q

يُعتبر نموذج دومار من اهم النماذج في تفسير ظاهرة العبودية في المجتمعات الزراعية. الاقتصادي Evsey Domar نشر نموذجه لأول مرة عام 1970 في ورقة بعنوان "اسباب العبودية: فرضية" نُشرت في مجلة التاريخ الاقتصادي. نموذج دومار هو تنقيح لفرضية نُشرت في الأصل للمؤرخ الروسي Vasily Klyuchevsky الذي نظر في اسباب العبودية من خلال رؤيته للتجربة الروسية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. في فرضيته هذه، يسعى دومار لإعطاء الفرضية تطبيقا واسعا مع التركيز بنفس الوقت على التحليلات التي تعرض نموذجا اقتصاديا كتفسير لأسباب الرق.

الافتراضات

يفترض دومار في نموذجه الفرضيات التالية:

1- الارض والعمل هما العنصران الوحيدان للإنتاج (لا حاجة لرأس المال او الادارة)

2- الارض هي ذات طبيعة موحدة ولا اعتبار هنا للموقع.

3- هناك مردود ثابت للعمل (الناتج الحدي للعمل هو ثابت، ويساوي تقريبا متوسط ناتج العمل).

بالاضافة الى ذلك، يرى دومار ان هناك ثلاثة عناصر ملائمة في هذا النموذج تتعلق بالهيكل الزراعي وهي:

1- وفرة في الارض المجانية

2- وفرة في العمل الحر (عمل فلاحي حر)

3- زراعة على نطاق واسع (لا وجود لعمل مالكي الاراضي).

يرى دومار ان اي من العنصرين وفي اي موقف يمكن ان يوجدا بشكل متماسك ولكن يستحيل وجود العناصر الثلاثة مجتمعة في وقت واحد. اعتمادا على اي من العناصر توجد بحالة من التماسك، ستبرز امامنا مختلف انواع المجتمعات.

وفق خصائص نموذج دومار، فان الانتاج = دالة (الارض مضروبة في العمل)، وفي ظل افتراض ان الانتاج يتطلب فقط الارض والعمل، والانتاج ذو مردود ثابت، وهناك وفرة في الارض المجانية، عندئذ سوف لن تكون هناك حرية للعامل في اختيار الاجور.

التطبيق التاريخي

يركز دومار في اختبار نموذجه على التحليلات التاريخية للعبودية في روسيا وبولندا- لتوانيا واوربا الغربية والولايات المتحدة. تحليل دومار لروسيا ينظر في ما قبل عام 1550 عندما كان فلاحو روسيا احرارا، وبعد مائة سنة عندما اصبحوا عبيدا. يؤكد دومار ان العوامل الملائمة المساهمة في هذا التغيير في التصنيف كانت عدد الخدام المطلوبين من جانب الجيش وكذلك مقدار السكان. في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، بدأت الحكومة الروسية بتوزيع الاراضي واعادة توزيع السكان في المناطق المركزية من البلاد. ومع بداية القرن السابع عشر، كانت هناك نسبة عالية من الارض/العمل بالاضافة الى الحاجة الحكومية لخلق طبقة كبيرة من الخدم، والذي سبب زيادة كبيرة في مستوى الرق في روسيا.

في بولندا- لتوانيا، هناك عوامل ملائمة قادت الى زيادة في العبودية بدأت في القرن الرابع عشر مع احتلال اراضي اوكرانيا مما قاد الى نسبة عالية في الارض/العمل في المناطق المتسعة الجديدة. كذلك، الهجرة خارج المناطق المركزية باتجاه الاطراف قاد الى نسبة اكثر تجانسا للارض/ العمل على طول حدود الدولة. في تحليله للعبودية في اوربا الغربية يقترح دونار ان اعادة توزيع السكان في الامبراطورية الرومانية الاخيرة خلق زيادة كبيرة في نسبة الارض/العمل مما خلق موقفا برزت فيه العبودية كنتيجة لاحقة لزيادة نسبة الارض/العمل بسبب انخفاض عدد السكان.

ان نهاية القرن الثالث عشر في اوربا الغربية قوبلت بهبوط حاد في العبودية والذي يعزوه دومار الى كثافة السكان والفائض الكبير في العمل ومن ثم الى الهبوط الكبير جدا في نسبة الارض /العمل. كذلك، يلعب هذا النموذج الاقتصادي دورا هاما في تحليل اسباب العبودية في الجنوب الاستيطاني الامريكي. يرى دومار بان الجنوب الامريكي اظهر وفرة في الارض المجانية ونطاق واسع من الزراعة، ولكن لا وفرة في العمل المجاني. مقابل ذلك، نجد في الشمال الامريكي وفرة في الارض المجانية ووفرة في العمل المجاني، ولكن لا وجود لنطاق كبير للزراعة. الجنوب الامريكي اثناء الفترة الكولنيالية كان يتميز بكميات كبيرة من الارض الخصبة التي لم تكن مأهولة قبل الاستيطان، ونادرا ما قُطنت اثناء الاستيطان. يبرر دومار استيراد العبيد الى الجنوب الامريكي كحاجة اقتصادية للعمل نتيجة النسبة العالية من الارض /العمل في الجنوب. دومار يعزو الفرق في مقبولية العبودية في الجنوب الامريكي قياسا بالشمال الامريكي الى معارضات سياسية واجتماعية والى التكيف العالي للعبيد مع المناخ الحار، والى زيادة الانتاجية التي تتماشى مع المواسم الاطول والاكثر ثمارا في الجنوب بسبب الحرارة.

نقد وتقييم

نموذج دومار في العبودية واجه انتقادا منذ نشره عام 1970. في عام 2009 نشر البروفيسور جين جاكس روس ورقة بعنوان "اسباب العبودية :مراجعة الفرضية" جادل فيها ان الرق والعبودية لا يمكن ان يكونا صحيحين في وقت واحد، حيث ان دومار يرى ان ندرة العمل هي ضرورية لكنها ليست كافية لظهور العبودية، وان عاملا سياسيا خارجيا مطلوبا لوجود لعبودية، روس يرفض هذه الرؤية ببيان ان "في اقتصاد الكفاف الزراعي الظروف التكميلية للعبودية هي 1- نموذج القلة في طلب العمل oligopsony(وجود عدد قليل من المشترين) الناجم عن 2- قلة المجهزين للعنفoligopolistic (عدد قليل من البائعين) من جانب مالكي الاراضي الكبيرة". لكن البروفيسور جوناثن كاننك من جامعة هنتر نشر ورقة بعنوان "اسباب العبودية والطريق الى الرأسمالية الزراعية: تنقيح فرضية دومار"، في فرضيته يعرض كاننك "صياغة توازنية عامة ومبسطة لفرضية دومار عن اسباب العبودية فيها يؤكد على التفاعلات بين العناصر الانتاجية في البلد، وطبيعة تكنلوجيا الانتاج، والتوزيع الاساسي لحقوق الملكية في الارض". ورقة (كاننك) تعتبر توسيعا لنموذج دومار بدلا من ان تكون تحديا مباشرا له.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق