q
اخيرا خسر حزب الاحرار الاسترالي الانتخابات وفاز حزب العمال. وقد تبدو قضية خسارة حزب وصعود آخر قضية مألوفة جدا في اية انتخابات تجري، اذ لا بد ان يفوز من يفوز ويخسر من يخسر. لكني اعتقد ان خسارة حزب الاحرار تكشف لنا بدقة عن مزاج مواطني استراليا الحاد، وذوقهم الرفيع في انتخاب من يستحق...

اخيرا خسر حزب الاحرار الاسترالي الانتخابات وفاز حزب العمال. وقد تبدو قضية خسارة حزب وصعود آخر قضية مألوفة جدا في اية انتخابات تجري، اذ لا بد ان يفوز من يفوز ويخسر من يخسر. لكني اعتقد ان خسارة حزب الاحرار تكشف لنا بدقة عن مزاج مواطني استراليا الحاد، وذوقهم الرفيع في انتخاب من يستحق. بعبارة ادق: الاستراليون ليسوا شعب البطون الجائعة بل هم شعب يعرف كيف يوحه كلمته التي تسبه سهما مسموما.

شاهد عيان يعيش في استراليا حدثني عن المبالغ التي صرفتها حكومة الاحرار الفاشلة في الانتخابات عند بدايات ازمة كورونا. نفقت الحكومة المال الكثير بحيث دفعت رواتب مضاعفة لمدة عام. كما انها دفعت تعويضات 1000دولار للمواطنين والمقيمين عند غرق سدني، ضافة الى مبالغ نقدية لتشجيع قطاعات العمل المتضررة جراء وباء كورونا.

انفاق يسيل له اللعاب لكن لم يقدم اي منفعة لحزب الاحرار الذي رفضه الشعب ليفوز حزب العمال.

لقد عبر كثير من الاستراليين عن موقفهم الحازم من الحرب الخاسر بانه لم يراع قضايا مثل الاحتباس الحراري، والنظام الصحي، وغير ذلك. لم تكسر المبالغ التي دفعها الحزب الخاسر عيون الاستراليين لينتخبوه، كما ان احدا لم يعير الاخر بقوله ان الحزب الاحرار صرف المليارات من الاموال على الشعب.

ذوق رفيع جدا، وسمو في الحس الوطني، وطبع سليم يقف في وجه اي انتهاك يحصل، افكر لو ان هذا الحزب قدم لنا كل هذه المبالغ ترى كم كان سيبقى في السلطة؟ اننا نحس بان المسؤول يعطينا صدقة من مال هو صنعه بعرق جبينه ووزعه علينا.

لذلك نسمع من يقول انه حصل تعيين في وقت فلان. او حصل على منحة بائسة ايام مسؤول من المسؤولين، ومن المؤسف اننا لم نعد نعرف ان المسؤول هو في النهاية موظف ليس له فضل على احد، وان افضل علاج للمسؤول الفاشل هو صفعه انتخابيا وطرده من السلطة ان لم يقدم حلولا واقعية لمشاكل المواطنين، الاستراليون قلبوا معادلة المال الذي تشترى به ذمم المواطنين واصواتهم.

في حين في العراق كل ما اشاهده حولي من فوضى لا يزعجني كما يزعجني منظر واحد اصادفه عند زيارتي لدائرة من دوائرنا. امام ذلك المنظر تختفي كل فظاعات الزحام الطويل، وتختفي ايضا اخفاء معالم بغداد، ومناظرها المنفرة.

كل شيء يصبح هينا امام منظر غير واقعي اشاهده من وقت لار, ولا اتمنى ان يصادفه أي انسان لانه بكل تاكيد سينزعج, ويلوم نفسه لانه لم يغادر حفاظا على كرامته. سيناريو ذلك المنظر تبدأ هكذا. تصل سيارة المدير العام بعد ساعتين او ثلاث من بدء الدوام الرسمي. يعرف موظفو الاستعلامات بالامر، فيتأهبون عند وصول معاليه ينزل من يرافقه بحماس تمثيلي ليفتحوا له الباب, ويحيطون به.

ويدخل الى الدائرة دون ان ينتبه الى المراجعين الذين ينتظرون انجاز معاملاتهم. يشبه هذا المدير العام قطعة حلوى يتجمع حولها ذباب لا يشبع. وفي داخله شعور بالزهو لا يوصفان اننا نحتاج الى تربية جديدة تعلمنا كيف نكره اي انتهاك او تجاوز يحصل. المشكلة ان الذباب لا يفهم ان قطعة الحلوى التي يحوم حولها مسممة.

وفي لحظة من اللحظات ينتهي كل شيء. يخسر الانسان حياته في الحاليتان كان مدير عام بمواصفات قطعة حلوى، او كان شخصا تحول الى ذبابة مجرد ذبابة تحوم حول هدف وحيد اسمه المدير العام. علاقة باهتة جدا، بل علاقة ميتة لا قيمة لها. وانا في حقيقة الامر لا أستطيع تخيل نفسي اقضي دقائق في اطار لعبة قطعة الحلوى والذبابة. لكن هناك من اتقن الدور جيدا، واداه بطريقة ملئية بالتفاني. لكن اتقان دور ذابة ليس شيئا طيبا في هذا الزمن، وان كان من يمثلون له هو مدير عام خسر نفسه وهو يدري.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق