q
ضمن نظام الطبيعة ككل، جميع الاجزاء نُسجت ورُتّبت كالنوتات الموسيقية في اغنية جميلة. الطبيعة هي نظام يعمل، كلّ معقد صُنع من اجزاء مترابطة مع بعضها تعمل بانسجام. ان الكلمة اليونانية القديمة للكون كانت (كوسموس)، وتعني \"كلّ متناغم منتظم\". اليوم، كلمة كوسموس kosmos تحمل نفس المعنى...

"حينما ننظر في السماء ونتأمل في الكواكب، فهل هناك ما هو اكثر وضوحا من ذلك التجلّي للذكاء المتعالي"؟- شيشرون، De Natura Deorum.

تيلوس الشيء (ويعني في اليونان القديمة الغاية او الغرض) هو "النقطة النهائية او الهدف الذي يتجه نحوه" ذلك الشيء. فمثلا، عندما أذهب الى الدكان لشراء بعض الحليب، فان شراء الحليب هو التيلوس من ذهابي الى الدكان. الجدال التيلولوجي حول وجود الله يرى ان الكون المادي هو ذو غاية، او موجّه نحو هدف في الطبيعة ومن هنا يستدل على وجود الله كمهندس او مصمم للكون المادي.

القصة الفلسفية

في صباح احد ايام الصيف من عام 450 قبل الميلاد، كانت الشمس تشرق لتوّها والفيلسوف القديم يجلس على التل المطل على اثينا القديمة، يراقب ويستمع، مفكرا في الحياة، متأملا في اشعة الشمس الذهبية والأزهار المتفتحة برائحتها العطرة. في جوار التل، هناك شاة تضع وليدها، جدول صغير يتدفق نحو البحر. وكما كان في السابق يفكر عدة مرات هو يفكر الآن مرة اخرى:

كل شيء في الطبيعة له دوره الخاص يلعبه ضمن النظام الكلي للأشياء. هو يفكر في هذا النظام الكلي:

ضمن نظام الطبيعة ككل، جميع الاجزاء نُسجت ورُتّبت كالنوتات الموسيقية في اغنية جميلة.

الطبيعة هي نظام يعمل، كلّ معقد صُنع من اجزاء مترابطة مع بعضها تعمل بانسجام.

ان الكلمة اليونانية القديمة للكون كانت (كوسموس)، وتعني "كلّ متناغم منتظم". اليوم، كلمة كوسموس kosmos تحمل نفس المعنى اليوناني: الكون يُفهم ككل منظّم ومنسجم. الآن ينظر الفيلسوف القديم الى المدينة من الاسفل. اثينا تبدأ في الاستيقاظ. المزارعون ينقلون منتجاتهم عبر الطرق نزولا الى المدينة. الناس يتجمعون في ملتقى عام في مركز المدينة، السوق الرئيسي (اغورا) يفتح ابوابه. وحينما فكر في المدينة رأى كل جزء فيها له دوره المتميز يلعبه ضمن نظامها الكلي. الطرق توجد لكي يستطيع المزارعون والتجار نقل بضائعهم من والى المدينة، السوق الرئيسي هو المكان الذي يبيع فيه الناس ويشترون، الخطابات العامة تُلقى في الملتقى وهكذا. الكل سوف لن يعمل اذا كان كل جزء لا يخدم هدف ذلك الكل. هو يتأمل في هذا النظام الكلي:

مثلما الطبيعة، المدينة لها نظام متناغم. هي تشبه نظام الطبيعة، تتحرك من خلال دورات، سنة بعد اخرى، الاجزاء المتداخلة تتوازن ضمن تناغم وانسجام. في المنطقة المجاورة هناك اشجار زيتون، الراعي يعزف بمزماره. الموسيقى الناعمة تدفع الفيلسوف للتفكير مرة اخرى. هذه المرة هو يفكر:

كل نوتة في الاغنية تساهم في جمال وانسجام الكل. كل نوتة لها دورها الخاص في اللعبة(1).

التوازن والتناغم في الاغنية يذكّر الفيلسوف بشيء ما حدث في يوم آخر. عندما كان يقف امام معبد بارثينون في اثينا، هو كان يتأثر بجمال ذلك المعبد. وفي تلك اللحظة هو فكر مع نفسه: جمال الهيكل له علاقة بتوازن وتناغم اجزاءه العديدة. كل صف، كل قطعة من الكرات الملونة، كل نصب، كل عنصر يضيف مساهمات للهيكل ككل. الجمال يبرز من الطريقة التي ترتّبت بها الاجزاء(2). وكما في الطبيعة، البناية الرائعة هي ايضا كلّ صُنع من اجزاء متوازنة ومتداخلة تعمل بانسجام.

في قصتنا هذه يقيم الفيلسوف القديم مقارنة او تشابه بين الاشياء. الاشياء التي جرت المقارنة بينها هي:

1- نظام المدينة

2- نظام الاغنية

3- نظام البناية

4- نظام الطبيعة

كل هذه الامثلة عن النظام تشترك بخاصية واحدة هي ان عدة اجزاء اندغمت ونُسجت بتوازن ضمن بناء كلّي عملي.

هناك مبادئ منطقية للتفكير حول المقارنات. أحد اقدم المبادئ المنطقية للتعليل جرى تلخيصها بالشعار التالي "التأثيرات المتشابهة لها اسباب متشابهة". فمثلا، افرض ان شخصا اصيب بمرض ولديه اعراض معينة. افرض في اليوم التالي ان اخاه اصيب بمرض ولديه نفس الاعراض. اذا اكتشف الطبيب ان سبب مرض ذلك الشخص هو فايروس انفلونزا فمن المعقول الاستنتاج ان سبب مرض الاخ هو فايروس الانفلونزا ايضا. التأثيرات –الأعراض- متشابهة ولذلك نحن نعتقد ان السبب في كل حالة هو متشابه ايضا.

هذا التفكير بالطبع يعطي دفعا للحجة التالية التي عرضها الفيلسوف القديم في عدة مناسبات مختلفة:

نحن ندرك السبب الاساسي لنظام او هيكل المعبد، انه صُمم من جانب معماري لغرض معين. كذلك نحن نعرف سبب نظام اثينا، انه نتيجة جهد مخططي المدينة. بنفس الطريقة، الانسجام في الاغنية وُضع بعناية من قبل المؤلف. في جميع تلك الحالات، السبب الاساسي هو واحد. مصمم ذكي يفرض النظام والهدف على جميع الاجزاء لكي يخلق الكل.

طالما نوع النظام الذي نراه في الطبيعة هو مشابه لنوع النظام الذي نراه في البناية او المدينة او الاعمال الفنية، بمعنى، أجزاء رُتبت في بناء يعمل، وطالما التأثيرات المتشابهة لها اسباب متشابهة، فان سبب نظام الطبيعة يكون مشابه لسبب الانواع الاخرى من النظام. ذكاء المصمم، هو ذكاء يكفي لوضع كامل نظام الكون، او نظام الطبيعة وهو الكائن الذي يسمى الله. هذه احدى طرق الحجة التيلولوجية في الاستدلال على وجود الله.

الفيلسوف يبدأ مساره المفضل نحو اشجار الزيتون القديمة، يتّجه نحو السوق الرئيسي حيث يجتمع الناس. يفكر في كل تلك الاشياء، من أين جاءت والى اين تسير.

الفيلسوف اليوناني اناكساغوراس هو اول فيلسوف في التاريخ عرض نسخة مكتوبة حول هذا الخط من التفكير كموقف فلسفي عن وجود مصمم الكون. ومنذ ذلك الوقت جرى الدفاع عن الحجة من جانب الفلاسفة كالمدرسة الرواقية في اليونان وفي روما لاحقا وكذلك من جانب اوغسطين وتوما الاكويني وليبنز وبالي. اول نقد منهجي للجدال التيلولوجي عرضه الفيلسوف الاسكتلندي ديفد هيوم 1711- 1776. كذلك تعرّض للنقد من جانب كانط ودارون وآخرين.

الفلاسفة اليونانيون القدماء فكروا في الكون ككل منظم متناغم. الفيلسوف المعاصر ديفيد ستيوارت اعتبر فكرة الكوسموس "قفزة لامعة نحو الامام في تاريخ الفكر، وتقدّم ضروري لتطور العلم الفيزيائي الحديث". غير ان اليونانيين القدماء ذهبوا أبعد من ذلك واقترحوا ان نظام الكون هو شيء يمكن التحقق منه وفهمه في النهاية بواسطة العقل الانساني المستقل. L.P.Gerson الباحث في الفلسفة القديمة كتب بانه "كان تقدما ملحوظا في الفهم الفطري العام بان هناك اسباب للانتظام في الكون وان مختلف انواع الانتظامية او النماذج في الطبيعة مرتبطة بمبادئ مشتركة يمكن فهمها بالعقل الانساني". هذا الافتراض او المبدأ المرشد بان الكون يمكن توضيحه عقليا، يدّعي غيرسون "انه بدونه لا يمكن البدء او الأمل باي مشروع علمي"(3). وسواء اتفق المرء ام لم يتفق مع الجدال والافتراضات التي قام عليها، فان النقاش الفلسفي حول الجدال التيلولوجي كان علامة مضيئة في طريق العلم الحديث.

الذريون يعارضون الجدال التيلولوجي

في القرن الخامس قبل الميلاد اقترح الفيلسوف اليوناني ليسوبوس Leucippus نظرية تحمل شبها مدهشا مع فيزياء الذرة الحديثة جادل فيها باننا لو بدأنا بتقطيع قطعة من المادة، كصخرة مثلا، الى اجزاء صغيرة ثم اصغر، فان العملية لا يمكن ان تستمر الى الابد، بالنهاية سنصل الى جزء لا يمكن قطعه الى نصفين. لأنه اذا استمرت العملية الى الابد معنى ذلك ان اصغر جزء من شيء محدود الحجم (متناهي) سيكون مركبا من عدد لا متناهي من الاجزاء المتناهية في الحجم، الامر الذي يعني ان اي شيء متناهي في الحجم هو حقا لا متناهي، وهو امر مثير للسخرية. وهكذا، استنتج ليبوسوس بانه يجب ان يكون هناك اصغر جزيء ممكن – لا يمكن رؤيته لصغره- جزيء من المادة لا يمكن قطعه الى نصفين سماه "الذرة". رأى ليسوبوس ان كل شيء يجب ان يتركب من ذرات. مدرسة ليسوبوس وزميله ديموقريطس سميت "الذرية" لأنها اختزلت كل الاشياء الى الذرات.

السؤال الذي يبرز هو كيف أمكن للذرات ذاتها ان تضع نفسها في هياكل منظمة ومعقدة نراها حولنا وفي هيكل كلي نسميه الكون؟ بكلمة اخرى، كيف برز نظام الكون وما في داخله؟ اقترح ليسوبوس فرضية جريئة يمكن تلخيصها بالتالي: ان أصل كل النظام هو ببساطة تصادفي اي ليس هناك اله او "مصمم ذكي"، البناء المنظم الذي نسميه كون هو مجرد حدث واحد كبير غير مقصود. منذ وقت طويل، كانت الذرات تسقط عشوائيا في فضاء فارغ، وبالصدفة الخالصة، وعبر تصادم تصادفي سقطت في شكل من الكون المنظم. انها فقط حدوث بتلك الطريقة بدون اي سبب.

بالطبع قد يسأل المرء كيف نشأت الذرات ذاتها؟ الا يفرض علينا المنطق الافتراض انها خُلقت اصلا بواسطة الاله؟ ليسوبوس فكّر بهذه الامكانية ورفضها باعتبارها استدلال توضيحي غير ضروري. هو يقول، من الأبسط الافتراض ان الذرات وُجدت دائما. اذا افترضنا انها ابدية عندئذ لا حاجة لنا لتوضيح كيف جاءت. هذا المنطق دفع ليسوبوس واتباعه الذريين لافتراض ان هناك ثلاثة اشياء ابدية وغير مخلوقة وهي الذرات والحركة والفضاء الفارغ الذي سماه الذريون The void.

لايوجد شيء آخر، حسب قول الذريين، لا مصمم للكون، كل شيء هو مجرد ذرات و فضاء فارغ.وبهذا اغلق ليسوبوس دكانه الفلسفي في ذلك اليوم قائلا "حان وقت الذهاب الى البيت، تمت الاجابة على جميع الاسئلة".

الرد على الذريين

الجدال الذري هو استدلال على احسن توضيح (IBE)، ويسمى ايضا "حجة التوضيح". ولكن قديما لم يوافق كل شخص على صدفة الكون كأحسن توضيح للنظام. فمثلا، سقراط وافلاطون وارسطو والمدارس الفكرية المتفرعة عنهم جميعها رفضت الصدفة الخالصة كمصدر معقول لنظام الكون. في النهاية، جاء استنتاج الحجة التيلولوجية كرد على الحجة الذرية، خاصة من جانب اعضاء المدرسة الرواقية. هنا طريقة الجدال:

ما الذي يوضح حقيقة ان الكون هو (كوسموس) وليس فوضى؟ هناك عدة فرضيات محتملة:

1- ان الذرات كانت دائما قد رُتّبت باسلوب منتظم. المشكلة هي ان هذا الافتراض لا يجيب على السؤال المطروح. هو ليس جوابا على السؤال. انه لا يختلف عن الجواب "هو دائما هناك" لسؤال "لماذا هناك نهر في قعر وادي كانون". القول عن استمرارية شيء ما لا يوضح حقيقة وجوده.

2- "ربما حدث بالصدفة".

هذا هو افتراض الذريين. المشكلة هي ان الصدفة وحدها – بدون آلية او عملية توضح الكيفية التي نشأ بها النظام من الصدفة - ليست توضيحا مقنعا لشيء بدرجة عالية من التعقيد مثل الكون.

3- في جميع تجاربنا، عندما نرى نظام يأتي للوجود، وعندما نستطيع تعقّب النظام رجوعا الى المصدر، فان المصدر هو دائما ذات الشيء: ذهن ذكي، مصمم، مخطط. تجربتنا الشخصية تعلّمنا ان النظام ينشأ من ذهن ذكي. في تجربتنا، لا نجد مصدر نهائي آخر للنظام.

كذلك، التنظيم هو وسيلة لغاية، ترتيب لعناصر مع هدف كلي في الذهن، توجيه الأجزاء نحو التيلوس. هذا يبدو من الفعاليات الرئيسية للذهن الذكي، الخاصية الاكثر تميزا.

4- طالما لا شيء آخر في تجاربنا يمكنه انتاج النظام كوظيفة رئيسية له فان الفرضية الاكثر معقولية في افضل توضيح لنظام الكون هي انه برز من مصمم للطبيعة، ذهن متجاوز اطّر هيكل نظام الكون.

الحجة التيلولوجية اعلاه هي مقارنة للطبيعة ترتكز على المقارنة بين شكل خطة المدينة، والتصميم الهندسي، ونظام الطبيعة. هذه الصيغة للجدال التيلولوجي ترتكز على فكرة ان مصمم الطبيعة هو احسن توضيح لنظام العالم. العديد من الفلاسفة يعتقدون ان الحجة هي اقوى في شكلها الـ IBE (الاستدلال على احسن توضيح).

نقد هيوم لحجة التصميم

ديفيد هيوم هو اول فيلسوف حديث هاجم الجدال التيلولوجي. هجومه كان على اربع جبهات:

اولا، هو رفض المقارنة بين الطبيعة او اي جزء منها مع الماكنة المصممة فكريا. الطبيعة حسب هيوم لا تشبه كثيرا الماكنة المصممة فكريا، هناك العديد من الاختلافات.

ثانيا، هيوم هاجم الادّعاء بان المصمم الذكي للطبيعة هو الاستنتاج الاكثر معقولية. ربما نظام الطبيعة يأتي من مصدر غير ذكي، أكثر شبها بعنكبوت ينسج شبكة معقدة ومنظمة قياسا بمصمم معماري ذكي لبناية.

ثالثا، هيوم هاجم الاستدلال بان المصمم هو الله كتصور تقليدي بانه، عظيم القوة وتام المعرفة يهتم بالكائن البشري. اذا كان هناك مصمم للطبيعة فهو ربما ليس العارف بكل شيء وقد لا يشبه اي شيء يُعتقد به كاله. هيوم يجادل لماذا نفترض وجود مصمم واحد فقط او اله واحد؟ لماذا لا نفترض التعددية في الآلهة. الماكنة او الآلية المعقدة هي بالأساس نتاج لمجموعة من عدة مصممين. "اذا كان عدد كبير من الناس يشتركون في بناء بيت او سفينة.. فلماذا لايشترك عدة مصممين في بناء العالم؟"

الرد على هيوم

افرض ان لدينا ظاهرة تحتاج توضيح وهناك فرضيتان كلاهما متساويتان في توضيح كل البيانات، وكانت احدى الفرضيات ابسط من الاخرى. (الفرضية ابسط من الاخرى عندما تحتوي على القليل من الافتراضات، وفيها بناء بسيط، وتستخدم اشارات الى اقل عدد من الوجودات التوضيحية).من المقبول كمبدأ في الطريقة العلمية اننا عندما يتوجب علينا الاختيار بين فرضيتين توضيحيتين متساويتين في توضيح البيانات، فان الفرضية الأبسط هي الخيار الاكثر عقلانية. هذا المبدأ صيغ اول مرة في القرون الوسطى من جانب الفيلسوف البريطاني وليم اوكام ويعرف باوكاما ريزر Ockams’Razor. يذكر اوكام:

ما يمكن توضيحه باقل العبارات لا جدوى من محاولة توضيحه بالكثير. هو يذكر ايضا:

لا يجب على المرء مضاعفة الوجودات اكثر مما هو ضروري لتوضيح الظاهرة، فمثلا، افرض ان احد خبراء الجريمة فحص مسرح الجريمة ووجد 60 بصمة قدم لأحذية بحجم 12. هناك عدد من الفرضيات، منها ان شخصا واحدا ربما يرتدي حذاء بحجم 12 ترك كل البصمات. او ربما شخصان كولومبيان ضربا رجلا وكانا كلاهما يرتدي حذاء متشابها في الحجم وتركا البصمات وهكذا. اذا كانت كل الفرضيات متساوية بالانسجام مع الدليل، فان الفرضية الاولى هي الخيار المعقول.

في محاولاتهم توضيح تعقيدية العالم، يحاول العلماء توضيح المعقد نسبة الى الاقل تعقيدا، والذي بدوره يتوضح بعبارات اقل تعقيدا، حتى يتم بلوغ مستوى من البساطة. فمثلا، توجد الملايين من مختلف انواع الكيمياء. لكن التعقيدية في معظم هذه الملايين من الكيمياء تتوضح فقط بـ 92 عنصر كيميائي. (كل مركب كيميائي هو مجموعة من عدد قليل من هذه العناصر). كذلك، جدول العناصر الكيميائية (periodic table) هو بدوره يتوضح بمجموعة اقل من الوجودات تسمى "الجزيئات دون الذرة". وبهذا فان تعقيدية العالم الكيميائي تُختزل الى اساس من البساطة.

اوكاما يفضل اله واحد على التعدد في الالهة لأن الاله الواحد هو ابسط من الكثرة: الوحدانية توضح تصميم الطبيعة بعبارات من مصمم واحد بينما التعدية توضح النظام بعبارات عدة. الواحد ابسط من الكثرة. وهكذا عندما نتبع تطبيق علمي سليم مسترشدين بنظرية اوكام فان الوحدانية تبدو اكثر مقبولية من التعدد في الالهة.(4)

بعض المتدينين اقترحوا ردا آخر على هيوم. في حالة وجود خطة هندسية معقدة، فان هيئة المهندسين او المصممين هي دائما يترأسها مصمم رئيسي واحد. في خطة التصميم الكبيرة، هناك دائما يجب ان يكون شخص في المسؤولية، والاّ فان المهندسين سوف يتدخلون بعمل بعضهم وتحدث الفوضى. لذلك حتى لو افترضنا هيئة من المصممين مسؤولة عن الكون فإننا لانزال لدينا سبب للاعتقاد بوجود المصمم الاعلى الذي تمتد سلطته لكل الكون.

رابعا، هاجم هيوم الادّعاء بان المصمم الذكي هو أحسن توضيح لنظام الطبيعة. جادل هيوم ان الذكاء الالهي ليس الطريقة الوحيدة لتوضيح ما يبدو من تصميم في العالم، فهناك فرضية العنكبوت او فرضية الميكانيكا الحمقاء ايضا يوضحان نظام الطبيعة بدون الحاجة الى مصمم ذكي.

المعارضة الاخيرة: منْ صمم المصمم؟

يرى التيليلوجي ان المصمم الذكي مسؤول عن تصميم الكون. غير ان هيوم يجادل بان ذهن مصمم الكون سيكون هو ذاته شكل من نظام معقد. اذا كان المؤمن يفترض ان النظام المعقد يدين في وجوده للمصمم الذكي، فان التصميم ضمن المصمم سيحتاج لكي يُوضح بالإحالة الى مصمم المصمم. ولكن هذا بدوره يحتاج ليُوضح نسبة الى مصمم أعلى، مصمم المصمم المصمم وهكذا الى ما لانهاية. يؤكد هيوم ان المؤمن اذا كان يسأل "منْ صمم الكون؟" عندئذ فان الملحد يسأل "منْ صم المصمم". اذا كان المؤمن يجيب ان لا شيء صمم المصمم، عندئذ فان الملحد سيجيب ان لا شيء صمم الكون.

دارون- التحدّي الجديد

حسنا، قد يجيب احد ان الجدال التيلولوجي قد يكون صحيحا في العصور القديمة لكن العلم الحديث جعله شيئا بلا معنى. في عام 1859 نشر دارون كتابه "اصل الانواع"، فيه مثّلت نظرية التطور اول توضيح غير تيلولوجي للحياة المعقدة. اوضح دارون كيف ان نظاما معقدا وأشكالا معقدة من الحياة تنشأ من خلال عمليات مادية لا واعية وغير مخططة، لم تُصمم من قبل اي مصمم ذكي. بعبارة اخرى ادّعى دارون انه اكتشف عمليات غير واعية وغير مصممة قادرة على انتاج نظام من اللاّنظام. فكرة دارون هي كالتالي: الكائنات الحية تميل لإنتاج ذرية أكثر مما تتحمله البيئة. وبالتالي، كل جيل من الكائنات الحية يتنافس في صراع البقاء والعديد من الكائنات تموت اثناء مسيرة حياتها. الذرية تشبه آبائها كثيراً لكنها تتغير قليلا. بعض التغيرات في الذرية مفيدة في صراع البقاء وتمكّن حاملها ليعيش اطول وينتج عدد اكبر من الذرية. تغيرات اخرى تكون مؤذية وتتسبب بموت حاملها دون انتاج ذرية. وعبر فترات طويلة جدا، يفترض دارون انه وبمرور عدة اجيال، هذه العملية من الغربلة التي تعمل بدون اي موجّه او مصمم، ستؤدي الى بروز اشكال معقدة من الحياة من اشكال حياتية بسيطة.

الرد على دارون

المدافعون عن الجدال التيلولوجي لم ينتظروا طويلا، بل ردّوا بسرعة. يقولون ان مستوى أعمق من النظام الوظيفي يجب ان يكون حاضرا قبل امكانية انطلاق أي عملية تطورية دارونية. هم يجادلون بان هذا النظام الخلفي السابق للتطور له كل معالم التصميم الذكي، بما فيه وجود الانظمة والانظمة الفرعية مع العديد من الاجزاء رُتبت في نظام معقد. وهكذا، رغم ان عمليات الاختيار الطبيعي قد توضح وجود الأشكال المعقدة للحياة، فان الادّعاء هنا لا يستطيع توضيح وجود هذا المستوى الأعمق للنظام، نظام خلفي عالي التعقيد في مستوى الذرة وفي مستويات ما دون الذرة والتي يجب ان تكون حاضرة قبل ان تبدأ اي عملية تطورية.

.....................................
الهوامش
(1) عندما يضرب العازف الموسيقي نوتة خاطئة، يستطيع المستمع تمييز ذلك حالا، باعتبار ان هذا لا ينسجم او لا يعمل في تناغم مع بقية النوتات الاخرى.
(2) Parthenon كان يمثل المعبد الرئيسي في اثينا القديمة، جرى استكمال بناء المعبد حوالي 438 قبل الميلاد واُعتبر اول وأجمل معبد آنذاك.
(3) L.P.Gerson، الله والفلسفة اليونانية، دراسات في التاريخ المبكر للثيولوجيا الطبيعية، ص14.
(4) في ايام هيوم كانت هناك اعتبارات اخرى تفضل الوحدانية بعد ان كشفت فيزياء نيوتن في اواخر القرن الثامن عشر عن وحدة الكون. طبقا لفيزياء نيوتن، ان هناك شكل واحد من النظام يتم التعبير عنه بقوانين رياضية تسود كامل الكون. نموذج واحد للنظام يشير الى مصمم واحد. فرضية المصمم الواحد تبدو ابسط طريقة لتوضيح نظام واحد للكون. هذا سبب اخر لتفضيل مصمم احادي للكون وبالضد من فرضية التعدد في المصممين.
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق