q
مقولاته الأربع والتي قسمها إلى إثني عشر نوعاً، هي ناقصة غير كاملة، وقد ذكر علماء المنطق الأقسام الكاملة للمقولات وسنشير لها بعد قليل؛ وسيلاحظ القارئ الكريم أن الذهن يصوغ قضاياه ليس في الأطر الإثني عشر التي حددها كانط، بل في أطر أخرى أيضاً، فإن القضية...

من نظريات "كانط" المعرفية (هذه الوجوه، أي المقولات الأربعة، في القضايا، هي مما وجدها العقل لديه، ولم يحصل عليها من التجربة)(1)، (وهي مفاهيم ذهنية مطلقة) و(معلومات قبلية)، وهي:

في(الكمية): أ- الوحدة (2)، ب- الكثرة (3) ج- الكلية (أي الكل)(4).

وفي (الكيفية): أ- الإيجاب، ب- السلب، ج- الحصر.(5)

وفي (النسبة): أ- الذاتية والعرضية، ب- العلية والمعلولية، ج- المشاركة أو المقابلة.(6)

وفي (الجهة): أ- الإمكان والإمتناع، ب- التحقق الإيجابي أو السلبي، ج- الوجوب أو الإمكان.

وقال: (عرفنا أن الحس يتلقى التأثيرات الواردة عليه وينظمها وينقلها للوجدان، (أو ويجعلها وجدانية أو يخرجها ويظهرها للوجدان) والعقل يركب الوجدانيات مع بعضها ويحكم، كما أننا في قوة الحس، ميزنا الوجدانيات التجربية والبعدية، عن الوجدانيات القبلية أي الزمان والمكان، كما شاهدنا في قوة العقل مجموعة من المفهومات القبلية (المقولات) وهي كأنها قوالب يقوم العقل، بصب نتائج التجربة المتشتتة، فيها ويعطي تلك المواد المتشتتة صورة).

و(لو لاحظنا التعاقب الدائمي لأمرين، حدث عندنا تصور العلية) (وإذا لوحظ شيء في كل الأوقات، فهو الوجوب) و(إن أحكام العقل حول مواد العلم أي الوجدانيات، كائنة تحت قواعد معينة لا مناص لقوة الفهم إلا من إتباعها، ولا يستطيع الذهن التحرر منها، وهي قضايا ذهنية وقبلية وهي أسس العلم... وتلك القواعد هي المقولات الأربعة الأصلية)، و(علم الإنسان هو وجدانيات حصلت للإنسان عن طريق الحس، والذهن يعطي صورة لتلك الوجدانيات، على حسب مقتضى شرائط هي ذاتية له، يعني يخرجها بصورة ظواهر تكون مدركة لنا، ولا يتيسر للإنسان إلا معرفة هذه العوارض (أو الظواهر) المعرفية وإن فهمنا لا طريق له للوصول إلى معرفة ذوات المعقولات، وأما العوارض (الظواهر) فإنها تعرف لأن نفس ذهن الإنسان يخلقها (أو يصنعها) ويقولبها.

بعبارة أخرى: كل ما ندركه، فإنه مصنوع في ذهننا، ولا نعلم واقع نفس الأمر، بعبارة أخرى: عقلنا يفرض قوانينه على الأمور أي بدل أن ينطبق على الحقيقة، فإنه يجعل الواقع تحت قوانينه والتي هي مقتضى ذاته، إذن: العالم الذي ندركه هو مصنوع لعقلنا... مثلاً رابطة العلة والمعلول، كما شرحنا، مصنوعة للعقل، ولا يعلم أنه في عالم الحقيقة هل ترتب المعلول على العلة واجب؟).(7)

نقد نظرية (المقولات الأربع)

وإن الباحث المحقق يجد في كلماته هذه، وجوهاً من الخلط، والعديد من الأخطاء، نشير إلى بعضها فقط، فنقول:

إن الأحكام تختلف لدى ملاحظة عالم الثبوت والواقع، عما لو لوحظ عالم الإثبات والذهن. وبعبارة أخرى: تارة يكون الحديث عن (القضايا الفكرية) وأخرى يكون عن (الحقائق الخارجية)، فإن كان الحديث عن (القضية) بما هي (قضية) فإن أحكام القضية تعد من المعقولات الثانية المنطقية ـ وهي ما كان الاتصاف والعروض كلاهما في عالم الذهن ـ(8).

وعلى هذا فإن كافة أحكام القضية بما هي قضية تكون من المعقولات الثانية المنطقية، وليس تلك المقولات الأربع فقط(9)، وذلك مثل صدق القضية وكذبها، بل حتى مثل كونها برهاناً أو جدلاً أو خطابةً، أو حتى قضية هامة أو لا؟

والحاصل: أنه لو أراد(10) أن العلاقة بين كل قضية وأخرى(11) ـ أو بين أجزاء القضية ـ قد تكون علاقة العلية والمعلولية، أو علاقة إمكان الربط والإمتناع، أو علاقة السلب والإيجاب، أو علاقة الوحدة والكثرة الخارجية، فذلك غير خاص بهذه الأربعة التي ذكرها(12).

توضيحه: إن مقولاته الأربع والتي قسمها إلى إثني عشر نوعاً، هي ناقصة غير كاملة، وقد ذكر علماء المنطق الأقسام الكاملة للمقولات وسنشير لها بعد قليل؛ وسيلاحظ القارئ الكريم أن الذهن يصوغ قضاياه ليس في الأطر الإثني عشر التي حددها كانط، بل في أطر أخرى أيضاً، فإن القضية إما حملية أو شرطية، والشرطية إما منفصلة أو متصلة) (وهي التي عبر عنها بـ(النسبة) بين الموضوع والمحمول وأنها إما حملية أو شرطية أو منفصلة).(13)

ثم إن أقسام القضية كلها، إما موجبة أو سالبة، وهي إما محصلة أو معدولة (وهو ما أشار إليه بـ"الكيف")(14)، وهذه ذكرها علماء المنطق من قبل أن يذكرها هو.

أقسام لم يذكرها كانط

لكن يبقى أن أقسام القضية بإعتبار الكم هي أربعة وليست ثلاثة كما ذكر، وهذه الأقسام هي الشخصية، الطبيعية، المهملة(15)، والمحصورة(16)، بل لدى الدقة فإننا نجد أنه لم يشر إلى (الطبيعية)(17) ولا إلى (المهملة)، بل أشار فقط إلى (الشخصية) وألى قسمي (المحصورة) وهما المسوّرة بسور الكلية والمسورة بسور الجزئية، مع أن (المهملة) من أكثر القضايا تداولاً.

كما أن هناك تقسيماً آخر، لم يشر إليه، وهو أن الحملية تنقسم إلى (الذهنية)(18) و(الخارجية) و(الحقيقية)(19)، والفرق أن (القضية الخارجية) لوحظ فيها وجود الأفراد في أحد الأزمنة الثلاثة، أما (الحقيقية) فقد (فرض فيها) الوجود وإن لم يوجد في أحد الأزمنة الثلاثة أصلاً، أي كلما فرض وجوده، وإن لم يوجد أصلاً، فإنه داخل في الموضوع ويشمله الحكم.

كما أنه في (جهة القضية) اقتصر على الجهات الثلاث المعروفة: الوجوب والإمكان والإمتناع.

ولم يلتفت إلى أن (الموجهات) إما بسيطة وإما مركبة، وأن البسيطة لها أقسام كثيرة أهمها ثمانية، وأصولها أربعة وهي: الضرورة والدوام والفعل والإمكان، ولكل منها أنواع(20)، وأن المركبة(21) لها أيضاً أقسام كثيرة، والأكثر نفعاً منها ستة.

كما أنه خلط بين الجهات الذاتية (الوجوب والإمكان والإمتناع) والجهات الخارجة عن الذات (أي الفعلية) ولذا ذكر في (جهة القضية)، أنها (ما احتمالية أو تحققية أو ضرورية)(22) مع أن (الاحتمال) عائد لمرحلة الإثبات و(التحقق) عائد لمرحلة الثبوت، ومرتبط بالوجود والوقوع، لا الذات، و(الضرورة) ترتبط بالذات، ونظيره بعض كلماته الأخرى.(23)

كما أن هنالك مقولات عديدة أخرى يجدها العقل لديه وليس بالضرورة أنها تحصل بالتجربة، وذلك مثل المتواطئ والمشكك ومثل الكل والجزء والكلي والجزئي وأيضاً (الأشكال الأربعة) وغيرها أيضاً، فتأمل.

وقد ظهر مما مضى أن (الذهن) ليس مجبراً على التحرك في إطار تلك المقولات الأربع التي ذكرها، بل إن له خيارات أخرى، منها (الاهمال) كما سبق من (القضية المهملة) وهي من أشد القضايا تداولاً في العلوم، وعلى الألسنة، ولا يقصد بالمهملة أنها مهملة في ذاتها أو غير مفيدة، بل يقصد أن (سورها) قد أهمل فلم يصرح أنها كلية أو جزئية مع كونها محتملة للأمرين.

هذا كله إضافة إلى أن الذهن، ليس (مجبراً) على الإلتزام والعمل على طبق هذه المقولات، بل هو (يراها) كذلك، وله أن يقلب أحدها إلى الآخر، ومعه قد يجد أنه قد وقع في الخطأ، مما يدل بدوره على محورية الواقع الخارجي لا الذهن، وأن الذهن إن طابقه فصحيح حكمه، وإلا فلا.

هذا. إضافة إلى أن (الذهن) في هذه المقولات الأربع، لا يقوم بعملية استقلالية، بل هو في ذلك كالمرآة العاكسة للحقائق الخارجية؛ فإن الذهن إن وجد أن المحمول ثابت في الخارج لفرد واحد، صاغ ذلك (قضية شخصية). وإن وجده ثابتاً للكل، صاغها قضية كلية... وإن رأى الارتباط بين الموضوع والمحمول وثبوته له ـ صاغها قضية موجبة وإلا فسالبة. وإن رأى وثاقة الارتباط بحيث لا يمكن التفكيك بالنظر لذات المحمول والموضوع، عرف أنها (واجبة) وصاغها كذلك.

وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى.

العلاقة بين الحقائق الخارجية

وأما لو أراد كانط أن هذه المقولات الأربع بأقسامها الاثني عشر، تشكل أُطُر العلاقة بين الحقائق الخارجية، لكنها أطر ذهنية فقط، وأن الذهن (وجد) هذه العلائق، كذلك، عنده ـ كما لعله الظاهر من بعض كلماته(24)؛ إذ(25) حديثه مثلاً عن العلية والمعلولية أو الذاتية والعرضية (ومقصوده الجوهر والعرض) وعن الإمكان والوجوب والإمتناع، كله حديث عن واقع الأمر وعن الحقائق الخارجية التي وجدها الذهن كذلك، وهو يرى أن الذهن لم يصل إليها(26) بالتجربة؛ لأن التجربة لا يمكن أن تنال الجوهرية والعرضية أو العلية والمعلولية؛ لانها معقولة، وغير خاضعة للتجربة.

فنقول: إن العديد من هذه التي أسماها (مقولات) هي أمور خارجية واقعية؛ وبعضها من المعقولات الأولية (كالذاتية والعرضية التي يريد منها الجوهر والعرض) وبعضها من المعقولات الثانوية الفلسفية كالعلية والمعلولية والإمكان والوجوب والإمتناع، وبعضها من المعقولات الثانوية المنطقية كالإيجاب والسلب والحصر، وبعضها مختلف فيه كالوحدة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وبعبارة أخرى: إن مما يؤخذ عليه ـ على هذا الفرض:

أنه توهم أن هذه التي سماها المقولات، ليس لها ما بإزاء في الخارج، وأنها في عالم الذهن فقط، سواء قال بأنها من صناعة الذهن، أو قال بأنها مغروسة في الذهن وقد وجدها الذهن في داخله قسراً ـ أي أنه توهم أنها (محض ذهنية).

والسر في ذلك أنه لم يفرق بين الموجودات في الخارج بينما كان (في نفسه لنفسه) كالجواهر، وما كان (في نفسه لغيره) كالأعراض، وبين ما كان (في غيره لغيره) وهو بين ما كان كالوجود الرابط في الحمليات الموجبة، والذي هو من قبيل المعاني الحرفية(27)، وما كان كالوحدة والكثرة، أو العلية والمعلولية، أو الوجوب والإمكان والإمتناع وأشباهها، هذا كله من جهة، ومن جهة ساقها كلها بعصى واحدة مع المعقولات الثانية المنطقية التي لا وجود لها إلا في الذهن كـ(الحصر)(28) وكـ(الكلي)(29) وكالمقابلة (إن أراد بها المنفصلة).

الفارق بين المقولات الاثني عشر

وبعبارة أخرى: لم يدرك أن المعقولات الثانية الفلسفية، هي موجودة بوجود منشأ إنتزاعها، وأن (الإتصاف) فيها في الخارج، وإن كان (العروض) في الذهن، ولم يدرك أن (الوجود الرابط) متحقق في الخارج، كما أنه ساق المعقولات الأولى والمعقولات الثانية الفلسفية والمعقولات الثانية المنطقية، بعصى واحدة، رغم تباينها الذاتي الكبير؛ فإن (الإمكان والوجوب والإمتناع، والعلية والمعلولية) من (المعقولات الثانية الفلسفية).

وأما المقابلة والحصر، فهي من المعقولات الثانية المنطقية (بل وكذا الإيجاب والسلب إن أراد بها إيجاب القضية أو سلبها، لا ثبوت شيء لشيء أو سلبه عنه(30)؛ إذ هذا أعم من المعقولات الأولى والثانية بقسميها).(31)

وأما الذاتية والعرضية، فهما من المعقولات الأولى (إن أراد بهما الجوهر والعرض).

وتوضيح بعض الكلام في (الوجود الرابط):

إنك عندما تقول: "زيد قائم" (أو أبيض أو شجاع) ـ وهي قضية موجبة ـ فإنه ليس (الإيجاب) قالباً ذهنياً فقط، لَوَّنَ به الذهن زيداً، وأثبت له القيام؛ بل إن زيداً في الخارج، حقيقةً، متصف بأنه قائم وبثبوت القيام له.

وبعبارة أخرى: يوجد هنالك (زيد) كما يوجد (قيام) أو (بياض)، ويوجد أيضاً أمر ثالث هو (إتصاف) زيد بالقيام أو البياض، وهذا الوجود قائم بالطرفين، أي أن هنالك وجوداً للبياض في الخارج، وإن لم يكن بوجود منحاز عن وجود (الأبيض)؛ بل كان موجوداً (في نفسه لغيره)، ومن الواضح أن صرف وجوده في نفسه غير كافٍ وغير مصحح للحمل بل لابد من قيامه بزيد، كي يصح الحمل ويتم الاتصاف.

وكذلك (الشجاعة) وغيرها من الكيفيات النفسية، فإنها موجودة كصفة للنفس، وليست أمراً خيالياً أو ذهنياً صرفاً، بل هي كيفية للنفس، وهكذا سائر الأعراض، التسعة كما أن الاتصاف بها ليس ذهنياً محضاً.

وبعبارة أخرى: إن اتصاف زيد بالبياض، هو اتصاف حقيقي، أي البياض ثابت له في الخارج، وأن زيداً الخارجي هو أبيض أو خطاط في الخارج، فالخارج ظرف قيام هذا بذاك أيضاً لكن هذا القيام ليس بوجود منحاز عن الموضوع والمحمول بل هو قائم بهما، والحاصل أن (الاتصاف) وجود رابط قائم بالطرفين وإن لم يكن (وجوداً في نفسه) وأما البياض أو الخطاطية فهو وجود محمولي (في نفسه) وإن كان (لغيره).

هذا بعض الكلام كإشارة سريعة في الوجود الرابط.

وأما الانتزاعيات والمعقولات الثانية الفلسفية، فإنها موجودة بنفس وجود منشأ انتزاعها، وعلى هذا فالعلية، حقيقة موجودة في الخارج لكن لا بوجود منحاز عن العلة منضماً إليها، بل موجود بنفس وجودها، وكذا الإمكان للممكن.

وأما (الوحدة) فإنها من المعاني الإنتزاعية العقلية(32)، وقد ذهب بعضهم(33)، إلى أن الوحدة عين الذات(34)، فهي واحدة بذاتها، والجواب عن كلام (كانط) على هذا أوضح، إذ ليست أمراً ذهنياً محضاً عندئذٍ، إذ هي على هذا عين الشيء الخارجي، والحاصل أن الوحدة، قد يراد بها وحدة الشيء المتشخص الواحد خارجاً، وقد يراد بها وحدة الموضوع والمحمول في القضية وقد يراد بها وحدة الموضوع والمحمول في الموضوعات الخارجية وهي ما أشار إليه من أنها وجود رابط وليست عيناً لأحدهما، اللهم إلا على كون المحمول من مراتب الموضوع، فتأمل.

وأما (الكلية) فلو أراد بها الكلية المنطقية، فإنها لا توجد في الخارج، بل هي من المعقولات الثانية المنطقية، ولو أنه أرادها، لما صح جعلها في سياق الأخريات، إذ هو خلط بين المعقولات الثانية المنطقية والمعقولات الثانية الفلسفية، لكن الظاهر أنه لم يرد (الكلية) مقابل الجزئية ولا (الكل) في مقابل الجزء، بل أراد الكل بمعنى الجميع في مقابل أحد الأفراد أو بعضها.

وأما الإمكان فإن الشيء في الخارج متصف بأنه ممكن حقاً، والمراد بالإمكان ـ على أصالة الوجود ـ: الإمكان الفقري، أي أن وجوده ضعيف فقري متعلق بالغير(35)، و ـ على أصالة الماهية ـ: إن ماهيته المتحققة في الخارج(36) يتساوى بالنسبة لذاتها(37) كلا طرفي الوجود والعدم.

وعلى أي فإن (الإتصاف) بالإمكان والوجوب، هو في الخارج، أي الشيء الخارجي متصف حقيقة بأنه ممكن أو واجب، وإن كان العروض في الذهن.

هل هذه المقولات تحصل بالتجربة؟

كما أنه قد يعترض(38) على ما ذكره كانط، بـ:

إن بعض هذه المقولات مما يصل إلى الذهن عن طريق الحواس، ويحصل بالتجربة أيضاً، فهي مقولات موجودة في الذهن، كحقائق قبلية، وهي أيضاً تصل من الخارج إلى الذهن عبر الحواس، وذلك مثل (الإيجاب)؛ فإننا عندما رأينا (اللون الأخضر) مثلاً ملتصقاً بالحائط، ثم قشّرناه ونزعنا منه لونه الأخضر، حصل في ذهننا من هذا الواقع الخارجي: الإيجاب أولاً ثم السلب ثانياً، وعندما (تذوقنا) العسل، حصل في ذهننا أنه حلو، أي أذعنّا بإيجابية ثبوت الحلاوة لهذه المادة.

وكما يرى البصر النار ـ مثلاً ـ فيعتبر وجودها من (المحسوسات)، كذلك يراها ذات دخان فيكون مجموع النار والدخان من المبصرات أيضاً؛ فإنه لم يبصر ناراً فقط، ولا دخاناً منفصلاً، بل أبصر دخاناً صادراً من النار ملتصق في أصل وجوده بها.

اللهم إلا أن يقول: بأن أصل فكرة الإيجاب والسلب، أي كليّهما، هو من (الأحكام القبلية)، غير الخاضعة للتجربة، لا المصداق، والجواب: إن كثيراً من (الكليات) هي من (الأحكام القبلية)، وليس خاصاً بتلك المقولات الأربع، وذلك مثل (الأشكال الأربعة) وقد سبقت أمثلة عديدة، منها (القضية المهملة) ومنها (الموجهات) وغيرها، فراجع، إضافة إلى جواب آخر يظهر مما سيأتي بعد قليل حول كيفية حصول (الكلي) في الذهن ونقلنا فيه أقوالاً عديدة.

الإيجاب والكلية وردتا للعقل مع التجربة

والحاصل: إن قوله (كما شاهدنا في قوة العقل مجموعة من المفهومات القبلية، وهي كأنها قوالب يقوم العقل، بصب نتائج التجارب المختلفة فيها، ويعطي تلك المواد المتشتتة، صورة).

يجاب عليه: بأن تلك الصورة (كالإيجاب، أي ثبوت المحمول للموضوع، أو إتصاف الموضوع بالمحمول، والكثرة والكلية) قد يقال بأنها قد وردت للعقل مع التجربة(39)، لا أن الموضوع والمحمول قد وردا منفصلين ثم، أعطاهما العقل صورة الإيجاب، أو أعطى الأشجار الخمسة مثلاً التي دخلت الذهن صورة (الكثرة)، بل أنها بورودها للذهن قد وردت مع ما ينتزع منها (من كثرة أو وحدة)، وهذا جارٍ كلما كان المحمول من سنخ الموضوع من جهة القوة المدرِكة له، أي لو كان كلاهما مبصراً مثلاً.

وبعبارة أخرى: قد يُدّعى أن العديد من هذه المقولات الاثني عشر، حصلت جزئياتها بالتجربة(40) أولاً، ثم قام العقل بعمليةٍ ما، مثل التجريد عن الشوائب، فحصل له الكلي، أو العقلي بعد الخيالي أو الخيالي بعد الحسي، وهو الرأي الذي ذهب إليه الفارابي؛ إذ صرح بأن العلم عبارة عن تجريد صورة الشيء عند العقل، في حين يقول أبو علي بن سينا في الشفاء أن العلم هو تمثل حقيقة الشيء عند العقل، لكنه قال بالتجريد أيضاً وأن الصورة الخيالية هي نفس الصورة الحسية وقد نقص منها بعض الخصوصيات كما أن الصورة العقلية هي نفس الصورة الخيالية لكن بعد أن نقص منها بعض الخصوصيات، وقال نصير الدين الطوسي:

إن الحاصل في الذهن صورة فرد وآخر وثالث، ثم تمحى الخصوصيات، فتكون أمراً كلياً.

وقال البعض: أن العقل عندما يواجه الصورة الخيالية يبدع صورة عقلية مناسبة لعالم العقل وتبقى الصورة الخيالية بحالها، وكذا عند مواجهة قوة الخيال، للصورة الحسية، فهي (معدّ) لإبداع وخلق الأعلى لصورة أعلى.

وقال قوم بنظرية (الإضافة) وآخرون بنظرية (الأشباح) وغيرها...

كما أن (لوك) والماديين، ذهبوا إلى أن جميع المفاهيم والمعاني الموجودة في ذهن الإنسان، قد جاءت من عالم الخارج مباشرة، فذهن الإنسان عندهم كجهاز تصوير فقط يصور ما في الخارج وإن كان له أن يتصرف فيها تصرفات محدودة على حد التجريد والتعميم والتجزئة والتركيب لا غير.

ونحن وإن لم نتفق مع هذا الرأي وعدد آخر من النظريات السابقة(41)، إلا أن على (كانط) أن يبرهن على بطلانه أولاً، وبطلان سائر النظريات في الوجود الذهني، ليثبت بعدها أن لا مناص إلا من القول بأنها (قبليات).

وبعبارة أخرى: أن (التأثيرات الواردة على الحس) على قسمين، فقد ترد إليه وهي متشتتة، فيقوم الذهن بعملية جمعها معاً، كان يلمس ناعماً ويرى حجماً ويشم ريحاً فيركبها لتكشف له عن (الوردة).

وقد ترد إليه مجتمعة لتكشف له عن الحقيقة الواحدة، كأن يرى ماء وهبوطاً من الأعلى وسرعة النزول والتساقط، لتكشف له عن (الشلال).

بل قد يقال: أن الذهن لا يفعل إلا أن يعيد تركيب الحقيقة الواحدة ذات الأبعاد المختلفة، التي اكتشفت كل حاسة منها جانباً من مزاياها، فينقلها كل حس إلى الذهن، على حدة، ثم يقوم الذهن بتجمعيها، على حسب واقعها الخارجي، ولذا نجده يجمّعها دائماً على حسب واقعها الخارجي، ولو فعل غير ذلك لعدّه العقلاء مخطئاً، ولو كان الجمع (أي الإيجاب) صناعة ذهنية محضة لكان له أن يجمّع ويركب ما يشاء مع ما يشاء كيف يشاء، مدعياً أنه يحكي الخارج!

ويمكن أن يقال: إن قوله (وينظمها... والعقل يركب الوجدانيات) صحيح لكن لا بمعنى أن (العقل) (يخترع) ذلك التنظيم من نفسه، بل بمعنى أنه (يكشف) ذلك التنظيم، أي أن ما هو منظم في الواقع الخارجي، وقد ورد إلى الذهن متشتتاً، يعيد الذهن تركيبه، على حسب واقعه الخارجي، ولو ركبه بطريقة أخرى لكان مخطئاً، كان يركب رائحة الوردة، على المستنقع المتعفن.

والذي يوضح الحالة، ويكشف عن ذلك، هو ملاحظة جهاز التصوير الفوتوغرافي، فإن ما يقوم به المصور الماهر، لو كانت زوايا المناظر الذي يريد تصويرها، متعددة، هو أنه يصور زاوية زاوية، وبُعداً بُعداً، ثم يقوم بتجميع الصور وتركيبها على حسب هيئتها في الخارج.

وكذلك (المرايا) المتعددة، التي تكشف بمجموعها عن (الشيء بكلِّه) وبكافة أبعاده.

التعاقب أو العلية؟

ثم إن قوله: (ولو لاحظنا التعاقب الدائمي لأمرين حدث عندنا تصور العلية) كلام سطحي غير علمي ولا دقيق؛ لأن (العلية) أمر أعمق من ملاحظة (التعاقب)؛ فإن التعاقب، أمر ظاهري سطحي، والعلية أمر عمقي جوهري، والتوالي والمعية، مما نراه(42)، أما العلية فلا ترى، بل ينتزعها الذهن.

ثم إن (التعاقب) أعم من العلية وليس دليلاً دائماً على العلِّية؛ إذ:

أولاً: قد تكون علة أخرى إرادية، هي سبب تعاقب شيئين دائماً، فليس تعاقبهما دليل عليّة أحدهما للآخر.

وثانياً: إن الشيء أو الحدث يحدث متعاقباً عن لازم العلة أيضاً، مع أنه ليس بعلة.

وثالثاً: كما أنه قد يتعاقب أمران دائماً وكلاهما معلول علة أخرى بالقسر، وليس أحدهما معلولاً للآخر، بل هو معلول لعلته فحسب.

مثال الأول: العلل الطبيعية بالنسبة لمعاليلها الظاهرية، بناء على أنه (لا مؤثر في الوجود ولا علة حقيقية فيه، إلا الله تعالى).

ومثاله العرفي: ما جرى ديدن المرء دائماً على أن يفعله بعد فعل آخر دوماً؛ كالنوم بعد الغداء، فإن العقل رغم ملاحظته التعاقب بين الأمرين دائماً، في كل الأفراد فرضاً، لا يحدث عنده تصور العلية، كما زعم.

مثال الثاني: (الشمس) فإن لازمها (الإضاءة) وليست الإضاءة علة للحرارة، مع أن الحرارة تأتي متعاقبة عن الإضاءة؛ نظراً لأسرعية حركة النور من حركة الحرارة(43)، ومثل الشمس، النار، والأولى التمثيل بمعلول الجسم الذي يلزمه التحيز.

مثال الثالث: حركة الأرض حول نفسها وحركتها ودورانها حول الشمس؛ فإن الحركة الأولى علة تولّد الليل والنهار، والحركة الثانية علة تولد السنة، ورغم أن المعلولين (أي اليوم والسنة) متعاقبتان دائماً (فإن الليل والنهار يحدثان أولاً، ثم السنة) إلا أن أحدها معلول للحركة الوضعية، والآخر معلول(44) للحركة الانتقالية للأرض.(45)

معنى الوجوب؟

واما قوله: (وإذا لوحظ شيء في كل الأوقات، فهو الوجوب) فهو كلام ساذج لأنه يشكل خلطاً بين (الدوام) و(الوجوب)؛ فإن (الدوام) يتعلق بـ(وجود الشيء) رغم أن نسبة وجوده إليه، قد تكون متساوية الطرفين، وأما (الوجوب) فيتعلق بـ(ماهية الشيء) وأين هذا من ذاك؟ وهذا بناء على أصالة الماهية(46)، أما لو قلنا بأصالة الوجود، فإن الوجوب هو تلك الدرجة الشديدة المطلقة من الوجود التي لا تشوبها شائبة ضعفٍ إطلاقاً، إن قلنا بمشككية الوجود، وأما إن قلنا بأن الوجودات حقائق متباينة ـ كما هو الحق، خاصة في الواجب والممكن ـ فإن الواجب هو تلك الحقيقة (لا الدرجة الشديدة) المطلقة من جميع الجهات، الغنية في كل الأبعاد، والتي هي بالذات، لا بالغير، حقيقة، بكل المقاييس واللحاظات.

كما أن (دوام العدم) يختلف عن (الإمتناع) وأين (إجتماع النقيضين) الممتنع، من (أسد ذي ألف رأس)، الدائم العدم لكن غير الممتنع؟ كما أنه أين (دوام حركة الفلك)(47)، الممكن ذاتاً عدمُه، وإن فرض أن الفلك مادام موجوداً فهو متحرك، من (وجود العلة الأولى للكون، وهي الله تعالى) الواجب ذاتاً وجوده، والممتنع كونها ممكنة، وإلا لاحتاجت في ذاتها إلى علة أخرى، فلم تكن العلة الأولى، هذا خلف، وللزم التسلسل، واللازم منه، نظراً لاستحالته، عدم وجود شيء إطلاقاً؛ والذي تكذبه البديهة وضرورة الوجدان. (48)

ولا ينفع (الدوام) تعليلاً لترجيح أحد طرفي الممكن في ذاته، فإن الفقير في ذاته، محتاج للغير أبداً، وإن كان دائماً أبداً، وكما أن وجوده في آنٍ لا يغنيه عن علته وعن الحاجة لها لتحقق الوجود في هذا الآن، كذلك وجوده في الآنات المتعاقبة، حتى لو فرضت سلسلة الآنات لا متناهية، فإنها على أية حال مركبة من تلك الأجزاء الزمنية، وحال الكل هو حال أجزائه.

وبعبارة أخرى: الدائم قد لا يكون ممتنع العدم، بل أكثر الأعدام الدائمة كذلك، أما الواجب فممتنع العدم بالضرورة.

* من الفصل الخامس لـ كتاب (نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة)
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/arabic/author/10

................................................
(1) سير حكمت در اروبا: ج2، ص217-218.
(2) مثّل له بـ(عماد خطاط جيد).
(3) مجموعة من الناس خطاطون جيدون.
(4) كل الناس يموتون.
(5) مقصوده من الحصر، القضية المعدولة كـ(النفس لا ميتة)، مقابل السالبة المحصلة كـ(النفس ليست ميتة) ـ حسب أمثلته.
(6) هذه الثلاثة حسب ص218 من سير حكمت در اروبا، وفي صفحة 217 ذكر أن المراد من النسبة: أن القضية إما حملية، أو شرطية، أو منفصلة.
(7) المصدر السابق، ص225.
(8) إذ لا توجد (قضية) في الخارج، بل القضايا كلها في الذهن (والمراد من القضية الجملة المفيدة)، كما أن من البديهي أن الاتصاف والعروض كليهما في الذهن.
(9) بل إن بعض تلك الأربعة، هو من المعقولات الثانية الفلسفية، لا المنطقية، وبعضها من المعقولات الأولى كما سيأتي.
(10) كما هو ظاهر قوله (هذه الوجوه في القضايا...) فتأمل.
وكما هو ظاهر ذكره الإيجاب والسلب والحصر، وهي خاصة بالقضايا، لكن يرد عليه أن مساق الكلام عن الحقائق الخارجية لا عن القضايا، كما أن الأمثلة التي نقلناها عنه سابقاً في الهامش ــ كـ: (عماد خطاط جيد ــ كل الناس يموتون)، هي أمثلة عن حقائق خارجية كما أن ذكره للوجوب والامتناع، وللعلية والمعلولية، والذاتية والعرضية، دليل على أن البحث عن العلاقة بين الحقائق الخارجية.
والظاهر أن كلامه مشوش ومضطرب وأنه خلط بين القضايا وبين الحقائق الخارجية، فتأمل.
(11) وأما لو أراد أن العلاقة بين الحقائق الخارجية، هي إحدى هذه الأربعة، فسيأتي تفصيلاً بعد صفحات، لكن نقول هنا إنه يرد عليه: أنها ليست كلها ذهنية ومعقولات ثانية منطقية، بل كثير منها (كالعلية والمعلولية، والوحدة والكثرة والإمكان والوجوب) معقولات ثانية فلسفية، فقوله (هي مفاهيم ذهنية مطلقة) خطأ، والذي يبدو لي إنه حدث عنده خبط وخلط بين عالم الثبوت وعالم الإثبات وعالم الذهن وعالم الخارج، إذ هو يصرح بـ(هذه الوجوه في القضايا) كما أن مجمل بحثه عن إرتباط المحمول بالموضوع، لكنه في ثنايا كلامه يبحث عن الحقائق الخارجية، ويثبت ما أقرّه للقضايا، للخارج، فتدبر جيداً.
(12) ثم إن هذه المقولات، قد ذكرها علماء المنطق كافة، وليس كما زعم من أنهم لم يذكروها بل أبتكرها هو يقول كانط: (القدماء قالوا: العقل يرفض قبول التناقض، واعتبروا ذلك أساس التعقل، وهذا حق، لكن هذه القاعدة حكم تحليلي، ونحن نبحث عن الأحكام التركيبية وعلينا أن نعرف أسسها..) ثم ذكر المقولات الأربع فراجع ص223 سير حكمت در اروبا، هذا مع قطع النظر عن عدم صحة إدعائه، (بأن إمتناع إجتماع النقيضين، قضية تحليلية) إذ التحليلية عنده ما كان المحمول مأخوذاً في حد الموضوع، و"(التناقض) محال" ليس المحمول وهو (محال) مأخوذاً في حد الموضوع وهو (التناقض)، بل هو أمر تدركه العقول بلحاظ (نسبة الوجود للعدم مشروطاً بالشرائط الثمانية المعروفة) وهو ما يعني التناقض.
(13) سير حكمت در اروبا: ج2، ص217-218.
(14) المصدر السابق.
(15) المهملة: ما لم يبين فيه كمية الأفراد، لا جميعها ولا بعضها، كـ(الإنسان في خسر) و(العاقل لا يظلم) و(المؤمن لا يعصي) و(العدل أساس الملك) ولعلها ـ ثبوتاً ـ كلية، كما يحتمل كونها جزئية.
(16) المحصورة: وهي المسوّرة وتنقسم إلى قسمين: الكلية والجزئية كـ(قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) "سبأ:13" و(بعض الناس علماء).
(17) الطبيعية: ما كان الحكم فيها على الطبيعة من حيث هي كلية، كـ(الإنسان نوع).
(18) وهي ما كان موضوعها في الذهن فقط كـ(كل اجتماع للنقيضين، فإنه مغاير لاجتماع المثلين) و(شريك الباري ممتنع).
(19) لم يشر (كانط) إلى (الذهنية)، كما أنه لم يفرق بين (الخارجية) و(الحقيقية)، أو لعله لم يلتفت إلى خصوص (الحقيقية).
(20) ولم يشر (كانط) إلا إلى بعضها.
(21) الموجهات المركبة: ما انحلت إلى قضيتين موجبة وسالبة، مع التوافق بالكم، كـ(الوجودية الضرورية)، كقولك (كل مصلٍّ يتجنب الفحشاء بالفعل) أو (كل ماء سائل بالفعل)، وهي (مطلقة عامة) أي دالة على أن النسبة واقعة بالفعل، أي في أحد الأزمنة الثلاثة، سواء كانت ضرورية أم لا، دائمة أم لا، لذا تضيف (لا بالضرورة) وهي المسماة (الوجودية اللا ضرورية).
(22) سير حكمت در اروپا: ج2، ص217.
(23) راجع كلماته في المصدر السابق، ص218.
(24) ذكرنا شواهد أخرى في هامش سابق.
(25) تعليل لكونها أطراً للعلاقة بين الحقائق الخارجية لا أطراً للعلاقة بين القضايا.
(26) أي إلى تلك الأطر.
(27) والفرق أن المعاني الحرفية هي من عالم المفاهيم والوجود الرابط يقع بإزائها في عالم الخارج.
(28) أي السالبة المحصلة.
(29) في قولك الإنسان كلي، لكن الظاهر أنه لم يذكر (الكلي) بل ذكر (الكل) فقط.
(30) وهذا الشق هو المبحوث عنه هنا (أي على احتمال إرادته العلاقة بين الحقائق الخارجية).
(31) إذ قد يحمل العرض على الذات، وقد يحمل الانتزاعي كالزوجية والإمكان على الذات، وقد يحمل مثل (كلي) على الذات.
(32) كما صرح المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد، وكذا قال به العلامة في كشف المراد، وذهب إليه الشيخ الاشراقي في المطارحات.
(33) كالفخر الرازي في المباحث المشرقية والملا صدرا في الأسفار.
(34) لا يخفى ضرورة عدم الخلط بين الجزئية والتشخيص والوحدة.
(35) فقد انتزعنا من ضعفه الخارجي، عنوان الإمكان.
(36) (المتحققة) صفة، وليست قيداً؛ إذ ماهية الممكن، مطلقاً، متساوية النسبة.
(37) فقد انتزعنا من تساوي نسبة الماهية للطرفين، عنوان (الإمكان).
(38) أي إضافة إلى ما سبق، وتفصيلاً لبعضه.
(39) وبعبارة أخرى: إن الموضوع والمحمول والنسبة القائمة بهما ـ وهي الوجود الرابط ـ بأجمعها وردت أعيانها إلى الذهن، أو أشباح جميعها ورد إلى الذهن، أو الإضافة حدثت من النفس لجميعها دفعة، حسب الأقوال الثلاثة في العلم وكذلك لو قلنا بنظرية الابداع الآتية، فإن العقل يبدع لدى مواجهته الصورة الخيالية بموضوعها ومحمولها ونسبتها مثلاً، صورة عقلية كذلك لكن مناسِبة لعالم العقل.
(40) يراد بها الأعم من التجربة بالحواس الظاهرة أو بالحواس الباطنة أو التجربة العقلية ليشمل مثل الإمكان والامتناع، فتأمل.
(41) ذكرنا تفصيل ذلك في كتاب: (مباحث الأصول ـ القطع) وكتاب: ­(المبادئ التصورية والتصديقية لعلمي الفقه والأصول).
(42) ولكن ذهب في الشفاء إلى أن (المعية) والتقدم والتأخر والتوالي، ليست محسوسةً، بل الذهن ينتزع المعية، وأشباهها، فلو رأيت شخصين جالسين إلى جوار بعضهما البعض، فإن ما تراه هو صورتان وليست ثلاثة، وفيه: أن الوجدان يكذب ذلك؛ إذ ما تراه ليس صورة زيد منفصلة وصورة عمرو منفصلة، بل يوجد في الخارج أمر آخر هو التجاور نراه أيضاً.
(43) إلا أن يقال الشمس علة الإضاءة والإضاءة علة الحرارة، فتأمل.
(44) ولذا لو فرض وجود الحركة الإنتقالية حول الشمس، دون الحركة الوضعية حول نفسها، فإن (السنة) ستكون موجودة واقعاً ـ وإن لم تفسر بـ365 يوماً ـ دون الليل والنهار بل أحدهما فقط دوماً.
(45) ويمكن التمثيل للعلتين المتعاقبتين اللتين لكل منهما معلول بـ(حركة الأرض حول نفسها) وهي علة لحدوث (الليل والنهار)، وحركة (القمر) حول الأرض وهي علة لحدوث (الأشهر الاثني عشر) فلو كانت الأرض متحركة حول نفسها أبداً ـ أي ما دامت موجودة ـ وكان القمر متحركاً أبداً حول الأرض ـ أي ما دام موجوداً في مدارها ـ لما صح تعليل ذينك المعلولين، إلا كلاً منهما بعلته الخاصة فقط، رغم تعاقب العلة الأخرى مع معلول العلة الأولى.
(46) والتعبير الأدق: الإمكان: تساوي نسبة طرفي الوجود والعدم للماهية، أما الوجوب فهو ضرورة نسبة الوجود إليها.
(47) أو دوام حركة الأرض حول نفسها، وحول الشمس.
(48) راجع (شرح التجريد) وغيره لتفاصيل هذه البراهين وغيرها.

اضف تعليق