q
وتمثّل المبادرة توجّهاً جديداً في العلاقات الدولية يهدف إلى إبرام قواعد قانونية دولية جديدة واضحة ودقيقة ومحدّدة لحظر الاستخدام السياسي للدين من أي كان وتحت أي مزاعم أو ذرائع أو مبرّرات، تلك التي تقوّض مبدأ المساواة وتسوّغ التمييز لاعتبارات دينية أو عقائدية أو غير ذلك...

وجّه 27 برلمانياً بريطانياً رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تدعوه إلى تأييد الحملة العالمية لتشريع معاهدة دولية لحظر الاستخدام السياسي للدين، وستتوّج الحملة بعقد مؤتمر دولي في الرباط في شهر أيار / مايو المقبل تمهيداً لطرح مشروع المعاهدة على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها القادمة (السابعة والسبعون) التي ستلتئم في أيلول / سبتمبر المقبل 2022.

وتمثّل المبادرة توجّهاً جديداً في العلاقات الدولية يهدف إلى إبرام قواعد قانونية دولية جديدة واضحة ودقيقة ومحدّدة لحظر الاستخدام السياسي للدين من أي كان وتحت أي مزاعم أو ذرائع أو مبرّرات، تلك التي تقوّض مبدأ المساواة وتسوّغ التمييز لاعتبارات دينية أو عقائدية أو غير ذلك، كما تهدف إلى حظر الإقصاء الديني أو تقييد حرية الاعتقاد والعبادة وممارسة الطقوس والشعائر الدينية، علماً بأن مبدأ المساواة هو ركن أساس من أركان المواطنة المتكافئة في الدولة العصرية.

المبادرة التي شارك في صياغتها عدد من الدبلوماسيين والخبراء القانونيين العاملين في الأمم المتحدة سابقاً، انضم إليها نحو 2000 برلماني في العالم من مختلف القارات ومن أديان وتوجهات فكرية متنوّعة يجمعهم الحرص الأكيد على عدم استخدام الدين في السياسة وسيكون إبرام المعاهدة حدثاً فارقاً يشمل حياة وعيش ومستقبل مليارات البشر، علماً بأن الأمم المتحدة اعتمدت يوم 4 شباط /فبراير يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية ابتداءً من العام 2021 بعد توقيع بابا الفاتيكان فرانسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيّب وثيقة تاريخية في أبو ظبي 2019 حيث التطلّع للقضاء على أسباب وجذور العديد من النزاعات والاحترابات المستعصية والتي اتخذت من الدين ستاراً وشكّلت بؤراً مستديمة بسبب انتهاكات حقوق الانسان وعدم احترام مبادئ التعايش والتنوّع والتعدّدية، خصوصاً بتوظيفها التعاليم الدينية لخدمة أهداف سياسية أنانية ضيّقة. ولذلك سيكون صدور تشريع دولي خطوة على صعيد تعزيز الاستقرار والتنمية الانسانية الشاملة والمستدامة.

صحيح أن ليس مجرّد إبرام معاهدة لمنع استخدام الدين لأغراض سياسية سيؤدي أوتوماتيكياً إلى تغيير واقع الحال، لكن وجود مثل هذه المعاهدة سيكون رادعاً قانونياً تحسب له الحكومات والدول أكثر من حساب. ولا أعتقد أن دولة ما سيكون بمقدورها الوقوف ضدّ إبرام مثل هذه المعاهدة لأنها ستكون خارج الإجماع الدولي وبالتالي ستفضح نفسها وتكشف حقيقة توجّهاتها التمييزية الإغراضيّة.

ويتصدّر كلّ من رئيس أساقفة الكنيسة الأنغليكانية السابق اللورد روان ويليامز والبرلمانية عن حزب العمّال ماري كيلي فوي حملة البرلمانيين البريطانيين للانضمام إلى المعاهدة الدولية التي أطلقتها منظمة بيبيور انترناشونال وهي منظمة مسجلة في بريطانيا كمنظمة مدنية غير حكومية، وذلك بعد مقالة نُشرت في جريدة الإندبندنت اللندنية أشار فيها الشاعر والكاتب سلام سرحان إلى الحاجة الماسة إلى وجود معاهدة من هذا النوع لمساعدة المجتمع الدولي في التعامل مع النزاعات الدينية الحالية والمستقبلية وخطورتها على البشرية، حيث دفع ملايين البشر حياتهم في حروب سقيمة بسبب الاستخدام السياسي للدين.

إن ما نشهده في عالمنا العربي والإسلامي اليوم من توتّرات طائفية واحترابات مذهبية ونزاعات دينية خير دليل على ذلك، ولو تفحّصنا أسبابها، خصوصاً بين الشيعة والسنة فسنراها واهية، فهم أتباع دين واحد يتّسم بالتسامح واحترام الكرامة الانسانية لبني البشر والتعارف والتعايش والتآزر والتواصل وبالطبع بالعدل والاحسان، وينسحب الأمر على المسلمين والمسيحين وبقية الأديان والطوائف.

لقد تجاوزت أوروبا صراعاتها الدينية والطائفية بعد أن نزفت في حرب دامت 100 عام في الفترة بين (1337 و 1453) وفي حرب الثلاثين عام التي شملت دول وسط أوروبا، كان ضحايا ألمانيا وحدها 13 مليون ونصف المليون نسمة في بلد عدد سكانه لم يزد آنذاك عن 30 مليون نسمة، ولم تنته تلك الحروب إلّا بتوقيع صلح ويستفاليا العام 1648 الذي أقرّ سيادة البلدان وحرية العبادة وحق التنقّل، ولم يتوقّف الصراع بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية الذي دام نحو 500 عام إلّا في العام 2016 حين تم التوقيع على اتفاق مع بابا الفاتيكان فرانسيس والمطران منيب يونان بوضع حد لهذا النزاع التاريخي الذي لا معنى له، على أن يُترك البحث فيه إلى اللاهوتيين والمؤرّخين وألّا يُستخدم في الحياة اليومية للمؤمنين من أتباع الكنيستين، فما أحوجنا للإبقاء على المواقف التاريخية للفرق الإسلامية في كتب التاريخ والدراسات الدينية وليس في خطب الجمعة والتحريض الطائفي والشحن المذهبي اليومي باستخدام الدين سياسياً ولأغراض لا علاقة لها بالدين ذاته؟

المعاهدة الدولية لمنع استخدام الدين سياسياً، هي دعوة سلمية لعدم توظيف الدين سلاحاً ضدّ الآخر من أتباع أديان أخرى أو من الدين ذاته أو مؤمنين آخرين أو ضدّ أصحاب الأفكار الآراء التي تضع مسافة واحدة من جميع الأديان والعقائد. ولذلك استجبت بأملٍ حين دعيت إلى الانضمام للحملة الدولية، خصوصاً بانضمام شخصيات وازنة وكوكبة لامعة من المثقفين بمن فيهم المفكّر الأمريكي نعّوم تشومسكي والشاعر والمفكّر أدونيس.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق