q

يرى الكثير من الخبراء ان القارة الأفريقية، التي كانت ولاتزال تعاني الكثير من المشكلات والأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بسبب التهميش العالمي، أضحت اليوم محط اهتمام متزايد من قبل بعض الدول الكبرى والشركات الاستثمارية والمصرفية التي أدركت الأهمية الاقتصادية لهذه القارة التي تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية، وهو ما جعل بعض دول افريقيا وكما تنقل بعض المصادر، سوقاً تنافسية للعديد من الحكومات والمؤسسات التي تسعى الى تثبيت نفسها في مناطق الثروة والنفوذ في القارة السمراء.

وبحسب تقرير التوقعات الاقتصادية للبنك الإفريقي للتنمية الذي أعلن عنه في وقت سابق، فأن دول منطقة شرق القارة الإفريقية، ستسجل على الأرجح أسرع نمو في القارة عامي 2015 و2016.

وقسّم التقرير دول القارة إلى خمس مناطق وسط، شمال، جنوب، وغرب إفريقيا، وضم قسم شرق إفريقيا 13 دولة من بينها الدول الأعضاء الخمس في تكتل مجموعة دول شرق إفريقيا. ووفقا للتقرير، فإن متوسط الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا سيشهد تعزيزا هذا العام ليصل إلى 5.4 %، وليرتفع إلى 6 % عام 2016، مما يمثل آملا جديدا للنمو المنخفض الذي وصل إلى 5.3 % عام 2013، و3.9 % عام 2014. ويتوقع التقرير أن يصل معدل النمو في شرق إفريقيا في عام 2015 إلى 6.5 %، وأن يرتفع إلى 7.6 % في عام 2016. مما يجعل منطقة شرق إفريقيا أكثر المناطق جاذبية في القارة بالمقارنة مع المناطق الأخرى.

ووفقا للتوقعات فإن متوسط النمو عام 2015 لدول وسط إفريقيا سيبلغ 5.5 % و0.5 % لدول غرب إفريقيا، و5.4 % في دول شمال إفريقيا و1.3 % بالنسبة لدول الجنوب الإفريقي. وقال ستيف كاييزي موجيروا، نائب رئيس البنك الإفريقي للتنمية، إن الدول الإفريقية أظهرت مرونة كبيرة في مواجهة شدائد الاقتصاد العالمي. وقال موجيروا ومن أجل أن يصبح النمو المستقبلي مستداما ومحدثا تغييرا كبيرا، يتطلب الأمر توزيع الفوائد المشتركة بصورة أكثر إنصافا بين السكان وأن تواصل الحكومات انتهاج سياسات تعزز الاستقرار الاقتصادى.

وكشف التقرير، أنه على الرغم من أن التوقعات الاقتصادية لإفريقيا تبدو واعدة بشكل عام، إلا أن هناك تهديدات يجب مراقبتها عن كثب مثل انخفاض أسعار النفط والسلع، والظروف العالمية غير المستقرة، والآثار المترتبة على تفشي وباء الإيبولا والتقلبات السياسية التي يمكن أن تعرقل النمو. وعلى الرغم من النمو السريع في القارة، أكدت توقعات البنك الإفريقي للتنمية على مستويات التنمية البشرية، مشيرة إلى أنه على الرغم من زيادتها منذ عام 2000، حيث بلغت 17 دولة من أصل 52 دولة إفريقية مستويات عالية ومتوسطة من التنمية، إلا أن هناك حاجة إلى المزيد من تلك الجهود.

وأكد عبد الله ماردييه، مدير المكتب الإقليمي في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن النمو الشامل والمستدام هو الطريق لتحقيق مستويات معقولة للتنمية البشرية. وأضاف نحن في حاجة إلى الاستثمار في بناء الفرص الاقتصادية، بما في ذلك على المستويات المحلية، وخاصة بالنسبة للشابات والشباب الذين يعتبرون بمثابة مستقبل إفريقيا من المهندسين.

القطاع المالي

وفي هذا الشأن تشهد افريقيا انتشارا ملفتا لمجموعات مصرفية منبثقة من القارة نفسها تهز موقع المصارف الاوروبية المترسخة في هذه البلدان منذ وقت طويل، ما يحدث تحولا كبيرا في قطاع مصرفي حيوي على وشك النهوض. ويرى المحللون الاقتصاديون ان القطاع المصرفي سيكون من مواقع النمو القوية في افريقيا في وقت تعتبر هذه القارة اليوم من الاقل اقبالا على الخدمات المصرفية في العالم حيث ان اقل من 20% من السكان لديهم حساب مصرفي في افريقيا جنوب الصحراء باستثناء جنوب افريقيا.

واوضح جورج فيري من مكتب رولان بيرجيه للاستشارات "انه قطاع اثبت عن حيوية في السنوات الاخيرة وسجل اداء ملفتا مع تحقيق معدلات نمو سنوي بنسبة 12% اذ تركز النشاط في مجالات مربحة مثل الزبائن الاثرياء والشركات الكبرى والدول". وحذر بانه "من اجل الاستمرار في استحداث النمو سيتحتم المضي ابعد وخدمة زبائن جدد" مثل الشركات المتوسطة والصغرى والطبقات الوسطى.

والهدف من خلال ذلك هو مضاعفة عائدات القطاع خلال السنوات الخمس المقبلة ما سيؤدي الى ايرادات اضافية قدرتها دراسة مكتب رولان بيرجيه حول القطاع المصرفي في افريقيا ما بين 15 و20 مليار يورو. ويبقى السؤال المطروح حول الجهات التي ستستفيد من هذه العائدات. وقال جورج فيري ان "المصارف الفرنسية لا تتمتع بالمرونة وسرعة التحرك ذاتها على الارض مثل بعض الجهات المحلية للبحث عن هذه الانواع من الزبائن الذين تعرفهم اقل منها".

وكشف مصرف سوسيتيه جنرال الواسع الانتشار في افريقيا الفرنكوفونية مؤخرا عن طموحاته بالنسبة للقارة ومنها فتح خمسين الى سبعين فرعا في السنة وتحقيق عمليات استحواذ هادفة... كما اكدت مجموعة فرنسية اخرى هي مصرف "بي بي سي أو" طموحاتها الافريقية بالرغم من حضور هامشي لها فأكدت مؤخرا عزمها على تحقيق عمليات استحواذ في القارة. اما مصرف بي ان بي باريبا الذي يلزم التكتم حول استراتيجيته الافريقية فاعاد تنظيم طاقمه الافريقي وابقى على وتيرة فتح الفروع التي لزمها خلال السنوات الاخيرة.

غير ان البيئة في افريقيا تتسم بتنافس شديد واوضح جان مارك فيلاسك من مكتب نوفيل دون للدراسات انه "في افريقيا الفرنكوفونية فان المصارف المغربية باتت تحل تدريجيا محل المصارف الفرنسية". وتملك ثلاثة مصارف مغربية هي بنك التجاري وفا والبنك المغربي للتجارة الخارجية (بي ام سي أو) والبنك الشعبي المركزي (بي سي بي) حوالى ثلث (30%) الفروع المصرفية في المنطقة فيما يمثل مصرفا بي ان بي باريبا وسوسيتيه جنرال حوالى 15% منها.

وراى فيلاسك "انها استراتيجية تعتمدها المملكة وتقضي بتوسيع المصارف وبصورة عامة الشركات المغربية نحو افريقيا" موضحا انه "بين 2007 و2014 انتقلنا من حضور للاطراف المغربية بصفة شهود الى حضور بصفة قيادية". وهذا الانتشار يقوم على عمليات اعادة شراء حيث استحوذ بنك التجاري وفا على فروع لمصرف كريدي اغريكول، واستحوذ البنك المغربي للتجارة الخارجية على بنك اوف افريكا ووضع البنك الشعبي المركزي يده على البنك الاطلسي. وقال جان مارك فيلاسك "اضافة الى اعادة شراء شركات، تعتمد هذه المصارف سياسة ذات طابع هجومي تقضي بتوسيع مجموعتها من الفروع المصرفية".

وبذلك اصبح بنك التجاري وفا الذي ولد من عملية انصهار عام 2004 البنك الاول في افريقيا الفرنسية على صعيد العائدات حيث بات يجني 25% من عائداته خارج المغرب. وفي شرق القارة، ان كان مصرف باركليز البريطاني ومصرف ستاندارد بنك الجنوب افريقي لا يزالان اكبر شبكتين مصرفيتين، الا ان مصارف نيجيرية مثل يونايتد بنك فور افريكا (يو بي ايه) او افريقية مثل العملاق ايكوبنك تعمل على توسيع انشطتها.

وتمكن ايكوبنك الذي تاسس في توغو وبات مصرف قطري المساهم الاول فيه منذ بضعة اشهر، من زيادة حجم انتشاره بثلاثة اضعاف في السنوات السبع الاخيرة فزاد فروعه من 400 فرع عام 2007 الى ما يزيد عن 1200 اليوم. وقال جان مارك فيلاسك انه "خلال بضع سنوات، تم توطيد المواقع. وفي افريقيا الفرنكوفونية تملك تسع مؤسسات مصرفية اليوم وحدها ثلاثة ارباع الوكالات المصرفية". غير انه حذر بان هذا التوسع يتم على حساب المردودية، وهو ما يؤكده جورج فيري الذي يرى انه سيتحتم على المصارف ايجاد نموذج عمل مفيد للحفاظ على مردوديتها.

من جانب اخر اكدت المصارف الافريقية التي لا تملك رساميل كافية، في ابيدجان سعيها لجذب مزيد من الاموال القادمة من العالم العربي الاسلامي والتي تعد "متدنية الكلفة" وتتسم "بطابع غيري" وقال رئيس وزراء ساحل العاج دانيال كابلان دانكان في افتتاح منتدى افريقي حول التمويل الاسلامي ان "قطاع المال الاسلامي يقدم آفاقا ممتازة للقارة الافريقية يجب على دولنا الاستفادة منها".

واضاف ان مصارف القارة "وعلى الرغم من الجهود التي انجزت غير مرسملة بشكل كاف وتملك بشكل اساسي موارد على المدى القريب ان لم يكن على المدى القريب جدا" مع "معدل ودائع متوقع نسبته 58,4 بالمئة في دول الاتحاد الاقتصادي لغرب افريقيا". من جهته قال وزير التخطيط في ساحل العاج البير تواكوس مابري ان الاستثمارات الاسلامية "تتسم بقدرتها الكبيرة على الحركة لضرورات انجاز اعمال تنموية وبكلفتها القليلة وطابعها الغيري". واضاف ان بلدان "غرب افريقيا التي لم تكن متحمسة كثيرا لهذا النوع من الشراكة مع الدول العربية" يجب ان تستفيد من هذا "الحل البديل". بحسب فرانس برس.

وللبنك الاسلامي للتنمية فروع في السنغال والنيجر وغينيا بيساو وموريتانيا. وقال مابري ان المنتدى "هدفه تحفيز تنمية السوق المحلية الدولية للتمويل الاسلامي في افريقيا". وذكر مدير البنك العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا سيدي ولد التاه ان "نصف الدول الاعضاء في الجامعة العربية تقريبا تقع في افريقيا واقتصادها يساهم باكثر من 33 بالمئة من اجمالي الناتج الداخلي للقارة الافريقية". واكد "يهمنا اليوم اكثر من اي وقت مضى التحرك ليعزز الاقتصاد والتجارة والاستثمار المباشر والمال هذا التداخل الذي نريده ثابتا". وبعد جنوب افريقيا والسنغال، تستعد ساحل العاج للحصول على قرض اول بسندات في اسواق مالية عربية اسلامية بهدف رصد حوالى 534 مليون يورو.

الخدمات المالية للنساء

من جانب اخر قالت نجوزي أوكونجو آيويلا إن تكنولوجيا الهاتف المحمول يمكن أن تساعد في توفير الخدمات المالية للنساء الأفريقيات اللاتي ليس لديهن حساب مصرفي والبالغة نسبتهن 80 في المئة وفي تعزيز النمو الاقتصادي في افقر قارات العالم. وكانت أوكونجو آيويلا من بين نحو 12 من كبار المسؤولين الحكوميين والماليين ورجال الأعمال الذين اجتمعوا في نيروبي لإطلاق خطة لتيسير الخدمات المالية لمزيد من النساء الأفريقيات الفقيرات.

وقالت أوكونجو آيويلا الرئيسة الفخرية المشاركة للمجلس الاستشاري لأفريقيا الذي أُنشئ حديثا والتابع للمنظمة الخيرية (الشبكة المصرفية العالمية للمرأة) ومقرها الولايات المتحدة "الأمر ليس مجرد تمكين النساء إنما يتصل أيضا بالنمو الاقتصادي." وقالت "إذا لم نستطع تيسير وصول النساء في مشروعات أعمالهن إلى التمويل فإننا سنفتقد جزءا لا يستهان بها من النمو داخل اقتصادياتنا."

واستشهدت بدراسة أعدتها شركة المحاسبة إيرنست آند يونج تظهر أن 75 في المئة من قوة الإنفاق الاستهلاكي ستكون في أيدي النساء بحلول عام 2028. وقال الخبراء إنه من المعروف ايضا أن النساء أفضل من الرجال في سداد القروض وادخار المال. وتقول الشبكة المصرفية العالمية للمرأة إنه في نيجيريا بلغت نسبة النساء اللاتي لم يستعملن قط خدمة مالية 73 في المئة. وهن بدلا من ذلك يعتمدن على جمعيات الادخار التقليدية التي يقوم فيها فرد بجمع إيرداتهن اليومية.

وعملت الشبكة المصرفية العالمية للمرأة مع بنك الألماس النيجيري لاستحداث حساب ادخار رائد يُسمَّى بيتا يهدف إلى الوصول إلى هذه السوق الواسعة غير المستغلة. وفي هذا النظام يذهب مندوبو البيع إلى أسواق لاجوس القائمة في العراء كل يوم بدلا من انتظار مجيء العملاء إلى البنك. وباستخدام هواتفهم المحمولة يفتحون حسابات ادخار للتجار المشغولين في دقائق قليلة. وهم يأتون أيضا إلى أكشاك العملاء من التجار في الأسواق لجمع الأموال التي يريدون إيداعها في حساباتهم بنفس الطريقة التي يقوم فيها من يشرفون على جمعيات ادخار غير رسمية بزيارة أعضائها. ويتم تأكيد الإيداعات برسائل نصية على الهاتف المحمول.

وفي العام الأول لهذا المشروع أصبح لأكثر من 132 ألف شخص حسابات بيتا وقبل ذلك لم يكونوا قد فتحوا حسابا مصرفيا قط. وقالت أوكونجو آيويلا "أعتقد أن التكنولوجيا ستساعدنا على نشر هذه الخدمة على نطاق واسع." وتعد كينيا واحدة من البلدان الرائدة في أفريقيا بفضل الخدمات المالية التي تعتمد على تكنولوجيا الهاتف المحمول مثل خدمة (مبيسا) التي تقدمها شركة سفاريكوم. بحسب رويترز.

وقال الخبراء إنه لا تزال توجد فجوة كبيرة بين الجنسين إذ أن 53 في المئة من النساء يستعملون خدمات مالية رسمية بالمقارنة مع 71 في المئة للرجال. وأحد التحديات التي تعوق العمليات المصرفية عبر الهاتف المحمول هو أن الأسر الفقيرة غالبا ما تمتلك هاتفا واحدا يشترك فيه جميع افراد الأسرة ويسيطر عليه الرجل. وقالت جنيفر ريريا المديرة التنفيذية لمؤسسة تمويل المرأة الكينية أكبر شبكة للتمويل الأصغر في كينيا "النساء في أفريقيا لا يحتجن إلى الإحسان." وأضافت قولها "المسألة تتصل بتيسير الوصول (الى التمويل). والسيطرة على الموارد التي يكتسبونها هي المسألة. والاحترام في القطاع المالي هو المسألة." وتعتزم مؤسستها تقديم قروض للنساء لشراء هواتف محمولة حتى يمكنهن إجراء معاملاتهن المالية في سرية.وقالت "إنه أمر بالغ الأهمية لتمكين النساء وإتاحة السيطرة لهن."

سيارة موبيوس

الى جانب ذلك وعلى أطراف العاصمة الكينية وعلى بعد خطوات من معرض لسيارات بورشه الألمانية الفارهة تضم قاعة عرض أخرى الحل لطرق أفريقيا غير الممهدة. إنه السيارة موبيوس غير المزودة بلوحة عدادات أنيقة أو نوافذ كهربية. في الواقع ليس بها نوافذ على الاطلاق باستثناء الزجاج الأمامي.

وبدلا من ذلك جردت السيارة المربعة الشكل المصنعة من الألواح المعدنية من كل الكماليات كي تصبح رخيصة ومتينة. ويقول أمان غاي مدير المبيعات في المعرض "لا نحاول إعادة اختراع العجلة .. فقط نحاول أن ننتج ... سيارة أمتن." وتأمل موبيوس موتورز أن يحالفها النجاح فيما فشل فيه كثيرون: تصميم وتصنيع وبيع منتج في أفريقيا التي طالما قدمت المواد الخام للمصانع العالمية لكنها تكافح لإقامة قاعدة صناعية على أراضيها.

وتواجه موبيوس تحديات هائلة ليس أقلها التصور الشائع بأنه ليس بوسع أفريقيا تصنيع منتجات عالية الجودة بقدراتها الذاتية. وعليها أن تتعامل مع البيروقراطية الحكومية وهي مصدر شكوى دائم للشركات. ويلجأ كثير من الشركات الى رشوة المسؤولين لتذليل العقبات. وتعتقد موبيوس التي تقول إنها لا تتسامح مع أي ممارسات فساد أنه لا يوجد عقبة لا يمكن تذليلها وتثق في أنها ستحصل على الموافقات الحكومية المطلوبة لطرح أول سيارة يوم 11 ديسمبر كانون الأول. بحسب رويترز.

ويجري إنتاج 50 سيارة كدفعة أولى سعر كل منها 950 ألف شلن (10500 دولار) قبل الضرائب. وكان لانطلاق المشروع على أرض أفريقية بعض المزايا إذ مكن الفريق الهندسي في كينيا من التركيز على ما يحتاجه القرويون في القارة. وقال غاي وهو كيني عمل من قبل لدى شركات أجنبية "التحدي هو التغلب على هذا الخوف من أن أفريقيا عاجزة عن التصنيع. "لدينا كل الموارد هنا. ولدينا المواهب. المسألة فقط تتعلق بالتغلب على الخوف." والسيارة موبيوس نتاج جهد البريطاني جويل جاكسون (29 عاما) الذي لمس وجود بيئة مناسبة لمثل هذه السيارة خلال عمله في المناطق الريفية بكينيا عام 2009. وبوسع الشركة انتاح سيارتين يوميا في مصنعها الحالي وتعتزم إنتاج طرز أخرى بينها سيارة دفع رباعي.

هواتف افريقية

في السياق ذاته كان فيرون مانكو يحلم بانتاج اجهزة كمبيوتر محمولة رخيصة الثمن، لكن عقبات من كل الاشكال واجهت مشروعه فحولته الى شيء آخر...وهو الآن يباهي بانه يعرض في برازافيل عاصمة الكونغو الانواع الاولى من الهواتف "المصممة والمصنعة" في دولة افريقية فرنكوفونية. وتقع الشركة التي أسسها مانكو في مبنى وسط عاصمة الكونغو، وما زالت اللمسات الاخيرة توضع على مكاتبها بانتظار الافتتاح الرسمي.

اما المصنع فهو قيد العمل، وفي الثالث عشر من تموز/يوليو الماضي صدر منه الطراز الاول من الهواتف المصنعة في الكونغو. وللدخول الى المبنى، يجب المرور بباب ضيق و"دش مضاد للبكتيريا". ويعمل في المصنع نحو سبعين عاملا مرتدين ملابس زرقاء، يشاركون في صناعة هواتف "اليكيا" اي الامل بلغة لينغالا اللغة الوطنية الاولى في الكونغو. ويجري العمل في صمت يشوبه بين الحين والآخر صوت رنات الهاتف التي تمر في مرحة الاختبار. ويشرف على سير العمل خبيران صينيان يرافقهما مترجم.

وعرفت شركة "في ام كي" انطلاقة كبيرة في العام 2011 حين اطلقت لوحة تعمل باللمس، هي الاولى من نوعها المصممة في افريقيا. وفي العام التالي، اطلقت الشركة التي يملكها مانكو (29 عاما) هاتفها الاول المصمم في الكونغو لكنه كان مصنعا في الصين. ثم بعد ذلك تطور العمل في المصنع ونقلت اليه تقنيات صينية متطورة، ليصبح قادرا على اتمام الصناعة في كل مراحلها.

وسبق ان بدأت شركة "مينت موبايل" في جنوب افريقيا بصناعة الهواتف في احدى ضواحي جوهانسبرغ، لكن مصنع "في ام كي" هو الاول من نوعه في دولة افريقية ناطقة بالفرنسية. ويقول مانكو الذي اكتسب مهاراته التقنية في الكونغو والصين "لماذا نلجأ الى الخارج في اشياء يمكن ان نفعلها في افريقيا؟". ويرى ان افريقيا تتمتع بعناصر مهمة جدا في الصناعة. ويقول انه مع ارتفاع معدلات الاجور في اسيا "بات واجبا البحث ارض جديدة للانتاج والصناعة، ونحن نعتقد ان هذه الارض هي افريقيا".

وفي تقرير اعدته العام 2014 جمعية مشغلي الهواتف المحمولة، فان عدد مالكي اجهزة الهاتف النقال في دول افريقيا جنوب الصحراء سيقفز بنسبة 60 % بين العامين 2013 و2020، منتقلا من 311 مليونا الى 504 ملايين. وتنتج شركة "في امي كي" اربعة انواع من الهواتف، يراوح سعرها بين 11 الفا و900 فرنك (20 دولارا)، و64 الفا و900 فرنك (حوالى مئة دولار)، وهي تعتزم جعل خدماتها متوفرة لاكبر عدد ممكن من الزبائن.

وتركز الشركة في اعلاناتها على كون منتجها افريقيا، ويقول مانكو "الحديث عن استهلاك السلع الافريقية وتشجيع الانتاج الافريقي يجدي نفعا، فهناك شعور بالانتماء الى القارة السمراء بدأ يكبر بين كثير من المستهلكين". وبحسب مانكو فان تكاليف بناء المصنع بلغت بضعة ملايين من الدولارات مولت معظمها الحكومة في الكونغو. ويعمل في "في ام كي" مئتا شخص، وقد انتج المصنع في شهر تموز/يوليو الماضي 100 الف جهاز، على امل ان يصل الانتاج الى 350 الف شهريا. بحسب فرانس برس.

وما زال العمال يتلقون تدريبات، وما زالت الشركة تجتهد لتحسين مستوى الكفاءات في صفوفها. وتباع اجهزة "اليكيا" في جمهورية الكونغو بشكل اساسي، لكنها بدأت الانتشار هذا العام في ساحل العاج..وتطمح الشركة الى ان تبلغ قريبا الاسواق في نيجيريا، اكبر بلد افريقي من حيث عدد السكان، وجمهورية الكونغو الديموقراطية.

الشركات الناشئة

على صعيد متصل تبدو عملية تأسيس شركة ناشئة في اثيوبيا حيث خدمة الانترنت متقلبة والدفع الالكتروني مستحيل صعبة الا ان ذلك ليس سوى بعض من عوائق كثيرة تواجهها شركات كهذه يظهر اصحابها رغم ذلك حماسة كبيرة. ومع الموظفين الجالسين امام حواسيب قبالة واجهات زجاجية في مكاتب شاسعة مفتوحة، تشبه شركة "ديليفر اديس"، وهي اول خدمة عبر الانترنت لتسليم وجبات الطعام الى المنازل اطلقت في اذار/مارس، اي شركة اخرى في مجال التكنولوجيات الجديدة.

لكن فيليغ تسيغاي مؤسس الشركة البالغ 27 عاما يؤكد "هنا ينقطع الانترنت مرة او مرتين في الاسبوع. وعندما يحصل ذلك لا يسعنا القيام بالشيء الكثير باستثناء الاعتماد على الهاتف لتلقي الطلبيات". غير ان المهمة بالنسبة لهذا الاثيوبي المولود في الولايات المتحدة حيث تلقى دروسه والذي انتقل قبل ثلاث سنوات فقط الى اثيوبيا، هي ان يفرض نفسه في سوق لا تزال غير واضحة المعالم يعتبرها واعدة جدا في القارة الافريقية.

ويوضح "قطاع التكنولوجيات الجديدة لا يزال في بداياته" والمدفوعات عبر الانترنت "غير متوافرة تقريبا". لكن "ما ان تتوافر وسيلة للمقاولين لكسب المال بفضل التكنولوجيا ستتغير الامور بسرعة كبيرة"، من دون ان يكشف عن اي تفاصيل حول وضع "ديليفير اديس" التجاري والمالي.

وسجلت اثيوبيا بحسب البنك الدولي نموا سنويا نسبته 10 % تقريبا في السنوات العشر الاخيرة وهي تجذب تاليا المستثمرين باعداد متزايدة يحاولون ان يكون لهم موطئ قدم في هذه السوق التي يزيد عدد المستهلكين فيها عن 90 مليون شخص وهي الاكبر في افريقيا بعد نيجيريا. ويشكل قطاع التكنولوجيات الجديدة مجالا واعدا غير مطروق بعد. وتضم العاصمة الاثيوبية ثلاث حاضنات لشركات ناشئة غالبا ما يدعمها مستثمرون اجانب تساعد المقاولين الاثيوبيين على اطلاق شركاتهم.

ويقول كيبروم تاديسي مدير "اكس هاب" وهي حاضنة اقيمت للتو تقترح مكاتب وخدمات للشركات الناشئة "اليوم الجميع يريد ان يكون صاحب شركة، الجميع يريد شيئا جديدا. ومع معدل البطالة وشباب كثير من حملة الشهادات لا تتوافر فرص عمل متعددة، اذا ثمة مكان للابتكار والمقاولة". وتؤكد الحكومة عزمها على تطوير قطاع التكنولوجيات الجديدة ادراكا منها انه قد يشكل مخزونا لوظائف محتملة. وتفرض الجامعات الاثيوبية كوتا نسبتها 70 % من الطلاب في المجالات العلمية. وسيقام "متنزه تكنولوجي" في ضاحية اديس ابابا.

الا ان البيروقراطية الاثيوبية تبقى عائقا رادعا. فتأسيس شركة وتسجيلها في اثيوبيا مهمة شاقة تتطلب اسابيع من المعاملات الادارية المضنية. وتشترط السلطات ايضا ان يكون لمؤسسي الشركات الشباب مكاتب في حين يطور الكثير منهم مشاريعهم في مقاهي الانترنت ومنازلهم. ويقول فلوريان ماندرشيد المدير الالماني لحاضنة "آيس اديس" الذي رأى الكثير من المقاولين الشباب يتخلون عن فكرتهم، "تسجيل شركة قد يحتاج الى ستة اسابيع. يجب التنقل باستمرار من وزارة الى اخرى والعملية ليست بشفافة. وغالبية الناس لا يعرفون من اين يبدأون".

وبعد تجاوز العائق الاداري، يبدأ الاختبار الاصعب وهو جمع الاموال. فالمستثمرون الاثيوبيون لا يزالون خجولين حيال قطاع لا يزال مجهول المعالم بالنسبة لهم. فالاسواق المالية غائبة في البلاد والمستثمرون الاجانب يوجهون قيودا. ويؤكد ماندرشيد "من الصعب ايجاد مستثمرين لان ليس هناك من اطار قانوني ينظم رأس مال المجازفة. لكن مع انفتاح القطاع المصرفي قليلا ستحصل فورة في تأسيس شركات ناشئة والتطوير التكنولوجي".

ورغم هذه الصعوبات يعمل ناتنييل زيليكي وامانويل ليما وهما طالبان في الحادية والعشرين على مشروعهما في مكاتب "آيس اديس" وهو عبارة عن منصة عبر الانترنت من اجل ابراز المواهب الفنية الاثيوبية. ويقول ناتانييل "تأسيس شركة خاصة ليس بالامر الرائج في اثيوبيا الا ان الكثير من الطلاب بدأوا بذلك. فلا حاجة الى ان يكون الشخص في سيليكون فالي (في الولايات المتحدة) لكي ينجح. اذا كان لديك حاسوب وخدمة الانترنت يمكنك القيام بما تريد". الا ان الشابين يواجهان صعوبة في ايجاد مبرمجين ومصممين يحتاجان اليهم في مشروعهما. بحسب فرانس برس.

فعلى صعيد التطوير التكنولوجي لا تزال اثيوبيا غير قادرة بتاتا على منافسة نيجيريا او كينيا المجاورتين. فحتى الان 1 % تقريبا من الاثيوبيين لديهم خدمة الانترنت. وهذا المعدل هو من ادنى المعدلات في افريقيا. واثيوبي واحد من كل ثلاثة لديه هاتف محمول. ويقول فلوريان ماندرشيد "البعض يظن اننا مجانين لكن ما ان نخوض السوق ونتجاوز الصعوبات تتوافر فرص نجاح اكبر من تلك الموجودة في اوروبا والولايات المتحدة (...) ومع قليل من المال يمكن قطع اشواط كبيرة في هذه السوق التي تشهد ازدهارا".

اضف تعليق