q

ان منح براءات اختراع للمادة البيولوجية يمثل اشكالية على المستوى الاعلامي، اذ يقال ان العلماء يستصدرون براءات اختراع عن الحياة نفسها وان كان علينا ان نكون حذرين حيال ما نقصده بكلمة حياة، وقد سمحت العديد من البلدان للناس بأمتلاك وبتسجيل انواع نباتية على مدى عقود، وكانت اميركا صاحبة السبق، حيث اطلقت عام 1930 قانون براءات الاختراع للنباتات، وتليها المانيا وغيرها من البلدان الاوربية، وقامت بريطانيا بتطبيق قانون الانواع النباتية والحبوب عام 1964، مانحة حق الاحتكار الكامل لمالك اي نوع نباتي يثبت انه مبتكر، ومتميز، ومتسق، ومستقر، واختبار الابتكارية هنا اكثر سهولة منه في براءة الاختراع الصناعية، ومن يعلم ماقد ينمو من نباتات في الغابات؟ وهكذا فأن النبات يستحق الحماية حتى اذا كان ينمو في الطبيعة، طالما لم يسبق له ان بيع تجارياً لأكثر من اربعة اعوام.

في ذلك الوقت، كان ينظر الى منح براءة اختراع على نوع من الحبوب او النبات لأهداف زراعية على انه لايختلف عن منحها على وصفة كيميائية او بيولوجية لأهداف دوائية، وقد كان المزارعون والبساتنة الغربيون متحمسين لزيادة غلالهم بعد ان ارتفعت التكاليف، وخصوصاً الاجور الزراعية، وكان عليهم التنافس مع المستوردات من الدول ذوات الاجور المنخفضة، كما انهم كانوا يعولون على تنمية انواع جديدة يمكن جنيها واحضارها الى السوق ابكر ببضعة اسابيع، ولو كانت شركات الحبوب قادرة على حماية اعمالها، لما امكن ضخ تلك الاستثمارات في مجال الحبوب الاسرع نمواً والاكثر مقاومة للامراض عبر السنوات الاربعين الماضية. كان البساتنة الوطنيون يواجهون في الفترة نفسها كلاً من الاعشاب الضارة في اصص الازهار واللعنة الحديثة للوقت القصير جداً، فأنتفعوا من شراء كميات كبيرة من الغليفوسات من راوند- أب وغيرها من الادوية المكافحة للاعشاب الضارة التي تحمل براءات اختراع.

الحصول على براءات اختراع للنباتات

لقد ازدادت عدد الطلبات المقدمة لنيل براءة اختراع على نباتات او على نباتات معدلة وراثياً بسرعة غير مسبوقة. فقد ادت التقدمات التقانية التي تم تحقيقها في مجال التقانة الحيوية الى زيادة قدرة العلماء في استغلال المادة الحيوية على مختلف المستويات، من النباتات الكاملة الى مكوناتها المختلفة، ومن الحيوانات الكاملة الى اعضائها المفردة، ومن الحيوانات الى البشر، وسمحت التطورات في مجال الحمض الريبي النووي او الدي، أن، ايه وفي تقانة الخلايا للعلماء في تعريف الخلايا وتنشئتها والمزاوجة بينها، حتى باتت بمقدورهم احداث مادة حية، وسيحتاج تعريف الجينوم البشري، والذي يحتوي على الجينات التي تتحكم بتصميم كل كائن بشري، اي كيف يتكاثر الانسان وماذا ينتج عن هذا التكاثر، وكيف ينمو ويحافظ على نفسه، او لا، الى عقد ملكية جديدة.

فهل يجب ان يكون الجينوم ملكية عامة على شالكة، معرفة انواع الدم او الدي،أن، ايه نفسه، ام انه يجب ان يكون ملكية خاصة؟ ثمة قول مشهور للمحكمة الاتحادية الامريكية العليا يعود لعام 1952 هو: "كل ماعلى وجه الارض هو من صنع الانسان يمكن منحه براءة اختراع".

الا ان موقفها تبدل منذ ذلك الوقت. ففي قضية دياموند ضد تشاكراباتي عام 1980 طلب منها الحكم في براءة تقدم به اناند تشاكراباتي عام 1980 على كائن مجهري بكتيري معدل وراثياّ مصمم لالتهام البقع النفطية في البحار، وقررت المحكمة ان تزيل الحد الفاصل المقام بين الاشياء الحية والغير حية، اذ يمكن منح الاولى براءة اختراع اما الثانية فلا، لتقيمه بين المنتج الطبيعي، سواء كان حياً ام لا، والاختراعات التي يقوم بها الانسان والتي قد تكون حية بالطبع، ووافقت البراءة، وفي العام 1987 اطلق مكتب البراءات في الولايات المتحدة ادلة جديدة تفيد ان جميع الكائنات العضوية عدا الانسان يمكن منحها براءة اختراع، والذي يمنع الرق.

منح البراءات

ثم اصدر مكتب براءات الاختراع براءة لصالح جامعة هارفرد على فأرة تجريبية سميت انكو ماوس، زرع فيها الانكوجين خدمةً لآبحاث السرطان، وقام مكتب البراءات الاوربي بالمثل بعد ان عارض في البداية، وقال المكتب ان انكو ماوس تشمل معالجة بالمادة الوراثية التي كانت كبيرة بما يكفي لأعتبارها جديدة وفريدة، وتم الاعتراض على اسس اخلاقية ترى ان الفأرة ستعاني خلال الابحاث، الا ان المكتب الاوربي قرر ان فائدة المجتمع ترجح على الخسارة التي ستتكبدها الفأرة، وهو تنويع انيق على عقد الملكية الذي يوازن بين مكافئة المبدع والعائد المجتمعي، وهذا الانتقال السريع في غضون سبع سنوات من قول "لاشىء اطلاقاً"، الى "كل شىء عدا العبودية" انما كان توسعاً هائلاً للملكية الخاصة وانتقالاً كبيراً في موقف مكاتب البراءات من ملكية الحياة.

ثمة حالة غريبة اخرى في ما يتعلق بأعادة تأويل عقد الملكية الذي يناقض فطرتنا المألوفة حدثت في مركز طبي بجامعة في كالفورنيا عندما نجح المركز في حيازة الملكية على صف من الخلايا واستصدار براءة اختراع عليها، وكان هذا الصف مأخوذ من طحال رجل هو جون مور الذي كان يعاني من سرطان دم ذي خلايا شعرية، وقد اكتشف الاطباء ان العقد اللمفاوية لدى مور كانت نادرة على نحو غير طبيعي وانها قد تكون ذات قيمة طبية عالية، ومن دون اطلاعه على الامر قاموا بأجراء اخبارات مكثفة انتهت بأستئصال طحاله، وقد كانت الخلايا قيمة بالفعل كما توقعوا، فهي تفرز مواد تساوي مئات الملايين من الدولارات، وعندما اكتشف مور كيف خصخصت الجامعة خلاياه واستغلتها اقام دعوة لكنه خسرها، فقد قررت المحكمة العليا في كاليفورنيا اننا لانملك خلايانا بعد ان تغادر اجسامنا.

خريطة الجينوم البشري

تتبنى المنظمتان المتنافستنان، اللتان تعملان على رسم خريطة الجينوم البشري، اسلوبين متنافضين تماماً لكنهما مناسبان لهما من براءات الاختراعات الممنوحة على النتائج، ويبدو انهما مناسبان لانهما يجعلان البدائل واضحة وضوحاً قلما يظهر في العلم او في سياسات براءات الاختراع، فمشروع الخريطة الجينية للانسان، المشترك بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، و الممول حكومياً بثلاثة مليارات دولار، ينشر جميع نتائجه بحيث تصبح ملكية عامة، ويقول جون سلستون من جمعية ويلكوم تريست، والذي رعى الابحاث البريطانية، ان "معلوماتنا الاساس، وبرمجياتنا، يجب ان تتوفر مجاناً وان تكون مفتوحة لكل من يود اللعب بها، او منافستها، او محاولة احداث منتجات منها"، ومن جهة اخرى فأن سيليرا، ذات التمويل التجاري تنشر معظم ما تكتشف بما ان معظمه ليس منتجاً من الناحية العلمية، لكنها تحتفظ بألاجزاء المنتجة والقيمة وكلاهما اي مشروع الخريطة الجينية وسيليرا، يتفقان على مبدأ ان الجينات تستحق براءات اختراع لكنهما يختلفان على المعايير، وخصوصاً على "ماذا"، و،"متى"، و"لماذا".

الفرق بين الاكتشاف والاختراع

فما هي هذه الماذا؟ ان كلمتي اختراع واكتشاف اشكاليتان، وتفهم العامة بشكل عام الاكتشاف على انه ايجاد شيء سابق الوجود او تحديد هويته، والاختراع على انه شيء لم يكن موجود من قبل، اما في العلم وفي مكاتب براءات الاختراع فيتم تاحشي هذه البساطة او ربما نظرت في الامر عوضاً عن ذلك فوجدت ان هذه البساطة لاتنفع، فتوماس اس كون، الذي ادخل مفهوم الاطار الفكري او الباراديم في تطوير العلم، يقول في "بنية الثورة العلمية"، ان "علينا ان نتسأل كيف تغير تغييرات من هذا النوع مسارها، اخذين بعين الاعتبار المكتشفات اولاً او الابتكارات العلمية ثم الاختراعات او المبتكرات النظرية، الا ان هذا التميز بين الاكتشاف والاختراع، او بين الواقع والنظرية سيثبت مباشرةً انه اكثر من صنعي"، وهو يدحض الكثير من الامثلة بادئاً بأكتشاف الاوكسجين الذي يتنازع على ابوته منذ اكثر من قرنين، وهو يدافع دفاعاً مقنعاً عن انه ربما قيل ان جوزيف ابريستلي هو اول من اكتشف شيئاً جديداً، الا انه لم يكن يعلم ماهو، بينما كان انطوان لورينيت الذي اتى بعد ابريستلي، اول من اكتشف مفهوماً جديداً لشيء ربما كان هو الاوكسجين، لكنه لم يكن كذلك بالواقع تاركاً للاخرين ان يحددوا ذلك على وجه الدقة، ويقول مكتب براءات الاختراع في الولايات المتحدة ان "الاختراع يعني الاختراع او الاكتشاف"، وتعمل الشركات الامريكية التي تطلب براءات الاختراع خاصة بالتقانة الحيوية على استخدام هاتين الكلمتين كمترادفتين، ولو كانت تفضل كلمة اكتشاف، اما معاهدة براءات الاختراع الاوربية فتفيد ان الاكتشافات لايمكن منحها براءة اختراع على الاطلاق فهي من البنود المستبعدة، وتتبنى المملكة المتحدة وجهة النظر نفسها.

هل هي مسأله حساسة ام يسأل المرء ماذا اذا كان تعريف جين اكتشاف ام اختراع؟ بما ان عقد الملكية هو عقد اجتماعي يعود نصفه للمجتمع، وبما ان المعنى الشائع لكل من الكلمتين واضح تماما، فأن السؤال يبدو جدير بالاهتمام، ويؤكد مشروع الخريطة الوراثية للانسان ان تعريف جين محدد هو اكتشاف وليس اختراع ولايمكن منحه براءة اختراع.

يطرح الاستنساخ مسألة اخرى، فأستنساخ النباتات والخضروات والفواكه مستمر على قدم وساق منذ قرون، فمعظم انواع التفاح والبطاطا مستنسخة، وقد كان الانستنساخ الجيني ممكناً منذ اكثر من عشرين عاماً، الا ان استنساخ الحيوان هو الجديد وهو يتطلب اخذ خلية واحدة من المانح واستخراج الحمض الريبي النووي منها وحقنه في بويضة مخصبة، تمت ازالة الحمض النووي الريبي منها واثارة الخلية الجديدة مع الحمض الريبي النووي فيها بدفعة كهربائية، وقد اصبح استنساخ الحيوان وامكانية استنساخ البشر موضعي اهتمام عام عندما قام ايان ولموت في معهد روزلين بأستنساخ النعجة دولي التي تحتوي على جينات بشرية بألاضافة الى ابقار، و ارانب وفئران، كما انها استنسخت خمسة حمامات تدعى احداها دوت كوم.

لقد قام معهد روزلين ووزارة الزراعة في المملكة المتحدة ومجلس الابحاث الحيوية وابحاث التقانة الحيوية بطلب براءتي اختراع تم منحها لحماية تقنيات الاستنساخ لديهم ، وهذه البراءات هي لاستنساخ الحيوانات بشكل خاص، لكنها تغطي ايضا استنساخ الخلايا البشرية، اما ما اذا كان معهد روزلين او احد مرخصيه سيستخدم تقنياته مع البشر، فهذا يعتمد على القرارات السياسية اكثر منه على اجراءات براءة الاختراع.

اضف تعليق