q
حين حدث التغيير السياسي الكبير في العراق، كان معظم العراقيين يأملون في بناء دولة رصينة متقدمة مستقرة وقوية وعادلة، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، لأسباب كثيرة يصعب حصرها أو ذكرها في هذا المقال، ومع ضياع الأمل في هذا النوع من البناء، لم ييأس العراقيون من بلوغ هذا الهدف...

حين حدث التغيير السياسي الكبير في العراق، كان معظم العراقيين يأملون في بناء دولة رصينة متقدمة مستقرة وقوية وعادلة، لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، لأسباب كثيرة يصعب حصرها أو ذكرها في هذا المقال، ومع ضياع الأمل في هذا النوع من البناء، لم ييأس العراقيون من بلوغ هذا الهدف، لاسيما أنه يحقق لهم حياة كريمة وجيدة.

فواصل العراقيون (من غير الطبقة السياسية) مناشداتهم لبناء الدولة المرتقبة التي تحقق طموحاتهم، وكان الصبر أحد أكبر عناصر الكفاح التي لازمت العراقيين وهم يحثّون الخطى نحو آمالهم العريضة وأهدافهم المشروعة، وبدأت براعم هذا البناء تنمو وتتطور، وصار حلم بناء دولة المؤسسات أمرا ممكنا، لكنه يحتاج إلى التخطيط السليم، والإرادة القوية الصبورة.

وهنا لابد من القول أننا كعراقيين لم نصل بعد إلى ما نهدف إليه خاصة في الميدان السياسي، أو ترصين النظام الذي يقودنا، كما هي الحال في الدول الراسخة المتقدمة، ومع أن العراقيين يسعون بجدية لبلوغ هذا الهدف الصعب، إلا أن هذه المساعي غالبا ما توضع أمامها معوقات كبيرة وبعضها لا يمكن إزاحته، مما يجعل من تحقيق دولة المؤسسات أمرا صعبا أو ميؤوسا منه، في ظل غياب الإرادة السياسية أو ضعفها.

أمل البناء لا يزال حاضرا

ولكن هذا الواقع المؤسف لا يشمل جميع العاملين في السياسة، إذ هنالك دأب واضح وإصرار جيد، ومحاولات متواصلة من قبل العراقيين لتعضيد هذا النوع من البناء المؤسساتي، ولعلّي لا أُخطئ إذا قلت أن المؤسسة التي قد تشجع على بناء المؤسسات الجيدة في العراق يمكن أن نراها في (مجلس الخدمة الاتحادي)، هذه المؤسسة النزيهة التي تحتفظ بتاريخ جيد، واستطاعت أن تستعيد نشاطها بما يثبت بأنها مؤسسة مستقلة وجيدة على الرغم من بعض المؤشرات أو الملاحظات السلبية.

قد يتساءل أحدهم كيف بنيت هذا الاستنتاج؟، وعلى ماذا استندت حتى أصرّح في هذا المقال عن جودة أو (نموذجية) مؤسسة (مجلس الخدمة الاتحادي)، ولماذا اخترت هذه المؤسسة دون سواها؟، وهو سؤال مشروع ولا غضاضة فيه، لأن هذا المجلس أو هذا النموذج كان مغيّبا حتى وقت قريب، ولم يكن له أي دور في قضية التعيينات وتوزيع الوظائف حسب الاختصاصات والمؤهلات العلمية والأفضليات الأخرى.

نعم حتى وقت غريب كانت جميع التعيينات تجري بطريقة عشوائية، وقد تكون الأوضاع الصعبة التي يعاني من العراق في مجالات الاقتصاد والسياسة والإدارة والتعليم والصحة وغيرها، قد تعود مشاكلها المختلفة إلى التعيينات العشوائية القائمة على الواسطة والمحسوبية وتدخل الأحزاب السياسية، فضلا عن الجانب الأسوأ وهو بيع الوظائف مقابل مبالغ مالية في كثير من الأحيان مما يضع الموظفين في أماكن لا تتناسب مع مؤهلاتهم أو اختصاصاتهم وقدراتهم، فيصبح الموظف عالة على الوزارة أو الدائرة التي يعمل فيها.

استعادة الدور التنظيمي العادل

لهذا السبب نلاحظ بوضوح عشوائية في إدارة الدولة، وغياب لأدوار المؤسسات، وفوضى في مجالات إدارية كثيرة، والحقيقة كما نعتقد تعود إلى التغييب المقصود لدور (مجلس الخدمة الاتحادي) في قضية تنظيم الوظائف ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولكن كما لاحظنا مؤخرا، عادت الروح إلى هذه المؤسسة العريقة، واستعادت دورها التنظيمي العادل بجدارة، ليس العدل وحدها، وإنما التعيين بطريقة التكافؤ بين الجميع.

نعم نحن لا نرى فائدة كبيرة في مواصلة التعيينات في مرافق الدولة المختلفة، ولسنا مع البطالة المقنّعة التي تعج بها دوائر ومؤسسات الدولة التي باتت تنتمي إلى الدول الريعية بامتياز، فمواصلة إثقال كاهل الدولة بالوظائف ليس صحيحا، لكن الخطأ في إبقاء المئات بل الآلاف من الخريجين وحمَلَة الشهادات العليا بلا وظائف.

لقد قام مجلس الخدمة الاتحادي بتعيين آلافا من هؤلاء الخريجين الذين يستحقون هذه الوظائف، وقد قامت هذه المؤسسة العريقة بدورها هذا بأفضل ما يمكن، واستندت إلى معايير العدالة والتكافؤ، مع أن حصول بعض الهنّات والثغرات هنا أو هناك أمر وارد حتى في أكثر الدول تقدما، لكن الأمر الذي يجب أن يُقال علنا وبصوت عال، إن ما قام به مجلس الخدمة الاتحادي يقرّبنا من بلوغ دولة المؤسسات إذا ما استفادة المؤسسات الأخرى من هذه التجربة التي أدارها مجلس الخدمة بنجاح.

اضف تعليق