q
ان إلاصلاح الأمني الاستراتيجي يتحدد من خلال خطوط عريضة أهداف قابلة للتحقيق ومبادرات محددة لمجالات الأمن العام بشكل يضمن ضعف التأثير السياسي عبر توليد الزخم من خلال الإصلاحات التدريجية التي يمكن أن تحفز على المزيد من الجهود الطموحة على المدى الطويل، بل يجب أن يكون...

كشفت الأحداث السياسية والأمنية المعقدة منذ سنوات طويلة عن تدهور الأمن المجتمعي بشكل يثير المخاوف من الحروب وتراجع الديمقراطية والتدخلات الإقليمية والفقر وازدياد الجريمة المنظمة وانتشار المخدرات ونسب الطلاق العالية والنزاعات العشائرية، وكلما أوشكنا أن ننتهي من أزمة سواء تم حلها أم لا ندخل بأزمة أخطر وبالتالي تولد تداعيات دفعت البلد باتجاه المجهول.

التوافق في علاقة السياسي برجل الأمن انعكس بنتيجة سلبية على الأوضاع العامة بسبب تسيس المؤسسة الأمنية ضمن التوافقات الحزبية والسياسية تحمي صاحب المسؤولية من المساءلة أو المحاسبة نتيجة التقصير وهناك شواهد كثيرة عن تلك الانتهاكات. هذه العلاقة وان كانت غامضة للبسطاء من الناس، لكنها بنفس الوقت بدأت تتكشف بشكل واضح للمطلع ويشوبها توافقات كانت على حساب حياة المواطن الذي لازال يعيش أزمات متلاحقة وسريعة اتسمت بالصراعات والفساد والانقسامات دفعتنا نحو ذلك المجهول.

حتى بات البون شاسع في العلاقة بين السلطة والمجتمع ولم تفهم سيكولوجية الجماهير "علم النفس للذات البشرية وهوية الفرد" وبالتالي حصلت فجوة وعدم ثقة بالنظام السياسي والأمني مما دفع المجتمعات أن تلجأ ومن أجل الدفاع عن نفسها حسب المحرضات وتحت مظلة الطائفة والعشيرة والحزب وصولا للمناطقية والمصالح.

من بين المواضيع التي يجب أن تأخذ حيزا كافيا من التخطيط تتعلق بسلطة المؤسسة العسكرية والأمنية وتشريعاتها التي نختصر فكرتها بضرورة وجود دور مستقل من جانب وأهمية الدور الرقابي وصلاحيات السلطات تجاه المؤسسة من جانب آخر، بشكل يضمن عدم التفرد باتخاذ القرارات ومعالجة الاشتباك بين منصبي الرئيس والقائد العام للقوات المسلحة وهو موضوع يطول لكن نتائج عدم مراعاة تلك الخطوة كانت وخيمة على البلد وما وصلنا إليه اليوم من تراجع كبير في الحريات وانعدام الأمن ما هو إلا نتيجة ذلك الاشتباك وعدم وجود تشريعات وتطبيقات للقوانين بشكل يحمي المواطن وأمن البلاد على المدى الطويل.

لذا بات من الضروري أن يكون هناك فصل نسبي بين الجوانب السياسية والإدارية والمؤسسات التنفيذية للدولة وبين المؤسسة الأمنية التي تُتهم بخضوعها للمحسوبية الحزبية والسياسية وكذلك بالفساد.

إن الإصلاح الهادف للقطاع الأمني العام أمر حيوي إذا أرادت الحكومة تجنب ذلك الخراب فهناك عقود من التراخي والفساد وسوء الإدارة أنتج قطاع غير مستدام وغير صالح. إلاصلاح الأمني الاستراتيجي يتحدد من خلال خطوط عريضة وأهداف قابلة للتحقيق ومبادرات محددة لمجالات الأمن العام بشكل يضمن ضعف التأثير السياسي عبر توليد الزخم من خلال الإصلاحات التدريجية التي يمكن أن تحفز على المزيد من الجهود الطموحة على المدى الطويل.

بل يجب أن يكون القطاع الأمني أكثر إنتاجية في حال تحقيق سياسة الأولويات، من خلال إضفاء الطابع الاحترافي على الخدمة العامة وتقديم معايير الأداء لموظفي القطاع الأمني وكذلك تحديد المواهب التي يمكن أن تساند القضية والاستثمار فيها من أجل الإصلاح.

إن أي محاولة لإصلاح ذلك، هي محاولة شاقة. من المحتمل أن تكون هناك مقاومة شديدة من الجهات الفاعلة التي ليست لديها مصلحة في التغيير.

يمكن للعراق الاستفادة من تجارب مماثلة على أقل التقدير في المجالات التقنية والمعرفية، باستطاعتها ان تقدم خارطة طريق لبدء الإصلاحات مع وجود إرادة سياسية. لكن مع فقدان تلك الإرادة السياسية ستكون هناك عواقب ضارة.

يبدو الآن أن الحكومة ستتبنى سياسة الاحتواء المزدوج، لكن مع ذلك لن يكون هذا ممكنا إلا إذا أبدت دعمها وحسن نيتها في دعم المجتمعات. كما ليس من الممكن رفع سقف التوقعات عاليا من الحكومة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي. لكن يجب عليها أن تثبت أنها تولي أهمية كبيرة لمصالح المواطنين وأنها مستعدة لتقديم المساعدة ومواجهة الأزمات وتحقيق الأمن.

وعلى الرغم من أن جهود الإصلاح يجب أن تأخذ وقتا طويلا، إلا أنها مهمة، وكلما أسرعنا في الشروع، زاد حجم فرص إنقاذ البلد قبل فوات الأوان.

*كاتب صحفي وباحث عراقي متخصص في الشأن الأمني

اضف تعليق