q
كان الشهيد الشيرازي المحور والقائد الذي التف حوله الاتباع، القائد الذي كسب القلوب والعقول، القائد الذي تصدر المشهد الفكري في وقت الازمات، وتضارب الاهواء، القائد الذي لم يعرف الكسل او الانسحاب او الانكسار، القائد الذي هز عرش الظلم والاستبداد والجهل والظلام وهدد كيانه وسلطانه وعجز عن مجابهته...

في ذكرى شهادة السيد المفكر، والشاعر الانسان، والشهيد من اجل المبدأ الحق، السيد حسن الشيرازي (رحمه الله)، ومن اجلها ولأجلها يستعيد المتصفح لفكر وتراث وتاريخ الراحل كل كلماته وافكره وشعره التي كافح فيها ومن خلالها للوصول الى غايته المنشودة في رفعة الامة الإسلامية ورسالة الإسلام العظيمة، وحضارته الخالدة، وسخر لأجلها كل ما يملك من جهد مادي ومعنوي، وهو يتنقل بين الامصار والبلدان، ويؤلف الكتب والمجلدات، ويلقي المحاضرات، ويحي المحافل شعراً ونثراً، ويعمل في الميدان مع الاحرار والثائرين، ولم يتوقف نشاطه وعطاءه الا باستشهاده.

ان المبادئ التي حمل همومها وصعوباتها تلخصت من اجل نهضة امة يسودها المجد والرفعة من جديد، ولا تفرقها الاهواء والنكسات، وفي بناء مجتمع يعي مكانته وثقل رسالته وعظمة تاريخه وحضارته، وفي كل هذا كان الشهيد الشيرازي المحور والقائد الذي التف حوله الاتباع، القائد الذي كسب القلوب والعقول، القائد الذي تصدر المشهد الفكري في وقت الازمات، وتضارب الاهواء، القائد الذي لم يعرف الكسل او الانسحاب او الانكسار، القائد الذي هز عرش الظلم والاستبداد والجهل والظلام وهدد كيانه وسلطانه وعجز عن مجابهته الا بالاغتيال والقتل.

ويرى السيد حسن الشيرازي المبدأ (الذي ينبثق منه نظام وعقيدة واجتماع) باعتباره: "مقياس عظمة الشعب وحضارته وثروته الفكرية والمادية ومدى خلوده ومقاومته للشعوب المناوئة له، والمبدأ هو شارة الانتصار او الفشل في كل ميدان، والمبدأ أعظم ثروة يرثها الجيل من ابائه، ويخلفه لأبنائه، اما الحضارة والثروة المادية والعلمية، فإنها تتبع المبدأ في تكونها وبقائها على تقدير وجودها قبل ذلك"، لذلك سعى الشهيد الشيرازي الى إعادة احياء المبادئ الإسلامية التي غابت عن المجتمع او تلاشت لأسباب عديدة منها:

1. بروز الحضارة المادية وثقافة التقليد والاستهلاك وانتشارها بشكل كبير بين المجتمعات، ومنها الإسلامية، ما أدى الى تراجع القيم والمبادئ والأفكار ذات الطابع الحضاري والإنساني والمعنوي امام المادية وجشعها واستغلالها.

2. الأنظمة الاستبدادية التي حاربت بشكل مباشر وغير مباشر كل الأفكار والمبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية، بل وحتى الإنسانية، التي تتعارض بشكل قاطع مع استمرار وديمومة أنظمتها الفاسدة التي تقوم على استعباد الانسان وتدجينه وامتهان كرامته وسلب حقوقه، وبالتالي كانت المواجهة حتميه مع هذه الأنظمة.

3. وجود تيارات فكرية منحرفة حاولت الوقوف ضد المبادئ الإسلامية التي دعت الى اعتبار الانسان هو القيمة العليا، وهدفت الى حفظ كرامته وصون حقوقه ومنع استعباده واخضاعه بالإكراه او العنف، وتحريره من القيود المصطنعة.

4. سعى الشهيد الشيرازي الى ابراز عالمية الإسلام ورسالته وحضارته والتقريب بين وجهات النظر المختلفة، خصوصاً لدى الأديان والمذاهب المنتشرة في مختلف بقاع العالم، وقت حظي السيد حسن الشيرازي باحترام وتقدير الجميع لما حمله من قدره على الحوار وتبادل الأفكار ومشاركة الجميع بمختلف النشاطات الاجتماعية والثقافية والدينية.

5. النكسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، التي مرت بها المجتمعات الإسلامية أدت الى ردة فعل عكسية، ابرزت هذه الهزائم اصوات داعية للابتعاد عن الإسلام ومبادئ وتعاليمه، ما دعا الى مواجهة هذا المد وتصحيح المسار.

"فالأمة التي لها مبدأ صحيح (تسير على ضوئه) تستطيع ان تحتفظ بما لديها من حضارة وثروة، حتى لو اتفقت الظروف المعاكسة ان تعصف بها وتبدد ثرواتها، وتدمر حضارتها وتقوض كيانها من القواعد وتكتسح كل غال ورخيص، فسرعان ما تستعيد قواها المسلوبة وتلملم نشاطها المنهوب بتوجيه من ذلك المبدأ، لتجدد كيانها، وتهتدي الى حضارتها مرة أخرى فتعود الى مقرها الامن الوديع حتى ولو ابتدأت الامة بلا حضارة، ولا ثروة مادية او علمية، فمن الهين عليها (بقيادة المبدأ الصحيح) ان تكون الحضارة والثروة وكل شيء وان تتخذ البرامج التي تساعده على التوسعة والاخضاع، وإصهار الشعوب الأخرى في بوتقتها بكل سهولة وبساطة".

"اما الأمم التي تدين بمبدأ فاسد فإنها وان سنحت لها الظروف المؤاتية وفراغ الميدان ان تمتلك الحضارة والثروة، وتصل الى الاكتشافات العلمية والمخترعات الصناعية، لكنها ستنتهي في اشواطها الى حروب طاحنة تخسر فيها كل شيء، حتى شخصيتها وكيانها.

لذلك كان الشهيد حسن الشيرازي يؤمن ايمانا قاطعا بان الامة الإسلامية تمتلك كل المقومات المادية والمعنوية التي تجعلها في مصافي الأمم المتقدمة، خصوصاً وإنها امة عالمية بمبادئها وأخلاقها وتعاليمها وافكارها وقيمها وحضارتها، وإنها قادرة على العودة من جديد لو توفرت الفرص المناسبة لإحياء تراثها وحضارتها من جديد، بشرط ان يكون المجتمع على قدر المسؤولية في ان يأخذ على عاتقه عملية التغيير والإصلاح والتطوير.

والخلاصة ان الانسان من لحظة وجودة في هذه الدنيا حتى تاريخ وفاته يحكمه المبدأ الذي ينتمي اليه والقدرة في الثبات عليه بقدر ايمانه الراسخ واعتقاده القوي بصحة هذه المبادئ ونسبه الخطأ فيها، وبالتالي يبني الانسان وفقها كل منظومته الفكرية واعتقاداته وايمانه واخلاقه وقيمه.

كما ان الانسان الذي يسعى للوصول الى المبدأ الحق هو انسان قوي وشجاع وثابت، متصالح مع نفسه ومع الآخرين، عكس الافراد المتذبذبين بين المبادئ الباطلة والولاءات الفرعية، فهم مهزومون من الداخل ومنقادون بشكل كامل الى الآخرين، ويشعرون بالسلبية والفشل بشكل كامل.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق