q
مع استمرار الاعتداءات وتكرارها من قبل دول الجوار على الأرضي العراقية، أصبح مفهوم السيادة من المفاهيم والمواضيع الأكثر تداولاً بين الأوساط السياسية والإعلامية. فهذه الانتهاكات تُعد بلا شك خرقاً واضحاً للأعراف والمواثيق الدولية، وفيه مساس للسيادة العراقية ، وإنتهاكاً صارخاً لمبادئ حسن الجوار...

مع استمرار الاعتداءات وتكرارها من قبل دول الجوار على الأرضي العراقية، أصبح مفهوم السيادة من المفاهيم والمواضيع الأكثر تداولاً بين الأوساط السياسية والإعلامية. فهذه الانتهاكات تُعد بلا شك خرقاً واضحاً للأعراف والمواثيق الدولية، وفيه مساس للسيادة العراقية ، وإنتهاكاً صارخاً لمبادئ حسن الجوار.

ان الحديث عن السيادة بكل ما تعنيه من تفسيرات قانونية، وسياسية، واسع ومتشعب، ويعتبر هذا المفهوم من المفاهيم ذات الدلالات المُتعددة والمُعقدة أحياناً. لقد ظهر تعريف السيادة عبر العصور في صور مختلفة، وعلى الرغم من تعدد التعريفات التي يوردها الباحثون لمفهوم السيادة الوطنية, فإن بينهما جميعاً قاسما مشتركا يتمثل في النظر الى السيادة باعتبارها السلطة العليا للدولة في إدارة شؤونها، سواء كان ذلك داخل إقليمها أو في إطار علاقاتها الدولية, وبذلك يكون لمبدأ السيادة وجه داخلي ينصرف الى علاقة الدولة بمواطنيها داخل إقليمها بحدودها السياسية المعلومة, ووجه خارجي ينصرف نطاق تطبيقه على علاقات الدولة بغيرها من الدول، والتي تقوم على وجوب احترام الاستقلال الوطني، والسلامة الإقليمية لكل دولة، وعدم جواز التدخل في شؤونها الداخلية .

وقد اكتسبت فكرة السيادة منذ ظهور هذا المصطلح مكانة مركزية في السياسة الحديثة، بما جعلها تصبح شعاراً للكرامة الوطنية، باعتبارها أفضل تجسيد لمعاني الحرية والاستقلال، والسلطة العليا على الإقليم وسكانه. وما زال مفهوم السيادة يتعرض للتغيير والتطوير, وهناك اجتهادات متباينة في معنى ودلالات هذا المفهوم.

ولعل هذا يرجع الى ان موضوع السيادة داخل الدولة في ظل المد الديمقراطي يثير عدة اعتبارات أيديولوجية ودستورية من شأنها ان تمس سلطات الدولة المطلقة على مواطنيها, كما ان تطور المجتمعات البشرية وازدياد علاقات الدول وما يترتب على ذلك من التزامات قانونية قد ساهم بدوره في تغيير وتطوير هذا المفهوم، وتقييد خيارات الدولة في سياساتها العامة واليومية. وقد أختلط مفهوم السيادة مع غيره من المفاهيم المتشابهة مثل الحرية، والاستقلال، وحق تقرير المصير, ويرجع هذا الخلط إلى أن السيادة تحتوي على هذه المفاهيم, ولكن كلاً منها لا يعبر عن السيادة بل يعد مظهر من مظاهرها, وفي كثير من كتب القانون تتداول كلمتا السيادة والسلطة وكأنهما ذات مدلول واحد، غير ان من المهم أن نفرق بين السيادة والسلطة, حيث يعتبر مفهوم السيادة أشمل من السلطة, فالسلطة هي ممارسة السيادة أو أن حق السيادة هو مصدر حق السلطة.

وتشير التفسيرات القانونية والتاريخية الى أن كلمة سيادة اصطلاح قانوني من أصل لاتيني تعبر عن صفة لمن له السلطة لا يستمدها من غير ذاته ولا يشاركه فيها غيره, ولم تدخل هذه الكلمة لغة القانون إلا في القرن السادس عشر.

أما السلطة فهي القدرة على فرض إرادة، وتمثل الدولة السلطة القهرية التي تعلو على سلطة أي جماعة أخرى في المجتمع، وتزداد قوة السلطة دائماً ويزداد استقرارها كلما زاد قبولها اختيارياً عن طواعية. وقد تعددت أنواع السلطات فهناك السلطة التشريعية، والسلطة الشخصية، والسلطة التفويضية والسلطة السياسية التنفيذية، ولا تزال السلطة السياسية هي أهم أنواع السلطة الحديثة. وطبقاً لهذه السياقات، السياسية، والقانونية لمفهوم السيادة، فعادةً ما يترتب على التغيير الزماني والمكاني تغيير الكثير من المفاهيم الفلسفية والأعراف الوضعية, فما كان مقبولاً وصالحاً قبل ثلاث قرون قد لا يكون مقبولا في المرحلة الراهنة، على الرغم من ملائمته في تلك الحقبة الزمنية. ولهذا فإن ما تعنيه السيادة في القرن التاسع عشر غير الذي تعنيه في زمن العولمة ومفهوم القرية الصغيرة، ولكن مبدأ السيادة يبقى ثابت ومستمر، إلا أن صورتها وحقيقتها والمسئوليات التي تنهض بها تتغير مع الزمن أو يعاد توزيعها.

وبالعودة الى انتهاك السيادة العراقية والاستهانة بها من قبل دول الجوار، فهذا الأمر لم يكن وليد الساعة، ونعتقد ان أصل وجذور هذا الخلل متأتي من جملة تراكمات سياسية وتاريخية، بعضها متعلق بالظروف السياسية التي مر بها العراق، ولا سيما خلال العقود الأخيرة من حكم النظام السابق، وما تمخض عنها من أزمات وعداوات بين العراق وجيرانه، والبعض الآخر مرتبط بأوضاع إقليمية ودولية.

لكن ما نود التأكيد عليه هو ان العراق كبلد ليس بهذه الدرجة من الضعف التي يرسمها البعض للأوضاع في هذا البلد، فقد أعتقد هذا البعض ان العراق بظروفه الحالية لا يمكنه مواجهة تدخلات وضغوطات الجيران المختلفة، لسبب أو لآخر، إلا ان هذا الاعتقاد غير صحيح، فالعراق يمتلك أكثر من ورقة ضغط يمكن من خلالها ليس فقط تلافي تلك الضغوط، بل وإلحاق الأذى بأولئك المتربصين به من وراء الحدود.

وكان حريا بتلك الدول التي تفكر بهذا المنطق ان تدرك، إن أمنها ومستقبل شعوبها، وشعوب المنطقة عموما بات مرهوناً بمدى إقامة علاقات ودية ومتينة بينها وبين العراق الجديد، تقوم على حسن الجوار، والاحترام المتبادل، والابتعاد عن تدخلاتهم واستفزازاتهم للجانب العراقي.

وان لا ينظر جيران العراق الى الظروف الآنية التي يمر بها حاليا كمقياس لتحديد طبيعة العلاقة مع هذا البلد المؤثر إقليميا ودوليا، فقد أثبتت الأحداث التاريخية ان أمن واستقرار المنطقة مرهون بمدى أمن واستقرار العراق.

وعلى الحكومة العراقية، وأطراف سياسية فاعلة أن تدرك هي الأخرى مسؤوليتها في تعاملها مع محيطها الإقليمي، وعدم التفريط بأمن وسيادة العراق تحت أي مبررٍ كان، وأن تعي بأن ما تملكه من شرعية دستورية وقانونية تؤهلها للعمل بندية مع حكومات هذه البلدان، كما عليها ان توحد صفوفها في تقييم علاقتها مع دول الجوار، وبالتالي اتخاذ المواقف والقرارات الموحدة تجاه الطرف الآخر.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق