q
مع تداخل المتغيرات، لا يمكن تحديد موعداً معيناً لقيام الأزمة، ولكن التطورات والمؤشرات الحالية تؤكد قرب قيامها خلال السنوات الثلاث القادمة، جذور تلك التطورات تعود إلى تزايد الإنتاج وغلَبَة العرض على الطلب في الصين، ما أدى إلى إغراق العالم ببضائع تفوق الطلب بكثير، بالإضافة إلى اعتماد التكنولوجيات...

"لعل أبرز التطورات الحالية التي تشير إلى إمكانية قيام أزمة اقتصادية عالمية في السنوات المقبلة هي تفاقم الحروب التجارية والفقاعات المالية والمخاطر الأمنية السيبرانية والاضطرابات الاجتماعية وتصاعد النزعات الشعبوية والحمائية الدولية".

هذا ما قاله الخبير الاقتصادي العالمي الدكتور فيكرام مانشاراماني، المحاضر بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب "بومبستولوجي: اكتشاف الفقاعات المالية قبل انفجارها"، في جلسة بعنوان "هل العالم مقبل على أزمة اقتصادية عالمية؟"، ضمن أعمال الدورة الثانية عشرة من "المنتدى الاستراتيجي العربي" الذي تستضيفه دبي لاستشراف التوجّهات الدولية التي سيشهدها العالم في العقد القادم.

وقال مانشاراماني: "مع تداخل المتغيرات، لا يمكن تحديد موعداً معيناً لقيام الأزمة، ولكن التطورات والمؤشرات الحالية تؤكد قرب قيامها خلال السنوات الثلاث القادمة".

واعتبر مانشاراماني أن جذور تلك التطورات تعود إلى تزايد الإنتاج وغلَبَة العرض على الطلب في الصين، ما أدى إلى إغراق العالم ببضائع تفوق الطلب بكثير، بالإضافة إلى اعتماد التكنولوجيات الحديثة وتقنيات الطاقة البديلة على مستوى العالم وإنتاجها بما يفوق الاستهلاك الحقيقي، مؤكداً أن تزايد الإنتاج على نحو يفوق الطلب وإغراق الأسواق بالبضائع يعد أحد الأثار السلبية التي نتجت عن الاستخدام غير الرشيد للتقنيات الحديثة في الصناعة، وأضاف أن تلك العوامل تفاقُم التزايد السكاني وتشجع انتقال السكان إلى المناطق الحضرية، كما ترفع معدلات الشيخوخة التي تترك أثرها على أنماط الاستهلاك ومعدلات التوظيف وتشكل ضغطاً ديموغرافياً وكلفة اقتصادية أكبر.

وأشار إلى أن عالمنا اليوم يعاني من أزمة عدم تكافؤ، كالتفاوت الكبير في العرض والطلب في الأسواق، واتساع فجوة المستويات الاجتماعية والمعيشية، ما أدى إلى اختلاف ردود الفعل الناجمة عن انحسار العائدات الاقتصادية عن بعض الدول والأفراد، وهو بدوره يخلق بيئة مواتية لانتشار الشعبوية والنزعات القومية والنزاعات السياسية، التي تدفع بالناس إلى الشوارع. وأشار إلى أن التوجهات الطائفية وسياسات الانكفاء على الذات بأشكالها المختلفة تترك أثراً كبيراً على المنظومة التجارية العالمية والديناميكيات الاقتصادية حول العالم.

وعدّد مانشاراماني المؤشرات التي تبرهن على احتمالية قيام أزمة اقتصادية عالمية خلال السنوات القادمة بحسب رأيه، واعتبر أن أبرزها هو تباطؤ الاقتصاد الصيني والديون المتراكمة التي تثقل كاهله، وأفاد بأن الديون الصينية المعدومة وصلت إلى وصلت إلى 600 مليار يوان عام 2017.

كما تحدث عن مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي، الذي يعتمد 70% من اقتصاد الولايات المتحدة عليه، وأفاد بأن وجود ثقة عالية جداً لدى المستهلك، بما لا يتوافق مع الواقع، قد تؤدي إلى إنفاق أموال لا يملكها هذا المستهلك، ما يمثل مخاطرة بحدوث فقاعات مالية وديون لا يمكن سدادها.

وكذلك تؤدي السياسات الاقتصادية والمالية القائمة إلى أزمة ثقة وشلل في مجالس إدارة الشركات الاستثمارية الكبرى نظراً لعدم القدرة على التنبؤ بإمكانية تحقيق عوائد استثمارية، مما يدفع بتلك الشركات إلى تكديس استثماراتها في مجالات معينة دون الأخرى وانحسار التنويع الاقتصادي، أو الإحجام عن الاستثمار خوفاً من المخاطرة برؤوس الأموال.

واعتبر مانشاراماني أن النمو الديموغرافي يشكل قنبلة موقوتة ستؤثر بقوة على اقتصادات عدة، وضرب مثالاً على الهند التي يزيد نموها السكاني بعدد 1800 نسمة في الساعة، ما يشكل عبئاً على الاقتصاد وأسواق العمل، خاصةً وأن العمالة غير مؤهلة للتكيف مع التطورات التكنولوجية حول العالم.

وتطرق مانشاراماني إلى احتمالية انقسام العالم إلى معسكرين نظراً للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وقال إن شركات الإمداد تعمل على تغيير مساراتها كي لا تكتفي بالعلاقات التجارية مع إحدى الدولتين حرصاً على عدم خسارة أحد الشريكين الاستراتيجيين.

وأفاد مانشاراماني إلى أن تطورات تلك الحرب التجارية، وإمكانية مُسائَلة الولايات المتحدة لشركائها الاستراتيجيين عن علاقاتهم مع الصين، هي مسألة وقت. ولأن تلك الحرب التجارية تعتمد بقوة على الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية نظراً لتوجه ترامب نحو التغلب على النموذج الاقتصادي الصيني ومحاربة نفوذها، نصح مانشاراماني ببدء التفكير في اعتبارات الانضمام إلى أحد القطبين أو التزام الحيادية بحسب أوضاع كل دولة، مشيراً إلى أن بقاء اقتصاد الولايات المتحدة قوياً، واحتمالية وجود منافس غير متكافئ مع ترامب في الانتخابات القادمة، يرفع احتمالات إعادة انتخابه وبقاء نزعة الحمائية القائمة بين الدولتين. مؤكداً على أهمية التزام الدول بالحيادية في هذا الشأن متى أمكن.

فرص التكامل الاقتصادي

ألان بجاني عضو المجلس الاستشاري الدولي للمجلس الأطلسي تطرق في مداخلته إلى فرص التكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قائلا إن فكرة التكامل وإن لم تكن جديدة ولكنها تتطلب حاليا مقاربات مختلفة نظرا لعدم تمكننا سابقا من الوصول إلى النمو الاقتصادي المستهدف، حيث أن أداءنا الاقتصادي دون المستوى بمؤشرات مختلفة، كما أننا متأخرون عن الدول المماثلة لنا في محاور عدة، فرغم أن تعدادنا السكاني يبلغ 8.5% من مجموع سكان العالم، إلا أن نسبة مساهمتنا في الناتج المحلي العالمي 3.4%، ولا تتجاوز حصتنا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة 4%، وهنا نتحدث عن فجوة تبلغ 2.5 تريليون دولار يمكن إضافتها إلى الناتج المحلي لدول المنطقة.

وتابع: "كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تمثل 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقتنا، بينما تبلغ في مناطق اقتصادية أخرى 4.9%، وهذا يعني فجوة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة الإضافية بمقدار 100 مليار دولار سنوياً.

وأضاف أن فجوة أخرى تبلغ 200 مليار دولار يمكن ردمها عند تطوير التجارة البينية بالمنطقة، إذ تبلغ تجارة السلع 16% فقط من التجارة الإجمالية، بينما تبلغ 63% في الاتحاد الأوروبي، و52% في آسيا والمحيط الهادئ.

وأشار إلى أن عدم القدرة على إنشاء شركات خاصة رائدة متعددة الجنسيات تؤدي إلى فجوة تقدر بحوالي 400 مليار دولار من العائدات التي يمكن أن توفرها مثل تلك الشركات، علما أن منطقتنا لديها شركتان فقط ضمن قائمة فورتشن 500.

وأضاف أن دولنا ومنذ 70 سنة تحاول تطوير الاقتصاد عبر مقاربات تعتمد على الدول والحكومات والقطاع العام وقليلاً فقط على القطاع الخاص رغم أنه هو الذي سيستفيد من التكامل الاقتصادي، وهو مطالب بثلاثة أمور هي:

1- تعزيز التكامل الاقتصادي في المنطقة

2- تحديد نقاط الضعف المشتركة وتقديم التوصيات للحكومات

3- إتاحة التعاون الوثيق بين جهات القطاع الخاص بالإضافة إلى التعاون بين جهات القطاع الخاص والحكومات

وبين بجاني أن التكامل والتعاون بين القطاعين العام والخاص يجب أن يتجاوز مجرد تمويل مشاريع يعجز القطاع العام عن تمويلها بسبب أولويات تنموية، وأن يتحول إلى تكامل في التفكير بين القطاعين، وهنا لدينا مثال ملهم هو دبي التي أعطت مثالاً للتكامل بين الطرفين على حد وصفه.

وقال إن الأمر لا يتعلق فقط بالتمويل، فهناك أمور أخرى مثل فتح الأسواق وحرية الحركة وتيسير التعامل وهو موضوع أساسي لم ننجح فيه إلى اليوم إلا بقدر بسيط، وأيضاً البيانات وأهميتها في تسهيل المهام، وحرية تحرك البيانات في المنطقة العربية، وهو أمر موجود ولكن ما زالت هذه التحديات ماثلة أمام الشركات، ونلحظ كيف أن دولاً أخرى لديهم أنظمة لتبادل البيانات مع ضوابط الخصوصية.

وتطرق بجاني أيضاً خلال حديثه عن تكامل دول المنطقة عن تحدي مواءمة المعايير، حيث لدينا سلع دون المستوى ومعايير مختلفة ومتنوعة بين الدول، فيما نحتاج ومن أجل خلق أسواق مشتركة إلى توحيد المعايير وإلا لن يستطيع القطاع الخاص المساهمة بتنمية المنطقة.

وقدر بجاني ملخص الأثر المحتمل في حال الأخذ بتلك التوصيات بحوالي 231 مليار دولار تمثل 7.8% من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، ويتكون هذا المبلغ من قسمين الأول هو 100 مليار دولار تمثل 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الأثر المقدر الناجم عن حرية حركة رؤوس الأموال، والقسم الثاني هو 131 مليار دولار تمثل 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الأثر المقدر الناجم عن المعايير المشتركة وحرية حركة السلع والخدمات.

وأكد بجاني على عدم إمكانية استمرار القطاع الخاص بمطالبة الحكومات بحل مشكلاته، خاصة وأنه الأكثر استفادة من النمو الاقتصادي المرتقب، كما أن الحكومات لا يمكن أن تستمر بحمل مسؤولية تأمين الوظائف وأن تكون مصدرها الرئيسي.

وردا على سؤال عما يمكن أن يؤدي إلى النجاح بما لم تتمكن المنطقة من عمله سابقا، قال "لدينا أمثلة ملهمة قدمتها الإمارات وتقدمها السعودية حالياً، كما أن التكامل بينهما مثال ملهم للمنطقة، وهما أيضاً نموذج للتنويع الاقتصادي في المنطقة والتي تحتاج من أجل الارتقاء إلى مستوى التحديات إلى أمور منها تحسين البنية الضريبة، وتحويل الأهداف إلى واقع".

الثروة

وأكد الدكتور ممدوح سلامة، خبير نفط عالمي وأستاذ اقتصاد النفط والطاقة في كلية ESCP بزنس سكوول في لندن، أن النفط سيبقى المصدر الرئيسي للثروة العربية ولكن بشرط استثماره في تنويع مصادر الدخل.

وأضاف أنه لن يكون هناك بديل عن النفط في القرن الحادي والعشرين، وأبدى ثقته باستمرار صعوده بالمدى البعيد إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، علما أن دول الخليج العربي تحتاج إلى 80-85 دولاراً للبرميل لموازنة ميزانياتها، علما أن ما يحول دون ارتفاع الأسعار هي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي قللت النمو الاقتصادي بنسبة 1% حسب صندوق النقد الدولي.

وقال إن استخدام السيارات الكهربائية سيقلل نمو الطلب بشكل بسيط، وبين أنه لن يكون هناك تحول فوري بالاستغناء عن النفط والغاز لصالح الطاقة البديلة، وأنه في عام 2030 سيزيد الطلب العالمي اليومي على النفط عن 110 مليون برميل يوميا.

ودعا سلامة إلى استثمار عائدات النفط في قطاع الغذاء، وبدل تصدير الخام يجب التحول إلى صناعة المشتقات النفطية واستثمار جزء من الدخل في شركات رئيسية معروفة ومن ثم التحول للطاقة الشمسية والنووية لتحلية مياه البحر وتوليد الكهرباء لتوفير كمية إضافية من النفط للتصدير وتطوير اقتصادات الدول العربي غير النفطية.

وتحدث عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي عن أهمية ريادة الأعمال ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للتصدي لمعدلات البطالة التي وصلت إلى 18% أي ضعف معدلاتها العالمية البالغة 9%. علما أن البطالة بين الشباب تبلغ 29% وتصل 50% ببعض الدول.

وأشار إلى أن 65% الطلاب في عمر 12 سنة سيعملون في وظائف غير موجودة حاليا وهو ما يستدعي ضرورة إجراء الدول لتغييرات سريعة وجوهرية في سوق العمل وفي النظام التعليمي التقليدي.

وقال إن ما يشكل تحديات هو بالوقت نفسه ميزة، فالهرم السكاني صحيح والشباب هم الغالبية بينما تعاني مجتمعات أخرى من الشيخوخة. ودعا لتمكين الفئة الشابة في مجال الاختراعات، مبينا أن الشركات الصغيرة اليوم ستصبح كبيرة يعد 15 سنة.

وأشار إلى أن دول الخليج لها استراتيجيات ولكن توجد حاجة إلى مؤشرات قابلة للقياس لمعرفة أين نرغب أن نكون بعد سنوات، في حين أن هدف الإمارات أبعد من ذلك ويصل إلى العام 2071.

وحذر من أن أي أزمة مالية عالمية قادمة ستكون أصعب من الماضية بسبب ازدياد الديون وتناقص معدلات الفائدة، أي أن الأدوات المتاحة أقل من تلك في 2008 ونحن في العالم العربي جزء من هذه المنظومة بطبيعة الحال.

وأبدى الدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بتفاؤله بالسنوات العشر القادمة وإن كانت القلاقل ستستمر فيها بعد العقد المنصرم، لكن المؤشرات تشير إلى تناقص العنف، وأن العقد القادم سيكون أفضل خاصة مع الرجوع لفكرة الدولة الوطنية وتجاوز الطائفية وهو ما نراه في العراق ولبنان التي تشهد ربيعا مختلفا عما شاهدناه في سوريا ومصر واليمن.

وقال إن أسوأ الأوقات تركناها وراءنا وأن هناك دول عربية تسير بشكل جدي في طريق الإصلاح ومنها السعودية ومصر والمغرب والكويت والبحرين والأردن، وأضاف أن الإمارات هي فئة لوحدها لا يمكن مقارنة دولة أخرى بها على حد وصفه.

وتابع أنه بنهاية العقد القادم ستكون مصر نمراً على النيل، وأنها تدخل حاليا مرحلة الإصلاح الهيكلي الذي يشجع الاقتصاد الخاص، وذلك بعد أن نجحت السنين الخمسة الأولى في تحقيق المطلوب ضمن مشروع رؤية 2030، وبالاستفادة من تجربة الصين، مشيراً إلى نقاط قوة لدى مصر تتمثل في أكثر من 100 مليون نسمة ومليون كلم مربع، وبين أن أحد الأسئلة المطروحة هو هل مهمة الدولة إدارة الثروة أم الفقر.

ولفت إلى أن مصر عاشت طوال 7 آلاف عام على النيل، ولكنها تتوجه حاليا إلى بناء مدن على البحر الأحمر و سيناء والساحل الشمالي وهذا له متطلبات مثل توفير الكهرباء والتعليم.

وقال إن الإصلاح يمتد ليشمل الفكر الديني الذي طالما تحكم بفهمنا للعلاقة بين الدين والدول والمجتمع، وتطرق إلى انخراط الإعلام بأدوار سياسية بأسلوب غير نقدي، وأننا سنشهد قريبا مصالحة مع قطر وعودة العلاقات مع سوريا، وشدد على ضرورة تطوير قدرتنا كعرب على التعامل داخليا مع مشكلاتنا دون تدخلات خارجية، فتجاربنا الماضية خلصتنا من وهم الحماية الأميركية والإيمان بأهمية التعاون العربي.

ويستمر المنتدى في دورته الثانية عشرة على التوالي في جمع الخبراء الاستراتيجيين من مختلف التخصصات والخلفيات ضمن منصة واحدة في دبي للمساهمة في تقديم رؤى استراتيجية وتوصيات واقتراحات مبنية على المعطيات والأرقام والتحليلات لتصور مستقبل العالم اقتصادياً وسياسياً والمساعدة على وضع خطط عملية تلتزم الواقعية والمرونة وتؤهل صنّاع القرار والمجتمعات البشرية للتعامل بإيجابية مع القضايا الملحّة على المستويات المحلية والدولية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق