q
يتم البحث عن شخصية ثالثة بصورة جماعية للطرفين للخروج من الانسداد السياسي والذهاب للبرلمان للتصويت على هذا السيناريو، بعد عودة الصدريين طبعا للبرلمان الذي يكون عبر قرار دستوري من المحكمة الاتحادية العليا يوفر عليها عدم استمرار النظر بطلب حل البرلمان الذي تعتبره ضغط سياسي مباشر من الصدريين عليها...

حددت المحكمة الاتحادية العليا في العراق 28/9/2022 الجلسة الاولى بقبول الطعن باستقالات نواب الكتلة الصدرية (بالعدد ١٨١/ اتحادية/ ٢٠٢٢)، ويمثل هذا القبول مؤشرا ايجابياً حول امكانية عودة نواب هذه الكتلة الى البرلمان الذي يعد اهم مفاتيح حل الازمة السياسية الراهنة في العراق، ويجب ان تتضمن جلسات الحوار السياسي بمختلف مستوياتها عودة النواب الصدريين للبرلمان واعطاء مؤشرات ايجابية حول امكانية الغاء استقالاتهم واعتبارها غير دستورية من جهة، ومخلة بتوازنات العملية السياسية واستقرارها من جهة اخرى.

شرعية عودة نواب الكتلة الصدرية تنبثق من شرعية جمهورهم واصواته التي ذهبت اليهم وبالتالي صعود نواب اخرين من قوى سياسية اخرى يخل بشرعية التمثيل الشعبي لجمهور التيار، وجود نواب هذا التيار ضرورية داخل البرلمان، التفاوض والحوار والتفاهم على استحقاقات جمهورهم ومطالبهم لا يمكن الحديث عنها او مناقشتها بشكل مباشر، لانهم سيتظاهرون على كل صغيرة وكبيرة ولا يمكن نزول نواب القوى السياسية الى الشارع الصدري للتفاهم معه، في كل ازمة سياسية يعترض عليها جمهور التيار الصدري، فالأصح والاسلم هو عودة نواب الكتلة الصدرية للبرلمان، بغض النظر عن رغبتهم بذلك، بسبب الاخطاء السياسية التي ارتكبتها القوى السياسية الاخرى هي التي دفعت الصدر لسحب كتلته النيابية.

اما دستورية الاستقالة، فهي موضع خلاف فهنالك من يذهب باتجاه ان الاستقالة لا تتطلب تصويت اعضاء المجلس وتكون مقبولة بمجرد تقديمها حسب قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (١٣) لسنة ٢٠١٨ المادة (١٢ ثانيا)، ولا تحتاج هنا حتى الى موافقة الرئيس او نائبيه، اما الاتجاه الاخر فيذهب الى ضرورة عرض الاستقالة على اعضاء المجلس لتتم الموافقة عليها بالأغلبية من عدمها أسوة بحالات حصلت في الدورات السابقة لبعض النواب، فكيف الحال مع كتلة سياسية بـ٧٣ مقعد نيابي، ما يستوجب مناقشة هذه الاستقالات، رغم انه فيما لو عرضت على المجلس لوافق عليها، لان سرعة احلال النواب البدلاء دليل واضح على الموافقة.

حقيقة هنالك اخطاء ارتكبت من كل القوى السياسية التي اوصلت الحال الى ازمة سياسية وامنية واجتماعية قد تكون تداعيتها وعواقبها وخيمة، اول الاخطاء تسرع التيار الصدري بالانسحاب رغم انه سلك كل الاساليب الدستورية والسياسية لترجمة مخرجات الانتخابات المبكرة، لكن الاحرى كان العمل على حل البرلمان واعادة الانتخابات خاصة ان الكتلة الصدرية تحالفت مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني وبعض النواب المستقلين ووصلت مقاعدهم اكثر من ٢٠٠ مقعد كافية لتقديم طلب الحل والموافقة عليه، او الاستمرار بالمفاوضات السياسية وان طالت للتوصل الى صيغة سياسية لحل الشلل والانسداد الحاصل في العملية السياسية.

كما الاطار التنسيقي اخطأ خطأ فادحا حينما لجأ الى ما يعرف بالثلث المعطل، باعتبار انه يخالف القواعد الديمقراطية التي تقتضي اعطاء فرصة للكتل السياسية المتحالفة ان تعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية باعتباره استحقاق دستوري، ثم التفاوض على ترتيبات تشكيل الحكومة او القبول ببقائهم مع حلفاءهم بالمعارضة، وكان المبرر للتعطيل هو وحدة الصف الشيعي سياسيا لكن هذا لم يكن حقيقيا والا لماذا ارتكب الاطار الخطأ الثاني بالإسراع بتقديم نوابه البدلاء عن الصدريين وعدم التحفظ او الرفض او محاولة اقناعهم بعدم الاستقالة او العودة فأين وحدة الصف الشيعي من ذلك؟!.

كما اخطأ الكرد كذلك حينما لم يتفقوا على مرشح لرئاسة الجمهورية في حينها ولا زال هذا الوضع سائدا، فلو اتفق الحزبان الكرديان على مرشح واحد لانتفت الحاجة الى استقالة الكتلة الصدرية وايضا تنتهي مناورة الثلث المعطل وتتغير قواعد العملية السياسية برمتها نحو صورة مختلفة عن الدورات السابقة لتبلور حكومة اغلبية سياسية لكنها مؤطرة بالتفاهم والتوافق او القناعة بتبادل الادوار سواء في الحكم او المعارضة او القبول المتبادل وتغيير نمط التحالفات من تنافس وتخاصم الى تقارب وتفاهم وان كان المرشح لرئاسة الجمهورية محسوبا لاحد الحزبين لكنه سيكون مدعوما ومؤيدا من الحزب الاخر ومتخادما مع مصالحه.

في سياق الحوار السياسي المطروح الان يجب ان يعرف ويعترف الجميع بهذه الاخطاء والتصميم على تصويبها لتدارك المنزلقات الخطرة التي يمكن ان يصل اليها البلد، ويجب عليهم التفريق بين المطالب والمُبادر، فليس من حق المُطالب ان يقدم مبادرة لأنه جزء من المشكلة واي مبادرة منه في الغالب ستراعي مصالحه، الواقع ان المُطالب عليه ان يقدم تنازلات وليس مبادرات.

ان حل البرلمان يشكل أحد الحلول الاخرى للازمة الراهنة، لكن يمثل خيار عودة الصدريين للبرلمان الحل الامثل فحتى مع حل البرلمان سواء من قبل المحكمة الاتحادية او حتى تقديم طلب الحل الذاتي وفقا للمادة ٦٤ من الدستور، فبغياب الصدريين عن مفاوضات حل البرلمان وترتيباته لن يكون هنالك جدوى لإعادة الانتخابات خاصة اذا ما تم تعديل قانون الانتخابات بما لا ينسجم والمصلحة الصدرية، ولهذا لابد من وجود نواب الصدر في البرلمان عند الحديث عن اي حل للبرلمان او تشكيل حكومة قادمة.

الاساس الآن في الحل ان يجلس الجميع على طاولة حوار بدون مبادرات وتطرح المطالب ويتم التفاهم عليها، اهم ارتكاز لهذا الحوار ان يقوم كل طرف بتقديم مرشحه وفقا لاستحقاقه وسيكون واقعا مرشحيَّن لرئاسة الوزراء الكاظمي والسوداني من الاطار والتيار، ومرشحين كرديين لرئاسة الجمهورية من حزب الاتحاد والديمقراطي، في حال عدم الاتفاق عليهم يتم البحث عن شخصية ثالثة بصورة جماعية للطرفين للخروج من الانسداد السياسي والذهاب للبرلمان للتصويت على هذا السيناريو، بعد عودة الصدريين طبعا للبرلمان الذي يكون عبر قرار دستوري من المحكمة الاتحادية العليا يوفر عليها عدم استمرار النظر بطلب حل البرلمان الذي تعتبره ضغط سياسي مباشر من الصدريين عليها.

وهذا بمثابة مفتاح الحل الرئيس للازمة السياسية في العراق لكن يجب ان يسبق ذلك وجود اجواء ايجابية ورغبات صادقة بعودتهم للبرلمان، ومع استنفاذ هذا الخيار في حال رفض الصدريين العودة، فيجب التصويت على استقالتهم ثم البحث عن خيارات اخرى منها استئناف الحوار السياسي وصولا للحلول والبدائل التي من بينها حل البرلمان واعادة الانتخابات او استئناف الدورة النيابية الحالية مع اعطاء ضمانات للسيد الصدر وقواعده الجماهيرية بالمضي بالإصلاح ومراعاة مطالب واهتمامات جمهوره عند تشكيل الحكومة القادمة التي يجب ان تكون طاردة للفساد والفاسدين، ورغم مثالية هذا الخيار لكنه خيار اخير، بديله سيكون الفوضى والدماء.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001–2022 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق