q
القانون الجديد يُعطي حجّةً لواشنطن للقيام بعمليّات عسكرية ضدّ سوريا بزعم وجود مواقع لتصنيع وإنتاج وتخزين الكيبتاغون، وهكذا يظهر الهدف ليس المخدرات أو محاربة الإرهاب، وإنما هو تقويض الدولة السورية عبر الحصار، وهي ذريعة طالما استخدمتها واشنطن ضدّ العراق بزعم علاقته بالإرهاب الدولي ووجود أسلحة دمار شامل فيه...

عشية أعياد الميلاد المجيدة وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن ميزانية الدفاع عن السنة المالية 2023 التي قدّمها مجلس النواب الأمريكي “الكونغرس”، والتي تتضمّن قانون “مكافحة الكبتاغون” والذي يستهدف المناطق الموجودة تحت إدارة الدولة السورية. ووفقًا للقانون فإن واشنطن أعطت نفسها الحق لتكون “مسؤولة” عن تحديد الدول التي تتلقّى شحنات كبيرة من الكبتاغون، وتقيّم قدراتها على وقف عمليات التهريب، إلى جانب توفير المساعدة المادية والفنية والإستخبارية لها، بما فيها البرامج التدريبية، كما تضمّن القانون إمكانية استخدام الأجهزة الأمريكية المختصّة لتعقّب تجارة المخدرات ومصادرها.

وينصّ القانون على وضع استراتيجية مكتوبة خلال مدّة أقصاها 180 يومًا لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدّرات والإتجار بها وكشف الشبكات المرتبطة بها.

انتاج الحبوب

وكانت السلطات الأردنية قد أعلنت عن ضبط 6 ملايين حبّة مخدّر من معبر الكرامة بعد مواجهات بالرصاص جرت على الحدود الشرقية الأردنية – السورية مع عصابات تهريب للمخدرات، وحسب ما نشرته، فإنه في العام 2022 بلغت كميّة الحبات التي تمّ ضبطها أكثر من 40 مليون حبّة في الاردن، وفي عموم المنطقة ما يزيد عن 250 مليون حبة.

وقبل ذلك نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في شهر سبتمبر / أيلول 2022 تقريرًا قالت فيه أن “سوريا” باتت أكبر منتج لحبوب الكبتاغون في العالم، وأن المملكة العربية السعودية أول مستهلك له، وأن الأردن ولبنان ممرّات. والكبتاغون هو نوع خطر من الحبوب المخدّرة ومن الأصناف الاكثر شيوعًا وانتشارًا في منطقة الشرق الاوسط.

ويعتبر القانون الجديد استمرارًا لقانون قيصر (ديسمبر / كانون الأول 2019) واستكمالًا له، والذي دخل حيز التفيذ في 17 يونيو / حزيران 2020. وهو القانون الذي فرض عقوبات على الدول والمؤسسات والشركات والأفراد الذين يتعاملون مع سوريا، جدير بالذكر أن المحافظين الجدد هم الأكثر تشددًا إزاء سوريا، خصوصًا بعد إخفاق مشروعي الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد.

وكانت إدارة الرئيس بوش قد بدأت بخطّة حصار وعزل واتهام لسوريا باعتبارها “دولة مارقة” استمرارًا لنهج الحكومات السابقة (ديمقراطية أم جمهورية) والتي تُوّجت بطائفة جديدة من العقوبات كان أقساها قانون قيصر الذي شُرّع في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب. ويُعتبر قانون الكيبتاغون ظهيره وربيبه وأداته الضاربة.

القانون الجديد يُعطي حجّةً لواشنطن للقيام بعمليّات عسكرية ضدّ سوريا بزعم وجود مواقع لتصنيع وإنتاج وتخزين الكيبتاغون، وهكذا يظهر الهدف ليس المخدرات أو محاربة الإرهاب، وإنما هو تقويض الدولة السورية عبر الحصار، وهي ذريعة طالما استخدمتها واشنطن ضدّ العراق بزعم علاقته بالإرهاب الدولي ووجود أسلحة دمار شامل فيه، بما فيها غاز الأنثراكس، وروّجت لها الدعاية الأمريكية تمهيدًا لاحتلاله العام 2003 واتّضح بعد ذلك وباعتراف مفتشي الأمم المتحدة وإدارة واشنطن ذاتها، أنها لم تكن صحيحة، بل ملفّقة.

ووفقًا لسياقات القانون وتطبيقاته قياسًا بالحالة العراقية، سيكون من العسير على مرضى بعض الأمراض التي تحتاج إلى عقاقير تستخدم مواد مخدّرة مثل السرطان مثلًا تلقّي العلاج، كما قد يتعذّر على المستشفيات إجراء عمليات جراحية لنقص مواد التخدير، ومثلما كانت أقلام الرصاص ممنوعة في الحصار العراقي لاحتمال استخدامها في الصناعة العسكرية، فإن صعوبة الحصول على مواد أوليّة تدخل في الصناعة الدوائية والطبية، هي الأخرى ستكون ممنوعة، خصوصًا بتشديد إجراءات التفتيش والتدقيق ووضع العراقيل على كلّ ما يدخل ويخرج من سوريا، ناهيك عن النقص الكبير والفادح في الغذاء والدواء والطاقة، فضلًا عن سعر انخفاض الليرة، وغيرها من وسائل الحصار الللإنساني.

مرحلة خامسة

بقانون الكبتاغون تكون واشنطن قد دخلت المرحلة الخامسة من العقوبات على سوريا، الأولى في العام 1980 والثانية في العام 2004 وذلك تحت عنوان “قانون محاسبة سوريا”، والثالثة استمرّت في الأعوام 2006 و2008 و2011 وكلّها تضمّنت عقوبات متنوّعة، والرابعة قانون قيصر.وبغض النظر عن كون قانون الكيبتاغون تشريعًا للقسوة وعملًا من أعمال الإبادة الجماعية وجريمة ضد الإنسانية يحاسب عليها القانون الدولي، فكيف ستنفّذ واشنطن تطبيق القانون؟ هل عبر عمليات عسكرية من الجو أم سيكون لها اشتباكات مباشرة مع الجيش العربي السوري؟ وسبق لها أن تجنّبت ذلك في أوقات سابقة.

وما علاقة الجبهة السورية بالجبهة الأوكرانية المتورطة فيها طرفي النزاع الروسي – الأمريكي؟ وهل ستقوم “إسرائيل” بالمهمّة، خصوصًا بعد صعود حكومة هي الأشد تعصبًا وتطرفًا بقيادة نتنياهو. وكيف سينعكس ذلك على الداخل السوري؟

إذا كانت سوريا قد اجتازت المراحل الأربعة العقوبات، وبقي أمامها المرحلة الخامسة الأكثر خطرًا، حيث الحرب الناعمة التي قد يطول أمدها، وهي الأشد خبثًا وإيذاءً، والمقصود بذلك العقوبات والحصار والعزل، وتلك ستترك تأثيراتها على المجتمع السوري، لما لها من أبعاد نفسية واجتماعية عميقة الغور كما حصل في الحالة العراقية، والتي قد تُتوّج بأعمال عدوانية عسكرية ضدّ شعب أعزل يتطلّع للعيش تحت الشمس أسوة ببلاد العالم ويحلم بالتحرّر والحريّة والسلام والعدالة والتنمية، وقد تكون كلمة تضامن وحق على صعيد العالم فاعلة ومؤثرة في كبح جماح توحّش غلاظ القلوب، لمنعهم من تنفيذ مخطّطاتهم الجهنمية في إذلال الشعوب وتمزيق نسيجها الاجتماعي والتحكّم بمصائرها والعمل على تقسيمها وفقًا لأهوائها ومصالحها، ولنا في بلداننا العربية تجارب مريرة على هذا الصعيد منذ اتفاقية سايكس – بيكو السريّة العام 1916.

.............................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق