q
ان الدول تعمل على تنمية الروح الوطنية عند الاجيال، من خلال تربيتها على احترام تاريخها الوطني، لكن بعضنا وللاسف، يعمل من حيث يقصد او لايقصد، على تدمير الروح الوطنية من خلال تصحير تاريخنا الوطني وتسفيهه بطرق مختلفة ومنها الاساءة الى الجيش والغاء سجله الوطني...

في العام 1992 واثناء حملة الانتخابات الاميركية، التي جمعت الرئيس جورج بوش بمنافسه بيل كلنتون، نشرت وسائل الاعلام، ان الرئيس بوش وفي اطار محاولته تسقيط خصمه، راح يبحث عن سجله في حرب فيتنام، ليس بصفته احد المشاركين في تلك الحرب التي ادانها العالم كله تقريبا، بل لكي يمسك بخيط يدله على ان كلنتون تهرب من الذهاب اليها، ليسجل ضده موقفا يطعن بوطنيته. ومن المعروف ان بوش كان طيارا حربيا اثناء تلك الحرب، ويقال انه ابلى بلاء حسنا ضد الفيتناميين، وان صور بطولاته في تلك الحرب، كانت احد اسباب فوزه على منافسه في الانتخابات التي اوصلته الى الرئاسة نهاية الثمانينيات ضد منافسة وقتذاك، (دوكاكيس)!.

الشيء الذي يقرأ من هذه الوقائع، ان اميركا والدول المتحضرة الاخرى وحتى غير المتحضرة، تنظر الى الجيش بصفته مؤسسة وطنية، وان اداء الخدمة فيه ياتي بهذا السياق، اما الموقف من الحروب التي خاضها فهذه مسائل تتداخل فيها عوامل عديدة، تحسبها مؤسسة السلطة والقرار السياسي، ومن المؤكد ان قرارات الحرب، سواء في اميركا او غيرها، ليست بالضرورة ناتجة عن قراءة صحيحة، بل انها في الغالب تاتي نتيجة حسابات خاطئة.

اعتدنا، نحن العراقيين، في السنين التي تلت العام 2003 ان نسمع ونقرا ونشاهد ايضا من خلال بعض الاعمال الدرامية، مواقف سلبية من الجيش العراقي للدرجة التي صار البعض يرى ان تاريخ هذا الجيش عبارة عن مسلسل من العار، يجب ان يدفن مشفوعا بتحية لقرار حلّه على يد بريمر! وان سبب هذه المواقف التي يتخذها البعض ناتج عن قراءة مجتزأة لتاريخ هذا الجيش الذي كان مصهرا للوطنية العراقية، طيلة العقود التي تلت تاسيسه في العام 1921 اذ اراد منه مؤسسوه من الوطنيين العراقيين، ان يكون مكانا تتصاهر فيه الاعراق والاديان والطوائف، بعد قرون من التشرذم والتخلف التي طبعت حياة العراقيين. وفعلا كان الجيش الوطني العراقي مصهرا كبيرا، امتزجت وتداخلت فيه ثقافات العراقيين، وعبرت عن واقع الدولة الجديدة في اكثر من مناسبة وموقف، مثلما تخللت سيرة هذا الجيش بعض المواقف التي اجتهد فيها بعض قادته ، واساءوا التقدير، لكن سيرة الجيش لاتختزل بموقف او بحادثة معينة.

ما ادهشني حقا، هو ان البعض يدين الجيش العراقي لقيامه بحركة مايس 1941 ويصفها بانها انقلاب على الشرعية ويجرّم قادتها الذين اعدموا لاحقا بطريقة شنيعة، وان الذي يقرا اسباب تلك الحركة يجد انها وطنية بامتياز، لان البريطانيين ارادوا العراق عمقا لوجستيا لحربهم ضد دول المحور، والقصة معروفة لمن يريد ان يقرا التاريخ، فرفض الوطنيون العراقيون زج بلادهم في حرب لاناقة لهم فيها ولاجمل. وهكذا تطور الامر وحصل الذي حصل، ولم يكن انقلابا على الشرعيةـ بل استبدلوا الوصي عبدالاله بالشريف شرف لااكثر. ويدان الجيش العراقي لانه قام بثورة 14 تموز 1958 مع انها انهت حقبة من التهميش والاقصاء لغالبية الشعب من الفلاحين والعمال وغيرهم ، وسواء اتفق البعض مع هذا الحدث الكبير او لم يتفق يبقى من المعروف ان الذي قام بها هو لواء واحد وليس الجيش كله. ثم يدين البعض الحروب التي خاضها الجيش، وكإن الذي لايدين الجيش كان سعيدا بتلك الحروب او راضيا وفرحا بها! لكن هل كان هناك جيش في العالم قررت حكومته ان تحارب وتمرد هو على قرارها؟ واذا ما طبقنا هذه القاعدة (الديمقراطية) فهذا يعني ان جميع جيوش العالم كان عليها ان لاتحارب بعضها البعض، لانه نادرا ما تكون هناك حرب شريفة واخرى غير شريفة او مدنسة! وان المسؤولية الاخلاقية على الجميع وليس على الجيش العراقي وحده .

للاسف الشديد، ان هناك اعمالا درامية عرضتها بعض الفضائيات العراقية، بعد العام 2003 اساءت للجيش ولوطنية وشجاعة الجندي والضابط العراقي، وان كان القصد منها ادانة مرحلة معينة وفق اجتهاد القائمين على تلك الاعمال. لان هؤلاء هم ابناء عوائل عراقية كريمة، ولاينبغي وصفهم بما لايليق بهم كعراقيين قبل كل شيء. وكذلك ما يكتب في الصحافة من قبل البعض او مواقع التواصل الاجتماعي، من دون ان يقرا هؤلاء تاريخ جيوش المنطقة والعالم، من خلال قراءة تاريخها السياسي ليطلعوا على دور الجيوش في السياسة، واخطائها الكبيرة. فلماذا يصب البعض جام غضبه على الجيش العراقي وكإنه الشيطان الوحيد بين جيوش العالم؟!

ان الدول تعمل على تنمية الروح الوطنية عند الاجيال، من خلال تربيتها على احترام تاريخها الوطني، ولعلي قرات مبالغات من قبل بعض الدول بهذا الصدد، لكن بعضنا وللاسف، يعمل من حيث يقصد او لايقصد، على تدمير الروح الوطنية من خلال تصحير تاريخنا الوطني وتسفيهه بطرق مختلفة ومنها الاساءة الى الجيش والغاء سجله الوطني، وان شابته بعض الشوائب، وتلك هي سير البشر والدول والجيوش معا!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق