q
تُعد إنشاءات البنية التحتية جوهرية واساسية لأي نمو اقتصادي محتمل في العراق، ولكن ما أردنا التركيز عليه، عدم الانجرار وراء الاحلام الوردية التي يرسمها لنا السياسيين لأغراض انتخابية، التي تُصور لنا فرصاً عملاقة وراء مشاريعهم وقراراتهم، وليس مثالاً أقرب من البريكست البريطاني...

الجاثوم هو الكابوس الذي يجثم على عقل الإنسان أثناء نومه، وفي حالتنا هذه يمكن اعتبار (طريق الحرير الصيني) بمثابة الكابوس الذي يجثم على صدر الاقتصاد العراقي.

لنبدأ بالجانب المضيء: سيتطلب إنشاء المشروع الايدي العاملة لإنجازه، وهذا سيخلق وظائف بمعدلات مرتفعة، وسيعطي دفعة قوية للاقتصاد العراق، ولكنها دفعة مؤقتة حيث يمكن أن تختفي المئات من الوظائف إذا لم يعمل المشروع وفقاً للمؤمل، كما بينّا في المقالة الثانية: الرهان العراقي.

كذلك، الطلب على البترول: هدف الصين الجوهري من وراء تمويل هذا المشروع هو تحفيز واستمرارية نمو الاقتصاد الصيني، وهو ما يُتوقع أن يرفع الطلب الصيني على البترول العراقي، فبحسب السفير الصيني، يُعد (العراق رابع أكبر مصدر للنفط إلى الصين وثالث أكبر شريك تجاري لها في العالم العربي)

ولكن، ومن واقع التجربة العراقية بعد 2003، فغالبا ما سُيترجم الارتفاع في الإيرادات النفطية إلى زيادة في التعيينات الحكومية، وهذا ما يضيع ملف (تنويع الاقتصاد العراقي) امام تحدي وصعوبات عويصة، سنحتاج لاحقاً لمقالة منفصلة لفهم آلية التأثير السيء لإيرادات النفط على نهوض الاقتصاد العراقي.

جانب التحديات الاقتصادية: في مقابل الجانب المضيء، هناك تحديات سيفرضها المشروع الصيني على الاقتصاد العراقي.

يعتبر خفض تكاليف (الإنتاج والنقل) هي الكلمات المفتاحية لفهم دوافع المشروع الصيني، الذي تهدف الصين من خلاله لرفع تنافسية منتجاتها أمام منتجات الدول الاخرى.

ان وصول منتجات صينية رخيصة للسوق العراق سيضع قطاعي (الصناعة، الزراعة) تحت ضغط كبير، إذ يقع على عاتق هذه القطاعات تحسين جودة عملياتها لإنتاج بضائع تنافسية، أفضل من حيث الجودة، وأرخص من حيث التكاليف.

ولغاية الآن فإن الكفة تميل لصالح المنتج الصيني، الرخيص أصلاً، والذي سيزيده طريق الحرير الصيني رخصاً مرة أخرى.

لقد بدأت المصانع الصينية، ومع انطلاقة مشروع طريق الصين، بالانتقال من الأقاليم الشرقية البحرية إلى المناطق الغربية ذات الايدي العاملة الارخص، والقريبة من مصادر الطاقة، وهذا ما تحدثنا عنه في المقالة الأولى: تأثيرات طريق الحرير الصيني على الاقتصاد العراقي.

وفي الوقت الذي تتسابق فيه الصين لخفض تكاليف صناعاتها، ما زال الاقتصاد العراق يرزح تحت عوامل اقتصادية داخلية ضاغطة منها:

- القروض المصرفية المرتفعة الفائدة.

- القيمة المرتفعة للدينار العراقي.

- الأجور المرتفعة للعامل العراقي.

- صعوبة انشاء وإدارة الاعمال.

هذه العوامل وغيرها ستضع الاقتصاد العراقي تحت مزيد من الضغط، بالإضافة إلى ما يضعه طريق الحرير الصيني.

الحذر وليس المعارضة، لا ينبغي ان يُفهم المقال على إنه معارضة أو رفض لطريق الحرير الصيني، فقبل كل شيء، تُعد إنشاءات البنية التحتية جوهرية واساسية لأي نمو اقتصادي محتمل في العراق، ولكن ما أردنا التركيز عليه، عدم الانجرار وراء الاحلام الوردية التي يرسمها لنا السياسيين لأغراض انتخابية، التي تُصور لنا فرصاً عملاقة وراء مشاريعهم وقراراتهم، وليس مثالاً أقرب من (البريكست البريطاني)، عندما صوَّت البريطانيون بدفع من سياسيهم على قرار الخروج من الاتحاد الأوربي، ليتبين لهم بعدها مدى فداحة التكاليف التي عليهم دفعها، ومدى المزايا التي كانوا يحصلون عليها من جراء انضمامهم للاتحاد الاوربي.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق