q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

لماذا يحذر سياسيو الشيعة خسارة السلطة؟

مسارات الخوف وإمكانية التحول

النخب السياسية الشيعية لا زالت تحكمها فجوة ذهنية بينها وبين الجيل الجديد من جانب وبينها وبين النخب المستقلة من جانب آخر. بل أنها أصبحت عاجزة عن استيعاب السياسة الجديدة وفق متطلبات المرحلة والارتقاء بمستوى دور المشاركة والانفتاح والانتقال والقبول، ويقع على عاتق حركات الاحتجاج والمعارضة الشعبية...

تعددت مسميات الحراك في العراق فهناك من يطلق عليه الاحتجاج وآخر يرى إنه ثورة ومن يرى إنها مظاهرات، لكن بالمحصلة أنتجت عدة اتجاهات في المواقف والاراء، فيما تعترض بعض النخب المثقفة  والإعلاميين ممن لهم نصيب من العمل الحكومي على هذا الحراك الذي تركز في مناطق الوسط والجنوب وتحديدا في المناطق الشيعية حيث ترى هذه النخب أن هذا الحراك قد يتسبب بخسارة الشيعة للسلطة".

باعتقادي أن هذا الرأي يمثل جوهر الخلاف بين من يرى بأحقية الحراك بشكل شبه مطلق وبين من يرى أنه يشكل خطرًا على السلطة والقوى السياسية الشيعية تحديدًا.

برغم الخلاف الحاصل بين النخب السياسية الشيعية وبين جمهور الشيعة حول السؤال الذي طالما يتردد "هل أن الحكومة شيعية أم لا" إلا أن المنطق والممارسة ونظام الحكومة يرى أنها حكومة شيعية جاءت عبر الانتخابات التي أقرها الدستور الذي صوت عليه الشعب وعلى نتائج تلك الانتخابات.

بين هذا وذاك تقف النخب المستقلة أو غير المرتبطة بجهة سياسية أو غير مؤدلجة بموقف يقتصر على الرصد والنقد سواء من خلال الكتابة أو الإعلام أو الاستشارات الخاصة. هذه النخبة ترى أيضا أن الدولة أو الحكومة ومؤسساتها تبقى صاحبة القرار الذي يوجه بوصلة البناء أو الهدم. ويرتبط بها نهج العنف بحضور جسدي وفكري.

النخبة السياسية الشيعية من خلال مواقفها في الخفاء تظهر بقوة تلك المخاوف لكنها تكون أكثر دبلوماسية في الإعلام من خلال الاستعانة بالضرب تحت الحزام، ولم تكن واضحة في كثير من الأحيان خوفا من التسقيط الشعبي ومن وسائل التواصل الاجتماعي.

تشعر النخبة السياسية الشيعية أنها تواجه تحديًا يفرض الاستعداد لمواجهته. وفي بعض الأحيان لم تقتصر السلطة على القوة المفرطة فقط، بل استخدمت مؤسساتها وأجهزتها وأحزابها وكذلك الدعم الخارجي في أوقات معينة من أجل الحد من الحراك الشعبي رغم محدوديته.

المسار السياسي في العراق منذ قرابة عقدين من الزمن كان يشكو من فساد كبير وديكتاتوريات مصغرة تعمل تحت شرعية مشكوك بأمرها أو مكتسبة نتيجة لظروف معينة، وبالتالي يبقى السؤال المحوري إلى أين ستوصلنا السلطة الحالية التي تفتقد الرؤية الواضحة لبناء الدولة؟ وما هي الضمانات لتحقيق حياة كريمة للعراقيين وانموذجا صالحا للحكم؟ ومن هو المسؤول عن التطبيق وتحقيقه؟

لذا ترى هذه النخب أن الإنقاذ يتم من خلال الدفاع عن الحكم عبر ممارسة الدور الأبوي السياسي، أو تمارس سلطتها المكتسبة نتيجة "الاستحقاق الانتخابي" المتحقق أيضا وفق شبهات وشكوك ومصالح وفساد.

تأتي مخاوف النخبة السياسية من محاولات تفكيك سيطرتها العنيفة المنطلقة من الدولة وسلطتها والخوف من فك ارتباطها على البنى السياسية والاقتصادي والاجتماعية. لذا بعث الحراك رسائل في عدد من المحافظات تهدف لتحولات بنيوية في نظم القوى الشيعية الحاكمة، مما عدت أغلبية القوى السياسية الشيعية هذا الحراك تمردًا ومساسًا بهيبة تلك السلطات "الأبوية" و"المستحقة"، وأنه الحراك خالف فكرة الزعامات وإنه يُغّيب رمزية القيادات، أكان شخصًا أم كيانًا أم مرجعية آيديولوجية أو تاريخ جهادي.

الجمهور الشيعي وخلال الفترات السابقة نمت لديه ظاهرة "التمرد اللاشعوري" بل يمكن الجزم أن هذ الجمهور يرى أن السلطة وعلى مدى السنوات الماضية تمارس الفساد والظلم بحق جمهورها، بل أنها أضاعت البوصلة بناء الدولة والحكم الصالح وجعلت جمهورها في حالة يأس وضياع نتيجة فقدان الثقة وغياب القدوة والكفاءة والروح الوطنية.

النخب السياسية الشيعية تعتقد أن هذا الحراك ليس ضد النظام السياسي فحسب، بل هو أيضا بداية لإزاحة "القدسية" أو "الرمزية" عن تلك القيادات، مع ما يجسده ذلك الوعي من رغبة في بناء مجتمع سياسي خارج العملية السياسية التقليدية. لم يقتصر هذا الوعي على بداية تفتيت السلطة وبنيتها، بل يتعدى نحو الرغبة في ثورة مجتمعية عميقة تسير بتأني وتتراكم، وبالتالي تكون نتائجها منقذة من الوضع المأساوي والعنيف المتولد نتيجة تلك الأفكار المتعصبة و غير المدروسة.

ونحن نعيش اليوم في ظل دستور ومرحلة انتقالية ثقافية شاملة طويلة الأمد بهدف تغيير وعي الشعب بالسلطة والكشف عن زيف الممارسة السياسية السائدة، إنه تحول أولي من الولاء الأعمى للفرد أو السلطة نحو قيم التعايش ونبذ العنف والإنصاف والمواطنة. وهذا التحول يتجسد في أزمة السلطة، والتغيير المؤمل يفتح آفاقا جديدة من أجل وعي سياسي جديد يستفيد من التجارب.

باعتقادي أن الحل أولا وأخيرا يمكن أن تساهم فيه النخب الشيعية بحيث تعطي أدوارا لمكونات جمهورها وللقوى الصاعدة بان تأخذ فرصتها داخل مركز القرار، وأن تكون مآلات المسارات الانتقالية واضحة في الحراك الديمقراطي والفكري.

وأن لا تُكّيف هذه النخب السياسية نفسها وذاتها في محاولة لإمكانية إعادة التجربة على السلطة من دون المجتمعات والأجيال. وبالتالي فأننا لم نستطيع تحقيق شيء ملموس.

النخب السياسية تكاد تتفق شكليا على أن هناك فسادا واستهتارا بالسلطة، لكن بالمحصلة فان التدهور ولد معارضة وسخط شعبي عارم أشعل فتيل الحراك الخجول وحفز على ارتفاع المطالب دون النظر للطائفة أو المذهب.

فإذا كانت السلطة غير قادرة على تأمين المتطلبات وما عادت قادرة على استيعاب الحراك، فمن المؤكد ستعمق الأزمة بينها وبين مجتمعها.

النخب السياسية الشيعية لا زالت تحكمها فجوة ذهنية بينها وبين الجيل الجديد من جانب وبينها وبين النخب المستقلة من جانب آخر. بل أنها أصبحت عاجزة عن استيعاب السياسة الجديدة وفق متطلبات المرحلة والارتقاء بمستوى دور المشاركة والانفتاح والانتقال والقبول.

ويقع على عاتق حركات الاحتجاج والمعارضة الشعبية والنخبة الدينية والمثقفة غير الظاهرية مسؤولية خيبة الأمل وبسبب عدم تحويل التوجه الاجتماعي نحو طابع مؤسسي، ولم تقم بتنظيم نفسها في شكل أحزاب وتنخرط بهيئة كيانات سياسية.

والايجابي في الأمر والانتباه له مستقبلا الحذر من حالات التشرذم والانقسامات كمل حصل في دول أخرى مثل تونس ومصر، وما حصل في اليمن وليبيا التي شهدت احتراب داخلي.

*كاتب صحفي وباحث عراقي

اضف تعليق