q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

العراق أولا ودائما

أكثر من مئة يوم مرت على بداية الاحتجاجات في العراق، ولا تزال قائمة المطالب تأخذ بالاتساع، تماشيا مع التطورات التي تشهدها بعض المدن العراقية في الوسط والجنوب، لتشمل إضافة إلى المطالبة بتعيين رئيس وزراء مستقل، هتافات ضد المساس بسيادة العراق وجهها المتظاهرون لكل من أمريكا وإيران...

أكثر من مئة يوم مرت على بداية الاحتجاجات في العراق، ولا تزال قائمة المطالب تأخذ بالاتساع، تماشيا مع التطورات التي تشهدها بعض المدن العراقية في الوسط والجنوب، لتشمل إضافة إلى المطالبة بتعيين رئيس وزراء مستقل، هتافات ضد المساس بسيادة العراق وجهها المتظاهرون لكل من أمريكا وإيران، على خلفية اغتيال واشنطن لقاسم سليماني، ورد طهران بقصف على قاعدتين أمريكيتين في الأراضي العراقية.

الحكومة العراقية العراقية وعلى لسان رئيسها المستقيل اكدت للجانب الامريكي رفضها بان يكون العراق جزء من الحرب المفتوحة بينها وايران، فيما ترد واشنطن بضرورة استكمال دورها في العراق، ولم نعرف ماذا يعني دورها الذي تريد اكماله، هل يقصد به احكام قبضتها على جميع مفاصل الحكومة وانهاء النفوذ الايراني؟.

بعد التدخلات الاخيرة السافرة والاعتداء على السيادة العراقية عاد الزخم الى المظاهرات العراقية، الى جانب تنديدها بالوجود الاجنبي من قبل اطراف متعددة وليس فقط التواجد الامريكي او الايراني بصورة خاصة.

الاستخفاف بالسيادة العراقية من قبل الامريكان اولا ومن ثم الايرانيين ولد حالة من الرفض من قبل الجماهير، وبرزت للساحة بعض الهتافات التي تريد الحد من نفوذ البلدين، وهذا بحد ذاته لم نلاحظه في الايام الماضية التي سبقت عملية الاستهداف، ما يعني ان ابناء الشعب عرفوا جيدا ان بلدهم اصبح ساحة صراع من قبل الطرفين دون مراعاة المصلحة العامة لابناءه العزل.

ونتيجة لذلك اندرج ضمن قائمة المطالب المشروعة هو انهاء الوجود الاجنبي، الى جانب ذلك اصبحت التظاهرات اليوم ثورة عارمة في عموم البلاد، من اجل استبدال المنظومة السياسية التي اثرت بشكل كبير على الوضع الداخلي والخارجي للبلاد.

ففي ظل الاوضاع التي يعيشها العراق يبرز للسطح تساؤول مشروع وهو هل تستطيع بغداد الموازنة في علاقتها بين طهران وواشنطن؟، لاسيما وان الحراك الشعبي لم يهدأ ابدا، وتم تدعيمه بجملة من المناشدات المختلفة من قبل اطراف متعددة منها دينية واخرى شعبية.

البرلمان العراقي لم يأخذ الجرع العلاجية التي توقف عدوى الانقسام من التفشي بجسده، فنراه منقسم على نفسه، البعض يؤيد قرار خروج القوات الاجنبية وبالتأكيد هذه الجهة لها ميول او ولاء لايران، بينما نجد في الضفة الاخرى جماعات تنادي ببقاء القوات الاجنبية بدافع المحافظة على الوضع القائم بعد عام 2003.

الاحزاب الشيعية هي التي مررت قانون الانسحاب تحت قبة البرلمان وهو ما يمثل التحرك على المستوى السياسي، اما على المستوى العسكري فهنالك تهديدات مستمرة من قبل الفصائل التابعة لايران، وهو ما ينذر بعدم استقرار الاوضاع بشكل كامل طالما هنالك من يحرك الامور بهذا الاتجاه وكذلك هنالك طرف مستفيد من هذا التحريك.

معلوم ان جميع الاحداث التي تدور في المنطقة تؤثر سلبا على العراق، وكذلك كل ما يحدث في العراق يؤثر بشكل او بآخر على المنطقة برمتها، لكن ومن الملاحظ انه اصبح الخاصرة الرخوة للمجتمع العربي بعد التدخلات والانتهاكات الاخيرة، من واشنطن وطهران.

فامريكا ترى ان ما وصل اليه العراق اليوم هو صنيعتها، فهي لا تريد ان تقدم ما بنته في العراق على طبق من ذهب لايران، لكن في الوقت نفسه لايران ايضا علاقات استراتيجية في البلاد وعوامل قوة كثيرة من بينها والاهم العامل الديني، الى جانب الموقع الجغرافي والمشتركات المهمة الاخرى كالتجارة والمصير الاقتصادي.

ولان من يتذوق المرارة نتيجة عد استقرار الاوضاع هو الشعب فقد مسك هذه المرة بالعصى من المنتصف ورفع شعار كلا للتدخلات الاجنبية بشتى اشكالها وعلى اختلاف نسبها، وهنا يمكن ان نعتبر ما حدث بسابقة ايجابية في الموقف الجماهيري، الذي اتسم بالوعي والنضج الكبيرين، فهؤلاء المواطنون وصلوا حالة من القناعة التامة بان من يعمر الوطن ابناءه ولا يمكن لغريب ان يزرع خيرا في بلد دخلها ليستنزف طاقاتها الكامنة.

في العراق تتنوع مصادر القرار ولم يكن بمقدور الطبقة السياسية في الفترة الاخيرة من تمرير الامور حسب اتفاقاتها، بل اصبحت جميع التحركات تتم وفق علم الشارع المنتفض، وبهذه الحالة لا يمكن لاي جهة او كتلة اتمام صفقة معينة بعيدة عن الرؤية الجماهيرية.

ووفق المعادلة الاخيرة فان الكتل السياسية ستبقى تترنح في اماكنها، ولا يمكن ان تسدي الخدمة للجهة التي تقف وراءها كما في السابق، ومن ثم سينحسر النفوذ او لنقل سيقل النفوذ الاجنبي في العراق، كون انعدامه اصبح ضرب من ضروب الخيال، لكن قد تنموا بذرة الرفض في نفوس الاجيال الناشئة وتحطم القوالب القديمة، ليعيش العراق آمنا مستقلا سيد نفسه.

اضف تعليق