q
كشفت حالُ البِلاد الحاليَّة الكثير من أَنواع (القافلين) فهُم إِمَّا كونهُم جُزءاً لا يتجزَّء من المنظُومةِ الفاسدة، أَو أَنَّهم جهلة ومتخلِّفُون لا يفهمُون شيئاً بأُمور الإِصلاح والتَّغيير، أَو أَنَّهم مستفيدُون من الحالِ القائمِ فلا يريدُونَ، في حقيقةِ الأَمرِ، أَن يتغيَّر شيئاً، أَو أَنَّهم مِن عبَدةِ...

(أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)

(١)

ورُبما جاءَ المُصطلحُ من مفهومِ هذه الآيةِ المُباركةِ قولُ العراقيِّين (قافُل) عندما يريدُون أَن يصِفُوا أَحداً يعبدُ رمزاً ما، فهو يرفضُ النِّقاش والحِوار إِلَّا في مدحهِ والثَّناءِ عليهِ، أَو في ذمِّ مُعارضيه ومُناوئيه.

فلقد سأَلُوا مرَّة مواطناً يمنيّاً عن حالِ الأَدبِ في بلادهِ في عهدِ حُكمِ الأَئِمَّة، فأَجابَ؛ الأَدبُ عندنا على نَوعَين، في مدحِ الإِمام وفي ذمِّ مُناوئِيه!.

ومِن علاماتِ (القافُل) أَنَّهُ؛

- لا يُفكِّر بعقلهِ الذي منحهُ إِجازةً مفتوحةً أَو سلَّمهُ لـ (القائدِ الضَّرورة) الذي صدَّقهُ عندما قالَ لهُ (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).

فلماذا يُتعِبُ (القافُل) عقلهُ بالتَّفكيرِ إِذن؟!.

- يرفُضُ أَيَّ تطوُّيرٍ في الفكرِ والرَّأي والرُّؤية إِلَّا إِذا قالَ بها (زعيمهُ الأَوحد) فما عدا ذلكَ هُراءٌ لا معنى لهُ.

- هو لا يقرأُ وإِذا قرأَ فلا يقرأُ المكتوب وإِنَّما يقرأُ الذي في ذهنهِ، أَو يدَّعي أَنَّهُ يقرأ النَّوايا.

فلقد مرَّ رجلٌ بطريقِ الحجَّاج وقال بصوتٍ مُرتفعٍ؛ (لا إِلهَ إِلَّا الله).

فأَمرَ الحجَّاجُ زبانِيتهُ بإِحضارهِ.

مَثُلَ الرَّجلُ بينَ يدَيهِ فسأَلهُ الحجَّاج؛ لِماذا قُلتَ (لا إِلهَ إِلَّا الله)؟!.

إِستغربَ الرَّجلُ مِن سؤَالهِ، فردَّ عليهِ؛ وهل قولُ (لا إِلهَ إِلَّا الله) ممنُوعٌ في بلادِنا؟!.

فأَجابهُ الحجَّاج؛ لا أَبداً ولكنَّك قُلتَ من تلكَ (لا إِلهَ إِلَّا الله) وليسَ مِن هذهِ (لا إِلهَ إِلَّا الله).

فأَمرَ الحجَّاجُ (ميليشياتهُ) فضَربت عُنُقَ الرَّجُل!.

(القافلُونَ) (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).

إِنَّهم يحلمُون بالقلمِ الحُرِّ الشُّجاع الذي تصدَّى لفضحهِم وتعريتهِم كوابيسَ تُلاحقهُم في مناماتهِم.

- لا يناقشُ الأَفكار والآراء وإِنَّما يُناقش الخلفيَّات والأَسماء والمُسمَّيات، ولذلك فهو يُراوحُ في مكانهِ على صعيدِ الفكرِ والثَّقافة.

- منسوبُ النِّفاقِ عندهُ مُرتفعٌ جدّاً، فعندما يصطدمُ ما في عقلهِ (القافُل) على شيءٍ ما برأيٍ عامٍّ قويٍّ جدّاً أَو بواقعٍ مُختلفٍ عن طريقةِ تفكير (الصَّنم) الذي يعبُدهُ يضطر للقَبُول بهِ على مضضٍ، نِفاقاً وليس عن قناعةٍ.

- ولأَنَّهُ مُتربِّصٌ بالآخرين، يحملُ على مَن يختلفَ معهُ ويُشهِّر بمَن لا يتَّفق معَ رأيهِ (القافُل) عليهِ، لذلكَ يلجأ بعضهُم إِلى مُداراتهِ على حسابِ الحقِّ والحقيقةِ إِتِّقاءَ شرِّهِ ولسانهِ الفحَّاش.

- يخلُط الأُمور ليجدَ الحُجَّة للإِستمرارِ في الدِّفاعِ عن فكرةِ (زعيمهِ الأَوحد).

يتستَّر خلفَ المُقدَّسات ويتلفَّع بعباءة الدِّين والمذهب لتسويقِ ما (قفُلَ) عليهِ عقلهُ.

- لا يعرفُ النِّقاش والحِوار فكلُّ جُهدهُ السَّب والشَّتم والتهجُّم والإِتِّهام والكذِب والدَّجل، وكلُّ ذلكَ من أَجلِ أَن يحمي فكرة (القائد الضَّرورة) فقط!.

وإِذا اضطرَّ فيُهدِّدُ القلم الحُر الشُّجاع برَصاص (ميليشيات أَحزاب السُّلطة).

- يريدُ أَن يقرأَ لكَ أَو يسمعَ منكَ رأياً واحداً فقط هو الذي ينسجم معَ ما يحملهُ في مُخيَّلتهِ، والذي رسمهُ لهُ (زعيمهُ الأَوحد).

- يتنقَّلُ بينَ مجموعاتِ التَّواصُل الاجتماعي كالسَّعدانِ، مُحرِّضاً ضدَّ الأَقلامِ الحُرَّةِ بكلِّ الوسائلِ غَير المشروعةِ، ففرائصهُ ترتعِدُ إِذا فضحَ قلمٌ (عجلاً سميناً) أَو داسَ على طرفِ ذيلهِ.

يشبهُ حالهُ قَولَ الطَّاغية مُعاوية بن أَبي سُفيان لابنِ عبَّاس الذي كان يفضحَهُ بلسانِ أَميرِ المُؤمنينَ (عليهِ السَّلام) (إِكفني نفسكَ وكُفَّ عنِّي لِسانكَ، وإِن كُنتَ لابُدَّ فاعِلاً فليكُن ذلكَ سِرّاً ولا يسمعهُ أَحدٌ مِنكَ علانيةً).

أَمَّا القلم الحُر فلسانُ حالهِ قولَ أَبا ذرٍّ الذي قال (والله لقد أَلَّبتُ عليهِ حتى الأَعرابيُّ الذي في الصَّحراء).

- و(القافُل) يظنُّ أَنَّ كُلَّ النَّاس مثلهُ، أَقلامٌ تحت الطَّلب، أَو أَقلامٌ جبانةٌ تتراجعُ إِذا تعرَّضت للتَّشهيرِ والتَّسقيطِ، أَو تتغيَّر وتتبدَّل إِذا برقَ الذَّهبُ في عينها!.

القلمُ الحرُّ يتمثَّلُ أَبداً بقولِ الله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).

(٢)

إِذا ردَّ عليكَ بشتيمةٍ فهو (قافل) وإِذا ردَّ عليكَ بتهديدٍ فهو (جوكر) يستقوي عليكَ بميليشيات أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة، وإِذا ردَّ عليكَ بجهلٍ فتأَكَّد بأَنَّهُ (ذيلٌ).

أَمَّا إِذا أَخذ يهذي فتأَكَّد بأَنَّك أَوجعتهُ بمنطقِكَ وحُجَّتِكَ الدَّامغة وأُسلوبك الرَّاقي ولُغتك السَّليمة!.

تُرى؛ لماذا يرفُض (القافُل) أَن يُصغي؟! يُصغي فقط حتَّى؟!.

يقُولُ الحُسينُ السِّبطُ (عليهِ السَّلام)؛

وَيلكُم ما عليكُم أَن تنصتُوا إِليَّ فتسمعُوا قَولي، وإِنَّما أَدعوكُم إِلى سبيلِ الرَّشاد، فمَن أَطاعني كانَ مِنَ المُرشَدين، ومَن عصاني كانَ مِن المُهلَكين، وكلُّكُم عاصٍ لأَمري غَير مُستمعٍ قَولي فقد مُلِئت بطونكُم مِن الحَرامِ، وطُبِعَ على قلُوبِكُم، ويلكُم أَلا تنصُتُونَ؟! أَلا تسمعُونَ؟!.

هيَ معادلةٌ إِذن؛

أَكلُ الحرامِ سببٌ في الطَّبعِ على القلبِ، والذي يحولُ بينَ المرءِ والحقِّ، وإِنَّ أَوَّل علاماتهِ الإِمتناعُ عن الإِستماعِ للرَّأي الآخر، والإِصغاءِ لكلامِ النَّاصحِ الأَمين، لأَنَّ الإِصغاءِ أَوَّل دافع لإِعادةِ النَّظر في الثَّوابت الوهميَّة والمتبنيات المُستنِدةِ إِلى المصالحِ الذَّاتيَّة (الأَنانيَّة).

ولذلك فليسَ مُستغربٌ أَبداً أَن لا تُصغي (العصابةَ الحاكمةِ) وذيولها وأَبواقها إِلى قَول الشَّارع ونصيحة الخطابِ المرجعي، بعدَ أَن مُلئت بطونهُم بالحرام.

يصفُ القرآن الكريم طبيعة تعامل (العِصابات) مع قَول الحقِّ بقولهِ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

ويتجلَّى لغو (العصابةِ الحاكمةِ) بخطاب الشَّارع ونبضهِ الصَّادق الحريص الأَمين (الخطابِ المرجعي) بسعيهِم الحثيث تفسيرهُ بما يخدم أَجنداتهُم الحزبيَّة الضيّْقة التي كانت وما تزال هي السَّبب المُباشر للفشل الذَّريع الذي مُنيت بهِ الدَّولة.

ولقد كشفت حالُ البِلاد الحاليَّة الكثير من أَنواع (القافلين) فهُم إِمَّا كونهُم جُزءاً لا يتجزَّء من المنظُومةِ الفاسدة، أَو أَنَّهم جهلة ومتخلِّفُون لا يفهمُون شيئاً بأُمور الإِصلاح والتَّغيير، أَو أَنَّهم مستفيدُون من الحالِ القائمِ فلا يريدُونَ، في حقيقةِ الأَمرِ، أَن يتغيَّر شيئاً، أَو أَنَّهم مِن عبَدةِ الأَصنامِ على حسابِ الوطنِ، يعبدُون (عِجلاً سميناً) يستقتلُونَ للدِّفاع عنهُ والتَّبرير لهُ حتى إِذا تيقَّنُوا أَنَّهُ فاسدٌ ودجَّالٌ بدرجةٍ عاليةٍ.

يقُولُ تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ).

و(القافل) يتصوَّر أَنَّ النَّقدَ منقصةٌ لزعيمهِ الذي رسمَ حولهُ خطّاً أَحمر يريقُ دمهُ ولا يعبرهُ أَحداً! والنَّصيحةَ تُثلِمُ (عظَمة) (القائد الضَّرورة) والتَّعبيرُ عن الرَّأي يُقلِّل من شأنِ الزَّعيم إِذا تقاطعَ معَ رأيهِ! ولذلك (يقفُل) عقلهُ على رأي (صاحبهِ) فقط رافضاً الإِصغاءِ لأَحدٍ.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَى اللهِ حِرْصُهُ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغ حَقِيقَةَ مَا اللهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ، وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللهِ عَلى العِبَادِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ. وَلَيْسَ امْرُؤٌ ـ وَإنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللهُ مِنْ حَقِّهِ.

وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ).

ولكَونِ (القافل) ذيلٌ فهو كثير التملُّق والتودُّد، وهي الصِّفات التي يبحث عنها (الزُّعماء) في أَتباعهِم، لأَنَّها تصنعُ لهم هالةً وقيمةً بين النَّاسِ على حسابِ الحقِّ والنَّجاحات وتحقيق صالح الشَّأن العام.

يحذِّرُ أَميرُ المؤمنينَ (ع) مِن هذه الصِّفاتِ السيِّئةِ والذَّميمةِ والمُدمِّرة للتَّابعِ والمتبوعِ على حدٍّ سواء، بقولهِ (ع)؛

وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الاِْطْرَاءَ، وَاسْتَِماعَ الثَّنَاءِ، وَلَسْتُ ـ بِحَمْدِ اللهِ ـ كَذلِكَ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لله سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ.

وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَءِ، فَلاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاء، لاِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوق لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا، فَلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ، وَلاَ تَظُنّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقّ قِيلَ لِي، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ.

فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.

(٣)

في قولِ الله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) لا معنى للشَّهادة الجامعيَّة والعمر والجنس والدِّين والخلفيَّة والهويَّة والجغرافيا والمناطقيَّة، إِنَّما الحديثُ عن حالةٍ يُبتلى بها الإِنسان، وعن معاييرَ تتحكَّم بهِ لأَسبابٍ شتَّى.

فكم من عالمٍ مُتخصِّصٍ يحملُ أَرقى الشَّهادات الجامعيَّة قفلَ قلبهُ وعقلهُ عن الرَّأي الآخر؟! وكَم مِن متواضِعٍ بعلمهِ ومعرفتهِ فتحَ قلبهُ للرَّأي الآخر مِن دونِ تعصُّبٍ؟!.

وكم من زعيم عشيرةٍ وكبيرِ أُسرةٍ قفلَ قلبهُ عن تلقِّي العلمِ والمعرفةِ؟! وكم مِن ثريٍّ أَغلقَ ذهنهُ رافضاً الحوار بما لا ينسجم وتوجُّهاتهِ الفكريَّة وخلفيَّتهِ السياسيَّة؟!.

وهكذا في معايير الآيات القُرآنيَّة الكريمة التَّالية؛

(كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ).

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).

(خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ).

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا).

(أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

(وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا).

فأَن يكونَ فُلانٌ (قافلٌ) لا علاقة لهُ بشهاداتهِ ومكانتهِ الإِجتماعيَّة وما إِلى ذلك، كما لَو أَنَّ أَحدٌ (ذَيلٌ) أَو كما يصفهُ أَمير المُؤمنين (ع) بالإِمَّعة، فذلك لا علاقة لهُ بشيءٍ ممَّا ذكرنا للتوِّ، فقد يكونُ زعيماً او رئيساً او شيخاً كبيراً او ثريّاً، لكنَّهُ (ذيلٌ).

و(القافل) يتعامل معكَ بطريقةٍ غريبةٍ وفي نفسِ الوقت مُضحكةٍ جدّاً يشفقُ عليها حتَّى العدُو؛

- فأَنت مَلاكٌ في نظرهِ، ولكن إِحذر أَن تدوسَ على طرفِ ذيل (الزَّعيم الأَوحد) فستنقلبَ إِلى شيطانٍ في نظرهِ.

- وأَنت عقلٌ نيِّرٌ وقلمٌ فريدٌ من نوعهِ وعقليَّةٌ حضاريَّةٌ ومُفكِّرٌ إِستثنائيٌّ، ولكن إِحذر أَن يسمعَ منك ما يمُسُّ (العجل السَّمين) الذي يعبدهُ من دونِ الله لأَسبابٍ شتَّى، فستتحوَّل في نظرهِ إِلى عميلٍ، صهيونيٍّ، ماسونيٍّ، وإِلى غيرِ ذلكَ من الصِّفات والأَلقاب والتُّهم والإِفتراءات الباطِلة.

- وأَنت وطنيٌّ من الطَّراز الأَوَّل، ومُجاهدٌ من الرَّعيل الأَوَّل، ولكن إِحذر أَن يقرأَ لكَ حرفاً تتعرَّض فيهِ لفسادِ وفشلِ (القائد الضَّرورة) خاصَّةً صاحب نظريَّة (بعد ما ننطيها) فسيصمُكَ بكلِّ التُّهم السُّوقيَّة الرَّخيصة والمُبتذلة!.

- وبنظرهِ فإِنَّ القلم الحُر والفكر النيِّر والعقل الخلَّاق هو الذي خُلِقَ ليُصفِّق لـ (الزَّعيم الأَوحد) وليس للنَّقدِ مثلاً أَو لتطويرِ الفِكرةِ أَو للرَّقابةِ أَو لاقتحامِ مناطق (اللَّامُفكَّر فيهِ) أَو ما إِلى ذلكَ، فبرأي (القافل) فإِنَّ (القائد الضَّرورة) مُكتمِلَ الإِيمان وكامِل العقل ومُتكامل الرُّؤية فلماذا يحاورهُ قلمٌ أَو يفضحهُ لسانٌ أَو يُناقش خططهُ مقالٌ؟!.

فضلاً عن أَنَّهُ مشغولٌ في التَّفكير والتَّخطيطِ نيابةً عن الأُمَّةِ، فلا رأيَ مُقابل رأيهُ ولا موقفَ في مواجهةِ موقفهِ، فلماذا يقف بوجههِ قلمٌ حرٌّ نزيهٌ؟!.

(قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).

لـ (القافل) خطٌّ أَحمرٌ واحدٌ فقط، وهو الصَّنم الذي يعبدهُ! أَمَّا الدِّين والأَخلاق والزَّمالة والرِّفقةِ والصُّحبةِ والعقل والثَّقافة والمعرفة والحقائق والوقائع والمصلحةِ العُليا فكلُّها مسمَّيات لا تصمد أَمام خطِّهِ الأَحمر الذي تجاوزتهُ.

(٤)

لقد كشفت الأَزمة الحاليَّة في البلاد عن مدى ضحالة الفِكر والثَّقافة وسذاجة الخِبرة والتَّجربة عند الكثيرين، كما كشفت عن الكمِّ الهائل بعددِ (القافلين) الذين دخلُوا صراعاً عنيفاً بالأَيدي والأَلسُن لا مُبرِّر لهُ مع أَقربِ النَّاسِ إِليهم لمجرَّد أَنَّ رأيهم بالأَحداث إِختلفَ عن رأي (القائد الضَّرورة) مثلاً أَو أَنَّ وجهة نظرهِ تختلف عن وِجهة النَّظر السَّائدة أَو المُتعارَف عليها.

لقد اشتدَّت حملات التَّسقيطِ والتَّخوينِ والطَّعنِ بالشَّرفِ والنَّاموس والعِفَّة والطَّهارةِ في مُجتمعٍ يتخفَّى وراء الشِّعارات الدينيَّة والمذهبيَّة والرَّمزيَّة التاريخيَّة.

كما أَعادت الأَزمة المُجتمع إِلى المُربَّع الأَوَّل سواء على صعيد التَّخندقات أَو على صعيد الولاءات.

فبينما كانَ كثيرُون يُكابِرونَ للقفزِ على الواقع (الإِجتماعي) المريض أَو يخدعُونَ أَنفُسهُم بشعاراتٍ (وطنيَّةٍ) برَّاقةٍ، إِذا بالأَزمةِ أَسقطت أَوراق التُّوت فبدت للجميع سوءاتهِم!.

لقد نضحَ الإِناءُ بما فيهِ وانكشفَ الغِطاءُ، ولعلَّ ذلك من محاسنِ الهزَّاتِ الإِجتماعيَّة التي تمرُّ بها الشُّعوب والأُمم، وصدقَ الإِمامُ موسى بن جعفر الكاظِم (ع) الذي قال؛

(والله لتُغربُلَنَّ ثُمَّ لتُغربُلَنَّ ثُمَّ لتُغربُلنَّ، ويسقطُ مِنَ الغِربالِ خلقٌ كثيرٌ، ولا يبقى مِنكُم إِلَّا الأَندرِ الأَندرِ).

وهم أَصحابُ العقولِ الذين لا يستأجِرُون عقولَ غيرهِم مهما علا شأنهُم، فالمرءُ بعقلهِ، فإِذا عطَّلهُ لأَيِّ سببٍ كانَ تساوى حالهُ مع حالِ الحيوان الذي قال عنهُ تعالى (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

وأَولئكَ هم (القافلُون).

وهذه هي إِحدى أَعظم سُننِ الخالقِ في خلقهِ، الهزَّات الإِجتماعيَّة كأَداةٍ من أَدواتِ الإِختبارِ للتَّمييزِ.

يقولُ تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ).

وقولهُ تعالى (مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ).

ومِن علامات (القافُل) هو أَنَّهُ لا يُعلِّق إِذا كانَ كلامكَ مُنسجماً مع توجُّهات (الصَّنم) فذلكَ واجبكَ الذي يجب عليكَ تأديتهُ! أَمَّا إِذا اختلفتَ معهُ بحرفٍ فينتبهَ لهُ ليشنَّ حملاتِ التَّسقيط والهجوم العشوائي وحرُوب الإِستنزاف.

هو كالشُّرطي في وسائِل التَّواصل الإِجتماعي، يُراقب ليُعاقب.

و (القافلُون) (دواعش) محاكِم التَّفتيش.

وهم لا يجتهدونَ بحرفٍ واحدٍ وإِنَّما واجبهُم النَّسخ واللَّصق فقط، مِن دون أَن ينسَون واجب التَّصفيقِ المُستمرِّ لـ (عجلٍ سمينٍ) فاسدٍ وفاشلٍ أَو لـ (قائدٍ ضَرورةٍ) يلزم إِستنساخهُ إِذا هلكَ بسببِ نُدرتهِ.

و(القافلُون) يَبحثُونَ عن أَقلامٍ تحتَ الطَّلب.

وهم أَعظم العقبات في طريقِ الإِنتاج الفكري الذي يقود الأُمم إِلى النُّهوض الحَضاري.

وعندما تجاوزَ المُتنوِّرون تزمُّت (القافلِين) أَنتجُوا فِكراً (إِنسانيّاً) جديداً طوَّر أُوروبا.

وهو الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى (٣) أَدوات؛

- مُواصلة التَّجديد الفِكري وعدم الإِستسلامِ والتوقُّف عندَ حدٍّ مُعيَّن.

- الصَّبر والتحمُّل والإِستقامة.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ، فَإِنَّهُ أحْزَمُ لِلنَّصْرِ).

- السَّعي لخلقِ رأيٍ عامٍّ متنوِّر لصالحِ التَّجديد والتَّحديث الفكري يُساهمُ في مُحاصرة (القافلين) والتَّقليل من شأنهِم وتأثيرهِم في المُجتمع.

إِنَّ تأثيرهُم محدوداً إِذا كانَ الشَّعبُ مُثقَّفاً وواعياً.

فعندما أَهدرُوا دم عالِم الإِجتماع الدُّكتور علي الوردي بسبب رأيهِ في طبيعةِ المُجتمع فإِنَّما عرقلُوا النموَّ الحضاري إِلى حينٍ، ولكن؛ وبعد أَقل من أَربعةِ عقودٍ من الزَّمن عادت كتب الوردي تُطبع في النَّجف الأَشرف (مصدر فتوى إِهدارِ الدَّم حينها على يدِ العسكري مؤَسِّس حزب الدَّعوةِ الإِسلاميَّة) وفي قُم المُقدَّسة لتغزو السُّوق بالإِضافةِ إِلى المكتبات الشخصيَّة لـ (لقافلين) أَنفُسهُم.

(٥)

و(القافِلون) موجودُونَ في كلِّ مكانٍ، في الحَوزةِ والجامعةِ وفَوقَ المِنبر وفي السِّياسةِ والثَّقافةِ والفكر وفي كلِّ مكانٍ.

وعلى اختلافِ خلفيَّاتهِم الدينيَّة والمذهبيَّة والإِثنيَّة والفكريَّة والسياسيَّة والحزبيَّة والفلسفيَّة.

ولذلك شهِدت الأَزمة الأَخيرة في البِلادِ عمليَّة إِنتحار جماعيَّة، قِيميَّة وأَخلاقيَّة على حدٍّ سَواء.

هُمُ (العِصي) التي توضَع في عجلةِ الإِبداعِ والتَّحديثِ العقلي على وجهِ الخصُوصِ.

(القافلُون) مُتشرنِقونَ بالخطُوطِ الحمراء التي ينسجونها في مُخيَّلتهِم والتي تستند إِلى مُقدَّسات مُزيَّفة يتمترسُون خلفها كذريعةٍ لرفضِ الإِختلاف والرَّأي الآخر.

فإِذا كتبتَ فكرةً إِتَّهمكَ (القافلونَ) أَمَّا إِذا كرَّرها (عجلٌ سمينٌ) تحوَّلت إِلى آيةٍ يتعبَّدونَ بها وإِلى إِستراتيجيَّة (تاريخيَّة) يستقتلُونَ دفاعاً عنها.

فبالنِّسبةِ لهُم لا تُعدُّ الفِكرة ذا أَهميَّة إِذا لم ينطِق بها (القائد الضَّرورة).

كلُّ همِّهم هو حماية السُّدود الوهميَّة التي بنَوها حَول عقولهِم من الإِنهيار وحِماية الأَقفال التي أَغلقُوا بها عقولهُم من أَن يفتحها المتنوِّرون الذين قرَّروا إِضاءة الطَّريق المُظلم وفتح السُّدود ليجري الماءَ الزَّلال في عرُوقِ القلوبِ لتُورقَ علماً ومعرفةً.

و(القافلُون) هُم أَنفسهم الذين سيُخاطبُون الإِمام المُنتظر (عج) عند ظهُورهِ بقولهِم (لا حاجةَ لنا بكَ يابن بنتِ رسولِ الله (ص)) لأَنَّهُ سيأتي بدينٍ جديدٍ، كما في الرِّوايات، لشدَّة إِختلافهِ مع ما درجُوا عليهِ.

و(القافلُون) كالببغاوات يكرِّرونَ الكلام ولا يجتهدُونَ أَو يُبدعُون! ويسيرُون في الطَّريق المرسُوم كالحَيواناتِ التي حدَّدُوا لها مسارها باللِّجام.

وما أَكثر البِغال الرَّافسة بلسانٍ في هذا الزَّمان! على حدِّ وصف صديقٍ صدُوقٍ.

يرفضُون حتَّى الإِصغاء فضلاً عن الحِوار والمُناقشة، لأَنَّ الإِصغاء قد يُغيِّر قناعاتهُم وهو أَمرٌ مُستحيلٌ عندهُم لأَنَّ تغيير القناعات ينتهي بتغييرِ المنهج والرَّمزيَّة والمرجعيَّة السياسيَّة والفكريَّة في أَغلبِ الأَحيانِ، ولذلكَ لم تُصغِ قُريش لرسولِ الله (ص).

لنقرأَ قولَ الله تعالى (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ).

حروبهُم كلَّها بالنِّيابة، وهم يخلقُون الفَوضى والبلبلة حتَّى لا يقرأَ أَحدٌ، ويُشغلُون الرَّأي العام بتفاهاتهِم، ويقودُونهُ للفَوضى.

لنقرأَ قولهُ تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

و(القافل) مُبرمج وهو ضدَّ ما يُعرف بالعَصف الذِّهني الذي هو ضروريٌّ جدّاً لإِثارة العقل والنِّقاش العلمي والحِوار المنطقي الهادِف إِلى التَّنوير والتَّجديد الفكري، والذي يعتمد على المُبادرات الشُّجاعة لإِقتحام اللَّامُفكَّر فيهِ أَو الدَّوائر الضيِّقة والخطُوط الحَمراء الوهميَّة.

وهو يرفض الفِكرة ويُحارب الرَّأي ويتهجَّم على التَّعبير، فمشكلتهُ ليست مع الفِكرة فقط وإِنَّما حتَّى مع التَّعبير ولذلك فهو يرفُض حريَّة التَّعبير بقدرِ رفضهِ للفكرةِ الجديدةِ والرَّأي الآخر.

هو يقرأُ غلطاً فيستنتجُ غلطاً فيحكمُ غلطاً، وهؤُلاء هم (دواعش) الفكر المتنوِّر والرَّأي الحُر.

نصيحتي أَن لا تكتُبَ للجدليِّين لأَنَّهم يستنزفُوك ولا يدعُوك تفكِّر بشكلٍ سليمٍ وبالتَّالي ستُقزِّم نفسكَ وتحتفظ بمستوىً واحدٍ من الفكر والثَّقافة والمَعرفة.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ).

(القافل) يرفض أَن نُجري المُناقشة على الأَقل، ولذلكَ فالجِدال مع (القافل) بمثابة حربَ استنزافٍ لا ينبغي أَن يتورَّط بها عاقل.

هو يرفضُ أَن يتدخَّل أَحدٌ في سياسات (الزَّعيم) لأَنَّهُ يتصوَّر أَنَّهُ يعرف ما يفعلهُ فلا حاجةَ لمَشورةٍ أَو رأيٍ.

وعلى مرِّ التَّاريخ فإِنَّ (القافلين) هُم حطب نيران الحرُوب المُستعِرة ضدَّ المُتنوِّرين والمُجدِّدين.

ولولا إِصرارُ المُتنوِّرين على مُواصلة المِشوار مهما كانَ الثَّمن لتوقَّفَ الفكر واغتيلَ الإِبداع عندَ ساعةِ الماضي.

ولذلك فإِذا تصفَّحنا أَوراق التَّاريخ فسنجد أَنَّهُ وفي كلِّ مرَّةٍ ينتصرُ التَّجديد على التوقُّف والتَّنوير على الظُّلاميَّة والمتنوِّرُون على القافلينَ.

[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

ابو مصطفى الشامي
العراق
المرحلة التاريخيه الحرجه التي يمر بها بلادنا وشعبنا من جراء فساد وفشل وسقوط في سياسةوكما اسميتهم في مقالك العجول السمينه والقافلين والذيول تتطلب ظهور طبقة واعيه مثقفه وظيفتها التنظير للحراك الشعبي الذي يحصل في البلاد كل على قدر استطاعته لتضع خارطة طريق لهؤلاء الشباب الثائر لانهم اخر بارقة امل في اخر رمق لشعب انهكته الحروب والارهاب والدكتاتوريه والعجول والقافلين والذيول والانتهازيين ووووو2020-03-12