q
نبذ الفكر المتطرف والتقليد الأعمى والانغلاق، ليحل محله الحوار، العلمي وللوصول إلى أهداف هاتين المرحلتين عملياً لا بد من تخصيص مساحة كبيرة في العملية التربوية لإعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية، غرس منهج الاعتدال عند الطلبة وينبغي التركيز في مناهج التعليم في جميع مراحله لأنها الكفيلة...
أ.م.د بشائر مولود توفيق/ مركز البحوث التربوية والنفسية -جامعة بغداد
الفصل الأول

أولاً: مشكلة البحث

أن كثيراً من المتغيرات العالمية والتحويلات الكبرى والتطورات السريعة تؤثر في حياة الناس وتغير من العادات والآداب والأخلاق وتزلزل مباني أخلاقية فتنهار في بعض الأحيان لتحل محلها مبان أخلاقية جديدة، وذلك بفعل تكنولوجيا الإعلام والاتصال والاطلاع على ثقافة الشعوب والأمم الأخرى مما أدى إلى ظهور أنماط سلوكية من تقاليد وأخلاقيات جديدة، وبما أن الطلاب لهم دور فاعل في المجتمع وهم عصب الحياة والأمل المنشود وهم أغلى ثروة في حياة المجتمع فهم ثروة الأمة في حاضرة وذخرها وأملها في المستقبل (جوير، 1994 ص 5-8).

ومن هنا كان لزاماً على المدرسة التي تعد البيت الثاني للطالب أن تقوم بدورها في ايجاد السبل والوسائل الكفيلة لتحصين طلباتها وبث منهج الاعتدال في الفكر لصنع حاضر أفضل ومستقبل أمثل

إن السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا قبل الخوض في دور المدرسة في نشر منهج الاعتدال الفكري هو هل أن المدرسة معدة فعلاً لأداء هذا العمل؟

وبمعنى آخر هل المدرسة الآن في وضع يمكنها من أن تؤدي أثر فعال في تنفيذ إستراتيجيات معينة لنشر منهج الاعتدال الفكري لطلبتها؟

ومن هنا جاء هذا البحث للإجابة على هذه الأسئلة.

ثانياً: أهمية البحث

إن تربية تعتمد على الأسرة ومؤسسات التعليم والتربية، غير أن الأسرة في الغالب ارتكزت في التربية على المدارس، وأهملت أداء واجبها الأساسي في هذا المضمار، فصارت المؤسسات التعليمية تتحمل هذا العبء الأكبر إذا قامت بواجبها أيضاً، ونجاح المؤسسات التعليمية عبر مناهجها مرتبط أساساً باختيار أفضل الوسائل والبرمجة، وأصالة المعرفة القائمة على الوسطية، والتركيز على الغايات، وإعداد المناهج المدرسية المناسبة لجميع أبناء الوطن في مراحل التعليم المختلفة.

إن المؤسسات التربوية منها اليوم ما هو قويم المنهج، ويعتمد على الوسائل الناجعة في تربية الجيل، ويضع المنهاج الصحيح في مختلف سنوات أو صفوف الدراسة، منها ما حصر دوره بحشو أذهان الجيل بمعلومات ومعارف نظرية، وثقافات مستوردة، لنيل الشهادات العلمية، وأهملت مراقبة سلوك ما هو تأثر سلبياً في الفكر والممارسة، بسبب هيمنة الأفكار المتطرفة التي لا تتناسب والأهداف التربوية الصحيحة.

إن المدرسة قد تفشل في تحقيق أهدافها التربوية والتعليمية، وذلك بسب عوامل تعرض الطالب الى الانحراف ومنهــــــــــــا:

× عوامل قد ترجع إلى البيئة المدرسية

× عوامل قد ترجع الى الطالب نفسه

× سوء معاملة بعض المعلمين للطلاب

× الكثافة الزائدة لعدد الطلبة في الصفوف يترتب عليها عدم استفادة كثير من الطلبة

× عدم توافق النشاط اللامنهجي غير المتوافق مع احتياجات غالبية الطلبة إلى محاولتهم البحث عن وسائل أخرى خارج المدرسة يصرفون فيها ما لديهم من طاقات،

× الدور الكبير لأصدقاء السوء في انحراف الطلبة

ولذا يجب على المدرسة استشعار أهمية كشف مشكلات الطلبة قبل استفحالها فيندفع الطالب إلى السلوك العدواني كالتخريب والسرقة والعنف وربما الهروب من المدرسة.

ان المدرسة أهم مداخل الإصلاح الفكري بنشر العلم بوصفها رافعة لتنمية الموارد البشرية وتكوينها (سعادة، 2001: ص93) ومن هنا فإن للمدرسة مسؤولية تنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال، نظرياً وعملياً في نفوس وعقول أبناء الأمة ويتم ذلك في مرحلتين:

المرحلة الأولى:

بناء شخصية الطالب فكراً وسلوكاً، ومبنية على الأخوة والشعور بالمسؤولية والقدرة على الفعل الحضاري.

المرحلة الثانية:

نبذ الفكر المتطرف والتقليد الأعمى والانغلاق، ليحل محله الحوار، العلمي وللوصول إلى أهداف هاتين المرحلتين عملياً لا بد من تخصيص مساحة كبيرة في العملية التربوية لإعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية، غرس منهج الاعتدال الفكري عند الطلبة وينبغي التركيز في مناهج التعليم في جميع مراحله لأنها الكفيلة بإعداد أو تربية وتنشئة المواطن الصالح، وتحقيق الإشعاع الفكري والاجتماعي.

إن المدرسة تقدم المعارف والمعلومات التي تؤدي الى زيادة وعي الطالب وارشاده الى اتجاه معين والابتعاد عن الافكار المنحرفة (كنعان، 2000: ص 14) وانها تنتج جيلاً ديمقراطياً متسلحاً بالقيم التي ترفض التسلط والاستبداد وتعزز مفاهيم الخير والأمن وتتمسك بقيم العدالة وتنادي بحقوق الإنسان وفق القنوات السليمة، وتعمل على الاحترام المتبادل للحقوق والواجبات. وحل الخلافات بالحوار والمناقشة.

إن المدرسة هي صانعة الديمقراطية وأساس الحياة، ونبذ التعصب وانها نواة التربية المجتمعية لأنها قلب الديمقراطية في المجتمع وبقيام النظام التربوي بوظيفته يؤدي إلى تجانس المجتمع من خلال ما يقوم به من نقل معايير وقيم المجتمع من جيل إلى آخر وبشكل يتماشى ومقتضيات التطور الذي تعيش عليه الشعوب الآن، وعلى المربين والباحثين والقانونيين، البحث عن مكمن الخلل لمعالجته واستأصله، مع تضافر الجهود المكثفة مع الشعوب بالتوعية والتعاون حتى يسكن الأمان العالم، وهذا يبقى مأمل كل شعوب التي تريد أن يعيش فيها ابناء وطنها بكل طوائفهم تحت غطاء راية واحدة هي الإنسانية.

ثالثاً: أهدف البحث

يهدف البحث الحالي التعرف على دور المدرسة في نشر منهج الاعتدال الفكري.

رابعاً: حدود البحث

اقتصرت حدود البحث على المعلومات التي يمكن أن تحقق أهدافه.

الفصل الثاني

منهجية البحث

يتضمن هذا الفصل التعرف على:

أولاً: دور عناصر العملية التربوية في نشر منهج الاعتدال

ثانياً: دور المدرسة في مكافحة سلوك العنف ونشر منهج الاعتدال

ثالثاً: وسائل تفعيل الفكر المعتدل لدى الطلبة

أولاً: دور عناصر العملية التعليمية في مواجهة التحديات

ان التعليم هو عملية متكاملة لاعتماده على المقومات الأساسية للعملية التعليمية هي (المعلم، الطالب والمناهج الدراسية والبيئة المدرسية).

وأن المدرسة ولا يمكنها النهوض بالعملية التعليمية دون تحسين هذه العوامل حيث إنه لا يمكن مناقشة دورها في مواجهة الفكر المتطرف ونشر منهج الاعتدال بمعزل عن تطوير عناصر العملية التعليمية على النحو الآتي:

1. المعلم

يمثل المعلم النواة التي يمكن توصيل المعلومة عبرها إلى الطالب وإذا لم يكن المعلم متمكناً من المادة العلمية التي يعرضها لطلابه فإنه لن يستطيع توصيلها بشكل سليم إلى الطلبة وبذلك تفشل العملية التعليمية.

والمعلمون يمثلون بدائل الآباء، وهم الراشدون خارج الأسرة الذين يقومون بأدوار مهمة في حياة الطلبة، ومن المعلمين من يعاون الصغير في التغلب على الإعاقات والقصور والمشكلات التي تعيق نموه وتعترض ميوله، ومنهم من يعرقل المسيرة الصحيحة أمام أبنائه من الطلبة. والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في العملية تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها، وإضعاف الاستجابات السلبية التعليمية فإنهم يؤثرون في طلبتهم عن طريق القدوة، ولشخصية المعلم في الصف إسهام في تشكيل شخصيات الطلبة إذ ان سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع طلبته، وهذا بدوره يؤثر في اتجاهات الطلبة نحو التعلم.(اليوسف،2010: 278)

ولذا فإنه من الضروري انتقاء المعلمين الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب، بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشونها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق، ويجب أن يحفز المعلم طلابه على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب جاهزة.

يجب أن يعد المعلمون إعداداً جيداً قبل الخدمة وأثنائها للقيام بعملية التربية بحيث يمثلون القدوة الحسنة لدى طلابهم فيقتدون بهم في سلوكهم ويلتزمون بتوجيهاتهم، فالمعلم هو العمود الفقري للعملية التربوية

الصفات الواجب توفرها في المعلم:

1. يساعد طلابه على التعلم عن طريق البحث العلمي والاستقصاء.

2. يعتمد المعلم أسلوب النقاش وحل المشكلات كأساليب أساسية في تنظيم التعليم.

3. يركز على أنشطة العمل التعاوني بين الطلبة.

4. يؤمن بالانفتاح وأجواء الحرية بينه وبين الطلبة وبين الطلبة أنفسهم.

والمعلمون لكونهم من العناصر المهمة في التطبيع الاجتماعي يؤثرون في تلاميذهم عن طريق القدوة وعن طريق تشجيع الاستجابات المرغوبة وتدعيمها وإضعاف الاستجابات السلبية وإطفائها وعادة ما يتم في هذه البيئات الاجتماعية التربوية تجاهل بعض الاستجابات مثل. إثبات الذات والعدوانية والخشونة بل إضعاف هذه الجوانب والعمل على قمعها داخل المدرسة) منصور،2010:ص 86)

إن شخصية المعلم في قاعات الدراسة أسهمت في تشكيل شخصيات الطلبة إذ إن سمات المعلم تنعكس في أسلوب تعامله مع طلبته وطريقة جذبه لهم وهذا بدوره يؤثر في اتجاهاتهم نحو التعلم.

وقد وجدت كثير من الدراسات أن الطلبة الذين يتسم معلميهم بالمرونة في سلوكهم داخل المدارس يكونوا أكثر نشاطاً في الصف إذ ظهر من استجاباتهم قيامهم بالعمل بروح استقلالية أكبر ويعبرون عن مشاعرهم بقدر أكبر من الحرية وأكثر تقدمًا في تحصيلهم الدراسي ويظهرون قدرًا أكبر من الابتكار والإبداع بينما تلاميذ المعلمين المتسلطين كانوا بحاجة إلى تقديم المساعدة والمعاونة المستمرة لهم (الحسن، 1998:ص 55)

ولذا فإنه من الضروري انتقاء الأساتذة الذين يقومون بالتدريس بكل دقة وحذر بحيث يتصفون بالفطنة والذكاء والقدرة على إيصال المعلومة الصحيحة للطالب بالإضافة إلى المقدرة الشخصية التي تمكنهم من استيعاب المتغيرات الحضارية التي يعيشوا بها وعكسها في المناهج الدراسية بشكل مشوق ويجب أن يحفز الأستاذ طلابه على المناقشة والإبداع والتفكير بصورة علمية من خلال استشعار الواقع والتأمل فيه وطرح الأفكار ومناقشتها بشكل مجرد من الأوامر والنواهي التي تأخذ قوالب جاهزة.

2. الطالب

إن الطالب عندما يتعرض الى موقف تعليمي معين، يقوم بنشاط ذهني يؤدي إلى استيعاب المعلومات و تخزينها. والسؤال الذي يمكن أن نطرحه بشأن ذلك هو: كيف يتمكن المتعلم من أن يستوعب محتوى المادة العلمية؟ فعندما يكون التعليم يقوم على حفظ الطالب للمعلومات حتى يتم استردادها منه وقت الامتحان وذلك فان الطالب يعد وعاء لتلقي المعلومة دون أن يكون له دور في فهمها أو تمحيصها) حمدان، 1985: ص315) وبذلك يكونون أكثر سهولة للانقياد للأفكار وأكثر صرامة في تطبيقها دون التفكير أو النقاش مثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يكونوا صيدًا سهلاً ليصبحوا منقادين فكريًا وعمليًا.

وبذا فإن تفعيل الدور الأمني للمدرسة في مقاومة السلوك المتطرف ونشر منهج الاعتدال يقوم على أساس تعويد الطلاب على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية حتى لا يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة، ويجب على المدرسة ممثلة في المدرسين والعاملين فيها تحديد الجماعات المستهدفة التي يمكن أن تكون عرضة للانسياق وراء الأفكار الهدامة ومحاولة توجيههم ووضع برامج خاصة لهم.

كما أن عدم القدرة على استيعاب حاجات الطلاب يمكن أن يؤدي إلى تسريبهم خارج المدرسة مما يدفعهم إلى ممارسة السلوك الإجرامي وقد يكونون فريسة سهلة للجماعات الإرهابية لتنفيذ مخططاتهم (كنعان، 2008:89)، إذ إن مواصفات الطالب في الوقت الحاضر هي نتاج للعملية التعليمية ومخرج لها يجب أن يوافق احتياجات المجتمع المتغيرة، وهذا يعني أن تحديد المهددات الفكرية والاجتماعية في الوقت الحاضر ويجب أن يأتي ذلك ضمن أولويات المنهج الدراسي، بحيث يخرج الطالب من العملية التعليمية ولديه القدرة على التمحيص والنقد والمفاضلة بين القضايا بشكل يخدم الصالح العام) كوجك، 310:1997)

3. المناهج المدرسية

إن المناهج الدراسية يجب أن تكون قادرة على مسايرة العصر وقادرة على حماية الطلبة من بواعث الانحراف ولأنها عماد العملية التعليمية والوعاء الذي تقدم من خلاله المعلومة للطالب لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية، ولكي تصبح فإن هناك ضوابط معينة لا بد من توافرها في المناهج الدراسية لكي تصبح قادرة على مواكبة التطورات السريعة في مجالات الحياة المختلفة ووضع خطة إستراتيجية للمنهج الدراسي بحيث تستلهم إستراتيجية المنهج أهدافها من الدولة للسياسة التربوية. ويقصد بذلك أن تكون الأهداف التربوية منبثقة من حاجات المجتمع المتغيرة.

ميزات المناهج الدراسية المعاصرة

1. وجود تناسق بين مفردات المنهج وعدد الحصص الصفية المقررة على الطالب

2. أن تصاغ بعقلية منفتحة تساعد المعلم على طرح الكثير من الموضوعات حسب المقتضيات المتغيرة والبعد قدر الإمكان عن الحفظ والتلقين.

3. أن تكون قابلة للتعديل حسب مقتضيات العصر وتساير الواقع الاجتماعي وتقديم حلول عملية لمشكلاته.

4. أن تعميق مفهوم حب الوطن لدى جميع أفراد المجتمع، حيث أصبحت التنشئة الوطنية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصر الذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للدولة والمجتمع. ليكون سلوكاً وممارسة وليس مواد نظرية تدرس بعيداً عن الواقع.

5. أعادة صياغة المناهج الدراسية لتساهم في التربية على مفاهيم الاعتدال الفكري (سعادة، 2002: 96)

مفاهيم الاعتدال الفكري في المناهج الدراسية

1. أن تبرز أدب التعامل وحرية الرأي واحترام الرأي الآخر وضرورة مواجهة الفكرة بالفكرة وليس الفكرة بالمعاندة.

2. أن تكون المناهج واقع الحال الآمة بكل تعقيداته وترسم الحلول المستقبلية له كبديل عن حل التطرف.

3. إن تخصص برامج خاصة في المدارس لتوعية الطلبة بمستجدات الواقع والتعليق على الأحداث الجارية عن طريق لقاء مفتوح بين الطلبة والمعلمين.

4. تبيين مخاطر الافكار المتطرفة وانها لا تنبع إلا من قلة العلم، والجهل

5. تربية الطلبة على أهمية الحوار كوسيلة للتعبير عن الرأي وأسلوب للحياة، وتأطيره لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة، وفتح باب الحوار مع الطلبة.

6. تعزيز المناهج الدراسية بمفاهيم التعامل مع الاخرين

7. بناء منظومة من القيم لدى الطلبة ليصبحوا قادرين على تمييز ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة، محصنين من مفاهيم التطرف

8. إن تتضمن المناهج الدراسية مجموعة من الأنشطة التعليمية القادرة على تعزيز مفاهيم الاعتدال في عقول وأذهان وقلوب الطلبة).سعادة،2001: 91).

3. البيئة المدرسية

لا يمكن للمتعلم أن يتلقى التعليم بشكل جيد ويستفيد منه ما لم يوجد في بيئة تشجع على الإبداع وتحفيز التفكير وتدفع بالفرد إلى آفاق من التعليم القائم على التفكير الإبداعي والقيم السائدة في المدرسة ومن صور ذلك:

1. عدم التمييز بين الطلبة على أساس أو مركز مادي لآبائهم مما يعوِّد الطلبة على المساواة والحرية واحترام الإنسان لذاته.

2. عدم تعصب المعلم لرأي أو اتجاه أو عقيدة إلا عن طريق طرح الحجج والبراهين المقنعة للأفكار التي يؤمن بها، وهذا السلوك ينعكس على الطلبة فيعودهم على التسامح الفكري واحترام الرأي الآخر). منصور،2010: 90)

ثانياً: دور المدرسة في مكافحة سلوك العنف ونشر منهج الاعتدال

تعالت الأصوات حول فشل المناهج الدراسية في تشريب الناشئة المعايير والقيم الاجتماعية الإيجابية فإنني اعتقد أن المناهج الدراسية كانت لها آثار إيجابية في الماضي تمثلت في استقرار النظام الاجتماعي والثقافي في المجتمع، ومازالت تؤثر حتى الوقت الحاضر. وعلى رغم كل ما يطرح عن فشل المناهج الدراسية وضرورة إعادة النظر فيها إلا أننا نعتقد أن هناك عناصر إيجابية في المناهج الدراسية عملت على المحافظة على الأمن الفكري، فالماضي ليس كله شراً كما أن الحاضر ليس بالضرورة هو الأفضل.

وتجدر الإشارة إلى أنه على رغم أن مواد التربية الدينية في المدارس تشكل حجر الزاوية في التوعية لحفظ المجتمع من الجريمة والانحراف إلا أن المواد الدراسية الأخرى تؤدي دوراً مهماً في مساعدة المواد الدينية على تأصيل هذا الجانب، وباختصار يمكن القول بأن المدرسة في المجتمع تؤدي دوراً حيوياً في نشر الوعي الفكري بين التلاميذ، وتشكل لبنة مهمة من لبنات بناء المجتمع.

وعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي تؤديه المدرسة في تفعيل آليات الضبط في المجتمع إلا أن التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها العالم والمجتمع في الوقت الحاضر أصبحت تفرض على القائمين على العملية التربوية مسؤوليات مضاعفة تتجاوز حدود التعليم في نمطيته التقليدية، وتفرض عليهم أيضاً الاطلاع بدور أكثر أهمية في تشريب الناشئة المعايير والقيم التي تحافظ على أمن واستقرار المجتمع. إن الجسم التربوي في الوقت الحاضر أصبح يعاني اليوم من الكثير من الضغوط بسبب قصوره عن أداء بعض الأدوار المناط بها مما يتطلب إعادة النظر فيه بعقلية انفتاحية لا ترفض القديم كله ولا تقبل الجديد كله دون دراسة وتمحيص. (كنعان، 2008: 91)

الدور المأمول من المدرسة لتأصيل الفكر المعتدل ونشر منهج الاعتدال

يقع على المدرسة مهام إدارية وتعليمية منها:

1. تهيئة الظروف لعمل مرشد الطلبة ومساعدته على تجاوز العقبات وحل المشكلات التي قد تعترض عمله وعدم تكليفه بأعمال إدارية جانبية ليست ذات علاقة بعملة.

2. متابعة وملاحظة الظواهر السلوكية العامة لدى الطلبة والتعاون مع المرشد في تصحيح الظواهر غير المقبولة.

3. مراقبة كل أشكال الصراعات الشخصية بين الطلبة وكافة أشكال العنف أو الميول والأفكار غير السوية.

4. عقد الندوات واستضافة الشخصيات والمسئولين ذوي العلاقة بموضوعات الانحراف الفكري.

5. التبصير بالمفاهيم الغامضة والمتداخلة والبعد عن مواطن الجدل والاختلاف، والاستناد في ذلك إلى أهل الخبرة والدراية.

6. تعزيز ممارسة الديمقراطية وحرية الرأي وأدب الحوار عند التعامل مع الأبناء بتدريبهم في مراحل العمر المختلفة على ممارسة آداب الحوار، والقدرة على الاستماع والاستيعاب للرأي الآخر، والتدريب على ممارسة حرية الرأي، وتشجيع الأبناء الاشتراك في اللجان الثقافية كالخطابة والاذاعة المدرسية.

أما بالنسبة للبيئة الدراسة داخل المدرسة يجب أن تتوافر فيها

1. وجود وسائل متعددة للتعليم من خلال استخدام أجهزة الحاسب الآلي وغيرها.

2. وجود مكتبة متخصصة تحفز على البحث وتشجع على الدراسة يتوافر فيها جميع المراجع الحديثة ووسائل التقنية المتقدمة من الإنترنت وغيرها.

3. القاعات الدراسية يجب أن تكون جيدة التهوية ومريحة ويوجد فيها الإمكانات الضرورية للعملية التعليمية من وسائل تعليمية وغيرها

4. إعطاء الفرصة للطلاب للمناقشة والحوار والإبداع والاختلاف فالإبداع ينمو في أجواء الحوار ويموت في مهده في أجواء الدكتاتورية الصارمة. (كوجك، 1997: 311)

الدور المؤمل لوزارة التربية في إعداد المناهج الدراسية وفق منهج الاعتدال الفكري

تعد المناهج الدراسية هي عماد العملية التعليمية وهي الوعاء الذي تقدم عبره المعلومة للطالب لكي يستوعبها ويستقي منها ما يمكن أن يساعده في مسيرته التعليمية ولكي تصبح المناهج الدراسية قادرة على مسايرة العصر وقادرة على كبح الإرادة الغير سوية لدى الطلاب فإن هناك ضوابط معينة لا بد من توافرها في المناهج الدراسية لكي تصبح قادرة على مواكبة التطورات السريعة في مجالات الحياة المختلفة ويمكن استعراضها على النحو الآتي:

× ضرورة وضع خطة إستراتيجية للمنهج الدراسي بالتنسيق مع إستراتيجية التنمية الشاملة للدولة بحيث تستلهم إستراتيجية المنهج أهدافها من إستراتيجية التنمية الشاملة للدولة.

× أن تكون الأهداف التربوية منبثقة من حاجات المجتمع ضمن أولويات المنهج الدراسي بحيث يخرج الطالب من العملية التعليمية ولديه القدرة على التمحيص والنقد والمفاضلة بين القضايا بشكل يخدم الصالح العام.

× يجب أن يكون هناك تناسق بين مفردات المنهج وعدد الساعات المقررة على الطالب أسبوع حيث إن الإطالة في بعض المناهج قد تسبب للطالب الملل والعزوف عن العملية التعليمية كلها.

× أن تكون صياغة المناهج الدراسية بعقلية منفتحة تساعد المعلم على طرح الكثير من الموضوعات حسب المقتضيات

× أن تكون المناهج التعليمية قابلة للتعديل حسب مقتضيات العصر

× المناهج الدراسية يجب أن يكون لديها مقدرة على مسايرة الواقع الاجتماعي وتقديم حلول عملية لمشكلاته. (منصور، 2010: 91)

لقد ظهرت في السنوات الأخيرة قضية مصيرية تفرض نفسها بإلحاح على علماء الاجتماع والنفس والسياسة وجميع المهتمين بتربية النشء حتى أصبحت التنشئة السياسية إحدى الضرورات الأساسية في هذا العصر الذي نعيشه لإيجاد إحساس عام بالالتزام والولاء للسلطة الرسمية ويبرز الدور المهم الذي يجب أن تؤديه المدرسة في تأكيد أهمية عملية التربية الوطنية حيث إن الأمن يتحقق فقط عندما يشعر الجميع بمسؤوليتهم نحو الوطن.

إن التربية الوطنية يجب أن تصاغ بشكل مباشر في جميع المناهج الدراسية بحيث تصبح جزءًا من المناهج الدراسية فالوطنية ليست مادة تدرس وإنما سلوك يجب أن يتفاعل من خلال المواد الدراسية جميعها ويجب أن يكون المعلم والمدرسة بجميع العاملين فيها قدوة ونموذجًا للطلاب لتكريس مفهوم الولاء الوطني ليكون سلوكًا وممارسة وليس مواد نظرية تدرس بعيدًا عن الواقع.

الدور الوقائي للمدرسة في مكافحة التطرف وبث منهج الاعتدال

1. تعويد الطلبة على التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع الذي يسمح لعقل الطالب بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة من أكثر من زاوية بما يمكنه من الابتعاد عن أن يصبح فريسة سهلة للأفكار المتطرفة.

2. المدرسة كمؤسسة تربوية عليها أن تحديد الطلبة الذين ممكن أن يكونوا عرضة للانسياق وراء الأفكار الهدامة ومحاولة توجيههم ووضع برامج خاصة لهم.

3. تشجيع الطلبة على التعاون فيما بينهم وبث روح العمل الجماعي وإبداء الرأي والنقد للرأي الآخر مع احترامه.

4. تكوين جماعات للأنشطة اللاصفية مثل الإذاعة المدرسية التي تساعد على تكوين رأي عام بين الطلبة تجاه القضايا المختلفة وتوسيع معارف الطلبة وربطهم بالأحداث الجارية وإتاحة الفرصة للنقد والتعبير الحر.

5. بث مبادىء التسامح الفكري بين الطلبة عبر لقاءات مع المعلمين والمفكرين وإتاحة الفرصة للنقاش والحوار.

وسائل تفعيل منهج الفكر المعتدل لدى الطلبة

بعد أن اتضح لنا جلياً المعنى الحقيقي للفكر المعتدل الذي أراده الله لهذه الأمة وفقاً للكتاب والسنة فما علينا نحن كتربويين إلا أن نقوم بتفعيله لدى الطلبة من خلال طرحه على حقيقته دون تدليس ولا تلبيس، إذ أن من عناصر قوة أي فكر، تقديمه كما هو منذ البداية، ولا بدّ للنخبة الواعية المفكرة من القيادات التربوية أن تتعامل بهذا الوضوح والصراحة في كافة أشكال التعامل، وعلى أساس المبادئ، لكي تتعمق الأفكار المعتدلة في الأمة، وتتضح معالمها من خلال التطبيق العملي، وتحديد طريقة التعامل مع الطلبة، وهذا ما يدفع بالتالي إلى تعاظم ثقة الطلبة بأفكارهم وحلولهم يعني ارتفاع مستوى المقاومة لدى الإنسان، وصعوبة سريان السموم الفكرية الهدامة.

فقد اشار الله في كتابه الكريم الى ان الانسان محمل بأمانة من الله حمله اياه قال الله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} (الأحزاب72). مركزين على إن الاعتدال في التفكير حفظ لهذا الدين من تيارات هي في الحقيقة هادمة له، وهذه التيارات إما أن تكون غالية متشددة تخرج الإسلام عن اعتداله وحقيقته، وتذهب عنه رونقه ونقائه وصفائه وسماحته إلى والتشدد، وتحميل بعض القضايا ما لا تحتمل، وتضخيم قضايا أخرى هي في الحقيقة أقل مما ضخمت له حتى وصل الحال عند البعض إلى تبديع الناس وتكفيرهم، وفي بعض الأحيان إلى تكفيرهم،. لذا فلا بد من إعطاء العدول من المعلمين الأكفاء، الذين يحملون هذا الدين، وهذا العلم المكانة اللائقة بهم، وعلى تلك الفئة المربية أمانة عظيمة في إيصال صوت الحق من خلال:

× تنظيم المحاضرات، وعقد الندوات الفكرية وإقامة اللقاءات والحوارات المفتوحة مع أبنائهم الطلبة.

× إعطاء الطلبة الحرية والأمان في طرح أفكارهم، ثم مناقشتهم على شكل جماعات أو فرادى بحسب المقام والمقال.

× مشاركة بعض المعلمين في القنوات المتاحة من تلفاز وصحافة، وغيرها لإيصال الكلمة الصادقة إلى كل بيت، وإلى كل طالب.

× احتواء الطلبة وتفريغ طاقاتهم، وتحقيق طموحهم، وإشباع ميولهم في أجواء تربوية آمنة، وبإشراف نخبة من المعلمين الأكفاء من خلال الأنشطة المدرسية، ومراكز الشباب (اليوسف، 92:2010)

الفصل الثالث

التوصيات

يمكن الخروج بمجموعة من التوصيات التي توصلت إليها هذه الدراسة على النحو الآتي:

1. غرس منهج الاعتدال الفكري عند الطلبة وينبغي التركيز في مناهج التعليم في جميع مراحله لأنها الكفيلة بإعداد أو تربية وتنشئة المواطن الصالح، وتحقيق الإشعاع الفكري والاجتماعي.

2. تفعيل النشاطات المدرسية في المدرسة بمشاركة عدد من المعلمين وتصميم برامج ومسرحيات تعزز القيم الفكرية والسلوكية على أن يشارك الطالبة بإبداعاتهم في تصميم العرض او كتابة مسرحية ليكونوا شركاء في إصلاح جيلهم.

3. إعادة النظر في الكثير من المناهج الدراسية والأساليب التربوية بعقلية لا ترفض الجديد كله ولا تقبل القديم دون نقاش أو تمحيص.

4. إتباع نظام التقييم المستمر، من خلال القيام برصد دقيق لمستويات التعلم والسلوك، واكتشاف مكامن الضعف وتقويمه بصورة دورية ومنتظمة من خلال مشاركة أولياء أمور الطلبة في الاجتماعات المدرسية للتعرف عليهم والتعاون معهم، ومشاركتهم الأنشطة التي تتم بالمدرسة بوصفهم شركاء في العملية التربوية وجزء من البيئة التربوية المجتمعية.

5. تطوير المناهج المدرسية والأساليب التربوية بعقلية انفتاحية جديدة لا ترفض الجديد كله ولا تقبل القديم دون نقاش أو تمحيص ويكون لديها الرغبة والقدرة والصلاحيات والإمكانات المادية والبشرية.

6. توفير الفرص للطلبة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم عبر الأنشطة التعليمية.

مواجهة الغزو الفكري والثقافي خاصة فيما يبث وينشر من خلال وسائل الإعلام وشبكات الانترنت، بتوجيه الإعلام نحو مبادئ وقيم الإسلام، وتفعيل دور الإعلام المتزن الذي يخاطب الفكر والعقل.

7. تعاون جميع المؤسسات التربوية لنبذ الأفكار الهدامة من المدرسة والأسرة والمجتمع ووسائل الإعلام

8. رفض التعصب للآراء التي قد تؤدي إلى الانفعال ومحاول إقصاء الآخر أو ربما إلغائه، وتربية الطلبة على قبول الرأي الآخر، وترسيخ مفهوم الحوار والتسامح كسمة وخلق نبيل وتمثل ذلك منهجا وسلوكا.

9. توجيه طاقات الطلبة نحو عن طريق البرامج العلمية النافعة، والدورات التدريبية المفيدة، وممارسة الرياضة البدنية.

* البحث المقدم الى (المؤتمر الوطني حول الاعتدال في الدين والسياسة) يومي 22 و23 اذار 2017، الذي عقد من قبل مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام ومركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء ومركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

...................................
المصادر
v القران الكريم
1. جوير، ابراهيم (1994): الشباب وقضاياه المعاصرة، مكتبة السكان، الرياض. المملكة العربية السعودية
2. الحسن، احسان (1998): تأثير الغزو الثقافي في سلوك الشباب العربي، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، المملكة العربية والسعودية.
3. سعادة، جودت (2001): تنظيمات المناهج وتخطيطيها وتطويرها، دار الشروق، عمان.
4. كنعان، احمد علي (2008): الاساليب المقترحة لتحصين الشباب العربيى ضد التيارات المعادية " مجلة جامعة دمشق " مجلد (24) العدد الأول والثاني
5. كنعان، محمد احمد (1991): أزمات الشباب وحلول، دار البشائر، بيروت
6. كوجك، كوثر (1997): اتجاهات حديثة في المناهج وطرق التدريس، عالم الكتب، القاهرة، مصر
7. منصور عبد المجيد (2010) الاتجاهات الحديثة في التوعية الوقائية ندوة الاتجاهات الحديثة في توعية المواطن بطرق وأساليب الوقاية من الجريمة أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية الرياض.
8. اليوسف عبد الله بن عبد العزيز (2010): الوقاية من الانحراف المفاهيم والأساليب حوليات كلية الآداب جامعة القاهرة.
9. اليوسف عبد الله عبد العزيز (2010): دور المدرسة في مقاومة الارهاب. موقع حملة السكينه، الرياض
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق