q
المطالبات بالاصلاح والتغيير كثيرة جدا. ولو شئت ان ادون هذه المطالبات لكانت القائمة طويلة جدا. لكن هذه القائمة الطويلة تخلو من مطلب واحد اساسي هو الانسان نفسه. فلم اسمع او اقرأ لمن يطالب باصلاح الانسان او تغييره. وفي ظني ان سبب هذا الغياب هو ضعف الثقافة القرآنية...

المطالبات بالاصلاح والتغيير كثيرة جدا. ولو شئت ان ادون هذه المطالبات لكانت القائمة طويلة جدا. لكن هذه القائمة الطويلة تخلو من مطلب واحد اساسي هو الانسان نفسه. فلم اسمع او اقرأ لمن يطالب باصلاح الانسان او تغييره. وفي ظني ان سبب هذا الغياب هو ضعف الثقافة القرآنية. فالقرآن عالج موضوع التغيير والاصلاح في المجتمع في الكثير من آياته سأكتفي بذكر اثنتين منهما هما: "ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النّاس" و "إِنَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم".

فالآية الاولى صريحة في ان ما يظهر في الارض من فساد سببه عمل الانسان، ومنه نستنتج ان الصلاح في الارض هو ايضا نتيجة عمل الانسان. فالإنسان هو المصلح والمفسد. مع ملاحظة ان الاية لا تتحدث عن الانسان المفرد وانما الناس بالمجموع.

واما الاية الثانية فهي تتحدث عن "المحتوى الداخلي" للجماعة، وكونه الاساس الذي تتم بموجبه عملية التغيير، فعبارة "ما بقوم" تتحدث عن الظواهر الخارجية الفوقية في المجتمع، فيما تتحدث عبارة "ما بانفسهم" عن الاساس التحتي للتغيير، اي المحتوى الداخلي.

والمحتوى الداخلي يتألف من الايمان القلبي والتطبيق العملي لمنظومة القيم العليا التي تضبط حركة الانسان في المجتمع، او تنظم التفاعلات بين عناصر المركب الحضاري الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.

حتى الان، ما نسمعه من المطالبات بالاصلاح والتغيير تتعلق بالظواهر الخارجية الفوقية السلبية السيئة في المجتمع مثل الفساد والاستبداد والبطالة وغير ذلك. وهذا امر مطلوب وصحيح. لكن هذه المطالبات لا تتحقق ما لم يتم تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع، اي منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري.

بنظرة خاطفة الى كل العمليات السياسية والاقتصادية وغيرها في المجتمع، سواء كانت صالحة او سيئة، نجد ان اناسا يقومون بها، اناسا صالحين يقومون بالصالح منها، واناسا سيئين يقومون بالسيء منها، مرات بصفتهم الفردية، ومرات، وهذا هو الاكثر والمقصود، بصفتهم الجماعية. فالناس كلهم فاعلون في الحياة الاجتماعية في مجالاتها المختلفة.

واذا اردنا الاصلاح والتغيير في هذه المجالات فيجب ان تكون البداية باصلاح الانسان نفسه. كل الدعوات التغييرية في العالم قالت وتقول بذلك. وهذا ما علينا ان ندركه في العراق ايضا ونحن نطالب بالاصلاح. يطالبون بتعديل الدستور، مثلا، وهذا مطلب جيد، لكن ما نفع الدستور الجيد اذا لم يتم اصلاح الانسان والمجتمع؟

لهذا، يكون الترتيب الصحيح لجدول العملية الاصلاحية على الشكل التالي: الانسان اولا، ثم تأتي المفردات الاخرى بحسب قربها وارتباطها بالانسان وعمله. وهذا يعني ان علينا ان نوجد اشخاصا صالحين وجماعات صالحة تكون هي الادوات الصالحة للاصلاح والتغيير.

يبدأ اصلاح الانسان بتكون شريحة صالحة من الناس، ربما تكون اصلحت نفسها بنفسها، او لم تتلوث اصلا بمفاسد المجتمع، وتأخذ هذه الشريحة، وهي اقلية واعية في البداية، على عاتقها بث الوعي السليم للعملية الاصلاحية في المجتمع، وكسب المزيد من الصالحين الى صفوفها. وبعد فترة ستجد هذه الشريحة نفسها قادرة على تولي بعض مفاصل الدولة المهمة ذات العلاقة المباشرة بالعملية التغييرية مثل البرلمان (لتشريع القوانين ومراقبة السلطات التنفيذية ومحاسبتها)، والمدارس (لتنشئة اجيال جديدة في ضوء منظومة القيم العليا الصالحة)، وغير ذلك. وفي هذه الحالة، سيكون على هذه الشريحة الصالحة من الناس ان تتقدم الصفوف وتتولى ما تستطيع حمله من المسؤوليات التشريعية والتنفيذية في الدولة والمجتمع بطريقة دستورية سلمية سلسة، حتى لا تكون كلفة الاصلاح اعلى من قيمة الهدف المطلوب.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق