q
الخسائر التي لحقت بالعراق والأموال المهدورة جعلت منه بلدا لا يتحمل مزيدا من المجاملات، فهو اليوم بحاجة لمن يُنجيه من غرقه لا من يضع ثقلا في قدمه ليغطس أكثر وتزهق روحه امام مسمع ومرأى الشركاء بالعملية السياسية الذين احترفوا توظيف الملفات للحصول على مزيد من المكتسبات...

أضاف العراق اعجوبة ثامنة الى عجائب الدنيا السبع، هذه الاعجوبة هي بلوغنا العام 2021 ولا زلنا نعمل وفق موازنة عام 2019، حيث كانت آخر الموازنات التي وضعتها حكومة عادل عبد المهدي آنذاك وصوت عليها مجلس النواب الحالي.

الموازنة الاتحادية كانت ولا زالت موضع نقاش وجدل عميق بين الكتل السياسية بصورة عامة، لكن الخلاف الجوهري عادة ما يكون بين كتل الأغلبية الحاكمة، (الشيعية)، وحكومة إقليم كردستان التي لا ترى الا مصلحتها وما يكمن الحصول عليه من غنائم من قبل الحكومة الاتحادية.

اسُ الخلافات بين المركز والاقليم هو تسليم الإيرادات الكبيرة والتي يحصل عليها الإقليم عبر منافذه الحدودية، مضاف اليها موارد بيع النفط الخام من الحقول النفطية المستولي عليها منذ سنوات، وتحكم بمواردها دون الرجوع الى المركز واحترام المعاهدات الداخلية.

وفي كانون الأول الماضي، توصلت بغداد وإقليم كردستان إلى اتفاق بشأن الموازنة المالية، ينص على تسليم الإقليم كمية 250 ألف برميل نفط يوميا، ونصف إيرادات المعابر الحدودية وغيرها إلى الحكومة الاتحادية، مقابل حصة في الموازنة تبلغ 12.6%.

لكن وفي مثل المرات السابقة لم يلتزم الإقليم بهذه المقررات وتعود الأمور أكثر تعقيدا، وتشهد بغداد قدوم وفود تفاوض كردية تمكث فيها دون التواصل الى حل يخدم القضية ويعطي حلول جذرية لمشكلة قائمة منذ سنوات، بسبب الحلول الترقيعية والمرحلية التي يعمد اليها من يتسلم زمام الأمور.

حكومة الإقليم تراوغ كثيرا للتملص من دفع الاستحقاقات التي بذمتها، وتحاول بين الحين والآخر كسب ود الجمهور الداخلي، وتزيد سخطه على حكومة المركز، ولا ننسى ما قامت به من حملة إعلامية تسقيطية خلال فترة حكم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي الذي قطع اغلب مخصصات الإقليم مقابل الوفاء بما لديهم من أموال لصالح حكومة المركز، ونجحت الى حد ما في تحقيق هذا الغرض وصار ينظر الى بغداد على انها السبب بما يمر به الإقليم من مأساة على جميع المستويات.

حكومة كردستان تطالب بزيادة مخصصاتها دون وجهة حق، لاسيما وإن واحداً من أسباب زيادة حصتها هو الحساب غير الصحيح لإجمالي النفقات الاتحادية التي تطرح قيمتها من مجمل الإنفاق ثم تستخرج نسبة حصة الإقليم، ومن بين النفقات ذات الطبيعة الاتحادية، ولم تحتسب ضمن النفقات السيادية في موازنة 2021، نفقات قطاع الأمن والدفاع (27,6 تريليون دينار)، بجميع مؤسساته، لأن طبيعة ملف الأمن وإدارته اتحادية.

كما ان قطاع الطاقة البالغ 33,3 تريليون دينار، لم يصنف من نفقاته إلا تكاليف عقود جولات التراخيص، ولم تحتسب بقية نفقات وزارة النفط ضمن السيادية، إذ لم تُذكر وزارة النفط ضمن تلك العناوين، وكذلك لم تحتسب نفقات برنامج صندوق الإعمار البالغة 195 مليار دينار ضمن النفقات الاتحادية (السيادية).

ويندرج ضمن القائمة التي لم تحسب، رواتب ومكافآت التقاعد العسكري البالغة 6,7 تريليونات دينار ضمن النفقات الاتحادية، على الرغم من أن عنوان الاتحادية ينطبق عليها، واغفلت أيضا نفقات وزارة النقل البالغة 636 مليار دينار ضمن النفقات الاتحادية، رغم وضوح وصف الاتحادي لوظائفها ومؤسساتها ومنها الموانئ.

يتضح مما تقدم أن عدم احتساب هذه النفقات ضمن الاتحادية (السيادية) يؤدي إلى زيادة حصة الإقليم من إجمالي الموازنة العامة، بينما لو تم احتساب هذه النفقات ضمن عنوان السيادية (الاتحادية)، لنتج من ذلك تخفيض موازنة كردستان عما يذكر في موازنة 2021.

بعيدا عن الخلافات بين المركز والاقليم، هنالك بعض النقاط تستحق الوقوف عندها، أولها ان الموازنة الاتحادية تم احتسابها عندما كان سعر برميل النفط 42 دولار، بينما أسعار النفط اخذت بالارتفاع وتتراوح في الوقت الحالي ما بين 63 و67 دولار للبرميل الواحد، هذا الاختلاف بالسعر بالتأكيد سينتج عنه زيادة بالأموال المتحصلة لصالح الحكومة الاتحادية ولا يعلم أحد من المواطنين اين يختفي هذا الفارق.

كما وحققت النفقات الحكومية قفزة كبيرة في مشروع موازنة 2021 بشكل شاهق لا يناسب الموارد المالية ولا اتجاهات الضبط والترشيد المزعومة في الورقة البيضاء، فقد بلغ اجمالي النفقات (164) ترليون دينار بزيادة قدرها (227%) عن نفقات عام 2020، و(23%) عن نفقات عام 2019.

وبلغت النفقات الجارية 136 ترليون، وبنسبة (83% من اجمالي الانفاق) وبزيادة قدرها (36%) عن موازنة 2019، بضمنها اقساط الدين والفوائد وبما يقارب (15) ترليون دينار.

في حين بلغت النفقات الاستثمارية (27.75) ترليون وبنسبة (17%) من اجمالي الانفاق وتقل عن موازنة 2019 بنسبة (19%)، وبالمقارنة مع عام 2019 يلاحظ ان الزيادة في حجم النفقات عام 2021 كانت لصالح الانفاق الجاري مرتين، الاولى من خلال زيادة حجم الموازنة، والثانية من خلال خفض النفقات الاستثمارية.

الإخفاقات المتكررة التي وقعت بها الحكومات السابقة، لم تقم الحكومة الحالية بمعالجتها، والشيء المخيف جدا هو دخول المكاسب والمزايدات السياسية على الخط دون مراعاة المصلحة العامة للبلد، فمن الممكن ان تقوم حكومة الكاظمي بترطيب الأجواء وإعطاء وعود واهية فاقدة للمصداقية والحقيقة للإقليم مقابل حصولها على التأييد الكردي في الانتخابات القادمة.

الخسائر التي لحقت بالعراق والأموال المهدورة جعلت منه بلدا لا يتحمل مزيدا من المجاملات، فهو اليوم بحاجة لمن يُنجيه من غرقه لا من يضع ثقلا في قدمه ليغطس أكثر وتزهق روحه امام مسمع ومرأى الشركاء بالعملية السياسية الذين احترفوا توظيف الملفات للحصول على مزيد من المكتسبات.

اضف تعليق