q
المدرسة هي الوحيدة التي بمقدورها اعادة الامور الى مساراتها الصحيحة، ولأنها كذلك أولتها الأمم قدسية تستحقها، فأسهمت وبمدد وجيزة في ارتقاء بلدانها وتحضّر مجتمعاتها التي ما أن نختلط بها حتى ينتابنا شعور بالدونية، بينما لسنا بأقل ذكاء منها، وفي تراثنا كدس من القيم العظيمة...

عليك ألا تلوم الناس ان كان سلوكهم لا يروق لك، كأن تراهم يرمون من نافذة السيارة قناني المياه الفارغة او ورق الكلنكس او قشور الفواكه، او شاهدت سيارة البلدية تفرغ نفاياتها على جانبي شارع رئيس يوصف بأنه دولي تمر به شاحنات وزوار أجانب، مع ان مكتب المسؤول البلدي لا يبعد عنها سوى كيلومترات تعد على أصابع اليد الواحدة، واذا رغبتم يمكنني أن أسمي.

لا تنتقد مظهر الشباب غير اللائق وهم يتجولون في الأسواق، او نظراتهم غير المؤدبة للفتيات حتى وان كن برفقة ذويهم، لا أحمّل المسافرين العراقيين ابدا تبعات سلوكياتهم غير المتحضرة في المطارات الأجنبية، ولا أستغرب أصواتهم العالية التي تلفت أنظار المسافرين الآخرين، ولا أسأل الناس عن عدم اهتمامهم بالبيئة التي تمظهرت بآلاف الصيدليات وأضعافها من العيادات الطبية الخاصة، فلا ذنب لهم في كل ذلك، هم أبرياء مما يحدث، فلِمَ ننتقدهم عن تراجع ذوقهم، ونصفهم بنعوت غير لائقة، أليس هذا باطلا؟

لا أعيب على شخص لا يلتزم بالنظام، وينتهك الاشارات المرورية، ويعتدي على رجل المرور، او لا يعير اهتماما لمن سبقه في الدور أثناء مراجعة دائرة رسمية، او يقطع حديثك مع آخرين دون استئذان، وأظن ليس من الانصاف والعدالة محاسبة الطلبة الجامعيين الذين يتركون فضلات الأكل على طاولة اساتذتهم او على حافات النوافذ، ولا أرى من اللياقة مساءلتهم ان مر قربهم استاذ وظلوا جالسين في أماكنهم دون الوقوف احتراما له.

جميع الأفعال السلبية التي يقوم بها الناس، هم في الحقيقة غير مسؤولين عنها، لذا من غير المبرر لومهم او انتقادهم او محاسبتهم، نعم، لا ذنب لهم في كل ذلك، قد يستغرب البعض مما أقول، وسيسألوني: ومَنْ يتحمل المسؤولية؟، وأسألهم بالمقابل: كيف نحاسب شخصا على أخطائه، بينما لم نعلمه الصحيح؟ نحن لم نعلم الناس، لقد فشلنا بامتياز في تربية أفراد المجتمع منذ الصغر، ولذا لا تندهشون من نوع الجرائم التي تُرتكب، وبعضها لم يخطر حتى في الخيال، ولا تستغربون شيوع الفساد بأشكاله التي تعرفون، او اتساع مساحة الصراع الاجتماعي على أبسط الأشياء، بدل التعاون والتنافس المقبول، او تراجع الذوق العام الذي وصل الى عدم المعرفة بأساليب التخاطب والحوار المؤدب، او عدم المحافظة على الأملاك العامة.

معروفة الجهات التي يفترض بها القيام بعمليات التربية، لكن الممنهج منها، وبأسس علمية وأهداف محددة، تلك التي تجري في المدرسة وليس غيرها، ما دعانا لتقديم التربية على التعليم، فلا قيمة لتعليم بلا تربية، بل قد يجلب التعليم غير المقرون بالتربية من الويلات ما يفوق تلك التي ينتجها غياب التربية.

المدرسة هي الوحيدة التي بمقدورها اعادة الامور الى مساراتها الصحيحة، ولأنها كذلك أولتها الأمم قدسية تستحقها، فأسهمت وبمدد وجيزة في ارتقاء بلدانها وتحضّر مجتمعاتها التي ما أن نختلط بها حتى ينتابنا شعور بالدونية، بينما لسنا بأقل ذكاء منها، وفي تراثنا كدس من القيم العظيمة، لكن المدرسة التي كانت سواعد العراقيين أول من بنى جدرانها، يخيم عليها البؤس في بلادنا راهنا، واوكلت أغلب ادارتها الى كفاءات هزيلة وعقول متحجرة.

ما يؤسف له أن تظل المدرسة على هامش اهتماماتنا، ألا تذكرون كيف كانت حديقة المدرسة زاهية، ويُعاقب أشد العقاب من يقطع وردة؟ او اصطحاب المدرسين لنا لزيارة المكتبة، واختيارهم من الكتب ما يوافق أعمارنا، لا أظنكم نسيتم مراقبة المعلمين استخدامنا للحمامات، وكيف نخرج بالدور عند انتهاء الدوام، ولم تغب عن البال دروس الرسم على الهواء الطلق، او سفراتنا الى المدن الأثرية لنتعرف الى تاريخنا وحضارتنا، مازالت ماثلة في ذهني صورة المدرسة المستنصرية التي لا يعرفها طلبتنا الآن، لِمَ أغفلت مدارسنا التربية لنكون بمواجهة هذا الواقع المخجل؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق