q
يبقى الميدان العراقي هو ساحة الصراع المفضلة لدى الطرفين الإيراني والأميركي لامتلاكهما نقاط القوة اللازمة لإشعال الحرب فيما لو اريد لها أن تشتعل، إيران تتمتع بمزايا جغرافية بحدودها الشاسعة مع بلاد الرافدين، ما يسهل عليها ضرب المصالح الأميركية وهو ما فعلته بكل سهولة عند قيامها بالضربة الصاروخية على قاعدة عين الاسد واربيل...

تعرضت السفارة الأميركية في بغداد إلى أكبر هجوم من نوعه منذ عام 2010، إذ أطلقت جماعات مجهولة 21 صاروخًا لم يتسبب أي صاروخ منها في وقوع إصابات أو ضحايا أميركيين، لكنه الحق أضراراً بمنشآت مجمع السفارة وبعض المباني المدنية القريبة منها.

ووصول الصواريخ إلى مبنى السفارة يكشف أن مضادات الصواريخ المنصوبة على مبنى السفارة غير فعالة، ولا تستطيع مواجهة هجوم واسع النطاق، وهو ما يفسر حجم الغضب الأميركي من الهجوم الاخير الذي أتهمت فيه إيران وحلفائها من الجماعات المسلحة العراقية.

ولأن التوقيت حساس وغير قابل للأخطاء البسيطة فقد جاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اسماعيل قاآني إلى العاصمة العراقية بغداد ليعلن براءة بلاده من الهجمات الصاروخية العنيفة، ليغلق الطريق أمام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حال تفكيره بتنفيذ ضربات صاروخية ضد المنشآت النووية لبلاده أو لتدمير البنى التحتية للصناعات النفطية بحجة تهديد مصالح واشنطن في بغداد.

القيادة المركزية الأمريكية، لم تعطي معلومات قاطعة حول الجهة المنفذة للهجوم ما يوفر هامشاً كبيراً لتصريحات قاآني النافية لصلة طهران بصواريخ الأحد، إذ قالت إن الهجوم الصاروخي الأخير "تم تنفيذه بشكل شبه مؤكد من قبل ميليشيا مارقة مدعومة من إيران".

وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، ويليام أوربان، في بيان، إن هجوم يوم الأحد ذي الـ21 صاروخاً كان أكبر هجوم صاروخي على المنطقة الخضراء منذ 2010.

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فقد قيادة قواته المركزية بخطاب مستقبلي حمل فيه إيران مسبقاً في حال شن هجوم يتسبب بمقتل أميركيين في العراق، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بضربة أميركية في قرب مطار بغداد.

وتبدو مخاوف ترامب واضحة من وجود نية لدى إيران أو حلفائها باستهداف مصالح بلاده بالعراق مع حلول الذكرى الأولى لاغتيال سليماني والمهندس، وهذا ما دفع مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين، لتحذير إيران من استهداف الأميركيين بالشرق الأوسط، وشدد في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" أن إيران ستتحمل مسؤولية مقتل أي أميركي في المنطقة.

الخطاب الإيراني

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وصف تهديدات ترامب لبلاده بالمتهورة والخطرة، وقال إنه (ترامب) سيتحمل مسؤولية أي أخطاء غير محسوبة. مؤكداً أن أي مغامرة عسكرية لترامب في المنطقة ستجر تداعيات واسعة، وتكلف الولايات المتحدة الكثير.

وكتب ظريف في تغريدة عبر تويتر "تعريض مواطنيك للخطر في الخارج لن يصرف الانتباه عن الإخفاقات الكارثية في الداخل". وأرفق ظريف صورة لتغريدات ترامب منشورة قبل أعوام يقول فيها إن الرئيس السابق باراك أوباما كان سيبدأ حربا مع إيران لتتم إعادة انتخابه، وصورة شاشة لرسم بياني يفترض أنه يكشف درجة خطورة جائحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة.

ميدان الصراع

هذه الضجة والتهديدات والوعيد المتبادل سببه واضح، وهو اقتراب حلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بطائرة مسيرة اميركية يوم الثالث من كانون الثاني عام 2020، مع رفيقه نائب قائد هيأة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، ما أثار المخاوف العالمية والإقليمية من ردٍ إيراني قوي، لكن ذلك لم اختصرته طهران بشن هجوم صاروخي استهدف قاعدة عين الاسد الأميركية في محافظة الأنبار وقاعدة أخرى في اربيل.

ومن يتابع الصراع الإيراني الأميركي يلاحظ أنه تحول من المجال الدولي ثم الإقليمي، وهو ينحسر الآن في العراق، ففي سوريا انخفضت المواجهات بين واشنطن وطهران إلى حد كبير، ويتضح ذلك لأن إسرائيل هي التي تبنت مهمة التصدي للمصالح الإيرانية هناك.

أما في اليمن فلا يمكن لواشنطن أن تلعب أكثر مما تلعبه الآن عبر دعم القوات السعودية التي تحارب تحت مسمى التحالف العربي، ولم تستطع تحقيق انتصار عسكري ضد حلفاء إيران حتى الآن.

ويبقى الميدان العراقي هو ساحة الصراع المفضلة لدى الطرفين الإيراني والأميركي لامتلاكهما نقاط القوة اللازمة لإشعال الحرب فيما لو اريد لها أن تشتعل، إيران تتمتع بمزايا جغرافية بحدودها الشاسعة مع بلاد الرافدين، ما يسهل عليها ضرب المصالح الأميركية وهو ما فعلته بكل سهولة عند قيامها بالضربة الصاروخية على قاعدة عين الاسد واربيل.

كما تملك طهران خلطة واسعة من الفصائل المسلحة الموالية لها، ما يوفر لها حرية الرد، وبمستويات متعددة، فهناك فصائل رئيسية ومعروفة لا تستخدمها إلا في صراعاتها السياسية رغم امتلاكها القوة المسلحة، وأخرى غير معروفة بتسمياتها المتقلبة، ما يعطي طهران هامشاً من حرية الإنكار في حال اشتعال الغضب الأميركي ضدها.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فإن سبب اختيارها للعراق يأتي من شعورها بالحقوق المكتسبة من غزوها لهذا البلد، واعتقاد اغلب المسؤولين فيها بأنهم يجب أن يكسبوا المزيد من العراق الذي خسروا بسبب تدخلهم فيه حوالي ثلاثة ترليونات دولار.

المسؤولون الأميركيون يشعرون أنهم اصحاب الولاية والوصاية على العراق، بينما ترى طهران أنها صاحبة الوصاية التاريخية والعقائدية وهو ما كلفها حروباً ضد العثمانيين استمرت لسنوات، ومن تحمل حروب العثمانيين يرى من الصعب تخليه عن العراق لدولة حديثة العهد مثل الولايات المتحدة الأميركية.

لكن رغم كل الترسبات التاريخية لدى طهران ووجود عشرات الفصائل المسلحة المتحالفة معها في العراق مناسبة اغتيال أهم قادتها العسكريين الذي قد يبرر قيامها بالضربات العسكرية إلا أنها الأبعد عن القيام بهجوم حقيقي وساحق ضد المصالح الأميركية كما تتوعد بشكل دائم.

اضف تعليق