q
اقتصاد - مقالات اقتصادية

اقتصاد المعرفة: التعليم والتنمية

كوريا الجنوبية وماليزيا أنموذجاً

ينطوي الانتقال من مرحلة تطور اقتصادي الى اخرى، ومن نمط انتاج معين الى نمط انتاج اكثر تطوراً، على عملية انتقال اقتصاد موجه من قبل الموارد نفط، غاز، الموارد الاولية الاخرى، ومن توجيه الاقتصاد من خلال الاستثمار في هذه الموارد، الى اقتصاد موجه من قبل الابتكار، ويستند الى المعرفة.

اولاً: حول اقتصاد المعرفة / الاقتصاد الجديد

ينطوي الانتقال من مرحلة تطور اقتصادي الى اخرى، ومن نمط انتاج معين الى نمط انتاج اكثر تطوراً، على "عملية انتقال" اقتصاد موجه من قبل الموارد (نفط، غاز، الموارد الاولية الاخرى)، ومن توجيه الاقتصاد من خلال الاستثمار في هذه الموارد.. الى اقتصاد موجه من قبل الابتكار، ويستند الى المعرفة.

واستناداً لعملية الانتقال هذه سيتم التحول من توجيه الموارد، نحو توجيه الابتكار. وفي الاقتصاد القائم على المعرفة تشكل المعرفة والابتكار القوة الدافعة للأعمال والتنمية الاقتصادية للبلد، والتي ترتكز بدورها حول البقاء والاستدامة.

وللبقاء كفاعلين اقتصاديين في هذا العالم، علينا الحصول بشكل مستمر على منتجات مبتكرة، او قيم مضافة للمنتجات. اي الحصول على تقنيات جديدة ناتجة عن ابتكارات جديدة. ولأجل تحقيق هذه الغاية لا بد ان يكون في صلب برنامج عمل الدولة، ومن أهم اولوياتها، الاهتمام بالبحث والتطوير، وتسويق منتجات البحث والتطوير.

ثانياً: دور ومهام الجامعات في بناء الاقتصاد القائم على المعرفة

ينبغي ان تفي الجامعات بمتطلبات الاقتصاد الجديد من خلال اداءها للمهام الاتية:

1- إحداث المعرفة.

2- نشر المعرفة محلياً وعالمياً.

3- تسهيل ترجمة المعرفة الى منتجات ملموسة وغير ملموسة.

4- تدريب الموارد البشرية لتكون وثيقة الصلة وداعمة لثقافة الابتكار (المدن التكنولوجية التي تنشؤها شركات كبرى(متعدية للقوميات) في الجامعات (على غرار ما يحدث في الجامعات الكورية الجنوبية على سبيل المثال لا الحصر).

5- تعزيز تسويق منتجات البحث والتطوير، وتطوير مشاريع قائمة على المعرفة والابتكار.

6- تقديم حلول مستدامة للمجتمع عن طريق اشراك المجتمعات المحلية لتعزيز التمكين

(الاستفادة من مخرجات المعرفة).

ثالثاً: التحديات الجديدة لعملية البحث والتطوير في الاقتصاد الجديد

ستكون هناك تحديات جديدة امام نمط البحث والتطوير الذي تتولى الجامعات ادارته حالياً، من اجل توفير المتطلبات الاساسية لبناء اقتصاد المعرفة، ومن هذه التحديات:

1- امتلاك الاكتشافات العلمية الاصيلة، التي سيكون بوسعها تعزيز القدرة التنافسية، وتأسيس الموقع الريادي للبلد.

2- وضع اتجاهات جديدة لتطوير التقنيات وانشاء منصّات تقنية خاصة بنا.

3- القدرة على دمج الاكتشافات العلمية والمنصات التقنية لخلق ابتكارات جديدة.

4- تطوير ابتكارات قادرة على خلق أثر على المجتمع والسوق العالمية.

5- الطلب من الجامعات ان تخضع لالتزام صارم بإنجاز بحوث متعدية للمتطلبات المحلية، وقادرة على تعزيز التنافسية الدولية في مجال الاكتشافات البحثية والحصول على التقنيات.

وهكذا يمكن المضي قدماً نحو اقتصاد جديد وناجح وقابل للاستدامة من خلال الايفاء بمتطلبات المراحل الاتية:

المرحلة -1-: القيام باكتشافات علمية. ويتم ذلك من خلال تعزيز ودعم البحوث التي تُنجز لتحقيق الاكتشافات البحثية، والحصول على التقنيات.

المرحلة -2-: تعزيز التطوير. ويتم ذلك من خلال تطوير النماذج الاولية، واعداد التصاميم الخاصة بالمشاريع،من خلال انجاز عمليات التكامل الهندسي والتقني مع المشاريع العلمية الرائدة.

المرحلة -3-: تعزيز التسويق. ويتم ذلك من خلال براءات الاختراع، والتسويق، وريادة الاعمال، والحصول على التراخيص.

المرحلة -4-: تعزيز المشاريع القائمة على المعرفة، او ما يسمى بمجمع البحوث. ويمكن ان تتخذ هذه المشاريع شكل مزيج لمشاريع ريادية قائمة، او شركات تقوم بمشاريع مشتركة.

رابعاً: خلق النظام الايكولوجي المناسب لمجتمع مبتكر

ويقصد بذلك خلق البيئة الملائمة لعمل متداخل، ومعقد، ومترابط في مدخلاته ومخرجاته بين الاطراف الرئيسة فيه، وهي: الحكومة – التعليم – المشاريع – الصناعة. ومن اجل تطوير الاقتصاد على نحو مستدام، فان الحاجة ستكون ماسة الى انشاء وتطوير مجتمع يتبنى ثقافة الابداع والابتكار. وتشكل الموارد البشرية القوة المحركة الرئيسة بهذا الصدد.

وهناك استراتيجيات تستهدف زيادة عدد العاملين، وزيادة المنتجات القائمة على اساس المعرفة. ومن اهمها تأسيس الجامعات البحثية التي تقوم بما يأتي:

- توفير الدعم المالي لتدريب عالي الجودة لخريجي الدراسات العليا (مكافئات و مصروفات تشغيلية).

- جعل البنية التحتية، وبيئة التربية والتعليم ذات سمات وخصائص قادرة على الربط والتواصل ما بين البحوث والابتكار والاقتصاد.

- توفير الاطار القانوني اللازم لذلك، وتغيير القوانين والاطر والاجراءات السائدة.

- تشجيع الجامعات على انجاز بحوث ذات طابع عالمي، والزامها بالخضوع لمعايير انجاز هذه البحوث.

- دعم الدولة لرأس المال البشري المُبتكِر، من خلال وزارة التعليم العالي.

- انشاء صندوق رأس المال البشري المبتكر.

- اطلاق منح ما قبل التسويق.

ان انجاز ذلك يتطلب القيام بنقلة نوعية في منهج واسلوب البحث والتطوير القائم، من اجل بقاء الدولة قادرة على الحفاظ على مكانتها كلاعب منافس ( اضافة لكونها حكماً بين اللاعبين الاخرين )، وقادرة ايضاً على التعاون مع القطاع الصناعي الخاص.

خامساً: تغيير المنهج والسياسة من اجل بحوث وابتكارات داعمة للاقتصاد الجديد

وبهذا الصدد يجب التأكيد على الحقائق الاتية:

- لا قيمة للبحوث المنشورة، او لحصولها على جوائز، فالمنتجات التي يتم ابتكارها يجب ان يتم تسويقها.

- يجب ان تكون البحوث الجارية قائمة على احتياجات الزبون، وليس على رغبة الباحث.

- انجاز بحوث ذات تأثير،تجمع بين الجوانب الاساسية والتطبيقية.

- ينبغي تعلّم مفهوم تنظيم المشاريع بحيث يكون المنتج المصمّم ذو جدوى تجارية.

- اختيار منصة تقنية مناسبة، مع ضمان وجود استشراف دقيق وتنبؤ جاد بالتغيرات في التقنية.

- الاستعداد المسبق لكل المتغيرات، بحيث تبقى المنتجات التي ننتجها ذات صفات تنافسية في السوق العالمية.

سادساً: مؤشرات وتوجهات التعليم العالي في كوريا الجنوبية

- يوجد تكامل وتنسيق في عملية اعداد المناهج بين الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم.

- لا يوجد فصل بين مراحل العملية التربوية. فالتربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا كلها شيء واحد، ويتم التعامل معها ضمن منظومة واحدة(ومن خلال وزارة واحدة).

- الترابط كثيف وعميق بين القطاعات الاقتصادية وبين المؤسسات التعليمية.

- لا مجانيّة مطلقة للتعليم، فحتى في المراحل الاولية يتحمل الطالب جزءاً من تكاليف الدراسة.

- هناك اجتماع معرفة قبل اقتصاد المعرفة. وهذا المجتمع شريك، ومشاركته فاعلة وجوهرية.

- معايير الجودة مرتبطة بالتخطيط الاستراتيجي. وتقييم جودة الاداء لا تقوم به المؤسسة التعليمية ذاتها، بل تقوم بها جهات خارجية (محلية واقليمية ودولية).

- الترابط قوي ودائم بين الحكومة والصناعة، والجامعات، والمجتمع.

- توافر ارادة سياسية داعمة في مجالات البحوث والتمويل والمنافسة على الموارد.

- التركيز على الابحاث التطبيقية وتشجيع الابداع في التفكير.

- التركيز على العالمية.

- لا توجد اختلافات كبيرة بين الجامعات العامة و الخاصة. واللاعب الاساسي بينهما هو الصناعة. فالصناعة تمارس دوراً هاماً في حياة الجامعات (حكومية كانت ام خاصة ).

- التركيز على افضل تخصيص واستخدام للموارد المتاحة، وتوفير جميع الفرص اللازمة لتحقيق تقدم ملموس في نظام التعليم.

- لا توجد دراسة مجانية في الجامعات، بل توجد مِنَح.

- التعليم الزامي حتى المرحلة الاعدادية.

- 86% من خريجي الاعدادية يلتحقون بالجامعات.

- متوسط عدد ايام الدراسة للمرحلتين المتوسطة والاعدادية هو 220 يوم.

- التركيز على جودة التعليم في المدارس:

- 100% نسبة المدراس الموصولة بالأنترنت.

- جهاز حاسوب لكل خمسة طلاب.

- معلم واحد لكل جهاز حاسوب.

- منذ 15 عاماً تم ادخال اللغة الانكليزية في المدراس الابتدائية.

- احد تدابير السياسة العامة لدعم التعليم في المدراس، هي دعم الموهوبين، واعفاءهم من الخدمة العسكرية الالزامية.

- توجد في كوريا الجنوبية (2011) 17 مدينة تكنولوجية.

- لا تتعامل الحكومة مع الشركات والمشاريع الصغيرة و المتوسطة. وتترك للتكنوقراط في الجامعات مهمة التعامل معهم في مختلف مجالات عملهم.

- الدعم الحكومي للجامعات الخاصة غير مباشر، ويتم من خلال دعم المشاريع. وهذه المشاريع تكون عادة ً مدرّة للدخل، وينظر اليها على انها استثمار طويل الاجل.

- تعرض وزارة التربية والتعليم والعلوم والتكنولوجيا مشاريعها المخصصة للبحث العلمي على جميع الجامعات، والجامعة التي تقدم العرض الافضل هي التي تحظى بهذه المشاريع.

- جميع المواد الدراسية يتم تدريسها باللغة الانكليزية في الجامعات الكورية. ويمارس تخصص الكليات دوره في تحديد نسبة تغطية تدريس المواد باللغة الانكليزية، صعوداً او نزولاً، على وفق حاجة الاختصاص لذلك.

سابعاً: مؤشرات وتوجهات التعليم العالي في ماليزيا

- في الخمسينيات من القرن الماضي كان التعليم يركز على الزراعة.وفي السبعينيات كان يركز على الصناعة. وفي اواخر الثمانينيات بدأ ارسال الطلبة الى اليابان وكوريا الجنوبية.

- في عام 2000 بدأ الاهتمام باقتصاد المعرفة يأخذ مدياته الكاملة.

- تم ارسال الطلبة الماليزيين لمواصلة دراستهم في مختلف دول العالم ( واهمها الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا ).

- العوامل الحاسمة في تطوير التعليم في ماليزيا هي:

( الحاكمية الجديدة – التمويل المناسب – العولمة ).

- هناك دعم وتشجيع للتعليم مدى الحياة.

- تقدر مخرجات الدراسة الاعدادية ( 2011 ) ب 400 الف طالب سنوياً ( في بلد لا يزيد عدد سكانه عن 27 مليون نسمة ).

- الطلاب الذين لا تؤهلهم معدلاتهم للالتحاق بالجامعات ( او لا يرغبون في الالتحاق بها لسبب آخر ) سيقبلون في البولوتكنيك، او في كليات خاصة، او في الكليات المجتمعية، او في الجامعات المفتوحة.

- ماليزيا هي من بين 13 بلد معتمد من هيئة الاعتماد في واشنطن، وهي البلد الاسلامي الوحيد المسجل في هذه الهيئة.

- الرسوم الجامعية في ماليزيا اقل ب 20% من رسوم الجامعات في البلدان الاخرى.

- على مدى 20 عام تم تخصيص 6% من GDP لتطوير التعليم، و 25% من اجمالي الانفاق العام.

- تجني ماليزيا الان ثمار ارسال طلابها الى الخارج. فقد عاد هؤلاء حاملين معهم افضل المعايير الدولية للعمل الاكاديمي.

- 40 الف طالب أجنبي يدخلون الجامعات الماليزية سنوياً ( ومنهم طلبة من المانيا والصين وروسيا واستراليا ).

- واحد من بين كل عشرة طلاب ( اجنبي ).

- 10% من اعضاء الهيئة التدريسية في ماليزيا ( اجانب ).

- تصنيف الجامعات الماليزية يقع ضمن اول 200 جامعة في العالم.

- تقوم الحكومة عبر وزارة التعليم العالي برصد مجالات الابحاث، لضمان قيام الجامعات بأجراء ابحاث متوافقة مع امكاناتها.

- يتم تقييم الاكاديميين وفق المعايير الاتية:

(جودة الابحاث - المؤلفات المنشورة - المساهمة المجتمعية – المساهمات الدولية).

- يتم تقييم مخرجات التعليم (الطلاب الخريجين) بموجب مؤشرات للمهارات الشخصية و تقارير ارباب العمل. والهدف هو حصول 80% من الخريجين على فرصة عمل في اول ستة اشهر بعد تاريخ تخرجهم.

- ماليزيا من بين الدول الصارمة جداً في مجال اعداد وتقييم النتاجات العلمية.

- في ماليزيا مجلس للابتكار يرأسه رئيس الوزراء الماليزي.

- هناك تنافس محموم بين الاكاديميين على النشر في المجلات العالمية المرموقة، وذات التأثير الكبير على المستوى الدولي.

- هناك تأكيد على ضرورة ان يكون البحث ريادياً، وان يخلق فرصاً جديدة للصناعة، وان يتم تحويل البحوث الى فرص تجارية.

- تتمركز الابحاث حول الزبون وليس حول الباحث.

- التآلف والتناغم بين الاعراق المختلفة، هو الذي اثّر بشكلٍ ايجابيٍّ في التجربة الماليزية في الابتكار والريادة، وكان الداعم الرئيس لاستقرار البلاد طيلة خمسين عاماً.

- وجود ارادة سياسية داعمة لمثل هذه التحولات والتوجهات، رغم اختلاف القيادات والانظمة السياسية.

- لم تقم ماليزيا بإعادة اختراع العجلة، بل وقفت على اكتاف العمالقة الذين حققوا الكثير من المنجزات قبلها.

- من خلال هذا المسار، أسست ماليزيا مسارها الخاص بالاعتماد على الاهمية الثقافية للتغيير.

ثامناً: كوريا الجنوبية / بعض المؤشرات الرئيسة

- السكان: 50 مليون نسمة.

- الدخل القومي وحصة الفرد الواحد منه ( بليون دولار امريكي للدخل القومي، ودولار واحد لحصة الفرد منه):

1962 1970 1980 1990 1995 2000 2005 2008

2.4 8.2 62.7 363.5 515.5 509.6 790.1 937.9

90.9 254 1654 6147 11432 10841 16413 19296

- معدل البطالة: 3%

- معدل العمر المتوقع: 79 سنة ( في عام 1970 كان 62.6 سنة ).

- تحتل كوريا الجنوبية المرتبة 14 في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والمرتبة 12 من حيث تعادل القوة الشرائية (PPP).

- و تُعد من الاقتصادات الكبرى في العالم G 20.

- عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.

- كوريا الجنوبية لا تزال واحدة من الدول الأسرع نموا في العالم، جنبا إلى جنب مع هونغ كونغ وسنغافورة، وتايوان. وتشير كوريا الجنوبية إلى هذا النمو باعتباره معجزة على نهر هان.

- يعتمد اقتصاد كوريا الجنوبية اعتمادا كبيرا على التجارة الدولية. ويعد اقتصادها (بيانات 2010 ) سادس أكبر مصدر، وعاشر أكبر مستورد في العالم.

اضف تعليق