q
تُشكل تقنية البلوك تشين (قواعد البيانات المتسلسلة) ركيزة للثورة الصناعية الرابعة، حيث تماثل تقنيات كالمحرك البخاري والإنترنت اللذين أطلقا العنان لثورات صناعية سابقة. فهذه التقنية لديها القدرة على تعطيل نماذج اقتصادية وتجارية قائمة وقد تكون ذات قيمة خاصة في بلدان الأسواق الناشئة. ويرى الخبراء أن...
بقلم اميلي بارتلز بلاند

تُشكل تقنية البلوك تشين (قواعد البيانات المتسلسلة) ركيزة للثورة الصناعية الرابعة، حيث تماثل تقنيات كالمحرك البخاري والإنترنت اللذين أطلقا العنان لثورات صناعية سابقة. فهذه التقنية لديها القدرة على تعطيل نماذج اقتصادية وتجارية قائمة وقد تكون ذات قيمة خاصة في بلدان الأسواق الناشئة. ويرى الخبراء أن قواعد البيانات المتسلسلة تبشر أيضاً بأن تصبح وسيلة لمكافحة الفساد، خاصة في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث يزيد عدد السكان ممن لديهم هواتف عن عدد من لديهم حسابات مصرفية.

ولكن ما هي تقنية البلوك تشين (قواعد البيانات المتسلسلة)؟ ببساطة، هي سلسلة من الكتل الرقمية التي تحتوي على معلومات. وحالما يتم إنشاء المعلومات، يصبح من الصعب للغاية تغييرها. وهي تتضمن معلومات عن المُرسل والمتلقي ومقدار العملة. والبيانات جديرة بالثقة لأنها مرتبطة في إطار صارم من القواعد ومفاتيح التشفير، ولا يمكن الوصول إلى البيانات أو تعديلها إلا لمن لديه المفتاح الصحيح. كما تلغي سلسلة الكتل الحاجة إلى وجود وسيط كالبنوك أو المحامين.

وقد استخدمت سلسلة الكتل في العملات المشفرة مثل بيتكوين، لكن العديد من الاستخدامات المحتملة الأخرى تواصل الظهور، مثل أسواق الطاقة، والهوية الرقمية، وسلسلة التوريد، والرعاية الصحية، والخدمات المالية. ولكن هناك أهمية خاصة لسلسلة الكتل في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وهي مكافحة الفساد.

أثر الفساد

ففي هذه المنطقة ينجم عن الفساد تأثير غير متناسب على الفقراء والأشد ضعفاً، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف والحد من إمكانية الحصول على الخدمات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والعدالة. كما يعيق الفساد الاستثمار، مع ما يترتب على ذلك من آثار على النمو والوظائف. ووفقا لمسح أجرته منظمة الشفافية الدولية، قال أكثر من نصف سكان أمريكا اللاتينية إن حكومتهم تخفق في التصدي للفساد، وقال واحد من كل ثلاثة أشخاص استخدموا الخدمات العامة في الأشهر الاثني عشر الماضية إنهم اضطروا إلى دفع رشوة.

وقد أظهرت الدراسات أن الفقراء يدفعون أعلى نسبة من دخلهم في الرشا. ففي باراغواي، يدفع الفقراء 12.6% من دخلهم للرشا بينما تدفع الأسر ذات الدخل المرتفع 6.4%. فغياب تجهيل الهوية مع إمكانية تتبع سلسلة الكتل يجعل الفساد أكثر صعوبة باستخدامها عنه بالنقود التقليدية.

على سبيل المثال، إذا قررت إحدى الحكومات إنشاء طريق، فبإمكانها تتبع كيفية إنفاق كل دولار، وتحديد جميع مستخدمي الأموال، والتأكد من أن المصرح لهم بإنفاق الأموال هم فقط من يفعلون ذلك على أساس النفقات المقررة في الأصل. ويمكن للتحقيقات في ممارسات الاحتيال والفساد، التي تستغرق في العادة بضعة أشهر، أن تُستكمل على الفور. ومن الممكن أن يشكل هذا النوع من التتبع المالي رادعًا للرشا في القطاع العام، مما يؤدي بدوره إلى تعظيم أثر التنمية.

ففي منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، لا يتمكن سوى نصف البالغين من الحصول على الخدمات المصرفية، إلا أن 90% من البالغين غير المتعاملين مع المصارف يملكون هواتف محمولة. ومع استمرار انتشار الهاتف الذكي في النمو، تزداد شعبية العملات الافتراضية أيضًا. ففي فنزويلا، يزيد عدد البائعين الذين يَقبلون بتبادل العملات المشفرة عن عددهم في المملكة المتحدة أو ألمانيا أو الولايات المتحدة. وتسمح الأصول الرقمية لمواطني فنزويلا بمواصلة نقل الأموال دون قلق بشأن التضخم المفرط أو التعامل مع مبالغ نقدية كبيرة. وفي البرازيل، تقبل بعض الشركات ومتاجر البيع بالتجزئة العملات الافتراضية كوسيلة للدفع. كما تعمل كولومبيا على زيادة وجودها في سوق العملات المشفرة في أمريكا اللاتينية، كما هو الحال مع بيرو.

وتشيلي لديها أيضا مجتمع نشط جدا للعملات الافتراضية، ولكن البنوك ترفض تقديم خدمات للشركات والمستخدمين ذوي الصلة بهذه العملات. وتستضيف تشيلي والأرجنتين أحداثًا واجتماعات عن العملات المشفرة. ففي تشيلي، اجتذب مؤتمر LaBitConf آلاف المشاركين من جميع أنحاء العالم من المهتمين بالأصول الرقمية. وفي الأرجنتين، تواصل بيتكوين النمو أيضًا، ولا توجد لوائح رئيسية تهدد هذا المجال. ومع ذلك، فإن بوليفيا والإكوادور هما من بين عدد ضئيل من بلدان العالم التي تحظر استخدام بيتكوين حظرا صارما.

وتعمل مجموعة البنك الدولي على ضمان أن تتمكن البلدان النامية من تسخير هذه الأنواع من الابتكارات للقضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك. ففي أغسطس آب 2018، طرح البنك الدولي أداة دين جديدة تعمل بنظام سلسلة الكتل، وهي أول سند يتم إنشاؤه في العالم وتخصيصه ونقله وإدارته خلال دورة حياته باستخدام سلسلة الكتل.

وفي كولومبيا، حيث يفتقر الشباب ذوو الدخل المنخفض والمعرضون للخطر إلى إمكانية الحصول على تعليم جيد وغالباً ما يتم منعهم من البقاء في المدرسة لإكمال منهج رسمي، يقوم البنك الدولي باستكشاف فرصة دعم تعليم الشباب من خلال اللعب الاجتماعي، حيث يمكنهم كسب عملات رمزية من خلال حل التحديات العالمية.

يعمل البنك الدولي أيضًا على استخدام سلسلة الكتل لتحقيق المزيد من الشفافية في سلاسل التوريد. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشجع سلسلة الكتل المزارعين والوسطاء بين المزارع والمصانع على إدخال المزيد من البيانات حول المنتج أثناء انتقاله عبر هذه السلسلة.

يمكن لهذه الثورة الصناعية الرابعة أن تساعد في تسريع وتيرة التقدم نحو التنمية من خلال المساعدة في منع الاحتيال والفساد. ومع ذلك، فإن هذه التقنية في مراحلها الأولى من التطوير، وهناك حاجة إلى معالجة التحديات والمخاطر الجسيمة، التقنية منها والتنظيمية، قبل أن يتم اعتمادها على نطاق واسع. لكن الطريق مفتوح على مصراعيه.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق