q
ان تزايد الشهادات وبهذا الحجم الكبير يفترض ان ينعكس على الواقع، فلا قيمة لعلم دون أن يجني المجتمع منافعه، وفي ذلك يكمن جانب من أهمية العلم، وهنا مربط الفرس كما يُقال، فاذا كان التنوير من أبرز وظائف العلم للمجتمع، فالوقائع على الأرض لا تشير الى ذلك...

أظن بعد بضع سنين يصبح العراق في مقدمة الدول من حيث عدد الحاصلين على الشهادات العليا، اذ تشهد جمهرة الحاصلين على شهادتي الماجستير والدكتوراه نموا متسارعا لافتا للأنظار قياسا الى عدد السكان الذي بلغ الأربعين مليونا، وهي ظاهرة تُسعد أي انسان وطني، فلا أفضل من التوسع في التعليم العالي ليحصل الأبناء على حقوقهم بالتعليم، فهو أساس التنمية والخطوة الاولى لبلوغ الرقي وبدونها تتعثر كل الخطوات مهما كانت، كما أظن ان تزايد الشهادات وبهذا الحجم الكبير يفترض ان ينعكس على الواقع، فلا قيمة لعلم دون أن يجني المجتمع منافعه، وفي ذلك يكمن جانب من أهمية العلم.

وهنا مربط الفرس كما يُقال، فاذا كان التنوير من أبرز وظائف العلم للمجتمع، فالوقائع على الأرض لا تشير الى ذلك، بل ان مظاهر التخلف أكثر بروزا من مظاهر التنوير، ولست بحاجة الى كثير تأمل لتطلق حكمك بأن مجتمعنا أقرب كثيرا للتخلف منه الى التحضر، هذا اذا كنت موضوعيا، ولا تنظر للامور من منظور ( مؤدلج )، او تتحكم بك أبعاد سياسية او اجتماعية، او تدافع عن غير الصحيح استنادا الى قيم بالية لم يعد لها حضور في عالم يتسابق مع الريح للارتقاء بنوعية الحياة.

ولأبدأ من اختصاصي في الاعلام، فما قيمة آلاف شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، بينما لم نتمكن من صناعة اعلام مواطنة قادر على صهر المجتمع وتغيير منظومته الثقافية لما هو مستحدث، وتعميق تطلعاته لما هو متقدم؟، او انشاء وسائل اعلام منافسة لمثيلاتها في دول كانت الى وقت قريب تعد متخلفة، ولذلك كانت توصف بأقذع النعوت. وما قيمة آلاف الشهادات في المجال الرياضي، بينما الرياضة في بلادنا متأخرة، ولم نتمكن على مدى عشرات السنين من تحقيق انجاز يُشار له بالبنان الا ما ندر وبشق الأنفس؟.

ولم نتمكن من اشاعة ثقافة رياضية على أساس علمي، فمازالت الرياضة النسوية لدينا عيبا، ما نفعل بأكداس من شهادات الفنون، بينما لم نتمكن من الارتقاء بذائقة المجتمع، او تكون لنا أعمالنا الفنية في الدراما والمسرح وغيرهما تقترب بمستواها الفني من مثيلاتها في دول عربية ولا أقول أجنبية.

وهكذا الحال في الكثير من الاختصاصات التي تمكن الشباب من الحصول على شهادات عليا فيها، نعم أعرف ان المنجزات التي ننافس بها الآخرين هي حصيلة عمل منظومات ولا ترتبط بأصحاب الشهادات فحسب، بل تتحكم بها عوامل سياسية ومالية بالدرجة الأساس، لكن مع ذلك لابد من رؤية انعكاس لها في الواقع الاجتماعي، تغييرا في ثقافته، وارتقاء بذوقه، ونموا في تحضره، وتخفيفا من تطرفه، وتصديا لقيمه المتخلفة، ومحاربة لعاداته السيئة، فما نراه ان المجتمع يتراجع ولا يتقدم، بينما الشهادات تتزايد.

وكأننا نبدد أموالنا على غير دراية، هذا اذا حاكمنا الأشياء بكم الشهادات التي غدت طموحا للذين لم نتوقع منهم أن يفكروا يوما بها، أما من حيث النوع فما عاد بالمستغرب ان ترى او تسمع سائقا او حارسا او موظفا بسيطا مع احترامي الكبير لهذه المهن الشريفة وقد حصل على شهادة الماجستير او الدكتوراه، ومثل هؤلاء يستحقون الثناء، ويفرحك أن يكون من بين زملائك من جاهد حتى تمكن من تحقيق الانجاز بحصوله على شهادة عليا، لكن المأساة، ان يظل السائق سائقا والحارس حارسا، والشهادة مجرد وثيقة يجني منها زيادة في راتبه والمخصصات والوجاهة، اما طريقة التفكير فظلت على حالها من دون تغيير، لقد اسُتسهل طريق الحصول على الشهادات، هذه هي الحقيقة، وليس عيبا الاقرار بها والوقوف لتأملها، لكي لا نزيد في سرعة الانحدار، مراوحة المجتمع في مكانه يعني ان عملنا التعليمي بلا جدوى، بمعنى ان مستوى جودته ضئيل، وقد يكون سببه الاهتمام بالكم على حساب النوع، ولكن بالنوع ترتقي الامم .

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق