q
والبرلمان يوجد في كلا النظامين، على خلاف ما يتوهمه البعض من ان النظام الرئاسي لا يوجد فيها برلمان، والنقمة اليوم لدى بعض الاوساط الشعبية على النظام البرلماني انما هي في حقيقتها على البرلمان القائم، ولا موجب للربط بين البرلمان القائم عندنا وبين النظام البرلماني...

لست بصدد المقارنة هنا بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني. فكلا النظامين صالحان، ولكن لكل واحد منهما عيوبه ونواقصه، انما انا بصدد الحديث عن البرلمان نفسه. والبرلمان يوجد في كلا النظامين، على خلاف ما يتوهمه البعض من ان النظام الرئاسي لا يوجد فيها برلمان، والنقمة اليوم لدى بعض الاوساط الشعبية على النظام البرلماني انما هي في حقيقتها على البرلمان القائم، ولا موجب للربط بين البرلمان القائم عندنا وبين النظام البرلماني.

البرلمان، او مجلس النواب او مجلس الامة او مجلس الشعب، من المؤسسات المهمة في النظام الديمقراطي، سواء كان رئاسيا او برلمانيا. ففي البرلمان تنتج اهم مقومات الدولة الحضارية الحديثة واقصد بذلك القوانين.

في النظام الدكتاتوري يقوم الحاكم الفرد او الفئة الحاكمة او الحزب الحاكم بوضع القوانين، اما في الدول الديمقراطية فان الشعب هو الذي يضع القوانين، اما مباشرة، او بصورة غير مباشرة عن طريق ممثليه في مجلس النواب. وهذا يتطلب ثلاثة امور؛ الاول: ان يتم انتخاب النواب بطريقة معبرة عن ارادة الناخبين بافضل طريقة ممكنة، وهذا يتم عن طريق قانون انتخاب عادل ومنصف، مثل قانون الانتخاب الفردي. والثاني: ان يصل الى البرلمان اشخاص على درجة من الفهم والاستيعاب لمتطلبات عملية تشريع القوانين. والثالث، ان يفهم النواب مهمتهم الدستورية على افضل وجه، ويقوموا بها على افصل وجه، ويلتزموا بها على افضل وجه، وان لا يخلطوا بينها وبين الوظائف الاخرى في الدولة وخاصة الوظيفة التنفيذية والوظيفة القضائية، عملا بمبدأ الفصل بين السلطات.

تشكل لدينا خلال الفترة الماضية اربع مجالس للنواب، لم تحقق هذه الشروط الثلاثة:

فأولا، لم يتحقق شرط التمثيل بافضل وجه بسبب الاقطاعيات السياسية التي مارست نفوذها عن طريق الانتخاب بالقائمة وقانون استبدال النواب. فجاء النواب ممثلين لاحزابهم، اكثر من تمثيلهم للشعب، ووصلوا الى قاعة البرلمان باصوات قليلة لا تحقق المفهوم الدستوري للتمثيل.

وبسبب النقطة الاولى، وصل الى البرلمان اشخاص دون المستوى المطلوب التي تتضمنه كلمة "مشرّع" وهي التسمية الدقيقة لاعضاء مجلس النواب.

وبسبب النقطة الثانية وصل الى مجلس النواب اشخاص قاصرون عن فهم الوظيفة الدستورية التي نص عليها الدستور والتي يمكن جمعها بثلاث كلمات هي: التمثيل، والتشريع، والرقابة.

وكان من مظاهر ذلك:

رغبة النواب بالتشبه بالوزراء في كل شيء، وخاصة فيما يتعلق بالرواتب والمخصصات والامتيازات الاخرى.

عدم معرفة النواب للاصول الديمقراطية في الجلسات البرلمانية او ما يسمى ب Robert's Rules of Order.

ميل النواب الشديد الى ممارسة اعمال وتصرفات ذات طبيعة تنفيذية او قضائية وليست تشريعية او رقابية.

اقدام النواب على القيام باعمال تدخل في صلب القضاء والمحاكم، مثل تشكيل لجان تحقيقية.

هذا، دون الدخول في موضوع تورط بعض النواب في قضايا فساد مالي او اداري، كما يقال، ودون الدخول في تفاصيل مواقف لبعض النواب منطلقة من مصالح فردية او مواقف شخصية. لهذه الاسباب، وغيرها، تكوّن الانطباع العام لدى قطاع من الناس بان النظام البرلماني سيء، وفي الحقيقة ان السوء متعلق باشخاص النواب وممارساتهم. والحل لا يكون برفض النظام البرلماني جملة وتفصيلا، لان البرلمان سيكون موجودا في كل الحالات، كما قلت، وانما الحل في اصلاح مجلس النواب الموجود لدينا تحديدا.

ويمكن ان يتم ذلك من خلال الخطوات التالية:

تشريع قانون الانتخاب الفردي، بشرطيه: اعتماد الدوائر بنفس عدد اعضاء مجلس النواب، واشتراط حد ادنى للفوز بالمقعد النيابي، اضافة الى اعتماد طريق ديمقراطي في الاستبدال. وضع شروط مشددة لمن يحق له الترشيح لمجلس النواب من حيث الشهادة العلمية والخبرة العملية.

تحديد رواتب النواب بشكل معقول حتى لا تكون عضوية البرلمان فرصة لتحسين الوضع المعاشي للعضو او للاثراء غير المشروع، تدريب النواب الجدد على اصول الاجتماعات الديمقراطية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق