q
نعم استطاعت القوى السياسية في خطاب التبعيض ابعاد الشبهات عن المتهمين الفعليين، لكنها ومن قد أو غير قصد تسببت بانهيار صورة المنظومة بكاملها لدى الشارع العراقي، وصارت كلمة "البعض"، تعني التستر ومحاولة لتغييب الحقيقة، ما يعني انعدام الثقة بمن يتحدث بكلام التبعيض...

احذر من خطاب التعميم ومن واجبك تعلم فن التبعيض عند الحديث عن السياسة والقوى الحاكمة في العراق، لأن العاقل لا يعمم، لا تقل مثلاً الأحزاب السياسية فشلت في إدارة البلاد، بل قل بعض الأحزاب، ولا أعضاء البرلمان فشلوا في تحقيق طموحات الشعب العراقي بل قل بعض البرلمانيين فشلوا، وهكذا في سلسلة التبعيض التي لا تنتهي.

شكلياً تبدو الدعوة إلى عدم التعميم واستخدام كلمة "البعض"، مستندة إلى أساس علمي، فالعاقل يشخص المقصرين ولا يعمم على الجميع وهذا ما يتوافق مع منطق العقل، لكن هل هذا الخطاب التبعيضي سمة عامة للخطاب في العراق، أم أنه يستخدم كوسيلة دفاعية عن جهات معينة، كالأحزاب الحاكمة على سبيل المثال؟

فمن هم الذين يستخدمون خطاب التبعيض؟ ولماذا نسمع من نفس الداعين إلى التبعيض خطاباً تعميمياً ضد غيرهم؟ بل يذهب أصحاب التبعيض إلى البحث في أصل الأشياء من أجل تبيان خطأ التوصيف إذا كان هذا التوصيف إيجابياً بالنسبة لخصومهم؟

بدأ خطاب التبعيض وانتشر بشكل واسع على لسان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، كوسيلة منه لاتهام غيره تارة وللهروب من المسؤولية تارة أخرى، وقد يكون وسيلة للتستر على من لا يريد كشف تقصيرهم.

فهو عندما يقول "أن البعض يعرقل مشاريع الحكومة"، يبعد مسؤولية الفشل عن حكومته، ويلقيه على جهة أخرى.

كما أن هذا الكلام التبعيضي يشبه إطلاق النار في الهواء، له صوت لكنه بدون هدف، رئيس الوزراء كان يعرف الجهات التي يقصدها لكنه يخشى ذكرها في العلن، لكونها قوية ولا تسمح بانتقادها مباشرة.

ومن جهة ثالثة وهي الأهم يفيد الخطاب التبعيضي في تمييع التهمة والتستر على الجهة المقصرة، وهذه وسيلة تجذرت بعد سنوات من التأسيس لها من قبل السيد العبادي حيث صارت عبارة "البعض" إشارة إلى تهمة عائمة بلا متهم، وجريمة بلا مجرم.

حتى أن كلمة "البعض"، أصبحت وكأنها تشير إلى كائن اسطوري غير مرئي يتحكم في مسار الأحداث ولا يستطيع أحد تحديد ملامحه.

وعلى هذا الأساس ضاعت الكثير من الحقائق وهرب الكثير من المقصرين تحت خيمة "البعض".

ولم تكن كلمة "البعض"، مستخدمة على لسان السياسيين فحسب، إنما تستخدم حتى هذه اللحظة من قبل الهيئات المتخصصة بالكشف عن الفساد والتقصير، وعلى رأسها هيأة النزاهة التي لم تتجرأ على كشف المقصرين والمتسببين بهدر المال العام.

تختصر هيأة النزاهة بياناتها بذكر صفة المقصر، كان تعلن عن إصدار أمر استقدم أو قبض بحق محافظ معين، بدون ذكر اسم المحافظ، أو مدير عام تخفي اسمه أيضاً.

بصورة عامة يستخدم خطاب التبعيض من قبل السياسيين، ويزعمون أنهم من خلال هذا الخطاب يبتعدون عن التعميم الذي يتهم الجميع بالتقصير، حيث يكون فيه ظلم لجهات هي ليست طرفاً في التقصير، لكن الهدف الحقيقي من التبعيض ليس التخلص من التعميم بقدر ما هو محاولة لتضييع الحقيقة حالات معينة، وهروب من الجواب في حالة الخوف من ذكر اسم الجهة المقصرة.

ما هي النتائج؟

إذا كان الخطاب السياسي قد اتخذ من التبعيض جسراً للعبور على نهر الأزمات، فإنها تسببت بانعدام الثقة بين المواطنين والقوى الحاكمة واغرقت البلاد في عتمة منعت الرؤية الواضحة للأشياء.

نعم استطاعت القوى السياسية في خطاب التبعيض ابعاد الشبهات عن المتهمين الفعليين، لكنها ومن قد أو غير قصد تسببت بانهيار صورة المنظومة بكاملها لدى الشارع العراقي، وصارت كلمة "البعض"، تعني التستر ومحاولة لتغييب الحقيقة، ما يعني انعدام الثقة بمن يتحدث بكلام التبعيض.

اضف تعليق