q
بسبب قلة التخصيصات الاستثمارية نتيجة الازمة المالية التي خلفها انهيار اسعار النفط في حزيران 2014. وقد اسهمت عوامل اخرى منها ضعف الرقابة وسوء ادارة الملف الاقتصادي نتيجة التوافق السياسي وما افرزه من قيادات ضعيفة وغير مختصة لإدارة الوزارات الاقتصادية (كوزارة المالية، التخطيط، التجارة، الصناعة، الزراعة...

غالبا ما تعاني البلدان النامية من ضعف في انجاز المشاريع العامة، والخدمية على وجه التحديد، نتيجة نقص رأس المال وعدم توفر الموارد المالية الكافية لدعم وتعزيز البنية التحتية. لكن في العراق، تثير التجربة الاستغراب، والغضب ايضا، حين يلاحظ حجم الايرادات المالية الضخمة المتدفقة على البلد وشحة المشاريع العامة المنجزة. قبل العام 2003 لم يحظ العراق بقيادة حكيمة قادرة على تحويل الموارد المالية النفطية الى قنوات البناء والاعمار ورفع المستوى المعيشي للفرد ليناظر تجربة الخليج على الاقل، بدلا من ذلك، بددت موارد البلد في حروب ومغامرات طائشة وارصدة خارج البلد.

اما بعد العام 2003، لم يشهد العراق (ايضا) تحسنا ملحوظا في مستوى الخدمات العامة ولم تحظى البنية التحتية بالعناية التي توازي الدولارات النفطية المتدفقة نتيجة ارتفاع الطاقة الانتاجية وتحسن اسعار النفط في الاسواق العالمية. واستمر اتجاه الوضع الاستثماري العام بالتعرج طيلة المدة (2004-2017)، مرة بسبب المحاصصة السياسية والفساد وضعف التخطيط والتنفيذ.

ومرة اخرى بسبب قلة التخصيصات الاستثمارية نتيجة الازمة المالية التي خلفها انهيار اسعار النفط في حزيران 2014. وقد اسهمت عوامل اخرى منها ضعف الرقابة وسوء ادارة الملف الاقتصادي نتيجة التوافق السياسي وما افرزه من قيادات ضعيفة وغير مختصة لإدارة الوزارات الاقتصادية (كوزارة المالية، التخطيط، التجارة، الصناعة، الزراعة، النفط... وغيرها) فضلا على ضخامة صفقات الفساد التي طالت مختلف الحلقات الادارية وفي معظم المؤسسات الحكومية.

اضافة الى الصراعات السياسية بشأن احالة المشاريع الخدمية والاستثمارية الى شركات محددة، كحصة ومغنم لتلك الاحزاب، وكثيرا ما تتضارب مصالح الاحزاب السياسية وتتحول الى صراع على مشاريع استراتيجية تمنح في نهاية المطاف الى شركات غير رصينة.

مؤخرا، انعكست الازمة المالية التي خلفها هبوط اسعار النفط على الاقتصاد العراقي بكافة قطاعاته الاقتصادية، وبالأخص قطاع المشاريع الاستثمارية العامة، اذ تم الغاء العديد من المشاريع الاستثمارية من فقرات موازنة العراق عام 2015 و2016 و2017 و2018، وتم ايقاف البعض منها رغم وصول نسب الانجاز لقرابة (80%) بحجة قلة التخصيصات. ويتصدر ضعف التخصيصات المالية وتأخر إطلاق الموازنة الاستثمارية، قائمة العناصر المعرقلة لمشاريع الدولة الخدمية والاستثمارية. وقد شهدت العديد من المشاريع الاستراتيجية، وفي معظم المحافظات، تلكؤ في التنفيذ او التوقف التام عن العمل، بعد تخصيص مئات المليارات لها.

ان تأخر إطلاق التخصيصات الاستثمارية يؤثر في الاقتصاد العراقي بتأخير انجاز المشاريع الخدمية ومشاريع البنى التحتية كافة وبما يؤثر في نسبة الانجاز السنوية لهذه المشاريع، ونسب تنفيذ الخطط السنوية والخطط الخمسية. كما ان عدم إطلاق الموازنة الاستثمارية بالمواعيد المحددة له تأثيرات سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني، وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية قيد التنفيذ والمرتبطة بفترة انجاز مثبتة في قرار الاحالة، فضلا عن تأخر البدء في المشاريع الجديدة ضمن الخطط السنوية للوزارات والمحافظات.

والجدير بالذكر والملاحظة قيام وزارة التخطيط، بعد تدهور الوضع المالي منتصف العام 2014 (بسبب انهيار اسعار النفط)، بتبويب المشاريع الاستثمارية في العراق ضمن ضوابط ومعايير صارمة لضمان التكييف مع اخفاض التخصيصات الاستثمارية، ومن تلك الضوابط نسبة الانجاز (90%)، او الدفعة الاخيرة... وغيرها.

ولكن ما تأثير التعثر في تنفيذ المشاريع الاستثمارية القائمة ومدها بالتمويل اللازم؟ يمكن الاشارة في هذا الصدد الى أبرز الاثار المترتبة بالآتي:

1- تجميد النفقة الاستثمارية وما لذلك من اثار سلبية على الاقتصاد الوطني.

2- اطالة فترة تنفيذ المشروع وما يترتب عليه من ضعف في الجدوى الاقتصادية والمالية للمشروع.

3- بروز مشكلة الضرر الهندسي مثل تأثر الابنية المنجزة والمعدات الى تلف وضرر نتيجة سوء الخزن وعوامل الطقس وغيرها.

4- التقادم التكنلوجي والاندثار وخسارة مزايا عديدة من نحو صيانة الاجهزة والمعدات وغيرها نظرا لتجاوز المدد المحددة بالعقد.

5- التعاقد القانوني وما يترتب عليه من غرامات وخسائر عديدة بحق الجانب المتخلف عن تنفيذ بنود العقد.

6- طول مدة التنفيذ وما تعنيه من اطالة وديمومة امد الفقر والحرمان خاصة لبعض المشاريع التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر كالمستشفيات والمدارس ومشاريع الماء والكهرباء والصرف الصحي وغيرها.

ازاء تلك التحديات وما يترتب عليها من اثار سلبية على الاقتصاد الوطني والمواطن، ينبغي تخصيص موازنة استثمارية تكميلية مصممة لتمويل المشاريع الاستراتيجية المتلكئة بسبب قلة التخصيص المالي، خصوصا تلك التي فاق نسب انجازها (75%). وتساعد الوفرة المالية المتحققة من تعافي اسعار النفط في تامين المبالغ اللازمة لهذه الموازنة. على ان تحاط بأقصى درجات الرقابة والحذر في مجال التنفيذ والمتابعة لضمان ابعاد تلك المشاريع عن مافيات الفساد من جهة وضمان انجازها في مواعيد محددة من جهة اخرى.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

اضف تعليق