافهم.

انفصل أكثر من مليون طفل عن عائلاتهم، بينهم حوالي (100) ألف طفل في رواندا.

يوجد جنود أطفال في (35) بلدا ويقدر عددهم بحوالي (200) ألف، بينهم ألوف من الفتيات.

وحينما نقترب من واقع الطفل في العالم العربي، نجد أن لغة الأرقام، تكشف أن حالة الطفل العربي، لا تقل فظاعة، عن حالة الطفل في العالم النامي عموما. إذ نجد آلافا مؤلفة تعيش الضياع، وفقدان الأهل والعائلة، حتى أنه تمت تسميتهم بـ (أطفال الشوارع). كما اشترك الطفل العربي في الحروب والمعارك العسكرية. ففي السودان وحدها قتل (250) ألف طفل في حرب الشمال والجنوب. كما تم في الموزنبيق تجنيد حوالي (100) ألف من الصبيان، بعضهم لم يتجاوز سن السادسة، للعمل مع ثوار رينامو خلال الحرب الأهلية التي دامت 16 سنة.

إن هذه الأرقام، التي تشكل غيضا من فيض، تكشف لنا، أن الأعوام الماضية عاش فيها الطفل العربي أحلك المشاكل، وأصعب الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية. حتى أضحى الضحية الأولى لجميع النزاعات والحروب والمشاكل التي حدثت في عالمنا العربي خلال العقد الأخير. ولا يفوتنا ذكر ما يتعرض له أطفال غزة اليوم من جراء الحرب العدوانية التي يشنها العدو الصهيوني ضد أهلنا في غزة.

وإننا نرى أن هذه الأرقام تؤكد وتكشف الأمور التالية:

1- أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن (15) سنة في العالم العربي يشكلون (45% إلى 50%) من مجموع الشعوب العربية. وهذا يعني أن ما يقارب النصف من العالم العربي، قد تعرض للضياع والتشتت والمشاكل العميقة، التي تؤثر على المستوى النفسي والوجداني والعملي للطفل العربي. ولهذا نجد أن أوضاعنا العربية حبلى دائما بالمشاكل والقلاقل. والسبب في ذلك هو غياب العناية والرعاية والتربية لنصف سكان العالم العربي تقريبا.

2- أن هذه الأرقام والإحصائيات، تكشف لنا أيضا بوضوح عن غياب الاستراتيجية التربوية العربية المتكاملة، التي تهتم بتربية النشء، وتوفير متطلبات التربية الصالحة والحديثة.

وبسبب هذا الغياب، أصبح الطفل العربي عرضة للتيارات الوافدة والصراعات الاجتماعية الغريبة والاهتمامات التافهة، التي تجعل مستقبلنا جميعا على كف عفريت.

3- إن دخول أطفالنا في أتون الحروب والصراعات المسلحة في الكثير من المناطق العربية، يعني تسرب الآلاف من أطفالنا من المدرسة ومؤسسات التعليم. إذ أن حضور الأطفال في تلك الساحات، يعني غيابهم القسري عن قاعات الدرس والدراسة.

وهذا ينبهنا إلى المسألة التعليمية ودورها في استيعاب أطفالنا واحتضانهم، وغرس حب العلم والمعرفة في نفوسهم.

وبالتالي فإن هذه الأرقام، توضح لنا عمق الخلل الاجتماعي والتربوي الذي يعانيه الطفل العربي في الوقت الحاضر.

ونحن نستقبل العام الجديد، نتساءل هل يستمر وضع الطفل العربي في الفوضى وغياب الاهتمام والاستراتيجية التربوية والتعليمية، التي تعتني بواقع الطفل، وتسعى عبر برامج مختلفة، وخطوات مدروسة، إلى تطوير واقع الطفل العربي. أم نبدأ التفكير الجدي والعملي، في إنهاء هذا الوضع الشاذ الذي يعيشه أطفالنا جميعا.

إننا نرى أن العام الجديد، يحملنا مسئوليات إضافية تجاه أطفالنا، وتنبهنا تطورات العالم وأحداثه إلى ضرورة العناية الاستراتيجية بالطفل العربي لأنه عماد المستقبل وثروة الغد الكبرى.

والعناية الاستراتيجية بالطفل تبدأ من تغيير نظرتنا إليه. فلا نعتبر مسألته قضية ألعاب ورياض الأطفال وما شابه ذلك.

فالطفل ليس هو الكائن البشري، الذي يقوم بأعمال عفوية تضحكنا أو تجعلنا نعيد ذكريات الصبا والطفولة. إن الطفل، عالم من الحاجات والقضايا، التي ينبغي أن ندرسها بعناية، حتى تكون تصرفاتنا وأعمالنا معه، متناغمة وحاجاته النفسية والجسدية.

إن العناية الاستراتيجية تبدأ بتغيير نظرتنا إلى أطفالنا على المستوى التربوي بحيث تكون أنظمتنا التربوية، قادرة على تأهيلهم، لكي يكونوا بحق هم رجال المستقبل. وأنه لخطأ فادح أن نرغم أطفالنا، على أن يعيشوا كما عشنا، ويلعبوا كما لعبنا، ويتعلموا كما تعلمنا. إننا ينبغي أن نفتح لهم الآفاق، وندفعهم لتجاوز الصعاب، ونشجعهم على مواصلة درب العلم والعمل، دون أن نجبرهم على عمل معين أو اختصاص علمي محدد.

إن دورنا يتجسد في توفير الأسباب الذاتية والموضوعية لنجاح أطفالنا في حياتهم، دون أن نحصرهم في إطار ضيق نرتضيه نحن، وقد لا ينسجم والظروف التي يعيشها أطفالنا. فهم ليسوا نسخة مثلنا بل هم حياة متجددة، ومن الخطأ القاتل أن نرغمهم على أن يكونوا نسخة تفصيلية لنا. وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن نبتعد عن تربية أبنائنا وفق قيمنا ومبادئنا وتقاليدنا الحسنة، بل يعني التوجه إلى غرس القيم والمبادئ، لا غرس الأشكال والطقوس.

وبعد أن نغير نظرتنا إلى الطفل، تأتي تباعا مسائل توظيف الأسرة والتعليم والإعلام، في مشروع تطوير مواهب أطفالنا وكفاءاتهم.

وجماع القول: إن تغيير نظرتنا إلى الأطفال، هو المقدمة المنهجية والضرورية لصناعة جيل، تتوفر فيه أسباب التمكن في الأرض.

اضف تعليق