q
نحتاج الى تشجيع ثقافة التحصين الاخضر للمدن عبر عدة اساليب: زراعة مساحات واسعة الصحراء وتحويلها الى غابات دائمة وهي عملية ليست مستحيلة، وتوفر مردودا كبيرا للبيئة ومردودا ماديا ايضا وزيادة التنوع الاحيائي في العراق، اصدار عقوبات صارمة ضد تجريف البساتين المحيطة بالمدن وتحصينها، بطريقة تشبه طريقة تحصين المناطق...

حتى وقت قريب كان دخول المنطقة الخضراء في بغداد امنية شبه مستحيلة التحقق، فهي المنطقة المصممة وفق المعايير العالمية، من حيث الشوارع وتقسيمها الى مناطق للسكن واخرى للمساحات الخضراء، بينما تحتضن المؤسسات الحكومية.

بعيدا عن الحصانة الامنية، فان المنطقة محصنة بالاشجار الخضراء، وهذا يتضح للناظر حتى من خارج المنطقة، رغم كثافة البناء، الا انه لم يمنع ظهور الاشجار اعلى البنايات والمنازل.

خارج المنطقة الخضراء تشاهد الاحياء عبارة عن اسفلت وجدران، الاسمنت متصل من الشارع الى غرفة النوم، لا توجد مساحة لزرع شجرة صغيرة، البيوت نفسها تقسم من ٢٠٠ متر مربع الى نصفين او اكثر.

ومن يبني بيته على ١٠٠ متر لا يملك ترف زرع نبتة صغيرة، لكن لماذا يبني المواطن في هكذا مساحة صغيرة؟

لأن الحكومة لا توفر قطع الاراضي المخصصة للسكن، ولا القروض الميسرة للشراء لذلك يضطر الى هذا النوع من البناء المغلق وغير الصحي.

الاسوأ من هذا هو تحويل المناطق الزراعية القريبة من المدن الى مناطق سكنية، يطلق عليه "احياء الزراعي" وهو مصطلح معروف يشير الى المناطق الزراعية التي يتم تجريفها وتحويلها الى مساكن.

هنا نرتكب اكثر من جريمة:

الاولى: جريمة تجريف البساتين التي توفر نسبة لا بأس بها من الوفرة الغذائية المحلية.

الثانية: تحويل هذه البساتين الى مناطق سكنية غير منظمة مكتظة بالبيوت الصغيرة والشوارع الضيقة، مع غياب تام للمساحات الخضراء.

الثالثة: زيادة مستوى التلوث بنسب مضاعفة، فنحن لا نزرع الصحراء، ولا نوزعها الى قطع للسكن، بل نقوم بتجريف ما تبقى من المناطق الخضراء. الخسارة مرتين، الاولى عند تجريف البساتين فنخسر الاوكسجين النقي، والثانية عند بناءها وتحويلها الى منتج لثاني أوكسيد الكربون.

اين دور الحكومة؟

الحكومة غائبة في هذا الملف الخطير، انما هي من تساعد على زيادة المشكلة من خلال شرعنة تجريف البساتين، ومد خطوط الماء والكهرباء والمجاري وتعبيد بعض الاحياء، بينما كان القرار الصائب هو محاسبة من يقسم البساتين الى سكن، لكن بشرط توفير المساحات المناسبة للسكن.

لا توجد اليوم عقوبات لمن يبني بيتا بدون اجازة بناء، وفي اغلب الاحيان تحول ملف تجريف البساتين الى دعاية انتخابية رخيصة، هناك عدد من المرشحين يستغلون هذا الفشل الحكومي الثمين لكسب اصوات الناخبين في هذه المناطق مع غض الطرف او الحصول على براءة من جريم التجريف.

اما اذا ارادت السلطات رعاية المناطق الخضراء المتاحة، فهي لا تفعلها بطريقة مثالية، لدينا في كربلاء نموذج واضح لهذا النوع من الفشل.

على سبيل المثال يتم زراعة اعداد هائلة من اشجار النخيل في الشوارع، الا ان مشكلة الاشجار المزروعة انها كبيرة وغير قادرة على مواجهة الظروف الجوية، فضلا عن عدم كفاءتها في توفير الجمال الطبيعي للمدينة وتكلفتها العالية.

بدل النخلة الواحدة يمكن زراعة ١٠٠ شتلة من شجرة البيزيا التي تتميز بمقاومتها للظروف الجوية، اما اذا تحدثنا عن غطاءها الاخضر فهو اكثر كثافة من اشجار النخيل والذي يتسع لمساحة واسعة فوق الشوارع ما يوفر مظلة كبيرة تحمي الناس من الحر الشديد في الصيف وتقلل من الحرارة وتزيد نسبة الهواء النقي.

دور المواطن

الحكومة مقصرة في ملف التحصين الاخضر للمدن، ومن واجبها حل المشكلة في اسرع وقت ممكن.

لكن المواطن يتحمل جزءا من المشكلة، فلا توجد لدينا ثقافة زراعة الاشجار، ولا توجد ثقافة الحفاظ عليها، نحن نقطع اشجار البساتين الزراعية ولا نعوضها باخرى.

كما اننا نعتدي على المتبقي من المناطق الخضراء في المدن، اما بتحويلها الى اكشاك ومناطق لبيع البضائع، او لوضع الادوات الكبيرة مثل المولدات وغيرها في المناطق المخصصة لزراعة الاشجار.

نحتاج الى تشجيع ثقافة التحصين الاخضر للمدن عبر عدة اساليب:

١. زراعة مساحات واسعة الصحراء وتحويلها الى غابات دائمة وهي عملية ليست مستحيلة، وتوفر مردودا كبيرا للبيئة ومردودا ماديا ايضا وزيادة التنوع الاحيائي في العراق.

٢. اصدار عقوبات صارمة ضد تجريف البساتين المحيطة بالمدن وتحصينها، بطريقة تشبه طريقة تحصين المناطق التراثية من التهديم.

٣. منع البناء بدون اجازة رسمية، ومن شروط الاجازة تخصيص مساحة خضراء داخل المنزل واشتراط زراعة انواع معينة من الاشجار وفق خطة حكومية مركزية.

٤. توزيع مساحات للسكن في الصحراء مع توفير خدمات ممتازة وباسعار رخيصة، وبما يدفع الناس لترك تجريف البساتين واللجوء الى المساحات السكنية الجديدة.

٥. تجريم استغلال المناطق الخضراء في المدن، باي شكل من الاشكال ولاي عذر كان.

٦. اطلاق مشروع "الحصانة الخضراء" في جميع مناطق العراق يفرض على جميع البلديات وضع جدول زمني لزراعة جميع المناطق الخضراء المتاحة وتوسيع نطاقها الى اقصى قدر ممكن.

٧. اطلاق جائزة سنوية تحت عنوان "جائزة الحصانة الخضراء" تكون على عدة مستويات تبدأ من جائزة البيت المثالي وتنتهي بالبلدية المثالية شريطة ان يكون التقييم على حجم المناطق الخضراء.

اضف تعليق