q
يظهر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مبتسما في اغلب الخطابات امام الشعب للتعبير عن مشروعه السياسي الذي قطعه على نفسه عندما شرع بحملته الانتخابية ضد منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، هذه الابتسامة لم تعبر بالضرورة عن ارتياح بايدن لما توصل اليه وحصد مقاعد مكنته من التفوق على غريمه...

يظهر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن مبتسما في اغلب الخطابات امام الشعب للتعبير عن مشروعه السياسي الذي قطعه على نفسه عندما شرع بحملته الانتخابية ضد منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب.

هذه الابتسامة لم تعبر بالضرورة عن ارتياح بايدن لما توصل اليه وحصد مقاعد مكنته من التفوق على غريمه التقليدي والذي اوقد نيران المواجهة بتصريحاته النارية، بل ربما تعطي إشارة على مدى الحيرة التي تواجهه بالتعامل مع ملفات الشرق الأوسط الجديدة من بينها إيران وتطوير برنامجها النووي وعلاقة الولايات المتحدة بالدول العربية وملفات أخرى مهمة.

بدأ الرئيس الجديد رحلته الرئاسية الشاقة ولم ينتظر انتهاء شهر العسل السياسي، اذ يسود مناخ داخلي محموم في البيت الأبيض بين المتنازعين على السلطة عقب النتائج التي حرمت ترامب من تولي ولاية جديدة عكس ما كان يطمح اليه قبيل الانتخابات.

نعم امام بايدن مهمة يمكن ان نصفها غاية في الصعوبة، نتيجة للتركة الثقيلة التي خلفها الرئيس الجمهوري، اذ لا تزال في طليعة الأمور التي يسعى لتسويتها هو الملف النووي ومسألة العودة للتفاوض، وعليه والحذر من الوقوع بالأخطاء السابقة.

يوجد من يعتقد بصعوبة العودة للاتفاق النووي بهذه السرعة، لان إيران تريد هذه المرة الحصول على المزيد من المكاسب طمعا بما لمح له بايدن خلال الحملة الانتخابية، بينما يتخوف الديمقراطيين من ان تكون هذه الولاية امتداد لحقبة أوباما التي ازدهر فيها الملف النووي الإيراني وارتفعت نسب تخصيب اليورانيوم.

يوم بعد آخر يزداد المشهد تعقيدا ولم نستطع التنبؤ بما سيحدث بين المتخاصمين، وليس الخلل هنا بالرؤية التحليلية، وإنما طبيعة العلاقة بين البلدين (الولايات المتحدة وايران)، لم تستقر لفصل معين وتتسم بالتذبذب حسب المرحلة والحاجة.

بهذه المرحلة اشد ما يحتاج اليه بايدن هو لملمة شتات البيت الأمريكي وتصفية الحسابات الداخلية، لتهيئة أرضية رصينة ومن ثم التوجه الى الخارج وشن الحرب على الخصوم دون الانتظار طويلا، فالوقت بالنسبة له من اهم الضروريات الواجب مراعاتها لضمان البقاء بالمنصب او تجديد الولاية.

تحقيق هذه الغاية لم يكن يسير مالم يعود بايدن لمصافحة البلدان الاوربية واشراكهم وإعطاءهم الى جانب الحلفاء العرب الدور بشكل مباشر في علمية التفاوض وإقناع حكومة طهران بأن الخلافات لا تجعل القضية تتقدم خطوة واحدة وبالتالي تزداد الأوضاع تفاقما.

في هذا الوقت تقول حكومة طهران "لا تفاوض على الملف النووي"، شعورا منها بالفسحة التي منحها لها الخروج من الاتفاق، اذ قامت بزيادة نسب التخصيب، وتنفس برنامجها الصعداء، فهي اليوم ترفض التفاوض من اجل التوصل لاتفاق حول الصواريخ البالستية والنفوذ بالمنطقة العربية.

وبخصوص ذلك يقول الأدميرال علي شمخاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي يطالب أميركا، "لا فقط بإلغاء شامل ونهائي للعقوبات كخيار وحيد لعودتها إلى الاتفاق، بل أيضاً بتعويضات مالية عن العقوبات والاعتذار عن مغادرة إدارة ترامب للاتفاق وإدانة اغتيال سليماني".

الغريب في الموقف ان ايران وضعت امامها تحدي خسارة ترامب وصعود بايدن، بينما لمحت بوضع العصى بعجلة التقدم، وليس من المفاجآت قول روحاني أن "نهاية ترامب إحدى علامات انتصار ايران".

ويبقى الملف الأول والذي يستولي على اهتمامات أمريكا السياسية هو العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ذلك نتيجة الخوف من استثمار العودة لتنمية قدراتها الاقتصادية، ويبدو ان فريق التشاور الخاص بالشؤون الخارجية مصمم على العودة لإطلاق مسيرة العودة السريعة لبنود الاتفاق بعد إعادة هيكلتها بما يخدم المصلحة الامريكية.

الفريق الذي كلفه بايدن بتولي امر العودة السريعة للاتفاق يدرك جيدا مدى السخط الداخلي الذي يحمله الشعب الأمريكي إزاء الحكومة الإيرانية، وبالنتيجة فان هنالك احتمالية كبيرة ان أي عودة متوقعة ستلاقي معارضة شديدة على الأقل في الوقت الحالي.

ولم تكن الاعتراضات الداخلية وحدها حجرة الصد بالنسبة لمشروع او نية بايدن، فهنالك قوى دولية وإقليمية لا تريد حوث ذلك، وستضم صوتها الى جانب الصوت الداخلي الأمريكي وتضاعف الضغط عليه من اجل تشديد الضغط على إيران لتتراجع نسبيا عن برنامجها الذي يسبب قلقا كبيرا بالنسبة لدول كثيرة.

لذا ستقوم الإدارة الجديدة للبيت الأبيض بتأجيل اغلب الملفات التي تتسم بالسخونة والتعقيد وترحيلها الى وقت آخر ما يعني أن واشنطن الجديدة ستخفف من الخناق على النظام الايراني، ولكنها ستأخذ وقتها الكافي لإيجاد انسب الحلول بما يتعلق بالملفات الشائكة، منها العلاقة بين إيران والدول العربية التي تتسم بالتأزم وتصاعد حدة الخلافات نتيجة التدخلات بالمنطقة.

بايدن لن ينسف ما بناه ترامب خلال سنواته الأربع، لكنه سيعود الى الاساسات التي بناها أوباما دون الحاجة الى العودة الى إقامة مباحثات تأسيسية أخرى، وطلب موافقة المجتمع الدولي مجددا، لكن كل ما يحتاجه هو وضع خطة قابلة للتنفيذ وفق المعطيات والمستجدات التي شهدها المشهد السياسي على مستوى العالم.

اضف تعليق