q
انشغال إدارة البيت الأبيض بالملفات الدولية الأكثر حساسية على المستوى الدولي، دفع بها الى انتهاج سياسية جديدة مع الوضع الداخلي العراقي، سياسة النأي وعدم التوغل كثيرا مع الحفاظ على الأولويات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاستراتيجية، والارتباطات الإقليمية بحكم ما يحتله العراق من أهمية إقليمية مع الاحتفاظ بسياسة المراقبة عن بعد...

من يجد تفسير لما يحصل في العراق وإهمال الولايات المتحدة للفوضى العراقية، قد يكون ذلك خرق للعادة ونسف للسائد من القول.

أمريكا هي من اقنعت قادة الدول الكبرى بالاشتراك في الحرب على العراق لإسقاط نظام صدام حسين، وهي من زرعت بذرة نظام الحكم الحالي، وهي من ادارت وجهها عن احداث المنطقة الخضراء الأخيرة، واكتفت بالدعوات الى التهدئة كغيرها من الدول التي لا تمتلك اهداف استراتيجية في البلد.

لكنها ومع هذا التفرج المدروس والمتوقع لم تترك العراق بعيدا عن انظارها وارسلت في الأيام القليلة الماضية مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف إلى بغداد للتأكيد على ان أمريكا لا تزال تنظر الى العراق بانه أداة من أدوات سياستها الخارجية في المنطقة.

هذه الزيارة ينتظر منها ان تكون العلاج الطبيعي لما تعانيه العملية السياسية في العراق من ازمة معقدة، ولمحّت الى ذلك خلال لقاءها بوزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، داخلة من زاوية الحفاظ على السلم الأهلي، وفي ذلك توجيه مبطن الى القادة العراقيين بضرورة الوصول الى اتفاق ينهي الوضع الراهن.

ومع هذا التوجيه الخفيف يمكن القول بان الولايات المتحدة لا تريد اتخاذ دور غير الذي اتخذته منذ شهور وهو الوقوف على التل وانتظار النتائج التي تخدم سياستها في العراق، وان يوجد غير ذلك فهي لا تفضل ان يعلن كما في السنوات الماضية.

تعمل في الخفاء لكيلا تُلام على المخارج السلبية التي يتوقع ان تصل اليها العملية السياسية في البلاد.

وهل ستبقى عند هذا الحد؟

لا يمكن للولايات المتحدة ان تعيد أخطاء الماضي وتترك الجمل بما حمل لقوى دولية أخرى ان تأخذ مكانها وتملأ الفراغ الحاصل نتيجة انسحابها الجزئي غير المدروس من العراق.

وقد شكل التنحي الأمريكي الفرصة الذهبية لإيران التي تتحين الفرص للهيمنة على الداخل السياسي، وكان لها ما ارادت، فبعد إتمام الاتفاقية الأمنية مع العراق عام 2011، فُسح المجال امامها لتكون القوى الدولية البديلة عن القوات الامريكية على الأرض.

وفي عودة الى العقد الأول بعد تغيير النظام نرى ان الولايات المتحدة هي التي وضعت الشكل الهندسي لنظام الحكم في العراق، على الرغم من تشوهه، وعدم نضوجه ليكون نظاما قادرا على الخروج من الازمات وليس جزء من صيرورتها، وهي أيضا من حمت العملية السياسية من الانهيار ووقفت بظرها امام القوى الدولية الأخرى.

بينما الارادات الدولية الأخرى تدور على المحيط ولا تملك المنفذ الذي يمكنها من الولوج الى عمق السياسية العراقية، لكن هذا الحال لم يدم طويلا، وقد تغيرت الحسابات بعد الانسحاب الأمريكي من الميدان والاكتفاء بالعمل والتأثير الدبلوماسي وفي النهاية نمى تأثير الدولة المناهضة للسياسة الامريكية في العراق.

يُقرأ من تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدين انه لا يريد لبلاده ان تنغمس في الصراع الداخلي الدائر بين الإطار والتيار، فهو ينتظر اللحظة المناسبة للحسم ومن ثم الذهاب الى التفاهمات السرية لضمان بقاء نفوذها وتأمين مصالحها المتمثلة باستمرار تدفق النفط العراقي الى الولايات المتحدة بالدرجة الأولى.

بايدن يرى ان الانتصار في الوقت الحالي لإيران، وهي من تحرك الفصائل الموالية لها، لوضع مخطط تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، ولا يروق ذلك للإدارة الامريكية التي تريد تقويض الدور الإيراني للحفاظ على مكتسباتها.

ويمكن ان يكون الصمت الأمريكي إزاء الازمة العراقية الحالية، هو سكوت متعمد وترك الأمور الى مبادرات النخب السياسية الداخلية التي تدور بنفس الاتجاه ولم تتمكن من الخروج الى مناطق اتفاق جديدة وتشكيل الحكومة التي تترقبها الجماهير بفارغ الامل.

انشغال إدارة البيت الأبيض بالملفات الدولية الأكثر حساسية على المستوى الدولي، دفع بها الى انتهاج سياسية جديدة مع الوضع الداخلي العراقي، سياسة النأي وعدم التوغل كثيرا مع الحفاظ على الأولويات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاستراتيجية، والارتباطات الإقليمية بحكم ما يحتله العراق من أهمية إقليمية مع الاحتفاظ بسياسة المراقبة عن بعد.

اضف تعليق