q
طريق الحكومات ملئ بالعقبات، وإذا بقيت الحكومة الحالية تكرر نفس الأسلوب فإنها لن تجتاز بالشعب العراقي هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق، فالظروف غير مواتية لتحقيق تحول تاريخي، كل ما هو مطلوب من حكومة الكاظمي هو العبور بالعراق من جائحة كورونا، اما إذا بقيت تتعكز على...

يمثل عام ١٩٢١ أحد اهم النقاط المرجعية التاريخية لدى العراقيين، لما فيه من دلالة تحولية من ولايات ضمن حدود الامبراطورية العثمانية الى دولة تحت حكم الاحتلال البريطاني، وما يعنيه ذلك من وضع الاساسات لبناء دولة المؤسسات الحديثة القائمة على تنظيم الجيش والشرطة والنظام التعليمي واستصلاح الزراعة وتنظيم الأمور المالية بالطرق الحديثة.

عام ١٩٥٨ يمثل نقطة مرجعية تاريخية اخرى للعراقيين، حيث اسقطت الملكية التي أسسها البريطانيون، والبعض يعتبرها مرجعية للخراب، واخرون يرونها مرجعية للبناء الذي خربه فيما بعد حزب البعث، وما نقصده هنا بالمرجعية التاريخية ان تتحول اللحظة السياسية الى قاعدة للقياس، فتقدم الدولة وتأخرها يقاس على ضوء بعدها او قربها من النموذج الذي وضع اول مرة، وبعض الدول تضع الماضي كمرجعية للتقدم كما هو حال روسيا الحالية التي تريد استعادة امجاد الماضي على اعتبار ان ذلك الماضي يمثل اقصى درجات قوتها، وكحال روسيا هناك لحظات تاريخية عراقية تعد حسب الادبيات الشعبية بانها الفترة الذهبية للدولة العراقية التي يجب استرجاعها، هذا التفكير لا يأخذ الواقع بعين الاعتبار، بل هو يصر على استعادة الماضي واستحضاره رغم عدم قدرته على توفير الظروف.

وفي بعض الأحيان يعلق كل الفشل الحالي على لحظة تاريخية ماضية، فاذا كان التفكير الذهبي (والمقصود به التفكير القائم على استعادة العصر الذهبي) هو السائد في بعض الدول، فان لدينا التفكير التخريبي، والذي يستهدف إيقاف اللحظة الراهنة بحجة ان من سبقه كان المتسبب بالفشل، لا يتحرك ولا يخطط ملقيا اللوم على سلفه، ففي عام ٢٠٠٣ جاء لحظة تاريخية اخرى نقلت البلد من ديكتاتورية موغلة في القمع والتدمير والتخريب، الى نظام ديمقراطي فرضته الظروف الخارجية والداخلية، وعلى هذا الاساس بدأ عهد جديد يفترض انه تأسس لإلغاء النموذج القديم القائم على القمع، تأسست لدينا جمعية وطنية ولجنة لكتابة الدستور، وانتخابات وطنية وبرلمان منتخب وحكومة تولد من البرلمان، وشعب يختار بنفسه، ويقرر ما يريد هو لا ما تمليه الارادة السياسية من اعلى.

واليوم ونحن نصل الى العام 2020 تجدنا نعود الى نقطة الصفر كل مرة، فحينما جاء اول رئيس للوزراء بعد حقبة الحكم الصدامي لم يضع خططاً متعددة المسارات لتحقيق الإصلاح، بل ركز على القاء اللوم على سلفه، وبدأ يتباكى من التركة الثقيلة تارة وبالضغوط الخارجية تارة أخرى، وعلى هذا المنوال استمرت سياسة الحكومات المتعاقبة تعزف على وترين أساسيين: تركة ثقيلة، وتدخل خارجي، وهذا غير صحيح ويمثل ادانة لجميع الحكومات التي تتحدث عن هذا الموضوع، لان كل دول العالم تعاني من الضغوط والسياسات القديمة، فعلى سبيل المثال استلم الرئيس الأميركي باراك أوباما ازمة اقتصادية خانقة من سلفه جورج بوش، فضلا عن حربين مدمرتين هما حرب أفغانستان وحرب العراق، لكنه لم يتوقف عند هذه النقطة بل أعاد الاقتصاد ووضعه على السكة.

ورغم الفارق الشاسع بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق، فالأولى دولة مؤسسات راسخة بينما نعيش نحن في الاطوار الأولى للديمقراطية، لكن ما نريد قوله ان الحكومة الحقيقية لا تتكئ على تركة الماضي كحجة لعدم القيام بالإصلاح، بل تبحث عن الحلول المناسبة، لان الأصل في الانتخابات والتبادل السلمي للسلطة قائم على تصحيح المسارات القديمة، واغلاق بعض الثغرات التي تحدثها الإدارة السابقة، اما ان تبقى الحكومة وبشكل يومي تتحدث عن التركة الماضية فهذا يعني انها لا تملك خطة، بل انها لا تعرف فلسفة الحكم الديمقراطي، وهذا ينطبق على كل الحكومات العراقية، ولا سيما حكومة مصطفى الكاظمي التي تعيش في ظروف معقدة لكنها لا تقل تعقيدا عن ظروف تأسيس النظام الديمقراطي في العراق عام 2003 وظروف الحرب الطائفية، او ظروف الحرب على داعش.

طريق الحكومات ملئ بالعقبات، وإذا بقيت الحكومة الحالية تكرر نفس الأسلوب فإنها لن تجتاز بالشعب العراقي هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ العراق، فالظروف غير مواتية لتحقيق تحول تاريخي، كل ما هو مطلوب من حكومة الكاظمي هو العبور بالعراق من جائحة كورونا، اما اذا بقيت تتعكز على رؤى متخبطة يتابعها الجميع بدقة، فإنها قد تتحول الى نقطة مرجعية للفشل.

اضف تعليق