q
ورغم دخول الضواغط الاجتماعية وتصاعد الخطاب الوطني الشعبي الداعي إلى طي صفحة الاصطفافات السياسية على أسس مكوناتية والمحاذير القانونية الرافضة إلى ذلك إلا أن الكتل السياسية تحتال في ذلك على القانون مرة، وتحاول أن تستخدم الشعارات بخلاف ذلك في وجه منتقديها، أو تتبجح في ما تسميه...

تعد الانتخابات في كل الأنظمة الديمقراطية وسيلة قانونية حقيقية ومشروعة في التعبير عن الحراك السياسي والشعبي، الراغب في التمثيل في السلطة السياسية سواء كانت الانتخابات رئاسية أو برلمانية، والأخيرة حالة نمط نظام الحكم في العراق بعد التغيير بموجب الدستور النافذ.

ومع أن الانتخابات بما تعنيه سلوك سياسي وفكري وطني، يختلط فيه النخبوي بالاجتماعي والجماهيري، حيث تتطور كتجربة سياسية مع مرور السنين مع بقاء ثابت الحاجة الاجتماعية والمصالح الوطنية قبل كل انتخابات، لكن يبدو أن البلدان التي عاشت الاستبداد أو الاستعمار، أو سيطرت عليها الفوضى، وتعيش الحياة الديمقراطية حاليا، تعاني من الهشاشة في البنية الاجتماعية والسياسية، وغياب البرامج والخطط الستراتيجية، فهي لا تزال تتعثر في تثبيت فلسفة الدولة الديمقراطية وقيمها، القائمة على سيادة القانون، وأسس المواطنة، وحقوق الإنسان، وتكافؤ الفرص.

في الحالة العراقية نجد أن الدستور ينص على الانتخابات، وهذه الانتخابات تنظم بقانون يشرع قبل كل دورة انتخابية من قبل مجلس النواب، لكن هناك حالة من العرف الشاذ -إن صح لنا أن نسميه- من خلال سلوك وعرف سياسي، ظلت الأحزاب والكتل السياسية النافذة من جميع المكونات والأعراق ترتكز عليه، فيبدأ هذا العرف من الأشهر القليلة قبل إجراء الانتخابات ثم ينتقل إلى مرحلة تشكيل الحكومة وتوزيع الدرجات الخاصة وحتى توزيع اللجان داخل مجلس النواب.

وترتكز الأحزاب والكتل السياسية على العوامل الطائفية والمكوناتية من خلال دغدغة المشاعر الجماهيرية وإثارة المخاوف وما شابه إذا دعت الحاجة لذلك، وظلت الكتل السياسية، السنية تطرح نفسها على مستوى المناطق الجغرافية السكانية التي تضم أغلبية المكون وبالتحديد مناطق غرب وشمال بغداد على وجه الخصوص، وتلجا الكردية إلى ذات الآلية على مستوى إقليم كردستان، وكذلك تتخذ الأحزاب والكتل الشيعية التقليدية من مناطق بغداد وجنوبها ذات الخطاب.

تبدو الانتخابات المبكرة التي كثر الحديث عن إجراءها في شهر حزيران من عام 2021 لا تختلف عن سابقاتها من الانتخابات البرلمانية السابقة في حضور الاصطفافات المكوناتية بين كتل كل مكون في مواجهة ما يسمونه بالمخاطر التي تحيط بالمكون والوطن من أعداء الداخل والخارج حسب تصور تكتلات المكون.

ورغم دخول الضواغط الاجتماعية وتصاعد الخطاب الوطني الشعبي الداعي إلى طي صفحة الاصطفافات السياسية على أسس مكوناتية والمحاذير القانونية الرافضة إلى ذلك إلا أن الكتل السياسية تحتال في ذلك على القانون مرة، وتحاول أن تستخدم الشعارات بخلاف ذلك في وجه منتقديها، أو تتبجح في ما تسميه بالضرورات الوطنية الداعية على توحيد الصفوف مرة ثالثة، في حين أن الانتخابات في الأنظمة الديمقراطية من إحدى سماتها الحديثة هي أنها تقوم على برامج انتخابية مدروسة علمية وواقعية تطرح من قبل الأحزاب والكتل السياسية أو من قبل الأشخاص المرشحين.

وأن بعض البرامج التي إن حضرت مع الكتل السياسية في الانتخابات لا تعد إلا ديكورا، وأمرا مكملا، يراد منه كسب الجمهور المتردد أو الباحث للأفضل، وتبقى فيما بعد وعود انتخابية كاذبة من قبل المرشح مقابل الناخب، والعديد من الكتل السياسية لا تطرحا برنامجا انتخابيا أصلاً، وعلة ذلك هو أن مسار العمل السياسي التنفيذي والتشريعي غالبا ما يكون معتمدا على آليات مختلفة يتحكم بها الشخوص، والحسابات السياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية.

مما تقدم من تشخيص بعض الآفات التي تكون قبل كل عملية انتخابية وبعدها، صعود خطاب المكوناتية الدينية والعرقية، ولابد من الإشارة أيضا إلى أن الدولة بنظامها البرلماني تفتقر إلى المواطنة على المستوى السياسي والاجتماعي، لا تفرز أغلبية برلمانية واضحة، وأن الكتل الأكبر تشكل داخل مجلس النواب كما جاء في تفسير المحكمة الاتحادية للدستور العراقي، مما تعطي ذريعة للكتل السياسية باللجوء إلى الاصطفافات السياسية قبل كل انتخابات برلمانية وبعدها.

وهذا بالتأكيد كان وسيكون له تداعيات على مستوى استقرار الدولة ونموها وتطورها إذ أن التركيز ينتقل من العمل للدولة إلى العمل لصالح الكيانات السياسية، لأن المصالح الخاصة والذاتية تكون لها الأولوية على حساب المصلحة العامة والدولة على وجه الخصوص، والتصحيح كما ذكرنا في مقالات سابقة يعتمد على أمرين: الأمر الأول يبدأ بالوعي الجماهيري المواطناتي، والثاني بالتعديلات الدستورية والقانونية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2020Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق