q
تكرر وصول معدلات الجوع إلى ذروات جديدة. يمكن للأمور أن تزداد سوءا وستزداد سوءا بالفعل ما لم يكن هناك جهد واسع النطاق ومنسق لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة. لا يمكننا أن نشهد عاما آخر من وصول الجوع لمستويات قياسية. وقد نشأت أزمة الغذاء العالمية نتيجة لاجتماع...

يأتي يوم الأغذية العالمي لعام 2022 في خضم أزمة أمن غذائي متفاقمة تلقي بظلالها على العالم وأعداد مرتفعة بشكل لم يسبق له مثيل من الأشخاص المعرضين لخطر المعاناة من مستويات خطيرة من الجوع في آسيا وأفريقيا.

إضافة إلى الأشخاص البالغ عددهم 970 ألف شخص المعرضين لخطر المجاعة في أفغانستان وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان واليمن، فإن عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع حول العالم آخذ في الارتفاع، وفقا لأحدث إصدار لتقرير منظمة الأغذية والزراعة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم.

وفي رسالة بمناسبة يوم الأغذية العالمي، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن يوم الأغذية العالمي لعام 2022 يأتي في لحظة عصيبة من منظور الأمن الغذائي العالمي.

ونبّه إلى ازدياد عدد الأشخاص المتضررين من الجوع بأكثر من الضعف في السنوات الثلاث الماضية. ويعيش زهاء مليون شخص تقريبا في ظروف المجاعة، حيث يواجهون خطر الموت والهلاك بسبب الجوع.

ويوجد عدد مهول ممن لا يقوون على تحمل تكلفة اتباع نظام غذائي صحي وهم 3 مليار شخص.

وقال السيد غوتيريش إن المجتمعات المحلية الأشد ضعفا تعاني من وطأة جائحة كـوفيد-19 وأزمة المناخ والتدهور البيئي والنزاعات واللامساواة التي تزداد هوتها اتساعا، مشيرا إلى أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار الأغذية والأسمدة بسرعة.

"ولكن بوسعنا أن نعكس كل هذه الاتجاهات، إذا وضعنا أيدينا في أيدي بعض. فالكميات المتوفرة من الغذاء هذا العام كافية لسد حاجة جميع الناس في العالم. لكن المزارعين يحتاجون عاجلا إلى الحصول على الأسمدة بتكلفة معقولة لتأمين الكمية الكافية من الغذاء في العام القادم".

وأكد الأمين العام أنه يتعين على الحكومات ودوائر العلماء والقطاع الخاص والمجتمع المدني أن تعمل مع بعضها لجعل النظم الغذائية الغنية بالمغذيات متاحة وفي المتناول.

وتحتاج المؤسسات المالية إلى زيادة دعمها للبلدان النامية حتى تتمكن من مساعدة شعوبها ومن الاستثمار في النظم الغذائية.

وشدد على ضرورة أن نعمل معا للانتقال من ضيق اليأس إلى رحابة الأمل والعمل، داعيا "وإنني أدعوكم لأن تكونوا في يوم الأغذية العالمي وفي كل يوم عنصرا فاعلا في عملية التغيير".

وفي الكلمة التي ألقاها بمناسبة هذا الحفل الذي أقيم في روما، قال المدير العام للمنظمة، السيد شو دونيو: "يتعين علينا، في ظلّ أزمة جوع تلقي بظلالها على العالم، تسخير قوة التضامن والزخم الجماعي لبناء مستقبل أفضل يتمتع فيه كل فرد بإمكانية الحصول بانتظام على ما يكفي من الأغذية المغذية".

وقال السيد ألفارو لاريو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، "ينبغي أن يكون يوم الأغذية العالمي هذا العام دعوة، أكثر من أي وقت مضى، لتكثيف العمل لمد يد العون لصغار المزارعين في المناطق الريفية، الذين يوفرون الأغذية لمجتمعاتهم المحلية وبلدانهم - أزمة تلو الأخرى- بالرغم ممّا يعانونه من عدم مساواة وهشاشة وفقر".

أما المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، السيد ديفيد بيزلي فقال "إن أكثر ما يقض مضجعي هو ما سيحدث بعد ذلك: أزمة في توافر الأغذية حيث تهدّد تبعات الصراع وتغير المناخ بتخريب الإنتاج الغذائي العالمي في الأشهر القادمة. ولذلك، بات لزاما على العالم أن يفتح عينيه على أزمة الأغذية العالمية هذه غير المسبوقة وأن يتحرك الآن للحيلولة دون خروجها عن نطاق السيطرة".

مؤشرات تظهر أن الأسوأ قادم

وقال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي إن العالم يواجه أزمة غذاء عالمية غير مسبوقة "وكل المؤشرات تظهر أننا لم نشهد الأسوأ بعد."

وأوضح بالقول: "على مدار السنوات الثلاث الماضية، تكرر وصول معدلات الجوع إلى ذروات جديدة. واسمحوا لي أن أتحدث بوضوح: يمكن للأمور أن تزداد سوءا وستزداد سوءا بالفعل ما لم يكن هناك جهد واسع النطاق ومنسق لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة. لا يمكننا أن نشهد عاما آخر من وصول الجوع لمستويات قياسية."

وقد نشأت أزمة الغذاء العالمية نتيجة لاجتماع عدد من الأزمات المتنافسة - الناجمة عن الصدمات المناخية، والنزاعات، والضغوط الاقتصادية – مما أدى إلى ارتفاع عدد الجوعى في جميع أنحاء العالم من 282 مليونا إلى 345 مليونا خلال الأشهر الأولى فقط من عام 2022.

التصدي للمجاعة في خمسة بلدان

وسّع برنامج الأغذية العالمي من نطاق أهداف المساعدات الغذائية لتصل إلى رقم قياسي يبلغ 153 مليون شخص في عام 2022، وفي منتصف العام كان قد قدم بالفعل مساعدات إلى 111.2 مليون شخص.

ويعمل برنامج الأغذية العالمي والشركاء في مجال العمل الإنساني على التصدي للمجاعة في خمسة بلدان وهي: أفغانستان وإثيوبيا، والصومال، وجنوب السودان، واليمن. وفي كثير من الأحيان تكون النزاعات هي العامل الرئيسي الذي يدفع الفئات الأشد ضعفا نحو المعاناة من الجوع الكارثي، وذلك إلى جانب انقطاع الاتصالات، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية، والنزوح.

أما في أوكرانيا، فقد أدى النزاع الدائر هناك أيضا إلى تعطيل التجارة العالمية، مما تسبب بارتفاع تكاليف النقل والمهلة الزمنية اللازمة للنقل، بينما جعل المزارعين يفتقرون إلى الوصول إلى المدخلات الزراعية التي يحتاجون إليها.

وحذر برنامج الأغذية العالمي WFP من انعكاس التأثير غير المباشر لذلك على المحاصيل في الفترة القادمة في جميع أنحاء العالم.

وتتزايد الصدمات المناخية من حيث تواترها وشدتها، مما لا يترك للمتضررين أي وقت للتعافي فيما بين الكوارث. وقد أدى الجفاف غير المسبوق في منطقة القرن الأفريقي إلى دفع المزيد من الناس إلى مستويات من انعدام الأمن الغذائي تبعث على القلق، مع توقع حدوث مجاعة في الصومال في الوقت الحالي.

كما دمرت الفيضانات المنازل والأراضي الزراعية في العديد من البلدان، وكان أبرزها باكستان. ودعا البرنامج إلى أن يكون العمل الاستشرافي في صميم الاستجابة الإنسانية لحماية الفئات الأشد ضعفا من هذه الصدمات – كما أنه يمثل جزءا أساسيا من أجندة الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأمم المتحدة للأطراف المعني بتغير المناخ (COP27) المزمع انعقاده الشهر المقبل في مصر.

وفي الوقت نفسه، فإن قدرة الحكومات على الاستجابة مقيدة بسبب مشكلاتها الاقتصادية – المتمثلة في انخفاض قيمة العملة، والتضخم، وتراكم الديون - حيث يتصاعد خطر الركود العالمي أيضا. وسيؤدي ذلك إلى زيادة عدد الأشخاص غير القادرين على تحمل تكاليف الغذاء والذين يحتاجون إلى الدعم الإنساني لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

الأولوية لتفادي الموت جوعا

وتعتبر خطة عمليات برنامج الأغذية العالمي لعام 2022 هي الخطة الأكثر طموحا للبرنامج على الإطلاق. وهي تعطي الأولوية للعمل على الحيلولة دون تعرض الملايين للموت جوعا والعمل في الوقت نفسه على تحقيق الاستقرار - وحيثما أمكن - بناء أنظمة غذائية وطنية وسلاسل إمداد قادرة على الصمود.

حتى الآن هذا العام، زاد برنامج الأغذية العالمي من مساعداته بمقدار ستة أضعاف في سريلانكا استجابة للأزمة الاقتصادية، وأطلق استجابة طارئة للفيضانات في باكستان، ووسع العمليات إلى مستويات قياسية في الصومال بينما تلوح المجاعة في الأفق.

وفي أفغانستان، حصل اثنان من كل خمسة أفغانيين على دعم من برنامج الأغذية العالمي. كما أطلق برنامج الأغذية العالمي عملية استجابة للحالات الطارئة في أوكرانيا وافتتح مكتبا جديدا في مولدوفا لدعم الأسر الفارة من النزاع.

ومع ارتفاع تكلفة توفير المساعدات وزيادة الفترات الزمنية اللازمة لذلك، يواصل برنامج الأغذية العالمي تنويع قاعدة مورديه، بما في ذلك تعزيز المشتريات المحلية والإقليمية، كما قام البرنامج بتوسيع نطاق استخدام التحويلات النقدية لتقديم المساعدة الغذائية بأكثر الطرق كفاءة وفاعلية من حيث التكلفة في مواجهة هذه التكاليف المتزايدة. وتمثل التحويلات النقدية الآن 35 في المائة من مساعداته الغذائية في حالات الطوارئ.

وتمكن البرنامج من تأمين مبلغ 655 مليون دولار أمريكي من المساهمات واتفاقيات تقديم الخدمات من المؤسسات المالية الدولية لدعم أنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية. وتُبذل جهود مماثلة لتوسيع الشراكات المبتكرة بشأن التمويل الخاص بالمناخ.

وفي حين أن هذه الجهود توفر العون لبعض الفئات الأشد ضعفا، إلا أنها تواجه تحديات عالمية كبيرة حيث يستمر عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع الحاد في الازدياد مما يتطلب تضافر الجهود العالمية من أجل إحلال السلام والاستقرار الاقتصادي ومواصلة الدعم الإنساني لضمان تحقيق الأمن الغذائي حول العالم.

لا لترك أحد يتخلّف عن الركب

أشارت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة إلى أننا نشهد في عام 2022 "جائحة مستشرية" وصراعات ومناخا يزداد احترارا وارتفاعا في الأسعار وانعدام المساواة وتوترات دولية. وذلك كله يؤثر في الأمن الغذائي العالمي.

ودعت إلى بناء عالم مستدام يمكن فيه للجميع وفي كل مكان الحصول بانتظام على ما يكفي من الغذاء المغذي.

وأكدت أن العمل الجماعي في 150 بلدا حول العالم هو ما يجعل يوم الأغذية العالمي أحد أكثر الأيام احتفاء به في تقويم الأمم المتحدة. فمئات الفعاليات وأنشطة التوعية تجمع بين الحكومات وشركات الأعمال ومنظمات المتجمع المدني ووسائل الإعلام وعامة الناس، وحتى الشباب. وهي تعزز التوعية والعمل في جميع أنحاء العالم من أجل أولئك الذين يعانون من الجوع ولضمان أنماط غذائية صحية للجميع، من دون ترك أي أحد خلف الركب.

شخص يموت كل أربع ثوانٍ

من جهتها حذّرت أكثر من 200 منظمة غير حكومية من أن التقديرات تفيد بأن شخصا يموت كل أربع ثوانٍ في العالم، ودعت إلى تحرّك دولي حاسم من أجل "إنهاء أزمة الجوع المتصاعدة في العالم".

وأفادت الهيئات في بيان بأن "منظمات من 75 بلدا وقّعت على رسالة مفتوحة عبّرت فيها عن غضبها من مستويات الجوع المرتفعة بشدة و(قدّمت) توصيات من أجل التحرّك"، محذرة من أن "عددا مروّعا من الناس يبلغ 345 مليونا يعيش حاليا في حالة جوع شديد، وهو رقم ازداد بأكثر من الضعف منذ العام 2019".

وأضاف البيان "رغم تعهّدات قادة العالم بعدم السماح إطلاقا بوقوع مجاعة في القرن الـ21، إلا أن المجاعة باتت وشيكة أكثر في الصومال. حول العالم، هناك 50 مليون شخص على حافة المجاعة في 45 بلدا".

وبينما أشارت المنظمات إلى تقديرات تفيد بأن ما يقرب من 19700 شخص يموتون من الجوع كل يوم، ذكرت بأن ذلك يترجم إلى موت شخص من الجوع كل أربع ثوان.

وقال مهنا أحمد علي الجبالي من جمعية رعاية الأسرة اليمنية، وهي إحدى الجهات الموقعة على الرسالة، إنه أمر "مريع بأنه بوجود كل هذه التقنيات الزراعية اليوم، ما زلنا نتحدث عن المجاعة في القرن الـ21".

وأضاف "الأمر غير مرتبط ببلد واحد أو قارة واحدة ولا يوجد قط سببا واحدا فقط للجوع. يتعلق الأمر بغياب العدالة في البشرية أجمع".

وتابع "علينا ألا ننتظر لحظة أخرى للتركيز على تقديم الغذاء الضروري لإنقاذ حياة الناس والدعم الأطول أمدا ليكون بإمكان الناس تولي زمام مستقبلهم وتأمين احتياجاتهم واحتياجات عائلاتهم".

الجوع ينهش أطفال الصومال

تفيد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن 730 طفلا توفوا في مراكز تغذية بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو. ويعاني أكثر من نصف مليون طفل بين سن الستة أشهر وخمس سنوات من سوء تغذية حاد.

بعد انحسار الأمطار لأربعة مواسم متتالية منذ نهاية العام 2020 ومع توقع موسم خامس مماثل اعتبارا من تشرين الأول/أكتوبر، راحت الصومال تغرق في مجاعة.

ويعاني 7,8 ملايين شخص عبر البلاد أي نصف سكان الصومال تقريبا، من الجفاف بينهم 213 ألفا معرضون لخطر مجاعة كبير بحسب الأمم المتحدة.

ونبه مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية مارتن غريفيث من أن حالة المجاعة ستعلن في منطقتي بيداوة وبركاكابا الجنوبيتين بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر في حال لم يتخذ أي تحرك عاجل.

وقال إن الوضع أسوأ من المجاعة السابقة في 2011 التي أودت ب260 ألف شخص أكثر من نصفهم من الأطفال دون سن الخامسة.

وإزاء الخطر الذي تطرحه حركة الشباب الاسلامية المتطرفة منذ 15 عاما، غادر مليون صومالي بلداتهم متوجهين إلى المدن الكبرى ولا سيما العاصمة مقديشو حيث يقيمون في مخيمات غير رسمية.

قطعت نوناي ادن دورو التي لديها عشرة اطفال، مسافة 300 كيلومتر انطلاقا من بيداوة بحثا عن مساعدة طبية لنجلها حسن محمد البالغ ثلاث سنوات بعدما أصيبت اعضاؤه بانتفاخ جراء سوء التغذية الحاد.

وتوضح "في السنوات الثلاث الأخيرة لم نحصد أي محصول بسبب انحسار الأمطار".

وتضيف الوالدة البالغة 35 عاما"واجهنا وضعا رهيبا (..) للحصول على صفيحة مياه ينبغي السير مدة ساعتين". وتحمل ابنها محاولة تهدئته وهي تنتظر الحصول على رعاية طبية من المنظمة غير الحكومية International Rescue Committee (IRC) في إحدى ضواحي مقديشو.

في مراكز الصحة والتغذية السبعة التي تديرها المنظمة غير الحكومية في ضواحي العاصمة الصومالية "ارتفع عدد الوافدين الجدد بشكل كبير منذ حزيران/يونيو" على ما تفيد فايزة علي المسؤولة عن التغذية في IRC.

وبين هؤلاء زاد عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ثلاث مرات منتقلا من 13 كحد أقصى في اليوم في أيار/مايو إلى 40 في أيلول/سبتمبر.

وضرب الجفاف كذلك مناطق خصبة عادة مثل شبيلي السفلى المحاذية لمقديشو. وكانت هذه المنطقة سابقا ملاذا للسكان الذين يعانون الجفاف إلا أنها باتت اليوم مقفرة.

وتقول الأرملة فادومو ابراهيم حسن التي لديها ستة أطفال بعد أسبوع على وصولها إلى العاصمة "اعتدنا زراعة الخضار لتغذية أطفالنا قبل أن يضربنا الجفاف. والآن نعتاش على ما ينعم علينا الرب به".

اقتادت هذه المرأة البالغة 35 عاما ابنتها يوسرو البالغة سنتين إلى مستشفى دي مارتينو بناء على نصيحة الاطباء في IRC الذين اعتبروا وضعها غاية في الخطورة.

فيبلغ وزن الطفلة 5,8 كيلوغرامات بالكاد أي نصف وزن طفل سليم في سنها.

وهذه الحالات تزداد على ما تقول الطبيبة فهمو علي.

وتوضح "الحالات التي نستقبلها هنا هي الأسوأ مع مضاعفات. وأحيانا يعود أشخاص عالجناهم مرة جديدة إلى المستشفى بعدما يمرضون مجددا".

محصول الحبوب في سوريا

وفي سياق متصل قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إن عوامل تغير المناخ وتعثر الاقتصاد والقضايا الأمنية العالقة تضافرت لتلحق ضررا بالغا بإنتاج سوريا من الحبوب عام 2022، مما ترك غالبية مزارعيها في مواجهة وضع حرج ومحفوف بالمخاطر.

وقال مايك روبسون ممثل المنظمة في سوريا إن محصول القمح في سوريا لعام 2022 بلغ نحو مليون طن بانخفاض 75 بالمئة عن مستويات ما قبل الأزمة في حين أن الشعير بات شبه منعدم.

وأدى عدم انتظام هطول الأمطار في الموسمين الماضيين إلى تقلص محصول القمح في سوريا الذي كان يبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويا قبل الحرب، وهي كمية كانت تكفيها لإطعام شعبها وكذلك تصديرها إلى البلدان المجاورة في الظروف المواتية.

والآن وبعد أكثر من مرور عقد على الصراع، يكابد العديد من المزارعين ظروفا اقتصادية قاسية ومشاكل أمنية في بعض المناطق في الوقت الذي يحاولون فيه التكيف مع تغير ظروف الطقس.

وتفرض ضآلة المحصول المزيد من الضغوط على الحكومة السورية التي ترزح بالفعل تحت العقوبات إذ تواجه متاعب جمة للحصول على القمح من السوق الدولية. ولا تخضع الشحنات الغذائية للعقوبات الغربية لكن القيود المصرفية وتجميد الأصول جعلت من الصعب على معظم الشركات التجارية التعامل مع دمشق.

وباءت بالفشل العديد من عطاءات الاستيراد الدولية التي أجرتها المؤسسة العامة ‏لتجارة وتصنيع الحبوب (حبوب) وهي المشتري الرئيسي للدولة، مرارا في السنوات الماضية في حين جاءت معظم شحنات القمح من روسيا، حليفة دمشق الوثيقة.

ومما زاد الأمر سوءا، ارتفعت أسعار القمح العالمية منذ فبراير شباط بعد أن أوقف غزو موسكو لأوكرانيا تدفق صادرات الحبوب من البحر الأسود لعدة أشهر.

وقال روبسون "تغير المناخ ليس سهلا على أي حال، لكن في دولة مثل سوريا، فالصعوبة مضاعفة مع ارتفاع التضخم وانعدام الكهرباء وعدم وجود مدخلات إنتاج من نوعية جيدة، بجانب بعض القضايا الأمنية المعلقة التي لا تزال تعتمل في بعض أجزاء البلاد".

ويعتمد الجزء الأكبر من محصول القمح في سوريا، وبالتحديد 70 بالمئة تقريبا، على هطول الأمطار مع تداعي أنظمة الري بسبب الحرب.

ومقارنة بالمساحات المزروعة، بلغ المحصول نحو 15 بالمئة فقط مما كان يتوقعه المزارعون من مناطق زراعة القمح التي تعتمد على الأمطار.

وأشار روبسون "عندما تهطل الأمطار، كانت تتركز في فترات بعينها ولم تتبع الأنماط التقليدية".

وأضاف "التأخر في هطول الأمطار أدى إلى تعطل المزارعين ولم يتمكنوا من تجهيز أراضيهم في الوقت المناسب ثم انتهت الأمطار في أوائل مارس".

وعادة ما يزرع المزارعون في سوريا محصولهم من القمح في الفترة ما بين نوفمبر تشرين الثاني وديسمبر كانون الأول ويحصدون المحصول في الفترة من مايو أيار إلى يونيو حزيران.

كما أن الاقتصاد السوري يرزح أيضا تحت وطأة الصراع المعقد والمتعدد الأطراف الذي دخل عامه الثاني عشر.

وأدى انهيار الليرة السورية إلى ارتفاع أسعار النوعيات الجيدة من الأسمدة والبذور وكذلك الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه. وأمعنت سوريا يوم الاثنين في إضعاف سعر الصرف الرسمي مقابل الدولار بنحو سبعة بالمئة.

وفي المعتاد، ينتج الهكتار الواحد من الأراضي المروية والمزروعة بالقمح بين ثلاثة وأربعة أطنان ولكنها حاليا تنتج طنين فقط تقريبا مع معاناة المزارعين في الحصول على المدخلات الزراعية الأساسية.

حجم الإنتاج الذي بلغ مليون طن هو أقل بكثير من التقديرات الحكومية بإنتاج نحو 1.7 مليون طن.

وتعني تقديرات المنظمة أن هناك حاجة لاستيراد نحو مليوني طن من الخارج لتوفير الغذاء لسكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وأدى انخفاض أسعار القمح عالميا في أغسطس آب، لأسباب من بينها استئناف صادرات الحبوب من أوكرانيا بموجب اتفاق تم التوصل إليه في يوليو تموز بين كييف وموسكو، إلى جعل الوضع أقل سوءا مما كان عليه قبل شهرين، إلا أنه لا تزال هناك مخاوف بشأن قدرة الحكومة على توفير التمويل اللازم لتغطية المشتريات.

وقال روبسون "السوق (الدولية) تعود ببطء لمسارها الطبيعي، لكنني ما زلت قلقا لأنه من الواضح أن هناك حاجة للعملات الأجنبية لشراء القمح".

ومع انعدام محصول الشعير أيضا، فضل بعض رعاة الأغنام التخلص من حيواناتهم وبيع معظمها بالنظر لكونهم غير قادرين على إطعامها.

وكانت سوريا تنتج ما يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين طن من أعلاف الشعير سنويا لإطعام مواشيها، إلا أن كثيرين يواجهون متاعب جمة هذا العام للحفاظ على مصدر رزقهم.

وقال روبسون "عندما يحتاج مربو الأغنام لشراء الأعلاف، فإنهم عادة ما كانوا يبيعون حيوانا واحدا لشراء طن من الشعير على سبيل المثال، وهكذا يمكنهم إطعام 20 حيوانا بها".

وأضاف "هذا العام سيحتاجون لبيع عشرة حيوانات".

وظهرت تأثيرات هذا التغير بالفعل في سوق المواد الغذائية حيث تُباع لحوم الدواجن الآن بأسعار تفوق تلك الخاصة بلحم الضأن، حيث يواصل المربون المتعثرون ماليا بيع أغنامهم.

وأوضح روبسون "السعر سينخفض كثيرا، ولكن بعد ذلك سيصبح هناك نقص في المعروض وستكون هناك مشكلة حقيقية".

وتعاني المناطق التي تنمو بها الأعشاب نسبيا في الشتاء ويمكن استخدامها لرعي الحيوانات من مشكلات أمنية طويلة الأمد، ولذلك يفضل مربو الماشية عدم المجازفة بالذهاب إليها.

وأصبح المزارعون الذين لم يتمكنوا من تحقيق ربح خلال العامين الماضيين منهكين ماليا حاليا وقد يفكرون في البحث عن مصادر رزق أخرى، وليس تحمل المزيد من الديون لزراعة المزيد من الحبوب.

وأكد روبسون "ظروف الزراعة المعتمدة على الأمطار تظل غامضة ومحفوفة بالمخاطر للغاية حاليا".

اضف تعليق