q
بَدَأَ العَالمُ يَتَحَدَّثُ عَن العِلاقَةِ الجِنسِيَّةِ على طَريقَةِ التانترا بَعدَما أَصبَحتِ المُمارَسَةُ السَّريعَةُ الَّتي تَفتَقِرُ للتَّواصل العَقلِيّ والرُّوحِيّ بين الزَّوجَينِ هي السَّائِدة، فَبِمُرورِ الوقتِ أَصبَحتِ العِلاقَةُ الجِنسِيَّة أَشبه بالروتين، وتحولتْ إلى وسِيلةٍ لإشبَاعِ الرَّغبَةِ الجِّنسِيَّةِ دُونَ تَواصُلٍ حَقِيقيٍّ. التانترا تُعمِّقُ العِلاقَاتِ الجِنسِيَّة، بعد أَنْ حَولَّتهَا...
بقلم: حسن تراب

في العُقُودِ الأَخيرةِ بدأَتِ المُجتَمعاتُ الأوربيَّةُ وكذا الأميركيَّة خَاصَّةً بالاِنفِتاح على الأَديان الأخلاقِيَّةِ والإنسَانِيَّةِ كـ "الشنتو" و"الكونفوشية" و"البوذية" و"التانترا" وبَدَأَت هذه الدِّياناتُ وأَفكَارُها بالنُّمو والاتِّسَاع، والسَّببُ في تَوجُّهِ المُجتَمعاتِ نحوها هو أَنَّ هذه الدِّياناتِ تُسَلِّطُ كُلَّ الضَّوءِ على البُعدِ الأَخلاقِيّ والتَّطوير الذَّاتي للنَّفسِ بَعِيداً عَنْ الطُّقوس الفَارِغَة الَّتي قَدْ تَستَهلِكُ قُدراتِ الاِنسان.

ماهي التانترا (Tantras)؟

لَمْ يُكتَبِ الكَثِيرُ عَنْ التانترا باللُّغَةِ العَربِيَّة، وحتَّى غَيرها مِن اللُّغاتِ لأَنَّها ديانة لم تأَخذ تِلكَ السِّعة والاِنتِشار فَبَقِيتْ في مَوطِنهَا الأَصليّ في الهند، فَضلاً عَن أَنَّ تَعالِيمها لم تكُن مُترجمةً ومُنتَشِرةً حتَّى السَّنواتِ الأَخيرةِ لأَنَّها كَانت مَكتُوبةً بِطَريقَةٍ رَمزيَّةٍ وبعض اللُّغاتِ المُنقَرِضَةِ.

التانترا كَلِمَةٌ "سنسكريتية" وتَعني "التَّلويحُ في الأُفقِ"، وهي فَلسَفةٌ دِينِيَّةٌ تمتدُ لِخَمسةِ آلاف عام، وهي مَزيجةٌ مِن الهِندوسيَّة والبُوذيَّة وعَنَاصِر السِّحر. والتانترا مَفهُومٌ مُشوشٌ نَوعاً ما لأَنَّ الحُقَبَ التَّأريخيَّة أَنتَجَتْ مَدَارِسَ مُتَعدِّدَة كان لِكُلٍ فَهمُهَا وتَعرِيفُها الخاص.

تَدُورُ ثَقَافةُ التانتر حَولَ اِستِحصَالِ الطَّاقةِ مِن الكَونِ وعَنْ طَريقِ العِلاقَاتِ الحَمِيمةِ، وتَحويلِ الأَداءِ الجِنسِيّ إلى تَواصلٍ رَوحَانِيّ، حَيثُ تُقَدِّمُ فَلسَفةً جَدِيدةً لِهذهِ المُمارَسَاتِ، فَتَعتَمِدُ على المُمارَسَةِ البَطِيئَةِ والمُتأنِّيةِ في العِلاقَةِ لِخَلقِ تَواصلٍ عَقليٍّ وجِسمَانِيٍّ بين الزَّوجِينِ، وبالتَّالي تَزِيدُ الرَّابِطَ بينَهُما على كُلِّ المُستَوياتِ.

بَدَأَ العَالمُ يَتَحَدَّثُ عَن العِلاقَةِ الجِنسِيَّةِ على طَريقَةِ التانترا بَعدَما أَصبَحتِ المُمارَسَةُ السَّريعَةُ الَّتي تَفتَقِرُ للتَّواصل العَقلِيّ والرُّوحِيّ بين الزَّوجَينِ هي السَّائِدة، فَبِمُرورِ الوقتِ أَصبَحتِ العِلاقَةُ الجِنسِيَّة أَشبه بالروتين، وتحولتْ إلى وسِيلةٍ لإشبَاعِ الرَّغبَةِ الجِّنسِيَّةِ دُونَ تَواصُلٍ حَقِيقيٍّ. التانترا تُعمِّقُ العِلاقَاتِ الجِنسِيَّة، بعد أَنْ حَولَّتهَا الأَفلامُ الإباحِيَّة إلى عَمَلِيَّةٍ ميكانيكية خَالِصَةٍ، ورَوَّجَتْ لمجموعةٍ كَبِيرةٍ مِن الأَوهَامِ المُؤثِرَةِ في عِلاقَاتِنَا بأَجسَادِنَا وأَجسَادِ الآخَرِينَ.

ورَكَّزَتْ الأَفلامُ الإباحِيَّةُ على الجَّسَد باِعتِبَارهِ العَامِل الوحِيدَ للاِستِثَارةِ، لِتُؤثِّرَ في عُقولِ مُشَاهِديهَا بِطَرِيقَةٍ غَيرَ مُبَاشِرَةٍ، وتَدفَعَهُم إِلى الظَّن أَنَّ النَّشَاطَ الجِنسِيَّ يَعتَمِدُ أَوَّلًا وأَخِيرًا على شَكلِ الجَّسَد، فلا بُدَّ أَنْ تَكُون صَغِيرًا في السِّن ولَدَيكَ جَسَدٌ مُتنَاسِقٌ ومَعَالِم ذُكُورِيَّة جَذَّابَة، أَو تَكُونِي أُنثى ذَاتَ جَمَالٍ طاغٍ وجَسَدٍ يلتَزِمُ بمعَاييرِ الجَّمالِ العَالميَّة، وإِلَّا فَلَنْ تَصِيرَ مُرتَاحَاً جِنسِيَّاً.

تَدفَعُ هذه المَعايير التَّعجِيزيَّة الجَمِيعَ إلى تَقلِيل قِيمَةِ أَنفُسِهم، سيَّما أُولئِكَ الَّذينَ يُوافِقُونَ هذه المَقَاييس، سَواءً في الشَّكلِ أَو السَّن، كَمَا أَنَّ مَن تَنطَبِقُ عَلَيهم الشُّروط بِحَذافِيرها لايعتَبرونَ أَنُفسَهم جَيدينَ بالقَدَرِ الكَافي، ففي النِّهايةِ، لا قَنَاعَةَ لأَحَدٍ بِنَفسِهِ.

البَشَرُ بِحَاجَةٍ إِلى التَّواصلِ العَمِيقِ، ولايُمكِنُنا العَيشُ دُونَ الشُّعورِ بِهَذا الاِتِّصالِ الوَطِيدِ الَّذي يَجمَعُنا بالآخَرِين، فَتُركِّزُ التانترا على تَأَصِيلِ هذا الشُعورِ، الَّذي هو أَسَاسُ العِلاقَةِ الجِنسِيَّةِ، فَلَيسَتْ أَجسَادُنا أَكَثرُ الأَشياءِ إثارة، لأَنَّ الإنسان الَّذي يَملِكُ إِحسَاسًا حَقِيقيًّا يَفرضُ حُضُورًا آسِرًا، فَالمُمارَسَاتُ الجِّنسِيَّةُ تَقُومُ بِتَهييجِ حَالَةِ السَّلامِ الدَّاخِليّ الَّتي نَحتَاجُها.

وتَتَّخِذُ التانترا مَبدَأَ أَنَّ الكَونَ الَّذي نُعانِي مِنهُ لَيسَ سِوى مَظهَرٍ مِن مَظَاهِرَ ملمُوسَةٍ مِن الطَّاقَةِ الإلهِيَّةِ، ويَسَعى مُعتَنِقُو هذه الفَلسَفَةِ إِلى مُمارَسَةِ طُقوسٍ مُناسِبةٍ لِتَوجِيهِ تِلكَ الطَّاقَةِ المَكمُونَةِ دَاخِلَ الإنسَانِ، بِطُرقٍ خَلَّاقَةٍ وتَحَرُّريَّةٍ.

في العَالَمِ الغَربِيّ اليوم، أَصبَحَتْ التنترية تِجَارةً كَبِيرةً وتُدِّرُ الكَثِيرَ مِن المَالِ سِيَّما في فانكوفر الكندية (Vancouver) ويُعتَبرُ أَقوى وجهٍ مِن أَوجُهِ التانترا الَّذي أَكَّدَ وجُودَهَا وحُضُورَها الدَّائِم هو اِعتِبَارهُا نَوعَاً مِن أَنواعِ العِلاجَاتِ الجِّنسِيَّة، والاِستِشَارةِ العَاطِفيَّةِ، والتَّمارِينِ الَّتي يُؤَدِّيهَا الأَزواجُ مع بَعضِهم الَّتي يُشَاعُ بأَنَّها تُشفِي الصَّدَماتِ الجِّنسِيَّةِ والفيزيولوجية، كَمَا تَرفَعُ مِن قَدْرِ الحَمِيمِيَّةِ والحُبّ، وتُحَسِّنُ مِن جَودَةِ النَّشوةِ الجِّنسِيَّةِ.

والحَقِيقَةُ والوَاقِعُ الَّلذان يُثبِتُهمَا التَّأرِيخُ هو أَنَّ الرَّوحَانِيَّة التنترية لَمْ تَهدُف يَومَاً إِلى تَحسِينِ العِلاقَاتِ الجِنسِيَّةِ، أَو العِلاجِ والشِّفَاءِ الجِّنسِيّ، أَو اِتَّخَذتْ بِبَسَاطَةٍ مِن تَمكِيننا مِن التَّمَتُّعِ بأَجسَامِنا هَدَفاً لها، فَقَدْ كَانتْ أَهدَافُها الرَّئيسَةُ هي التَّنَزهُ والسُّمُو الرُّوحِي، ومَعرِفَةُ الذَّاتِ الإلهِيَّةِ، والتَّمكُّن مِن القِوى السِّحريَّة. وهذا ما كَتَبهُ الخَبِيرُ بِشُؤونِ الحَضَاراتِ الهِنديَّة القَدِيمة الألماني يورغ فورشتاين في مؤلفه (التنترا: السَّبيلُ للنَّشوةِ). وجوفري سامويلز، البَاحِثُ في التنترا واليوغا.

نعم، لَنْ تقضي التانترا على صِنَاعَةِ البورن نِهائيًّا، لَكِنَّها قَدْ تُسَاعِدُ بَعضَ النَّاسِ في التَّخَلَّصِ مِن هذا الإدمَانِ، لأَنَّ شُعُورَ أَحَدِنا بِعَظَمةِ الآفَاقِ الَّتي يَفتَحُها الفِكرُ التنتري لَنْ يَجعَل للأَفلامِ الإباحِيَّةِ مَكَانًا في حَياتِنا.

الرُّؤية الإسلامِيَّة لِفِكرَةِ التانترا؟

تُعتَبرُ التانترا في العَصرِ الحَاضِرِ مَصدَراً مُتَحضِّراً لِبِنَاءِ عِلاقَةٍ حَمِيمِيَّةٍ وتُعطِي ثَقَافَةً جِنسِيَّةً ذَاتَ بُعدٍ خَلَّاقٍ، والاِسلامُ يَتَّفِقُ في هذا الجَّانِبِ مع ثَقَافَةِ التانترا؛ فهو لَمْ يَعتَبِر العِلاقَةَ الجِّنسِيَّةَ سُلُوكاً شَهوانِيَّاً مُبتَذَلاً بل العَكسُ تَمَاماً.

ويَنَأَى الإسلامُ بالجِّنسِ عَن النَّظرَةِ الشَّهوانِيَّةِ فَيُصَنِّفُ تلِكَ النَّظرةَ كَغَريزَة حَيوانِيَّة فِيمَا إذا اِستَولتْ الشَّهوة كُلَّ حَيِّزِ العِلاقَةِ، وقَطَعَ كُلَّ السُّبلِ لِئَلَّا تَكُونَ المَرأَةُ أَدَاةً لِهَذا التَّصورِ الشَّهوانِيّ فَفَرضَ على المَرأَةِ الحِجَابَ وحَرَّم على الرَّجُلَ النَّظرَ إليها بِشَهوةٍ، حَتّى لاتَكُونَ مَادَةً لِهَذا النَّوعِ مِن التَّفكِير، ومِن هُنا يُمكِنُنا أّنْ نَفهَم مَعنى الحَدِيث: (النِّسَاءُ حَبائِلُ الشَّيطَانِ) فَهذا الحَدِيث لا يَصِفُ المَرأَةَ بِقَدْرِ ما يُوصِّفُ الحَالةَ الَّتي يَنظرُ إليها المُجتَمع كَمَادةٍ للاِستِهلاكِ الشَّهوانِي.

ويَصِفُ القُرآن الزَّواجَ أَروَعَ تَوصِيفٍ، بِِقَولهِ تَعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾. فَيُعَبِّرُ عَنْ الزَّواجِ بأَنَّهُ آيةٌ إلهِيَّةٌ، والزَّوجَةُ جُزءٌ مِن سِنخِ نَفسِ الرَّجُلِ فَهِي مُهيَّأةٌ بالكَامِلِ للاِندِمَاجِ مَعَهُ، وعَنْ عَملِيَّةِ التَّزاوجِ بأَنَّها سَكَنٌ. والتَّعبيرُ ذَاتُهُ في قَولِهِ تَعَالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾.

ويَعتَبِر الإسلامُ هذه المُمارَسَةَ الَّتي يَنتُجُ عَنهَا الإنسَانُ العَاقِلُ، والَّذي يَكُونُ مُؤهَّلاً لاِستِقبَالِ النَّفسِ الَّتي مِن المُمكِنِ أَنْ تَرتَقِي وتَكُونُ أَشرَفَ حَتَّى مِن المَلائِكَةِ، عِلاقَةً مُقَدَّسَةً ورَاقِيةً وليسَتْ خَطِيئةً أَو رَذِيلَةً، فأَنتْ تُعطِي طَاقَةً كَبِيرةً حَتَّى تُكَوِّنَ جَنِيناً، وتَرتِبطُ مَعَهُ بِعِلاقَةٍ اِستِثنَائِيَّةٍ جِدَّاً، لِذا تَجِدُ العِلمَ عَاجِزاً عَنْ صِناعَةِ نُطفَةٍ واحِدٍ فَقَط.

وأَعطى قِيمَةً رائِعَةً للعِلاقَةِ الجِّنسِيَّةِ، حَيثُ أَكَّدتْ النُّصوص الدِّينِيَّة على أَنَّ الزَّواجَ يُحقِّقُ لَكَ التَّكامُلَ الدِّيني، وقُوةَ التَّواصلِ مَع اللهِ سُبحَانَهُ، فَمِن تِلكَ النُّصوصِ مَا ورَدَ عَنْ الإِمامِ الصَّادِق عَلَيهِ السَّلام: ((رَكعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا مُتَزوجٌ أَفَضلُ مِن سَبعينَ رَكَعَةٍ يُصَلِّيها أَعزَبٌ)).

فَيعتَبرُ الجِّنسَ عِلاقَةً مُقَدَّسَةً مُتَرابِطَةً ومُتَجَانِسَةً مادِيَّاً ومَعنَويَّاً، ويَشتَرِكُ فِيها العَقُل والرُّوحُ، لِذا جَعَلَ لها قُيودَاً وشُرُوطَاً، عَقَائِديَّةً، وأَخلاقِيَّةً، فَيعتَبِرُ فِيهِ الاِنسِجَامَ النَّفسِيَّ والأخلاقِيّ، فَقَالَ تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}. فلأَنَّ الإسلامَ يَنظُرُ إلى هَذهِ العَمَلِيَّة أَبعَدَ مِن كَونِها مُمارَسَةً شَهوانِيَّةً يأَخُذُ عَلَينا الشُّروطَ والقُيودَ حتَّى تَكُونَ هَذهِ العِلاقَة نَاجِعَةً ومِثَالِيَّةً لِحَدِّ ما.

وخِتَاماً، هذا التَّفسِيرُ لِهَذهِ العَمَليَّة قَدْ يُسَاعِدُ في تَغييرِ التَّفكِيرِ السَّائِدِ لهذه المُمارَسَةِ ويُسَاعِدُ على فَهمِ النَّصِ الدِّينيّ، والمُشكِلَةُ كُلُّ المُشكِلةِ في المُسلِمينَ حَيثُ أَنَّهُم لَمْ يَستَثمِروا الإسلامَ ولَمْ يُفَكِّرُوا فِيهِ ولّمْ يَنفَتِحوا على تَعالِيمِهِ فَلَمْ يَكتَشِفُوا مَعانِيهِ ومَضَامِينهِ وآرَاءِهِ لِذلِكَ بَقِي هذا الدِّينُ غَائِراً في عُقَدِ هَذهِ الأُمَّةِ المُتَهالِكَةِ. وقَدَّمُوا للُمجَتمَعاتِ دِيناً مُجَرَّداً عَن البُعدِ الأَخلاقِيّ، فَكَان ذَلِك سَبَباً لِنُفورِ المُجتَمعِ عَنْ هذا الدِّين.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق