q
يحيي الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل والشتات، الذكرى السنوية الخامسة والأربعين ليوم الأرض، وسط آلة استيطانية شرهة تلتهم وتهود وتخنق وتزنق وتشرد وتغتال، آلة تمثل رأس حربة لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيته، ويمثل جدار الفصل العنصري واحداً من ذيولها المتعددة ليتغول بهدف طرد أصحاب الأرض الأصليين، وزنقهم في...

يحيي الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل والشتات، الذكرى السنوية الخامسة والأربعين ليوم الأرض، وسط آلة استيطانية شرهة تلتهم وتهود وتخنق وتزنق وتشرد وتغتال، آلة تمثل رأس حربة لتصفية الشعب الفلسطيني وقضيته، ويمثل جدار الفصل العنصري واحداً من ذيولها المتعددة ليتغول بهدف طرد أصحاب الأرض الأصليين، وزنقهم في مساحات ضيقة ليقضوا اختناقًاً.

فذكرى ''يوم الأرض'' تكتسب بعداً مختلفاً عند (اللاجئين) الفلسطينيين في مخيمات الوطن والشتات بما تجسده من معاني النضال والتشبث بالأرض وحق العودة. وبما تمثله من ذكريات الحب والحنين بين الأرض وصاحبها، تلك الأرض التي طالما اشتاقت لحبات العرق من جبين من حرثوها وغرسوها طوال سني عمرهم، يرتبط (اللاجئون) بين سنوات لجوئهم الممتدة عبر ستين عاماً كنتاج للتهجير القسري من ديارهم وأراضيهم عام 1948، وهبّة الثلاثين من آذار عام 1976 التي تصادف ذكراها هذه الأيام كامتداد للعدوان الممنهج وكعنوان بارز لنضال الشعب الفلسطيني بخاصة والعربي بعامة وتمسكه بوطنه وأرضه. ولقد جرى العديد من المحاولات الإسرائيلية لتوطين المهجرين الفلسطينيين في أماكن لجوئهم حيث بدأ الاحتلال بعد حرب 1967، في طرح مشروعات توطين (اللاجئين) المهجرين من أراضيهم، وذلك لأنه يعدّ أن عودة (اللاجئين) المهجرين إلى أراضيهم التي اغتصبت سنة 1948 تهدد كينونته وأمنه وعدّه مشروعات التوطين حلاً لمشكلة الأمن الإسرائيلي.

اليوم، وبعد 45 عاماً، على ذلك اليوم الخالد في النضال الوطني الفلسطيني، جرت مياه كثيرة وسالت دماء غزيرة وشهدت المنطقة أحداثاً جساماً، تجعل من الضروري والهام الوقوف على واقع القضية الفلسطينية والكشف عما حدث فيها من أخطاء، وتصويب مجرى النضال الوطني الفلسطيني، بما يتناسب والتحديات التي يواجهها الواقع الفلسطيني، والذي أدى إلى تراجع القضية الوطنية الفلسطينية على غير صعيد، ما يتطلب مراجعة نقدية جريئة إلى كل ما آلت إليه القضية الفلسطينية، حيث زاد من صعاب ما تتعرض له الواقع العربي المتراجع ومتاهاته، وقبل أن يفرض على الشعب الفلسطيني اتفاقيات جديدة أكثر خطورة من اتفاقية أوسلو وملحقاتها، في ضوء تصاعد سياسات القتل الإسرائيلية، وانفلات إجراءات الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت، والخطر المحدق بالقدس، من خلال طرد سكانها وإحاطتها بالعديد من المستوطنات، في محاولة محمومة لخلق وقائع جيو سياسية على الأرض، والوقائع والمعطيات الإسرائيلية ـ الأمريكية تشير إلى ذلك بوضوح.

ولتقريب الصورة أكثر، لا بد من الربط بين الدور الذي لعبته إدارة الرئيس الأمريكي السابق رولاند ترامب، والدور الحالي الذي تلعبه إدارة الرئيس بايدن حول ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث ملأت إدارة الأول الفضاء ضجيجاً وفرقعات إعلامية بأنها على أعتاب فتح مبين ينهي الصراع ويرسي السلام الشامل!، وذلك حين أعلنت عن خطة ''صفقة القرن" والهدف كله من هذه الصفقة اللعينة، كان التثبيت والفرض، تثبيت كيان الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية كلها، بالعسكرة والاستيطان والاقتصاد والسياسة... وفرضه إقليمياً بصورة مُعلنة، أي رسمية، عبر اتفاقات التطبيع.

فقط "تنفيذ الضم" من بين بنود "صفقة القرن"، بقي قيد التأجيل، أو كما يُقال لم يُسعف الوقت إدارة ترامب لتحقيقه في الولاية الأولى فتم تأجيله إلى الولاية الثانية التي لم تتحقق... لتأتي إدارة جو بايدن التي تقول بأنها ستتبع سياسات "مختلفة" "تنصف" الفلسطينيين عبر إعادتهم إلى موقع "الطرف" وليس "الملحق" كما عاملتهم إدارة ترامب، أي أن يتم التعامل مع طرفين، فلسطيني وإسرائيلي، وليس الإسرائيلي فقط... لكن المقدمات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تشي بالتفاؤل خصوصاً مع تبني إدارة بايدن أغلب سياسات ترامب تجاه الفلسطينيين، أما ما تقوله هذه الإدارة عن معارضتها للاستيطان ولضم الضفة الغربية، فهو حتى الآن لا يعدو كونه كلاماً، فإدارة بايدن ثبتت أخطر قرارات ترامب حول القدس المحتلة، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وهي تتحدث بشكل متواصل عن معارضتها للاستيطان والضم، لكن الاستيطان مستمر، والضم قد تتخذه إسرائيل في أي وقت، يُضاف إلى ما سبق - وفي إطار الرسالة الإسرائيلية - أن عدة مسؤولين في إدارة بايدن أعلنوا أن "الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ليس من ضمن أولوياتها (الأربعة الأولى على الأقل) والتي تتركز في السيطرة على كورونا، ومواجهة التغيرات المناخية، وتحقيق العدالة العرقية، وإعادة بناء الطبقة الوسطى.

ولذلك، وفي ظل هذا الراهن المعيب والمؤلم يبقى الأسف تعبيراً غير قابل للصرف المعنوي، وندب الحظ على مواقف بعض الوسطاء الدوليين في الصراع العربي ـ الإسرائيلي من تبنيهم في خطابهم السياسي المواقف الإسرائيلية، بل والتدخل لدعم التوجهات الإسرائيلية التي غالباً ما تتخذ لتغيير هوية الأراضي والمدن الواقعة تحت الاحتلال والمحاولات التي تستهدف القدس المحتلة الآن بتغيير هويتها الفلسطينية (العربية والإسلامية) هي أبلغ الشواهد على ذلك، حيث يكرس كيان الاحتلال الإسرائيلي احتلاله المدينة المقدسة، وإعلانها عاصمة أبدية له وتدنيس المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهدم أساساته، وتوالي هذا التدنيس وسط حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي وتحت مسمع ومرأى المتاجرين بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني.

يوم الأرض، يوم انتفاضة الدماء لحماية أرض الأجداد، وفي هذه الأيام يتصدى المواطنون الفلسطينيون لاعتداءات قطعان المستوطنين المستمرين في عدوانهم الظالم والاستيطان المستشري في الضفة الغربية والقدس المحتلتين... يوم الأرض هو يوم الحقوق الثابتة غير القابلة للتفاوض، وهو يوم الهوية، وحق الفلسطيني بالتحرر الوطني، وتقرير المصير بالإرادة الوطنية الخالصة، وهو يوم يجب أن يتم فيه تجديد الذاكرة العربية، التي أخذتها سياسات المتآمرين على قضية العرب الأولى فلسطين إلى فضاءات تعطي فيها كيان العنصرية والاستيطان الفرص الكافية للمزيد من الاستيطان والتهويد وضم الأراضي، دون أي مقاومة بحجة عدوٍ آخر صار أكثر خطورة على حياة العرب ومستقبلهم من الصهاينة والغزاة ومشاريعهم الشرق ـ أوسطية التفتيتية للأمة العربية جغرافياً وتاريخاً.

نعم يدخل يوم الأرض في هذا العام إلى فضاءات التحول العربي المريبة التي لم تعد جادّة في تذكرِ فلسطين، والأراضي التي تحتلها إسرائيل. لا تذكّر القدس وهدم المسجد الأقصى المزمع، ولا التهويد وإقامة الدولة اليهودية مع حرمان الفلسطينيين من دولتهم الوطنية اللازمة أسوة بشعوب الأرض، وكل الذي تصر على تذكره هو حقوق الإنسان العربي في نظامه العربي، وكذبة الديمقراطية المبحوث عنها والحرية، والربيع العربي الذي حصل من أولى مهامه هدم الدولة الوطنية العربية، وإدخال العرب في أجواء الانقسامات الداخلية، والحروب الأهلية، وتجريف ثرواتهم في خضم ذلك.‏

هذه هي ـ مع الأسف ـ أجواء العرب الراهنة، فهم قد أدخلوا منذ بداية 2011 إلى فضاءات تم تصويرها بأنها فضاءات تجديد النظم العربية، والتوجه نحو أهداف الأمة في التحرر الوطني، والقومي، والإنساني، ولكن ما حصل الآن على ضوء ربيع تونس، ومصر، واليمن، وليبيا وسورية، هو أن نزاعات داخلية حول تركيب النظم الجديدة لن تؤدي إلى التوافقات على تركيبها، بل الظاهر أن النزاعات المسلحة من ليبيا حتى اليمن تنذر بما نبّهت إليه القوى العربية غير المرتبطة بالمخطط الصهيوـ أمريكي حين نبهت من أخذ مسألة الربيع حجة لنسف الجغرافية الراهنة للعرب، جغرافية سايكس ـ بيكو، واستبدالها بكيانات قبلية، وطائفية، وعرقية، ودينية، لن تعود معها وحدة الأمة الجيو ـ تاريخية لأكثر من قرون من الزمان وستكون أكثر خطورة من سايكس ـ بيكو.‏

خلاصة الكلام: اليوم نحن أحوج ما نكون ليوم للأرض، يوم للوطن في كل بلداننا العربية، وليس في فلسطين فقط، لأن رياح الانقسام والتشرذم وتفتت الأرض وضياعها، تعصف بنا جميعاً، والمأساة أنها رياح عربية بتنا مع استمرار عصفها بنا نخجل أمام فلسطين وقدس أقداسها، فما عسانا نقول لها في ذكرى أرضها المقدسة المحتلة.

كاتب صحافي من المغرب*

.....................................................................................................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق