q
تكمن المشكلة في تقرير أعدته بتكليف من البنك الدولي شركة المحاماة ويلمرهيل بشأن مؤشر ممارسة الأعمال السنوي الذي يصدره البنك، والذي يرتب البلدان وفقا لسهولة افتتاح وتشغيل الشركات التجارية. يحتوي التقرير على ادعاءات أو بشكل أكثر دقة "تلميحات" ــ حول ممارسات غير ملائمة تشمل الصين، والمملكة العربية السعودية، وأذربيجان...
بقلم: جوزيف ستيغليتز

نيويورك ــ تدور الآن تحركات حثيثة لاستبدال أو على الأقل إضعاف مديرة صندوق النقد الدولي الإدارية منذ عام 2019 كريستالينا جورجييفا بدرجة كبيرة. هذه هي جورجييفا ذاتها التي وفرت استجابتها الممتازة للجائحة الأموال بسرعة لتمكين البلدان من تدبر أمورها ومعالجة الأزمة الصحية، والتي نجحت جهودها في الدعوة إلى إصدار 650 مليار دولار من "أموال" صندوق النقد الدولي (حقوق السحب الخاصة)، التي تشكل ضرورة أساسية لتعافي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. علاوة على ذلك، وظفت جورجييفا الصندوق للاضطلاع بدور قيادي عالمي في الاستجابة لأزمة تغير المناخ التي تهدد وجود البشر.

لكل هذه التصرفات، تستحق جورجييفا الإشادة. أين هي المشكلة إذن؟ ومن وراء محاولة تشويه سمعتها وعزلها؟

تكمن المشكلة في تقرير أعدته بتكليف من البنك الدولي شركة المحاماة ويلمرهيل بشأن مؤشر ممارسة الأعمال السنوي الذي يصدره البنك، والذي يرتب البلدان وفقا لسهولة افتتاح وتشغيل الشركات التجارية. يحتوي التقرير على ادعاءات ــ أو بشكل أكثر دقة "تلميحات" ــ حول ممارسات غير ملائمة تشمل الصين، والمملكة العربية السعودية، وأذربيجان في مؤشري 2018 و2020.

تعرضت جورجييفا للهجوم بسبب مؤشر 2018، حيث احتلت الصين المرتبة الثامنة والسبعين، وهي ذات مرتبة العام السابق. لكن الأمر لم يخل من تلميح إلى أنها كان ينبغي لها أن تكون في مرتبة أدنى لكنها تُـرِكَت كجزء من صفقة لتأمين دعم الصين لزيادة رأس المال التي كان البنك يسعى إليها في ذلك الوقت. كانت جورجييفا الرئيسة التنفيذية للبنك الدولي آنذاك.

ربما تكون النتيجة الإيجابية الوحيدة لهذه الواقعة هي إنهاء العمل بالمؤشر. قبل ربع قرن من الزمن، عندما كنت كبيرا لخبراء الاقتصاد في البنك الدولي وكان تقرير ممارسة الأعمال يُـنـشَـر بواسطة قسم منفصل، أو مؤسسة التمويل الدولية، قُـلـت لنفسي إنه مُـنـتَـج فظيع. إذ كانت البلدان تتلقى تصنيفات جيدة بسبب ضرائب الشركات المنخفضة وضوابط العمل التنظيمية الضعيفة. كانت الأرقام دائما إسفنجية، حيث كانت تغييرات طفيفة في البيانات تُـفضي إلى تأثيرات ضخمة محتملة على التصنيفات. وكانت الدول تنزعج حتما عندما تتسبب قرارات تعسفية في تراجعها في الترتيب.

بعد اطلاعي على تقرير ويلمرهيل، وتحدثي بشكل مباشر مع أشخاص رئيسيين معنيين، والتعرف على العملية برمتها، يبدو لي أن التحقيق كان هجمة ذات أغراض خبيثة. كان تصرف جورجييفا احترافيا طوال الوقت، وفعلت بالضبط ما كنت لأفعل شخصيا (وما كان لزاما عليّ أن أفعل في بعض الأحيان عندما كنت كبيرا لخبراء الاقتصاد): حَـثّ أولئك الذين يعملون تحت أمرتي على التأكد من صحة أرقامهم، أو دقتها قدر الإمكان، نظرا لأوجه القصور الكامنة في البيانات.

يُـصِـر شانتا ديفاراجان، رئيس الوحدة المشرفة على إصدار تقرير ممارسة الأعمال والذي كان مسؤولا بشكل مباشر أمام جورجييفا في عام 2018، على أنه لم يتعرض لأي ضغوط قَـط لحمله على تغيير البيانات أو النتائج. فعل موظفو البنك ما أمرتهم به جورجييفا على وجه التحديد وأعادوا فحص الأرقام، فأدخلوا تغييرات ضئيلة أدت إلى تعديلات طفيفة بالزيادة.

الواقع أن تقرير ويلمرهيل ذاته مثير للفضول من نواح كثيرة. فهو يترك الانطباع بأن الأمر انطوى على مقايضة: كان البنك يحاول جمع رأس المال فعرض تصنيفات محسنة للمساعدة في الحصول عليها. لكن الصين كانت الداعم الأكثر حماسة لزيادة رأس المال؛ وكانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب هي الطرف المتلكئ المتردد. لو كان الهدف متمثلا في ضمان زيادة رأس المال، فإن أفضل طريقة لتحقيق ذلك كانت لتتمثل في خفض ترتيب الصين.

فشل التقرير أيضا في تفسير السبب وراء عدم ضم الشهادة الكاملة للشخص الوحيد ــ ديفاراجان ــ الذي كان على معرفة مباشرة بما قالته جورجييفا. قال ديفاراجان: "أمضيت ساعات في توضيح جانبي من القصة لمحاميّ البنك الدولي، الذين سجلوا فقط نصف ما قلته لهم. وبدلا من ذلك، يسير التقرير إلى حد كبير على أساس التلميح.

الفضيحة الحقيقية هي تقرير ويلمرهيل ذاته، بما في ذلك كيف أفلت ديفيد مالباس، رئيس البنك الدولي، سالما دون خدش. يذكر التقرير واقعة أخرى ــ محاولة ترقية مرتبة المملكة العربية السعودية في مؤشر ممارسة الأعمال لعام 2020 ــ لكنه خلص إلى أن قيادات البنك لم يكن لها يد في الأمر على الإطلاق. لقد ذهب مالباس إلى المملكة العربية السعودية للترويج للإصلاحات التي قامت بها في ما يتصل بممارسة الأعمال بعد عام واحد فقط من إقدام مسؤولين أمنيين سعوديين على قتل وتقطيع أوصال الصحافي جمال خاشقجي.

يبدو أن من يدفع للعازف هو من يقرر اللحن. لكن لحسن الحظ، كشفت الصحافة الاستقصائية النقاب عن سلوك أشد سوءا، بما في ذلك محاولة صريحة من جانب مالباس لتغيير منهجية ممارسة الأعمال لتحريك الصين إلى أسفل في الترتيب.

إذا كان أفضل وصف لتقرير ويلمرهيل أنه هجمة خبيثة، فما هو الدافع؟ ليس من المستغرب أن نجد بعض الأطراف غير الراضية عن الاتجاه الذي سلكه صندوق النقد الدولي تحت قيادة جورجييفا. يتصور بعض المراقبين أنه كان من الواجب عليه أن يتمسك بتخصصه ولا يشغل نفسه بأمور مثل تغير المناخ. ويمقت بعض المراقبين التحول التدريجي، مع الإقلال من التركيز على التقشف، وزيادته على الفقر والتنمية، وتعظيم الوعي بالحدود التي تقيد قدرة الأسواق.

يشعر العديد من اللاعبين المؤثرين في السوق بعدم الرضا إزاء تصور مفاده أن صندوق النقد الدولي لا يتحرك كما يبدو بالقدر الكافي من القوة باعتباره جامعا للائتمان ــ هذا جزء أساسي من انتقادي للصندوق في كتابي "العولمة ومنغصاتها". في إعادة هيكلة ديون الأرجنتين التي بدأت في عام 2020، أظهر الصندوق بوضوح حدود ما يمكن أن تدفعه الأرجنتين، بمعنى مقدار الديون التي يمكنها تحمله بشكل مستدام. ولأن العديد من الدائنين من القطاع الخاص كانوا يريدونها أن تدفع أكثر مما يمكنها تحمله بشكل مستدام، فقد غير هذا الإجراء البسيط إطار المساومة.

ثم هناك أيضا منافسات مؤسسية طال أمدها بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والتي تزايدت حدتها الآن بسبب الجدال حول من ينبغي له أن يدير صندوقا جديدا مقترحا لـ "إعادة تدوير" حقوق السحب الخاصة الصادرة حديثا من الاقتصادات المتقدمة إلى البلدان الأكثر فقرا.

بوسعنا أن نضيف إلى هذا المزيج الخيط الانعزالي الذي تتسم به السياسة الأميركية ــ الذي يجسده مالباس، المعين من قِـبَـل ترمب ــ مقترنا برغبة في إضعاف الرئيس جو بايدن من خلال خلق مشكلة أخرى لإدارة تواجه العديد من التحديات الأخرى. ثم هناك التضاربات الطبيعية بين شخصية وأخرى.

بيد أن المؤامرات السياسية والتنافس البيروقراطي هما آخر ما قد يحتاج إليه العالم في وقت حيث تركت الجائحة وتداعياتها الاقتصادية العديد من البلدان في مواجهة أزمة ديون. إن العالم يحتاج إلى يد جورجييفا الثابتة في صندوق النقد الدولي الآن أكثر من أي وقت مضى.

* جوزيف ستيغليتز، حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وأستاذ بجامعة كولومبيا وكبير خبراء الاقتصاد في معهد روزفلت. من كتبه: خيبات العولمة، وكتاب الناس والسلطة والأرباح: الرأسمالية التقدمية لعصر الاستياء
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق