q
يضغط الدولار الأميركي القوي مقابل سلة من العملات العالمية على أسعار النفط أيضاً، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ الطلب على السلع والمعادن المقومة بالعملة الأميركية بالنسبة لمستهلكي العملات الأخرى. فقد ارتفع الدولار مؤخرا إلى أعلى مستوى له في (20) عاماً مقابل اليورو وإلى أعلى مستوى في عدة أعوام...

تراجعت اسعار النفط مؤخرا مدفوعة بعوامل ضاغطة على جانبي العرض والطلب، فقد انخفض خام برنت يوم الثلاثاء الماضي، متراجعا عن مستوى 100 دولار للبرميل للمرة الأولى خلال ثلاثة أشهر. وجاء الانخفاض في أعقاب تعاملات متقلبة في اسواق العقود الآجلة نتيجة تعدد المخاطر التي تحيق بالوضع الاقتصادي العالمي وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية ومخاوف تفشي سلالات جديدة في الصين وغيرها من العوامل التي نوجزها بما يلي:

1- تراجعت اسعار النفط بسبب المخاوف من استمرار الضغوط التضخمية في الدول الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة واوربا، واستراتيجيات التصدي لها من خلال رفع أسعار الفائدة، وما يؤديه ذلك من تباطؤ في معدلات النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط. ويكثف بنك الاحتياطي الفدرالي جهوده لكبح نمو معدلات التضخم التي بلغت أعلى مستوى لها في 40 عاما من خلال رفع سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس على نحو غير متوقع هذا الشهر بعد تقرير تضخم غير مبشر أظهر أن ضغوط الأسعار تتسارع بحسب رويترز. كما رفع بنك كندا أمس سعر الفائدة الأساسي 100 نقطة أساس بهدف السيطرة على التضخم لتفاجئ كندا الأسواق وتصبح البلد الأول في مجموعة السبع الذي يرفع سعر الفائدة بهذا المقدار الكبير.

2- فرض قيود جديدة لاحتواء كوفيد-19 في الصين، اذ تطبق عدة مدن صينية قيوداً جديدة لاحتواء كوفيد-19، من نحو إغلاق بعض الشركات إلى الإغلاق الكامل لاحتواء الإصابات الجديدة مع ظهور المتحور الفرعي الجديد (أوميكرون بي.إيه 5.2.1) سريع الانتشار. ولا تزال الصين تلتزم بسياستها "صفر كوفيد" التي تقضي بالعمل على القضاء على جميع حالات تفشي المرض على الفور، وقد واصلت السلطات المحلية فرض قيود صارمة على الرغم من انخفاض عدد الحالات في وقت أصبحت فيه معظم دول العالم تتعايش مع الفيروس.

3- يضغط الدولار الأميركي القوي مقابل سلة من العملات العالمية على أسعار النفط أيضاً، وهو ما يؤدي إلى تباطؤ الطلب على السلع والمعادن المقومة بالعملة الأميركية بالنسبة لمستهلكي العملات الأخرى. فقد ارتفع الدولار مؤخرا إلى أعلى مستوى له في (20) عاماً مقابل اليورو وإلى أعلى مستوى في عدة أعوام مقابل عملات رئيسية أخرى. ونظرا لان النفط يسعر بالدولار فان ارتفاع سعر صرف الدولار يجعل النفط أعلى سعرا لحائزي العملات الأخرى، الأمر الذي يقلص معدلات الطلب على النفط.

4- تسعى وزارة الخزانة الأميركية الى تمرير مقترح فرض "سقف سعري" على مبيعات النفط الروسي بهدف تحديد السعر عند مستوى يغطي تكلفة إنتاج روسيا بحيث يتم تحفيز موسكو على مواصلة تصدير النفط، لكن ليس بأسعار مرتفعة بما يكفي للسماح لها بتمويل حربها ضد أوكرانيا. وترى وزيرة الخزانة جانييت يلين أن فرض سقف سعري وسيلة للحفاظ على تدفق النفط وتجنب المزيد من ارتفاع الأسعار، ما قد يؤدي إلى الركود.

5- وفقا لتقرير وكالة الطاقة الدولية، الأربعاء 13 يوليو تموز، فإن اسواق النفط العالمية تسير على "حبل مشدود" بين نقص الإمدادات وركود اقتصادي محتمل مع تأثر الطلب بالفعل بارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

6- قرب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الى الشرق الاوسط للضغط على منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) باتجاه زيادة إنتاجها. حيث يسعى بايدن الى ترويض أسعار الطاقة المرتفعة التي زعزعت استقرار الاقتصاد العالمي.

7- يرى بعض المحللين ان تراجع أسعار النفط مؤخرا، يعود بشكل رئيس الى مخاوف المستثمرين من تباطؤ الاقتصاد العالمي ودخوله الى ركود حاد ينذر بتراجع الطلب على السلع الأولية ومنها النفط الخام.

ما فرص عودة الاسعار صوب الارتفاع

نادراً ما كانت توقعات أسواق النفط أكثر غموضاً مما هي عليه الآن، فتراجع توقعات الاقتصاد الكلي والمخاوف من الركود تؤثر على جانب الطلب في حين تؤثر مخاطر اخرى على جانب العرض. وقد انعكست التوقعات الضبابية في تعاملات مضطربة شهدت انخفاض خام برنت بنسبة (7%) إلى ما دون مئة دولار للبرميل يوم الثلاثاء الماضي وسط قلق المتعاملين في العقود الآجلة من انكماش ارتفاع أسعار النفط في السوق الفورية. مع ذلك توجد وفرة من الاسباب تدعم فرضية عودة الاسعار الى التحليق من جديد منها:

1- حافظت منظمة البلدان المصدرة للنفط على توقعات نمو الاقتصاد العالمي في 2022 عند (3.5%) وقالت المنظمة إنها تتوقع نمو الطلب العالمي بقرابة (3.4) مليون برميل يومياً عام 2022. وتوقعت المنظمة ان ينمو الطلب العالمي على النفط بواقع (2.7) مليون برميل يومياً ليبلغ في المتوسط (103) مليون برميل يومياً في العام 2023.

2- لا تزال العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، تعطل التدفقات التجارية للنفط الخام والوقود. خصوصا مع الحساسية العالية لأسواق النفط الخام للمخاطر الجيوسياسية وانسيابية تدفق الامدادات للأسواق مع اقتراب فصل الشتاء.

3- قد تخفض روسيا إمدادات النفط الى الاسواق اذا ما تم تطبيق سياسة "السقف السعري" على النفط الروسي، مما قد يرفع أسعار النفط بدرجة كبيرة، ويعتمد ذلك على كمية النفط التي ستقرر روسيا سحبها من السوق.

4- ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الاخير إن سوق النفط العالمية تسير على "حبل مشدود" بين نقص الإمدادات وركود اقتصادي محتمل مع تأثر الطلب بالفعل بارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

5- يرى بعض الخبراء ان تركيز المستثمرين سيكون على قلة الإمدادات حتى مع استمرار مخاوف الركود العالمي. ففي مؤشر على استمرار شح الإمدادات النفطية، شددت واشنطن العقوبات المفروضة على إيران يوم أمس الأربعاء لتضغط على طهران من أجل إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015. فضلا على مخاوف شح المعروض وسط انخفاض إنتاج أوبك والاضطرابات في ليبيا والعقوبات على روسيا.

6- تضمن تقرير "أوبك" الاخير توقعات بنمو اقتصادي قوي عام 2023 في ظل تحسن التطورات الجيوسياسية، جنبا إلى جنب مع التحسن المتوقع في احتواء (كوفيد – 19) في الصين، وهو ما يتوقع أن يزيد استهلاك النفط. وتعد توقعات "أوبك" للطلب على لنفط في عام 2023، أكثر تفاؤلا من وكالة الطاقة الدولية. وقالت المنظمة إن توقعاتها لـعام 2023 تفترض انحسار التصعيد في الحرب الأوكرانية، وتراجع مخاطر التضخم على النمو الاقتصادي العالمي.

7- يرى بعض الخبراء ان العامل الوحيد الذي يميز الاتجاه الحالي في أسواق النفط والغاز عن السلع الأساسية الأخرى، التي ما تزال في المنطقة الهابطة، هو نقص الإمدادات والتضاؤل الهائل في القدرات الإنتاجية الاحتياطية، وكذلك انخفاض المخزون في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

8- لا يتوقع ان تجدي جهود الولايات المتحدة في ضخ المزيد من نفط دول اوبك الى الاسواق نظرا لوصول الطاقات الانتاجية لهذه الدول لمعدلاتها القصوى بعد ان تم رفع قيود الانتاج مطلع الشهر الماضي، كما أن السعودية والإمارات، العضوان في أوبك، ستكون لديهما قدرة محدودة على ضخ المزيد من النفط الاسواق.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

اضف تعليق