q
الانتخابات القادمة ربما ستكون مأزقا للقوى الشيعية، وليس جزء من الحل المرتقب، فالمزاج الشعبي وتحديدا بعد انتفاضة تشرين تغير بصورة غير متوقعة من قبل الطبقة السياسية، بل أحدث صدمة على المستويين المحلي والدولي، فالمظاهرات الأخيرة، افصحت عن حجم الفساد الذي نخر المنظومات العراقية جميعا...

مرسوم رئيس الجمهورية برهم صالح انهى الجدل، وصرح بأن الانتخابات البرلمانية ستجرى في موعدها المحدد، ووضع الجميع امام الاستحقاق القادم، الجمهور والكتل السياسية والحكومية، مع هذا كله، ثمة من يتحدث عن تأجيل للانتخابات، ولأسباب بعضها سياسية واخرى لوجستية.

الانتخابات القادمة ربما ستكون مأزقا للقوى الشيعية، وليس جزء من الحل المرتقب، فالمزاج الشعبي وتحديدا بعد انتفاضة تشرين تغير بصورة غير متوقعة من قبل الطبقة السياسية، بل أحدث صدمة على المستويين المحلي والدولي، فالمظاهرات الأخيرة، افصحت عن حجم الفساد الذي نخر المنظومات العراقية جميعا.

وكشف المستور عما يدور في الكواليس من ظلم وتجاهل لحقوق المواطنين، والانشغال بالمصالح الفردية والابتعاد عن هموم المواطنين، الذين نزلوا للشارع بعد انتظار طويل، خسرهم سنين طوال من رصيد أعمارهم المحدود.

ينتظر ان يثمر من الحراك التشريني، مقاعد في البرلمان، سيما وان الشعب قطع الامل بالحكومة الحالية التي لا تزال لم تتعدى حاجز الإنجازات الوهمية، والورقية، فلا توجد رؤية قائدة، وشجاعة لتطبيق القرارات المتخذة خلال جلسات مجلس الوزراء وغيرها من الإجراءات المتعلقة بقضايا مختلفة.

الانتخابات اخذت ايامها بالاقتراب، بينما المسافة بين الكتل الشيعية تبتعد بصورة مستمرة، فالمشهد الشيعي اليوم يعيش حالة تشظي، ومن الممكن ان تتغير الخارطة في العملية الانتخابية القادمة، فلا تزال سيطرة الكتل السياسية الشيعية على الشارع وتحديدا فئة الشباب بصورة نسبية وليس مطلقة، ما يجعل المعادلة متأرجحة وغير مستقرة في مكان ما.

هنالك عوامل عديدة ساهمت بزيادة المسافة بين النخب السياسية والجمهور، اهمها الإجراءات الأخيرة والمتمثلة بتغيير سعر صرف الدولار، الذي ضاعف الهموم لديهم، فضلا عن الملفات الاقليمية ودور العراق الخجول فيها، مما جعل الكتل السياسية ينتابها الخوف من تكرار عملية المقاطعة التي حصلت مع الانتخابات الماضية وهو ما يهدد فقدانها الشرعية في عيون العالم.

الجمهور العراقي يدرك اهمية هذه الانتخابات، كونها سترسم الخارطة لأربع سنوات قادمة، مع تنامي دور الحركات البعيدة عن الاجواء الدينية، فركوب الشراع الديني والوصول به الى الفضاء الذي تسعى المكوث فيه طويلا بات مسألة مكشوفة لدى الكثير وهو ما يمثل نقطة ضغط على الاحزاب السياسية.

وتماشيا مع متطلبات المرحلة القادمة اخذت بعض القوى السياسية تمارس اداور متعددة، وتلبس أكثر من ثوب حسبما تتطلبه للخروج من تقوقعها، فنجدها تارة تنادي بالدين، وتزعم انها تمثل الوجهة الدينية في العملية السياسية، وتارة اخرى تسير بالطريق المدني او تريد ان تدعم المدنية في سلوكها وترسخها بالمجتمع، عبر إقامة المؤتمرات الداعية الى الحداثة ومواكبة العصرية، وهنا حدث التناقض الكبير في الرؤية والاهداف التي تريد تحقيقها.

ان ما يعيب على الاحزاب السياسية القائمة انها لا تتبع برامج موضوعة تخدم المواطنين وتعمل على تطبيقها، بل تتبع لسلطة الرئيس وما يملكه من قدرات في التعامل والتحاور مع الكتل السياسية الأخرى، أضف الى ذلك فالتنافس بينها قائم على تسقيط الأشخاص وليس انتقاد البرامج الانتخابية، وهذا يقود بالنهاية الى فشل كلي وعدم تحقيق منجز يذكر.

كما ان من دواعي التراجع في مؤسسات الدولة هو عدم وجود طبقة حزبية فاعلة ومضحية، قادرة على التعامل مع الجماهير، اذ تحولت القيادات في البلد الى ادارات نفعية مستثمرة الوضع الاستثنائي الذي تعيشه التجربة السياسية الفتية في العراق.

لذا يعقد الامل على الانتخابات القادمة التي من المفترض ان تكون خط الصد الأول لمنع المنتفعين من الوصول الى السلطة، والعمل على تعزيز الثقة المفقودة بين المواطن والطبقة الحاكمة من جهة، وبين الزعماء السياسيين من جهة أخرى، فالمرحلة القادمة تعد من أكثر المراحل خطورة وتعقيدا واهمية، فجميع الجهات تريد إثبات نفسها، والكل يراهن على وعي الناخب.

في وضع مثل العراق نحتاج الى حكومة تحمل صبغة اجتماعية أكثر من كونها دينية او علمانية، حكومة هممها الأول والأخير هو تقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين والنظر باحتياجاتهم بعيدا عن الانتماء الديني او المذهبي، وهو ما نحتاجه في الوقت الراهن.

ولكي تكون الانتخابات مثلما دعى اليها الشعب يجب ان تحظى برقابة اممية تكون بمثابة العامل التقويمي الإيجابي، الذي يخدم العلمية الانتخابية، ويصبح مصدر اطمئنان للقوى السياسية والشعب بصورة خاصة.

الفشل الحكومي الذي حل منذ عام 2003 الى اليوم إذا أردنا إيقافه، يتطلب من الكتل السياسية الاحتكام الى الشارع، وتبني وجهات نظر جماهيرية لكسب الرضى الشعبي، والانتفاع من المخرجات التشرينية التي أظهرت حجم الرفض الشعبي للعملية السياسية برمتها، وأخيرا تحتاج الكتل أيضا لتعديل خطابها وسياستها ومن رموزها الذين احترقت اوراقهم داخليا والبحث عن بدلاء ناجحين يغيرون النتائج ويكسبون الوقت قبل فواته.

اضف تعليق