q
قانون استرداد عائدات الفساد، المقدم من رئيس الجمهورية يؤكد حجم الخشية الحكومية من المتنفذين بمفاصل الدولة، وقضية الخلاص منه مرهونة بالتعاون الدولي الجاد للوقف على منابع الفساد وتجفيفها، وكذلك لاستعادة الأموال المقدرة بـ ــ150 مليار دولار هُربت إلى الخارج منذ عام 2003 ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدالة...

تخيل حجم الفساد المستشري بالمؤسسات الحكومية الذي جعل من المسؤولين العراقيين يشنون حروب عليه في كل مرة دون جدوى، فقد خرج لنا رئيس الجمهورية برهم صالح بكلمة متلفزة بين فيها تقديمه مسودة قانون لمجلس النواب وحثهم للتصويت عليها لمنع الآفة من التفشي وتسميم الهيكل الحكومي ونخره.

قانون "استرداد عائدات الفساد"، المقدم من رئيس الجمهورية يؤكد حجم الخشية الحكومية من المتنفذين بمفاصل الدولة، وقضية الخلاص منه مرهونة بالتعاون الدولي الجاد للوقف على منابع الفساد وتجفيفها، وكذلك لاستعادة الأموال المقدرة بـ ــ150 مليار دولار هُربت إلى الخارج منذ عام 2003 ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدالة.

العراق وبحسب احصائيات وبيانات حكومية فان ايراداته تقترب من الالف مليار دولار، وهذه الأموال لو تم توظيفها بالشكل الصحيح لعملت على نقل البلاد نقلة نوعية، ولرأينا العراق بأفضل من ذلك بكثير، فلا يمكن ان نشاهد بنى تحتية مدمرة، وتآكل اغلب المؤسسات الصحية والتربوية والصناعية وغيرها من القطاعات ذات الأهمية البالغة.

من يدقق بجميع الجمل التي ذكرها صالح يستطيع ان يقرأ حجم اليأس من الوصول الى نتائج فعلية بهذا الملف الشائك، ولذلك بانت عليه الرغبة في معاونة المجتمع الدولي، الذي تتدفق له هذه الأموال من قبل اللاعبين بالمشهد والمسيطرين على الأموال وطرق صرفها دون رقيب.

اما الرقابة الحكومية في العراق تتسم بنوع من الضعف وعدم فاعليتها، ذلك لخضوع المؤسسات الرقابية الى المحاصصة الحزبية، والتزام جميع الموضوعين في هذه المهام لأوامر احزابهم السياسية وبالنتيجة لا نتمكن من القبض على محرك الفساد او الجماعات التي تبدد الثروة الوطنية.

لكن يمكن للمشروع ان يُنشط ويُدعم عمل المؤسسات المالية والرقابية وتفعيل أدواتها، شريطة ان لا تمر هذه المسودة كغيمة سحاب تهطل بغير وقتها، وتنحسر فائدتها، بينما المطلوب من الأحزاب السياسية التي تتجمل بالخطابات الوطنية، ان تساند مبادرة الرئيس الجديدة وتضعها في حيز التنفيذ لبناء عراق مشرق قائم على العمل الجاد ولا وجود لزمر الفساد فيه.

التعامل مع الفساد في البلاد يجب ان يكون على مستويات عدة، أولها المستوى المحلي، وهو التنقيب عن المخابئ التي تحتمي فيها رؤوس الفساد، ففي جميع الوزارات والدوائر الحكومية، يوجد اشخاص، وظيفتهم الأساسية هو التمهيد لعقد الصفقات المشبوهة الكبرى، بالاتفاق مع الأطراف المعنية لإتمام الامر دون ضجيج.

ومن الممكن الوصول بطريقة او بأخرى الى أماكن اختفاء او تواجد هذه الشخصيات، لكن من الصعوبة بمكان تحريك لهم طرف، فهم كما أسلفنا لهم مرجعيات حزبية، تأخذ حصتها دون عناء، لذلك توفر الجدار الفاصل بينها وبين الجهات الرقابية الوطنية في حال ارادت العمل بإخلاص نسبي.

الفساد لا يقل خطرا عن الإرهاب الذي كبد العراق خسائر فادحة بالعدة والعدد، فكما الإرهاب هدم المؤسسات الحكومية بصورة علنية، فأن الفساد نخرها من الداخل وأنهك قواها حتى صارت تشكوا من عدم قدرتها على خدمة المواطن الذي بأمس الحاجة لوقوفها الى جانبه وتخفيف همومه.

فخطورة هذا الملف دفعت ببعض رجال الدين الى مساندة الأشخاص الذي سوقوا أنفسهم رواد الإصلاح السياسي، مثل الدعم الكبير الذي حصل عليه رئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي، واعطته الضوء الأخضر بالضرب بيد من حديد للقضاء على اس الفساد، لكن بقيت الإجراءات كعادتها تسير بطرق ملتوية تاركة أفضل الأساليب وأكثرها قدرة على تخفيض نسبته.

اما المستوى الآخر من مستويات محاربة الفساد هو التعاون الدولي عبر عقد الاتفاقات الدولية لإعادة الأموال المهربة، اذ يمكن ان تذهب الدول المتضررة من ظاهرة الفساد الى تشكيل تحالف دولي مهمته محاصرة التعاملات المشبوهة والحد منها ومنعها من الانتشار لتصبح عرفا معمول به في المجتمع الدولي.

ومن بين الأساليب التي يجب تفعيلها للانتصار على الفساد هو السماح للحكومة العراقية ملاحقة الشخصيات المتهمة او المتورطة بعمليات غير قانونية، وتقديمهم للقضاء لنيل جزائهم وفق القوانين المحلية المعمول بها لمحاسبة المتسببين بهدر الأموال الطائلة والميزانيات التي تعادل موازنات دول قائمة بذاتها.

ولم نعرف اين ستستقر مسودة القانون التي حملت جزء كبيرا من هموم الشعب العراقي الذي يحلم منذ سنين بان ترى هذه الإجراءات النور، ولا تكون مجرد امنيات تبقى عالقة في فضاء سياسي ملبد، فالشعب العراقي اصابته التخمة من هذه المبادرات والمسودات، وفقد الثقة بجميع الحلول المطروحة، فهل يعمل رئيس الجمهورية على تغيير هذه القناعات ام ان مبادرته ستكون رقما يضاف الى ارقام المسودات السابقة؟

اضف تعليق