q
هذا الخوف هو نتيجة اختلال الثقة بالعملة المحلية المتقلبة باختلافات السياسات مما صنع هوة واسعة بين واقع مفروض من قبل السلطة وواقع ملموس من قبل المراقب والمستثمر، حيث خلق هذا نواة للسوق السوداء كردة فعل ازرها وقواها الإجراءات المتخذة من قبل جهات الرقابة المالية المتمثلة بالبنك المركزي العراقي...

ما هي دواعي تشديد قيود البنك الفيدرالي ووزارة الخزانة الأميركية على احتياطيات العراق الاجنبية؟ وما هي الاجراءات المطلوبة لإعادة الاستقرار الى اسواق الصرف في العراق؟

تسعيرة العملات تشبه لحد كبير تسعيرة البضائع والسلع، حيث ترتفع الأسعار بزيادة الطلب عليها وتنخفض لانخفاضه، ولكن تبقى العملة مرتبطة ارتباطاً وثيقا باقتصاديات البلد وحركة التجارة فيه وباستقراره السياسي والإداري والامني. قد تنهار وتنخفض قيم العملات في البلدان التي تتعرض لخلل يمس الأوتار الحساسة والجوانب الأساسية التي يقوم عليها استقرار السوق ومتطلبات الحالة الإقتصادية والمالية الصحيحة، مما يؤدي هذا إلى انحسار حجم الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع العجز المالي فيها.

معالجة أزمة انخفاض العملة المحلية أمام العملات الصعبة لا تتم بقرار سياسي ارتجالي غير قائم على قواعد وأسس تعالج اسباب الحالة ودواعيها. للسلطة والحكومة قابلية وقدرة على معالجة الواقع غير المرغوب فيه أن ارادت اتباع الأصول المتبعة في الدول المتحضرة، وألخصها بما يلي:

اولا، "الفعل الاني المباشر" الذي يعالج الأعراض وليس الجوهر ويتم من خلاله حماية العملة المحلية آنيا وذلك من خلال رفع أسعار الفائدة في البنوك كي تبقى العملة المحلية جذابة للمستثمر الذي ينتظر مردودات ثروته المالية. كما تستطيع السلطة أن تغرق السوق بطرح العملة الأجنبية فيه من أجل تغيير بوصلة العرض والطلب وعكس واقع المعادلة بشراء العملة المحلية من أسواق المال من أجل تعزيز قيمتها.

أما الأمر الثاني الذي تستطيع السلطة القيام به من أجل تعزيز عملتها فيقوم على أساس "الفعل المؤثر بعيد المدى". يتجلى ذلك بمعالجة جوهر الخلل وليس اعراضه، اي معالجة أسباب إنخفاض قيمة العملة وإصلاح الخلل. تبدأ مسيرة هذا الإصلاح بإنعاش الإقتصاد والتجارة وتمر بالاستقرار السياسي والامني وتستقر بنزاهة المسؤول ومحاربة الفساد وإيقاف النهب وهروب الأموال خارج حدود الوطن.

دون شك هناك حالات استثنائية قد يمر بها بلد ما أو عدة بلدان بشكل طارئ غير محسب فيه، كالحروب والكوارث والحصار الإقتصادي والأزمات الإقتصادية، حيث تؤثر عاجلاً أم آجلا على العملة المحلية وعلى استقرارها. الحرب الروسية الأوكرانية بمضاعفاتها أثرت بشكلٍ مباشر وغير مباشر على اقتصاديات العالم وعلى النمو الاقتصادي حيث خلقت التضخم فزادت اسعار السلع وقلت القدرة الشرائية عند الناس في أرجاء كثيرة من العالم وانخفضت قيم العملات خصوصاً الهشة منها. دون شك ألقت الحرب همومها وآثارها على اقتصاديات وعملات كثير من الدول والعراق لابد أن يكون له حصة منها.

تفسر الأسباب المذكورة أعلاه جزءا هاما من دواعي هبوط قيمة الدينار العراقي مضافا لها أسبابا أخرى ألخصها بما يلي:

اولا: الضغوط الأمريكية، سلط البنك المركزي "الفيدرالي" الأمريكي ضغوطا على التحويلات المصرفية العراقية من أجل مراقبة حركة الدولار فيها خشية وصوله إلى دول غير صديقة لأمريكا وحلفائها. أدت هذه الإجراءات إلى عرقلة التعاملات التجارية الروتينية والتحويلات المصرفية القائمة سابقا. تبلور جراء ذلك زيادة الطلب على الدولار الأمريكي في السوق الموازي وارتفعت قيمته.

ثانياً: إجراءات البنك المركزي العراقي، ادخل البنك المركزي العراقي نظام سويفت المالي ومنصات التدقيق الإلكترونية والغى تعامله بل منع عدة مصارف محلية من بيع العمل الصعبة مما زاد في عرقلة حركة الدولار وانحسار التعامل فيه خصوصاً في التحويلات التجارية الخارجية مما شدد الطلب عليه في سوق العملة السائلة وارتفعت قيمته.

ثالثا: هلع السوق، على ضوء التقلبات والتذبذب الحاصل في سعر الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي ابتداءا من إجراءات رئيس وزراء العراق السابق مصطفى الكاظمي في خفض قيمة الدينار العراقي من أجل تجنب إنهيار السوق المالي والإقتصادي آنذاك، وانتهاءا بإجراءات رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني الداعية إلى رفع سعر الدينار العراقي في السوق الرسمي، فقد تبلورت حالة من الهلع لدى المستثمر ولدى الشارع بشكل عام.

هذا الخوف هو نتيجة اختلال الثقة بالعملة المحلية المتقلبة باختلافات السياسات مما صنع هوة واسعة بين واقع مفروض من قبل السلطة وواقع ملموس من قبل المراقب والمستثمر، حيث خلق هذا نواة للسوق السوداء كردة فعل ازرها وقواها الإجراءات المتخذة من قبل جهات الرقابة المالية المتمثلة بالبنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي.

رابعا: انكماش سوق الدولار، أصبح الدولار الأمريكي عزيزا لدى المهتمين العراقيين لأسباب كثيرة منها: اصبحت مستلزمات شراء الدولار أكبر من دواعي بيعه، فقد استثمر عدد لا يستهان به من العراقيين بالعملة الصعبة سواءا داخل العراق أو خارجه. كما أن عددا من العراقيين هرب العملة الصعبة خارج العراق لاستحواذه عليها بطرق غير مشروعة.

بينما أصبحت حاجات بعض العراقيين للعملة الصعبة في تزايد مستمر تلبية لمتطلبات التجارة أو العلاج في الخارج أو السياحة والسفر أو الهجرة والإقامة خارج العراق. في زمن قبل السقوط كان العراقي يولج العملة الأجنبية لداخل العراق ولا يطلقها للخارج، ولكن النسغ الخارج من العملة الصعبة أكبر من النسغ الداخل فيها هذا اليوم. وهذه الظاهرة بحد ذاتها تخل في معادلة العرض والطلب وتؤدي حتما لصعود قيمة الدولار.

معالجة حالة عدم الإستقرار في العملة المحلية في العراق تكمن في معالجة دواعيها، الدواعي والأسباب في عدم الإستقرار لم تعد خافية على المطلع في التفاصيل والتي بينا جزءا هاما منها ولو بشكل موجز. ربما طرق العلاج صعبة ومضنية لأنها تتعامل مع علل مزمنة وآفات عميقة، غير أنها غير مستحيلة. لا يعتقد المراقب للأحداث أن تحسين قيمة العملة يتم بطرق قسرية يفرضها المسؤول على السوق، بل إن هذه السياسات البعيدة عن الهدف قد تؤدي إلى عكس المطلوب حيث تخلق السوق السوداء وتبث الهلع والفوضى وتعرقل تلبية حاجات المجتمع وتزيد الطين بلة.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية في ملتقى النبأ الأسبوعي تحت عنوان (أزمة أسعار الصرف في العراق: بين إجراءات البنك المركزي واستجابة الأسواق)

اضف تعليق


التعليقات

. عادل الصر اف
العراق
أعجبني َالتحليل
الوارد في الموضوع اعلاه
اللذ ي يتضمن عوامل داخليه و خارجيه اثرت على عدم الاستقرار وادي الي ان السوق الموازي أقوى من إلا جراءات
لانه يتعلق بالطلب علي العمله
الصعبه من قبل السوق2023-05-15