q
من الإيجابيات التي ستجنيها المنطقة إذا كانت النوايا صادقة من قبل الطرفين لأنهاء واحدا من أكثر الملفات تعقيدا، هو الاستقرار الاقتصادي، فأغلب دول المنطقة منتجة للنفط، بالتالي يمكنها من التأثير على السوق العالمية، وتتحكم بالأسعار وكميات العرض والطلب بما يخدم مصالحها التجارية...

الحديث عن التقارب الاخير بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية إيران، نشط في الأيام الجارية، بينما يتوقع البعض ان يكون نذير شر وليس بشير خير يعم بالفائدة على المنطقة بأكملها.

تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بشأن رغبة بلاده في فتح علاقات جيدة ومميزة مع إيران اثارت الكثير من التساؤلات بشأن إمكانية التقارب بين الرياض وطهران، مع وجود تأكيدات على انطلاق محادثات ثنائية بينهما بشكل سري.

بدأت عجلة الامل تتحرك على إثر التصريحات التي ادلى بها ولي العهد بلقاء متلفز، في برنامج "الليوان"، المذاع على فضائية "روتانا" الخليجية، قال: "لا يريد أن يكون وضع إيران صعبا، على العكس يتمنى أن تكون إيران مزدهرة وتنمو... ويكون لدينا مصالح فيها ولديهم مصالح في السعودية، لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".

وكان رد إيران بمثابة رد الجميل لما تناقلته وسائل الإعلام حول حديث بن سلمان، حيث قالت على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، سعيد خطيب زاده، إن إيران والسعودية "بلدان مهمان في المنطقة والعالم الإسلامي"، معتبرا أن "بإمكانهما بدء فصل جديد من التعاون والعمل المشترك لإحلال السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة عبر اتباع موافق بناءة ومناهج مستندة إلى الحوار".

في السنوات الماضية عاشت المنطقة العربية أكثر ايامها صراعا ونزاعا بين الحلفاء الدوليين، اذ تحرك أمريكا اصدقاءها للتحرش في النظام الإيراني، بدوافع بعضها حقيقية وأخرى وهمية، تخلقها لتدعم موقفها المعادي لحكومة طهران، ففي كل مناسبة وزيارة رسمية يقوم بها المسؤولون الامريكيون، يذكرون بخطر إيران على المنطقة واستقرارها، وفي الحال يعربون عن استعدادهم لمد يد المعونة لتقويض الدور الإيراني.

سنوات خلت والمنطقة تتأرجح على الصفيح الساخن، فهي عبارة عن مراجل نار من الممكن ان تلهب انحاء المعمورة دون تحقيق الهدف المقصود، وهو رفع يد إيران المتشعبة في المنطقة العربية، فيوما بعد آخر يتسع النفوذ الإيراني ويمتد الى أكثر من التوقع، وبالتالي تصاب الجهات الأخرى بخيبة الامل، والعجز في أحيانا أخرى.

وعلى وتيرة الخلافات هذه سادت الأوضاع السلبية في الامة العربية، اذ اخذت بعض الأنظمة والدول العربية التقرب من إيران على أساس ديني، وفي المقابل حشدت دول أخرى ضد هذا الاقتراب، على أساس قومي عربي، لخلق كفة توازن الكفة الأخرى، وبذلك استعرت نيران الصدامات ولم تنجو دولة من آثارها على المستويات المتعددة.

والقطاع الأكثر تأثرا هو الاقتصادي، ففي بعض الدول التي اتخذت من إيران حليفا، حدث انهيار كبير لعملتها واضطرت الى تعويمها، لتخلص نفسها من الانهيار الكلي الذي لا ينفعه حتى الكي، وليس بعيد علينا ما يحصل في لبنان منذ أكثر من عام ونصف، وكذلك العراق الذي أقدم على هذه الخطوة مؤخرا.

كما ان الوضع المرتبك في المنطقة ساعد وبشكل كبير على تكبد الأطراف المتنازعة خسائر اقتصادية كبيرة، فمن جهتها السعودية ضاعفت من انفاقها لديمومة الحرب اليمنية، وكذلك إيران سخرت جزء من أموالها، لتمكين الشعب اليمني من مواجهة هجمات التحالف العربي المُشكل للقضاء على الحوثي واتباعه.

ومن الصادم لحكومة الرياض وحلفاءها هو انها لم تحقق شيئا على ارض الواقع، فلا تزال الحرب تستنزف الأموال والارواح والمعدات، وهددت أرواح المدنيين السعوديين، دون التقدم نحو الامام صوب الغرض الأساس الذي اندلعت من اجله الحرب، بل ازدادت الأمور تعقيدا واحراجا لهم امام المجتمع الدولي الذي اعطى الضوء الأخضر للقيام بذلك.

وبعد ان بانت ملامح الحرب وتيقن الطرفان ان لا نتيجة سوى مزيد من الفوضى، تقرر طي الصفحات القديمة وفتح أخرى بعيدة عن التناحر ذو النتائج السلبية، فما تعيشه الأوضاع الدولية من انفلات أمني وتدهور اقتصادي، اجبر الأطراف اللاعبة في المنطقة العربية على التراخي والتنازل بعض الشيء عن الثوابت لرسم خارطة طريق جديدة تنتهي بتفكيك الازمات واقتلاع الخلافات.

التقارب وإيجابياته

من الإيجابيات التي ستجنيها المنطقة إذا كانت النوايا صادقة من قبل الطرفين لأنهاء واحدا من أكثر الملفات تعقيدا، هو الاستقرار الاقتصادي، فأغلب دول المنطقة منتجة للنفط، بالتالي يمكنها من التأثير على السوق العالمية، وتتحكم بالأسعار وكميات العرض والطلب بما يخدم مصالحها التجارية.

ومن المؤكد يندرج ضمن الإيجابيات هو تحقيق الاستقرار الأمني بدرجة كبيرة، فالحاجة من المواجهات العسكرية الدامية تكون قد انتفت، ولا داعي لشن الهجمات، والشروع بالمناورات الاستعراضية للقوة التي تمتلكها الدول المتنازعة حول قضايا لا تستحق كل ذلك التشنج.

أضف الى ذلك نقطة تعد غاية في الأهمية، وهي تشكيل جبهة قوية تواجه التحديات الخارجية القادمة بشكل خاص من الدول الاوربية، فهي الدول الأخيرة أصبحت المتحكم الأول والأخير بمصير الشعوب العربية، وتغليب مصلحة بلدانها على مصلحة المواطن العربي، الذي عاش نتيجة تدخلاتهم ورغباتهم سنين سوداوية.

والاهم من ذلك كله ان حجم الفائدة التي ستجنيها الأقطار العربية من تصفية الحسابات مع حكومة طهران، لا يمكن حصرها، ذلك بسبب سيطرة هذه الدول على اغلب المنافذ البحرية التي تمر من خلالها طرق التجارة العالمية وحركة البضائع الدولية، وبالنتيجة أصبحت المتحكم الرئيس في مصير ومستقبل التجارة في العالم، وهذه الجزئية وحدها قادرة على ارجاع هيبة المنطقة العربية لها وابعادها عن الوصاية الدولية.

محمد بن سلمان لم يطلق هذه التصريحات لو كان يأمن الجانب الأمريكي ومساندته له الى آخر المطاف، فهو يعلم ان لا امان لأمريكا وسياستها تجاه الدول، فحكومة البيت الأبيض تكرس جميع جهودها الدبلوماسية وقوتها المعنوية الى جانب الدول المنتعشة اقتصاديا ومن بينها السعودية، ففي حال أصيب هذا المرفق النفطي بأذى، ستبقى الرياض تقاتل وحدها دون مناصر.

فهو جعل من تلك التصريحات خط الرجعة تحسبا لمثل هذه الظروف في حال حصلت، فمن الممكن ان يلتجأ الى إيران، باعتبارها من القوى العظمى بالمنطقة، والتقرب منها يقلل من حجم الاضرار المتوقعة في المستقبل البعيد وقد يكون قريب لا نعلم.

المنطقة العربية عانت كثيرا من تعنت حكامها وهم المسؤولون عما وصلت اليه من أوضاع متردية، وتدهور كبير في اغلب المرافق، ولعل التقارب بين اقطابها يصب بالمصالحة العامة، لاسيما وان لسان حال الوضع الإقليمي يقول خلصوني من نزاعتكم، وابعدوني عن حروبكم التي اضعفت قواي وجعلتني نحيفا مفتقدا لهيبتي وكبريائي.

ولم نعرف ما بنية الولايات المتحدة فعله بعد هذه الخطوات الجريئة من الطرفين، فربما تشعر بأنها ستفقد جزء يسير من تحكمها بالقرار السعودي، وتعمل على إثارة مكامن الاختلاف العميقة بين الجانبين، الى جانب إيصال رسالة الى المفاوض السعودي بأنها ستسحب يدها مالم تُطاع، وبذلك تحول التقارب الى نذير شر جديد وليس خير متوقع.

اضف تعليق