q
إنّ اللوائح التنظيمية المتخلّفة، وقواعد العمل المرهقة التي لا تتسم بالفعالية أو الكفاءة قد تخنق نشاط ريادة الأعمال ونمو الشركات. ويؤدي ذلك إلى إبعاد الشركات عن رقابة الجهات التنظيمية، والتحوّل إلى القطاع غير الرسمي، أو الخروج من البلاد بحثًا عن بيئة عمل أكثر دعماً...

إنّ اللوائح التنظيمية المتخلّفة، وقواعد العمل المرهقة التي لا تتسم بالفعالية أو الكفاءة قد تخنق نشاط ريادة الأعمال ونمو الشركات. ويؤدي ذلك إلى إبعاد الشركات عن رقابة الجهات التنظيمية، والتحوّل إلى القطاع غير الرسمي، أو الخروج من البلاد بحثًا عن بيئة عمل أكثر دعماً. وقد يتجنب المستثمرون الأجانب الاقتصادات التي تحول القواعد التنظيمية فيها دون ازدهار النشاط الاقتصادي.

وقد لا تعيق الإجراءات البيروقراطية المرهقة الشركات أو المستثمرين فحسب، بل إنها قد تعرقل قدرة الاقتصاد على النمو المستدام. فالحرية الاقتصادية في ممارسة أنشطة الأعمال تسير جنبًا إلى جنب مع التنمية الاقتصادية والقطاع الخاص المزدهر، وهذان بدورهما يدعمان القضاء على الفقر وتحقيق الرخاء المشترك.

يقيس تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2020 اللوائح التنظيمية في 190 اقتصادًا عبر 12 مجالًا لتنظيم أنشطة الأعمال بغرض تقييم بيئة الأعمال في كل اقتصاد. وتم استخدام 10 من هذه المؤشرات لتقدير مدى سهولة ممارسة أنشطة الأعمال هذا العام. وهذا هو العدد السابع عشر من هذه الدراسة التي حفزت الحكومات حول العالم على إجراء إصلاحات في أنشطة الأعمال بهدف تعزيز النمو الاقتصادي المستدام.

وتبحث الدراسة في قواعد تؤثر على شركة ما من بدايتها حتى مرحلة التشغيل ثم توقفها عن العمل: بدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، وتوصيل الكهرباء، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المساهمين أصحاب الحصص القليلة، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار المالي.

وعلى وفق هذه الدراسة، فإن البلدان العشرة الأفضل في العالم لممارسة أنشطة لأعمال، هي نيوزيلندا (بعدد نقاط 86.8 من 100)، وسنغافورة (86.2)، و هونج كونج (85.3)، والدنمارك (85.3)، وجمهورية كوريا (84)، والولايات المتحدة (84)، وجورجيا(83.7)!، التي تأتي في المرتبة السابعة قبل المملكة المتحدة (83.5)، والنرويج (82.6)، والسويد (82).

تشترك الاقتصادات التي تحرز أعلى الدرجات في سهولة ممارسة الأعمال التجارية في العديد من السمات، بما في ذلك الاستخدام الواسع للأنظمة الإلكترونية. وكان لدى البلدان العشرين الأفضل أداءً منصات على الإنترنت لتأسيس الشركات وتقديم الإقرارات الضريبية ونقل الملكية. علاوة على ذلك، يوجد 11 اقتصادًا لديها إجراءات إلكترونية لتصاريح البناء.

وبشكل عام، فإن البلدان العشرين الأفضل أداءً لديها لوائح تنظيمية دقيقة لأنشطة الأعمال تتسم بدرجة عالية من الشفافية.

بالنسبة للدول العربية تأتي الإمارات العربية المتحدة في المرتبة 16عالمياً (80.9 نقطة)، أي قبل ألمانيا التي تأتي في المرتبة 22(79.7)، و قبل فرنسا 32(76.8)... وتأتي بعدها في الترتيب 43 البحرين(76.0)، والسعودية 62(71.6)، وعُمان 68(70.0)، والأردن 75(69.0)، و قطر 77(68.7)، وتونس78(68.7)، والكويت 83 (67.4).

أمّا العراق فيأتي في المرتبة 172 عالميّاً (من بين 190 دولة)، و بـ 44.7 نقطة فقط(من 100 نقطة)، ولا تأتي بعدنا في الترتيب إلاّ دول مثل أفغانستان وليبيا وجنوب السودان وأرتيريا وتشاد و تيمور وأنغولا والصومال.

أمّا الدول "المتخلّفة" الأخرى التي تتفوّق علينا في الترتيب فهي، ميانمار والسودان ومدغشقر وبنغلاديش وبوركينا فاسو ونيكارغوا وكمبوديا ومالي وبنين وجزر مارشال !!!!!.

ويكفي وجود العراق في هذه المرتبة المتدنيّة من جدول الترتيب، لتقديم تقييم موضوعي لما يُسمى بـ "إصلاحات" الحكومات المتعاقبة في العراق (طيلة ستة عشر عاماً) في مجال تسهيل بيئة الأعمال .. ولمعرفة إلى أيّ مدى يمكن للوائح التنظيمية المتخلّفة، وقواعد العمل المرهقة، والروتين الثقيل، وأنماط الإدارة البائسة التي لا تتسم بالفعالية أو الكفاءة (وما يرتبط بكلّ ذلك من فسادٍ متعدّد الأوجه والأبعاد)... أن تؤدي (كلّها) إلى عزوف المستثمرين (المحليّين والأجانب) عن العمل في العراق .. وإلى التدهور المستمر في مؤشّرات الإقتصاد الكلّي، وإلى ارتفاع مؤشرّات الحرمان، وتزايد معدّلات البطالة والفقر، وترسيخ ريعيّة الإقتصاد، وتعزيز "أبويّة" الإدارة السياسية للموارد الإقتصادية.

إنّ إصلاح و تحسين بيئة الأعمال في العراق يجب أنْ يكون هو الخطوة الأولى (والأساسية) في الطريق الطويل للإستجابة للتحديات والأزمات الإجتماعية والإقتصادية "البنيويّة" المُركبّة، التي يعاني منها العراق منذ عقودٍ عديدة.. وليس الإصرار على إجراءات "الترقيع" الحكومي والبرلماني البائسة، بهدف امتصاص نقمة الناس، من خلال (مثلاً) تخفيض سنّ التقاعد (لزيادة عدد المتقاعدين الضخم أصلاً)، وإحلال موظفّين حكوميين عاطلين عن العمل بدلاً عنهم (لزيادة عدد الموظفّين الحكوميّين الهائل أصلاً) .. وغيرها من الحلول التي تفتقر للمنطق الإقتصادي السليم، والتي لا يمكن لها أنْ توفّرَ مصدراً للتوظيف الدائم، والدخل المُستدام.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق